إسلام

مسيلمة الكذاب ومعركة اليمامة


مسيلمة بن حبيب بن حنيفة، ولد ونشأ في اليمامة في نجد الآن، وكانت ديار قومه بني حنيفة، وكان صاحب سحر ورقع.

ولما كانت السنة التاسعة للهجرة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، كانت الوفود تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء وفد من بني حنيفة، وكان معهم مسيلمة الكذاب.

عرض مسيلمة الكذاب على رسول الله

روى بخاري ومسلم في صحيحهما، عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: إن يجعل لي محمد الأمر من بعده، اتبعته.

وقدم في ناس كثر من قومه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه ثابت بن قيس بن شماس، رضي الله عنه، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قطعة من جليد.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسيلمة: لو سألتني هذه القطعة، ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك.

وإن أدبرت، وليعقرنك الله، ولا أراك إلا الذي رأيت فيك، ما رأيت، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عباس رضي الله عنه: فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما الذي يعنيه بقوله، وما أراك إلا الذي رأيت فيك ما رأيت.

فقال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني أمرهما، فأوحي إلي في المنام.

أن أنفخهما، فنخفتهما، فطارا، فأولتهما كذابين، يخرجان من بعدي، فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب، صاحب اليمامة.

ادعاء مسيلمة الكذاب النبوة في اليمامة

فلما رجع بنو حنيفة، ومعهم مسيلمة، إلى ديارهم في اليمامة، ادعى مسيلمة حينئذ النبوة، وأن ربنا سبحانه، أشركه فيها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كتاب مسيلمة الكذاب إلى رسول الله

وأرسل كتاباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول له فيه: من مسيلمة بن حبيب، إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد فإن لقريش نصف الأرض، ولنا نصفها، ولكن قريش قوم يعتدون، وبعث برسالته هذه مع رجلين من قومه، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلما جاء الرسولان، سألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قولهما، فقالا: نشهد أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقالا له: إن مسيلمة لا ينكر ذلك، ولكنه يقول، إنه أشركك معه في الأمر، وأحدثت له نبوة، مع نبوتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أنكما رسولان، لقتلكما.

كتاب رسول الله إلى مسيلمة الكذاب

ثم دعا إلى علي رضي الله عنه، وأمره أن يكتب: من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض لله، يورثها لمن يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، برسالته هذه مع رجل من الأنصار، يقال له، حبيب بن زيد المازني.

فلما أتى مسيلمة، قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله؟ فقال حبيب: نعم، فقال له: أتشهد أني رسول الله؟ فقال: إني أصم لا أسمع.

فكرر عليه سؤاله، وكرر حبيب عليه نفس الجواب، فقتله مسيلمة، وقطعه عضواً عضو، فمات شهيداً.

مواجهة عمرو بن العاص ومسيلمة الكذاب

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد بعث عمر بن العاص إلى البحرين، فمر على مسيلمة الكذاب، فلقيه، فاستمأنه، فأمنه.

فقال له مسيلمة: إن محمد صلى الله عليه وسلم، أرسل في الجليل من الأمور، وأرسلت في المحقرات، فقال له عمرو بن العاص رضي الله عنه:

اعرض علي بعض ما تقول، فلما عرض عليه، قال عمرو بن العاص: والله إنك لتعلم أنك من الكاذبين، وتوعده حينئذ.

السجع الركيك لمسيلمة الكذاب

وكان يزعم أن جبريل عليه السلام، يوحي إليه ويأتيه بالقرآن، وأنشأ له أسجاعاً ركيكة، منها قوله:

يا ضفدع بنت ضفدع، نيقي كم تنقين، لا الماء تعكرين، ولا الشارب تمنعين، رأسك في الماء، وذنبك في الطين، ومنها أيضاً: الفيل وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل، إن ذلك من خلق ربنا لقليل.

وعقب الخطابي على هذا الكلام يقول: ما أحمق مسيلمة، يريد أن يسلك سبيل القرآن في الكلام، فما أجهلك يا مسيلمة بلغة قومك.

لأن كلمة ما أدراك، في القرآن الكريم، هي أمر لشيء لا تدركه الحواس، أما الفيل، فيراه الناس بأعينهم، فهم يدرون ما هو.

ومنها أيضاً قوله: والزارعات زرعاً، والحاصدات حصداً، والطاحنات طحناً، فالثاردات ثرداً، فاللاقمات لقماً.

قال أحد أذكياء الأدباء: قرآن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنزل على قلبه، وقرآن مسيلمة، أنزل على بطنه.

قال الإمام أبو بكر الباقلاني رحمه الله: وأما كلام مسيلمة الكذاب، وما كان يزعم أنه قرآن، فلا ننظر إليه لسخافته، ولا نشتغل به لركاكته.

وإنما أوردنا طرفاً منه، ليعلم الناظر وليتبصر المستبصر، بأنه على ركاكته، قد أذل، وعلى سخافته، قد أضل، وميدان الجهل واسع.

سيد اليمن وقصة إسلامه

تبع مسيلمة الكذاب قومه من بني حنيفة، إلا بعضاً منهم، ثبتهم الله سبحانه وتعالى على الإسلام، منهم ثمامة، سيد اليمن في وقته.

وكانت له قصة في إسلامه عجيبة، يرويها البخاري، فقد أخذ إلى المدينة أسيراً، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بربطه في سوار المسجد.

فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاه وقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فيقول للنبي: يا محمد، إن تقتل، تقتل ذا دم، فقد أصبت فيكم، وإن تنعم، تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل منه ما شئت تعطى.

فيتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصرف ويدعه مربوطاً، ويأتيه في الغد، ويقول هل نفس الكلام، ويعيد ثمامة نفس الإجابة، وفي ثالث كذلك الأمر.

فقال صلى الله عليه وسلم: أطلقوا ثمامة، فلما أطلقوه، خرج من المسجد، حتى إذا كان قريباً من نخل، واغتسل.

ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فقد أراد أن يبين أنه أسلم اختياراً، وقام في قومه خطيباً يقول لهم:

 يا قوم، أطيعوا أمري، واسمعوا قولي، ترشدوا، إنه لا يكون نبيان بأمر واحد، وإن محمد صلى الله عليه وسلم، لا نبي بعده، ولا نبي أشرك معه.

ثم قرأ رضي الله عنه، قول الله سبحانه وتعالى (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب بالطور لا إله إلا هو إليه المصير)

هذا كلام الله عز وجل، أين هذا من كلام، يا ضفدع بنت ضفدعين، والله إنكم لترون ما يخرج هذا الكلام إلا من رب.

الشعر الذي أرسله ثمامة إلى مسيلمة

فاتبعوني، وأطيعوا أمري، فما أطاعوه، وعصوه، وآذوه، فأنشأ حينئذ يقول لمسيلمة:

مسيلمة ارجع و لا تمحك    فإنك في الأمر لم تشرك

كذبت على الله في وحيه     هواك هوى الأحمق الأنوك

ومنك قومك أن يمنعوك     وإن يأتهم خالد يدرك

فما لك من مصعد السماء   ومالك في الأرض من مسلك

وذكر الواكدي في كتاب الردة، أن حسان بن ثابت رضي الله عنه، بعث بأبيات من الشعر، يزجر مسيلمة، إلى محكم بن طفيل، الذي كان يعرف بمحكم اليمامة، وكان وزير مسيلمة:

يَا مُحْكَمُ بْنَ طُفَيْلٍ قَدْ نَصَحْتُ لَكُمْ    أَتَاكُمُ اللَّيْثُ لَيْثُ الحضر والبادي

يَا مُحْكَمُ بْنَ طُفَيْلٍ قَدْ أُتِيحَ لَكُمْ         للَّه دَرُّ أَبِيكُمْ حَيَّةِ الْوَادِي

يَا مُحْكَمُ بْنَ طُفَيْلٍ إِنَّكُمْ نَفَرٌ            كَالشَّاءِ أَسْلَمَهَا الرَّاعِي لآسَادِ

مَا فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ مِنْ عِوَضٍ    مِنْ دَارِ قَوْمٍ وَأَمْوَالٍ وَأَوْلادِ

فَاكْفُفْ حَنِيفَةُ عَنْهُمْ قَبْلَ نَاعِيَةٍ         تَنْعَى فَوَارِسَ حَرْبٍ شَجْوُهَا بَادِ

وَيْلُ الْيَمَامَةِ وَيْلٌ لا قَوَامَ لَهُ           إِنْ حَالَتِ الْخَيْلُ فِيهَا بِالْقَنَا الصَّادِي

وَاللَّهِ وَاللَّهِ لا تُثْنَى أَعِنَّتُهَا              حَتَّى تَكُونُوا كَأَهْلِ الْحِجْرِ أَوْ عَادِ

لا تَأْمَنُوا خَالِدًا بِالْبَرْدِ مُلْتَثِمًا         وَسْطَ الْعَجَاجَةِ مِثْلَ الضَّيْغَمِ الْعَادِي

تَعْدُو بِه سَرِحَ الرِّجْلَيْنِ طَاوِيَةٌ       قُبٌّ مُشَرَّفَةُ الْمَتْنَيْنِ والهادي

ومع ذلك لم يبالوا بذلك الشعر ولا سمعوا له.

عمير مبعوث خالد بن الوليد إلى مسيلمة

وكان عمير من أصحاب خالد، وسيد من سادة اليمامة، فقال له خالد رضي الله عنه: اذهب إلى قومك، وتحدث إليهم، لا تصبهم قارعة، أي اخذلهم عن مسيلمة.

فأتاهم، ولا يعلمون بإسلامه، وقال لهم: يا معشر بني حنيفة، هذا خالد بن الوليد، قد أتاكم في المهاجرين والأنصار.

ورأيت القوم يتتابعون على اليمامة، قد قضوا وطراً من أسد وغطفان وهوازن، وأنتم الآن في أكفهم.

وإني رأيت أقواماً، إن غلبتموهم بالصبر، غلبوكم بالنصر، وإن غلبتموهم على الحياة، غلبوكم على الموت، وإن غلبتموهم بالعدد، غلبوكم بالمدد.

لستم والقوم سواء، الإسلام مقبل، والشرك مدبر، وصاحبهم نبي، وصاحبكم كذاب، فالآن والسيف في غمده، والنبل في جفيره، قبل أن يسل السيف، ويرمى بالنبل، فآذوه وتركوه.

هجوم جيش خالد بن الوليد على اليمامة

ووصل إلى محكم بن طفيل، إن خالد حضر مع المهاجرين والأنصار لقتالهم، فقال لقومه: رضي خالد أمراً، ورضينا غيره، ثم خطب في قومه وقال لهم:

إنكم ستلقون قوماً، يبذلون أنفسهم دون صاحبهم، فابذلوا أنفسكم دون صاحبكم، فإن أسد وغطفان، أشار إليهم خالد بن الوليد، بذبابة السيف، فكانوا كالنعم الشارد.

ووصل خالد بن الوليد، إلى تلة تشرف على اليمامة، وعندما تواجه الجيشان، خطب مسيلمة الكذاب يقول:

 يا قوم، اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم، تستنكح النساء صبيات، وينكحن غير محظيات، فدافعوا عن أحسابكم، وامنعوا نسائكم.

احتدام المعركة بين جيش المسلمين والمرتدين

واصدم الجيشان، وفي أول جولة، فر الأعراب من جيش خالد بن الوليد، وتقدم بنو حنيفة، حتى دخلوا خباء خالد بن الوليد.

تذمر الصحابة، وزجروا بعضهم، وهنا قام ثابت، يحمل راية الأنصار، وحفر حفرة دخل فيها، ليثبت ولا يفر، ومعه لواء الأنصار، ومكث فيها إلى أن قتل.

ثم قام زيد بن الخطاب، وجعل يقول: اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة، وكان يحمل لواء المهاجرين، ومازال يتقدم، حتى قتل شهيداً.

عندها صاح سالم بن حذيفة: يا حملة القرآن، زينوا القرآن بالفعال، وتقدم حتى أصيب، فنادى الناس: يا خالد أخلصنا.

فعاد خالد ورتب صفوف الجيش، كل جيش تحت رايته الخاصة، راية الأنصار مع الأنصار وراية المهاجرين مع المهاجرين، حتى يعرف من أين الخلل.

وذهب بين الصفوف، فما كان يلقى إنسان لا يعرفه، إلا قتله، وصبر الصحابة، وقاتل بنو حنيفة قتال لم يعهد مثله.

هروب بنو حنيفة إلى الحديقة واختباء مسيلمة

وما زالوا يحاربون، حتى فتح الله للمسلمين، وفر بنو حنيفة، ولجأوا إلى حديقة في حصن، وقتل محكم عند بابه، ومسيلمة الكذاب كان معهم.

عندها قام البراء بن مالك رضي الله عنه، وقال: احملوني وألقوني عليهم، من وراء جدار الحديقة، فحملوه على الحجف، وألقوه.

فما زال يقاتل بني حنيفة على الباب، حتى فتحه المسلمين، وقتلوا المرتدين جميعهم، ثم بحثوا عن مسيلمة الكذاب، حتى وجدوه يختبئ في جدار.

واقفاً وقد خر ج الزبد من فمه، فضربه وحشي بحربته، دخلت من جهة وخرجت من الأخرى، ثم أسرع إليه أبو دجانة، وضربه بالسيف، فقتله.

فصاحت جارية من الحصن: وا أمير الوضائة، قتله العبد الأسود، وسميت الحديقة حينها،  بحديقة الموت.

نهاية المعركة وانتصار المسلمين وموت مسيلمة

ولما وضعت الحرب أوزارها، سار خالد بن الوليد، مع رجل من أصحاب مسيلمة، يقال له مجاعة بن مرارة، ليريه مسيلمة في القتلى.

فمروا برجل أخينس أصيفر، فقال له مجاعة: هذا صاحبكم، قد فرغتم منه، فقال خالد: قبحكم الله على اتباعكم هذا.

ثم أمر خالد ين الوليد بعد ذلك، من بقي من بني حنيفة، بأن يعودوا إلى الاسلام، فرجعوا، وكان يوم بئس شديد، فقد ظهرت فيه بطولات غريبة.

ويقال أنه قد قتل من الصحابة الكثير، وكانوا يحملون القرآن، ومن بطولات هذا اليوم، ما صنعه أبو عقيل البلوي.

وكان من الصحابة الأنصار، وهو أول من جرح يوم اليمامة، بسهم بين منكبه وقلبه، فظل ينزف، وحمل إلى الخيمة.

لما كما ذكرنا، أن الأعراب قد فروا، سمع رجل من الأنصار ينادي: يا للأنصار، الله الله الكرة على المشركين.

فقام وحزم يده، وحمل سيفه، وخرج يقاتل، وعندما انتهت الحرب، وجده عمر، وقد قطعت يده، وفيه أربعة عشر جرحاً، لكنه كان حي، فقال له عمر: أبشر لقد قتل مسيلمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى