إسلامشخصيات

صنم فرنسا – روجيه جارودي | سعد القحطاني



صنم فرنسا – روجيه جارودي | سعد القحطاني … في 13-7-1913 ولد روجيه جارودي في مدينة مارسيليا الفرنسية ونشأ هذا الصبي في أكناف أسرة ملحدة ككثير من الأسر الفرنسية المنتمية لتلك الأديان التقليدية وعلى الرغم من إلحاد أبويه وعدم إكتراثهما في مسألة الدين إلا أنه كان يدأب لمعرفة الحق ويسعى في كل سبيل يوصله إليه فلما وقع الكساد الكبير في نهاية عشرينيات القرن الماضي

صنم فرنسا - روجيه جارودي | سعد القحطاني
روجيه جارودي
صنم فرنسا – روجيه جارودي | سعد القحطاني

بدأ سؤال المعنى يطرق ذهنه ويلح عليه إلحاح شديد فقد وقف بنفسه على آثار الانهيار الكارثية وكان الذعر والهلع يخيم على أرجاء أمريكا و أوروبا حتى ظن البعض منهم أنهم يعيشون نهاية العالم من هول الصدمة وشدة الأزمة فاعتنق المسيحية وهو في ال14 من عمره

إذ وجد فيها الخلاص من مأزق انعدام المعنى والانعتاق من الرؤية السوداوية للإلحاد لكنه لم يجد في المسيحية نظام متفاعلا في الحياة ولاحظ انعزال هذه العقيدة عن سائر شؤون الإنسان الكبرى كالعلم والسياسة والنشاط الاقتصادي والاجتماعي وغيرها فكان دينا روحيا أكثر من كونه واقعيا

ولذلك اندفع للمزاوجة بين المسيحية والفكر اليساري الذي رأى فيه الأسلوب الأمثل لمواجهة أزمات الحياة وملء الفجوات التي لم تغطها المسيحية التي آمن بها فانضم لصفوف الحزب الفرنسي الشيوعي عام 1933 وقد أظهر منذ لحظة انضمامه حماسة شديدة للعطاء والبذل في سبيل إقامة المبادئ الشيوعية والتصدي لكل ما يضادها

فأصبح روجيه جارودي اسما لامع في أوساط الشيوعين وعلى امتداد مدة انضمامه للحزب كان كثيرا ما يراجع قناعاته وتصوراته ولذلك كان يثير مع زملائه الحوارات والجدالات المتعلقة في تنظيرات الماركسية وممارساتها فازدادت حدة التوتر بينه وبين الحزب لكثرة انتقاداته فانتهى المطاف بطرده عام 1970،

صنم فرنسا – سعد القحطاني

ابتدأ غارودي فصلا هاما في حياته وهو فصل الانفتاح على الحضارات والثقافات الاخرى فتعمق في دراسة الاديان وخاض في بحرها المتموج حتى رست سفينة فكره على شاطئ الاسلام فأعلن إسلامه في جنيف عام 1982 بعد رحلة طويلة شاقة ومضنية في البحث والنظر،

يقول غارودي في أحد محاضراته في الاسكندرية : “احب أن أقول أن انتمائي للإسلام لم يأتي بمحض الصدفة بل آتى بعد رحلة عناء طويلة تخللتها منعطفات كثيرة حتى وصلت لمرحلة اليقين الكامل والخلود إلى العقيدة التي تمثل الاستقرار والاسلام بنظري هو الاستقرار”،

وأصدر كتابه وعود الإسلام وقرر فيه أن الإسلام هو الدين الوحيد القادر على إنقاذ البشرية من الانحدار للهاوية وهو الاختيار الوحيد أمام العالم لتجاوز الأزمات والنجاة من الهلاك المحقق وكذلك بين فضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الأوروبية وهو ما يتم تجاهله عمدا في الدراسات والأبحاث الأوروبية،

وقد حمل غارودي على عاتقه مسألة الانتصار لقضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين فأدان الاحتلال الاسرائيلي و أبطل شرعية وجوده على تلك الأرض المباركة فأصدر بيان في جريدة le monde الفرنسية بعنوان معنى العدوان الاسرائيلي على إثر المجازر الوحشية في صبرا وشاتيلا عام 1982

فكان هذا البيان بداية صدام روجيه جارودي مع المنظمات الصهيونية التي شنت ضده حملة شرسة في فرنسا والعالم بأسره فتحول بعد هذا الموقف من ضيف دائم على المحطات الإذاعية والتلفزيونية  وأعمدة الصحف إلى شخصية مقاطعة من قبل الصحف اليومية الفرنسية وغيرها من وسائل الإعلام،

فلم يثنيه ذلك عن المضي في دحض الدعاية الصهيونية فأصدر كتابه الشهير الأساطير المؤسسة لدولة اسرائيل وسعى من خلاله لإبطال كل ما يعتمد عليه الصهاينة في إضفاء الشرعية على احتلالهم فكانت المفاجأة أن فرنسا راعية الحرية والإخاء والمساواة كشرت عن انيابها المستترة خلف غطاء حرية التعبير

فطاردته المحاكم الفرنسية على إثر ما ذكره في كتابه من تشكيك لأعداد ضحايا اليهود في محرقة معسكرات الاعتقال النازية فأدين بتهمة معاداة السامية وأصدرت المحكمة الفرنسية في حقه الحكم بالسجن لمدة عام وغرامة مالية تقدر ب 120 الف فرنك فرنسي عقوبة على تشكيكه بالرقم المقدس لضحايا المحرقة،

تجسد هذه الحادثة الازدواجية الصارخة في معايير حرية التعبير وتكشف  لنا أن حرية التعبير صنم الجمهورية الفرنسية الذي تقدسه تقديس الاله لكنها اذا جاعت اكلت منه ويتجلى ذلك اذا نظرنا الى ردود الفعل الرسمية تجاه الاساءات المتكررة لنبي الإسلام محمد صلَّ الله عليه وسلم،

فعندما أعادت صحيفة شارلي ايبيدور الفرنسية نشر الرسوم المسيئة للنبي صلَّ الله عليه وسلم كان تعليق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الرسوم الكاريكاتورية ليست منضوية تحت خطابات الكراهية  

و أن فرنسا تكفل حرية التعبير وهو بدوره يتعين عليه حماية هذه الحريات و يسعى في تعزيزها بل أوقح من ذلك التحدي الصارخ والمستفز لمشاعر الجماهير المسلمة حينما كرم المدرس الذي عرض على تلاميذه الرسوم الساخرة من النبي صلَّ الله عليه وسلم وقلدت جثته وسام جوقة الشرف أعلى الأوسمة الفرنسية،

وصلت بهم الوقاحة واللئم لتكريم شاتم الرسول صلَّ الله عليه وسلم، بل اعتبره المتغطرس ماكرون ممثل لقيم الجمهورية الفرنسية وأعلنها بكل فجاجة واستهانة بالإسلام أنهم مستمرون بتعليم السخرية وأنهم لن يتخلوا عن الرسومات والمفارقة أن فرنسا التي تدعو اليوم إلى تدريس الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم،

في ذات الحين تطالب هي وغيرها من الدول بتنقيح مناهجها واستبعاد ما يكرث خطاب الكراهية إن كان ثمة مناهج تعليمية من المفترض أن يتم تغييرها فهي مناهج الفرنسيين ويتعين عليهم أن يذكروا سجلهم التاريخي الملطخ بالدماء وماضيهم الحافل بنهب ثروات وممتلكات الأمم الأخرى،

و بدلا من تعليم أبنائهم الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم تعليمهم أن القيم الفرنسية لم تحجز أسلافهم من إبادة ما يصل إلى عشرة ملايين شهيد جزائري خلال حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر خلال الحقبة بين عام 1930 و 1962 عبر ارتكاب مئات المجازر الجماعية التي شملت الرجال والنساء والشيوخ والأطفال

بالإضافة إلى الألاف من حالت القتل الفردي بالأساليب البشعة والمتوحشة كقطع الرؤوس وبقر البطون، علموهم أن فرنسا الأنوار أنشئت أكثر من 2500 معتقل للتعذيب في مختلف مدن الجزائر واستخدمت فيها أشد أساليب التعذيب بشاعة كسحق الأبدان العارية بالكهرباء بعد تبليلها بالماء وسحق الأجساد وشق الأفواه بالسكاكين إلى الأذنين

بالإضافة إلى استعمال الكتاب في التعذيب حيث تنهش اجساد الأسرى بكل وحشية حتى لا يبقى فيها موضع لم تغرس فيه الكلاب أنيابها، وكانت تسلية بعض ممارسي التعذيب الفرنسيين من خلال المراهنة على جنس الجنين في بطن المرأة الجزائرية ثم يبقر بطنها ليعلم من الرابح هل هو الذي راهن على الذكر أم الذي راهن على الأنثى،

علموهم أن باريس مدينة الرومانسية والجمال وقبلة العشاق الأولى تحتضن في متحفها متحف الإنسان أكثر من 18000 جمجمة بشرية ومؤخرا عرفت هوية 500 من أصحاب هذه الجماجم من ضمنهم 36 قائدا من قادة المقاومة الجزائرية الذين قطعت رؤوسهم على يد القوات الاستعمارية الفرنسية ثم شحنت إلى العاصمة باريس،

وعلموهم أن برج إيفل الأيقونة المعمارية الفرنسية والمعلم الأكثر شهرة على مستوى العالم قد صنع من الحديد المنهوب من الجزائر والمصادر التاريخية تشير إلى أنه قد استهلك في بناء هذا البرج 10000 طن من الحديد الجزائري الذي حول إلى 18000 قطعة حديدية شيد منها هذا المعلم السياحي،

أما نحن المسلمون فيتعين علينا الانتصار لرسول الله صلَّ الله عليه وسلم الذي بعثه الله تعالى لهدايتنا وإرشادنا فأخرج به أمتنا من الظلمات إلى النور، فكم قاسا من آلام و أوجاع في سبيل تبليغ هذه الدعوة إلينا وكم اعتراه من الحزن والهم من أجل خلاصنا،

ذات يوم سألته سيدتنا عائشة هل آتاك يوم أشد من يوم أحد قال: “لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلا فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت و أنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا و أنا بقرن الثعالب”.

فحق رسول الله علينا عظيم جدا وواجبه علينا أن ننصره ولا أجد أقل من أن نقاطع منتجات من تجرأ على رمزنا الأعلى واستهان بمشاعرنا وأهدر كرامتنا، لنبدأ بأنفسنا في مقاطعة المنتجات الفرنسية وندعو غيرنا للمشاركة في المقاطعة لعلنا بذلك نرفع عن أنفسنا إثم الخذلان وعزائنا قول ربنا سبحانه وتعالى: “إِنّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ “.

صنم فرنسا – سعد القحطاني

اقرأ أيضاً… أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام

اقرأ أيضاً… الانقلاب التشريعي | سعد القحطاني

اقرأ أيضاً… ثلاث خرافات عن إسرائيل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى