العناية بالذاتصحة

معالجة الشيخوخة بين الحقيقة والخداع


بسم الله الرحمن الرحيم، أهلاً بكم. اليوم سنتحدث عن الشيخوخة وهي اليوم أصبحت علماً واسعاً وهناك متخصصون فيه ويدرس في الجامعة.

مقاومة الشيخوخة والقضاء عليها علم قديم، وخرافة إكسير الحياة المشروب الذي يهزم التقدم في السن كان حلم علماء الكيمياء قديماً.

كتب عن محاربة الشيخوخة

وعندما تعرف الكتب القديمة أمثال سحر الكهان في تحضير الجان، وفتح الباب في عودة الشيوخ إلى الشباب، وعجائب التحضير في علوم الإكسير تجد وصفات غريبة جداً:

حيث يصفون دم وطواط وأمعاء بومة وكبد عنكبوت ملعقتين على الريق فلا يعرف لك الجن طريق.

وهذه أحد الوصفات بينما في وصفة أخرى يقولون قلب أسد مع مخ فيل وذيل حلوف وصلصة عقارب وبهريز سحالي، يصنع منهم فتة وكل وزيد تولد من جديد ويصبح قلبك حديد.

وأمثال هذه الوصفات الغريبة في الكتب القديمة، وهذا أيام الدجل والشعوذة.

وحدث ذات الشيء في العصور الوسطى حيث انتشرت أعمال الدجل والدجالين الذين يدّعون علمهم الكيمياء وكانوا يصنعون إكسير الحياة وكانت تجارة رائجة.

لكن كل ذلك لا يتعدى كلاماً فارغاً كالذي نقرأه في الكتب القديمة. لكن مع الوقت تغيرت الدنيا ودخل العلم ودخلت التجربة في ميدان مشاكل الشيخوخة

تجارب في محاربة الشيخوخة

من التجارب التي تمت مثلاً أن إذا خصيت الفئران وحرمت من الأكل لمدد طويلة وأرغمت على الصيام.

فكانت النتيجة أن يطول عمرها. فيصبح عمرها أطول من الفئران الأخرى التي بكامل راحتها.

طبعاً هذا يدل على شيء مؤكد أن الإفراط الجنسي والإفراط في الأكل يعجل الشيخوخة وهذه حقيقة علمية مؤكدة.

وأيضاً اكتشفوا أن التدخين والخمور والمخدرات وتناول الطعام الحريف والحلويات والدهون واللحوم بإفراط كل ذلك يعجل الشيخوخة. وهذه حقائق علمية.

وعرف أن هناك علاقة بين الشيخوخة المبكرة في بعض المجتمعات والمياه الملوثة.

الماء الذي تحوي نسبة عالية من الرصاص والألمنيوم والحديد تسبب تدهوراً في الجهاز العصبي الذي هو أهم جهاز في الجسم.

هناك حالات نفسية معينة والتي هي الهم والنكد والاكتئاب والتوتر النفسي والإجهاد التي تكون حالات سكان المدن وهي حالات تؤثر في الشيخوخة.

وبينما كان سكان المدن يتهافتون على أي دواء سحري كان سكان الأرياف والجبال وخاصة في مناطق الأناضول وجورجيا يعيشون لغاية 110 أو 115 ويحتفظون بلياقتهم.

وذلك له علاقة وثيقة بالهواء الطلق والحياة البسيطة والطعام البسيط. وحتى اليابان مشهورة بأن سكانها يصلون لأعمار متقدمة بما يزيد عن 110 بشكل عادي ومألوف.

كل هذه العوامل تم اكتشافها في البحوث عن الشيخوخة

ما هي علامات الشيخوخة

في مركز علوم الشيخوخة National Institute on Aging يقوم أخصائيو الشيخوخة بفحص متطوعين من الأعمار المتقدمة.

ويقومون بفحص وظائف الكبد والكلى والقلب والرئتين ويقيسون الضغط وتحاليل الدم.

ولمدة عشرين سنة يقومون بأبحاث متواصلة ليعرفوا ما يحدث بالضبط لجسم كل متطوع. وخلصوا إلى النتائج التي ذكرناها سابقاً عن تدهور كفاءة الأعضاء.

وعلاماتها هي:

غدة Thymus

كل عضو له ساعة بيولوجية خاصة به وغدة Thymus التي تقع خلف عظم القص، تصل إلى قمة نشاطها في بلوغ ويبدأ بعدها العد التنازلي.

وهذه الغدة مهمة جداً لأنها المتحكم بنظام المناعة في الجسم.

الكبد The Liver

عندما نلاحظ رجلاً شاباً يجري وآخر كبير في السن يجري نجد فرقاً في الأداء، فما هو السبب في هذا الفرق؟

السبب هو فرن الطاقة الكبد الذي تكون كفاءته في لحظة الاحتياج أنه يحول مخزون الجلايكوجين Glycogen إلى جلوكوز ويلقى في الدم فوراً فيعطي فرق الطاقة المطلوبة.

والنتيجة أن الشاب يؤدي الأداء الجيد لوجود طاقة متاحة لزيادة السرعة. وعندما يتقدم في السن فهذا العضو يبدأ بالتدهور.

الكبد يتدهور بنسبة 10% وهذا بأحسن الأحوال لغاية سن 70 أو 80 يمكن للكبد أن يحتفظ 90% من وظائفه.

 

الشعور بالفروقات الحرارية

في حاسة اللمس نجد أن العجوز لا يميز بين درجات الحرارة كما الشاب، فيمكن أن يكون طقس حاراً ولا تشعر العجوز بذلك أو الطقس بارداً ولا تعرف.

الضغط

وهي عندما ينهض العجوز من حالة الاستلقاء إلى الوقوف يصاب بالدوخة لأن ضغطه لم يتوازن بسرعة.

التئام الجروح والإصابات

عندما يصاب الجلد بجرح ففي الشباب يحدث التئام سريع وكلما تقدم العمر  نحو الشيخوخة يأخذ الالتئام وقتاً أطول، لأن جهاز المناعة تقل كفاءته.

وجهاز المناعة عندما تقل كفاءته فتصبح الأجسام المضادة كفاءتها أقل أيضاً ولا تستطيع مقاومة الميكروبات بنفس قدرة جهاز المناعة للشباب.

ويصبح عرضة للأمراض أكثر، ومقاومته لها أقل.

الضمور

الإنسان ينكمش ويقصر طوله بمقدار بوصة ونصف، ويهزل جسمه ويتجعد الجلد والعظم يصبح رقيقاً ونسبة الكالسيوم تنخفض 20% ويسهل كسره العضلات تضعف وتترهل.

تدهور الحواس

ويحدث تدهور في الحواس السمع والبصر واللمس، وبالتالي هذا سيؤثر على الحركة لأن الرسائل التي تأتي من الحواس تأتي خاطئة.

فيبدأ العجوز يقع ويفقد توازنه ويمشي ببطء أو زحفاً أو بتمايل، والحركة تفقد رهافتها ودقتها والمشي من أكثر الأشياء التي تدل على الشيخوخة.

الأعضاء الداخلية

كفاءة الكلى الوظيفية في سن 70 سنة تقل بنسبة 40% وبالتالي المخ يريد التعويض فيزيد كمية الهرمونات Antidiuretics ليحفظ الماء في الجسم وإلا فسترشح عن طريق الكلى ويجف جسم الإنسان.

كفاءة الرئتين الوظيفية تهبط 40% والقلب بنسبة 33%.

تجدد الخلايا

كل خلايا الجسم تتجدد ما عدا المخ والكلية والعضلات بينما الباقي يتجدد. وتحدث إصلاحات مستمرة في كل تلفيات الجسم.

فعندما تتلف خلية يتم صيانتها في الجسم، وعمليات الصيانة الدورية مع الوقت تضعف ويمتلئ الجسم بالخلايا التالفة، وهذا أحد أسباب الشيخوخة.

وتجدد خلايا الجلد يتم كل عدة أيام وسرعة هذا التجدد تقل كلما عمر الإنسان وبالتالي يصبح الجلد لا يجدد نفسه جيداً.

خلايا الدم تجدد نفسها بشكل يومي، ففي كل ساعة تولد 60 مليون خلية دم، لتحل محل الخلايا الميتة ومع قدم العمر يقل التجدد وكذلك الكبد.

كفاءة المخ

المخ كفاءته تهبط بنسبة 40% ويرفض العجوز أن يعترف بأن مخه قلت كفاءته ويقول أن قدرته الحسابية أسرع من الشباب.

الوظائف العليا في الدماغ تأثرها بالشيخوخة أكبر من تركيز وانتباه وذاكرة ودقة الملاحظة وسرعة البديهة وكل ذلك يتدهور.

المحصول اللغوي أيضاً يتأثر فيمكن تجد العجوز يتذكر شيئاً لكنه غير قادر عن التعبير عنه بالإضافة إلى الذاكرة الحديثة بينما الذاكرة القديمة منذ أكثر من 10 سنوات فيتذكرها بوضوح.

وسبب ذلك هو ما يحدث في المخ نفسه، فالمخ مع الشيخوخة يضمر، 40% من خلايا المخ تموت ويظهر في المخ صبغة تدعى Lipofaxin وجزء كبير من خيوط الترابط تهلك.

وهي مهمة جداً لأنها تربط كل شيء، فالإنسان عندما يريد استدعاء شيء من الذاكرة يحتاج إلى عمليات ترابط في مخ.

والمخ يعوض ذلك بأن يقوم بتفرعات جانبية ليعوض فقد خيوط الترابط والتي هي تشبه الكابلات.

المخ السليم يزن 1350 غراماً وبداية ما يضمر في المخ هو الفص الأمامي والجانبي وهما فص الذاكرة والحواس.

خلايا التحكم 

وهلاك خلايا التحكم سابقاً تحدثنا عن الخلايا فهي نوعين خلايا إثارة Stimulatory  وخلايا تحكم Inhibitory كالجموح واللجام والنتيجة توازن وحركة وتصرف سليم.

ما يحدث في الشيخوخة أن خلايا التحكم يهلك جزء كبير منها فتجد العجوز انفعاله سريع وليس مضبوط ويشتعل غضبه فجأة وينفجر عاطفياً لأسباب تافهة جداً.

مثل أن تنسى زوجته أن تضع النعنع على الشاي فيصيح ويجري مع أن الأمر تافه يمكنه أن يضع بنفسه النعنع.

لكن في داخل مخه حدث شيء فتجد الانفعال يأتي ولا يمكن ضبطه لأن خلايا التحكم تهلك.

فقد الإحساس بالزمن Senility والتخليط Confusion والعته Dementia

وهذه درجة قصوى يمكن أن تحدث عندما تختل الدورة الكيميائية في المخ، ففي المخ هناك دورات كيميائية وأهمها دورة Acetylcholine.

وهذه مادة تختل دورتها مع الشيخوخة وهي المسؤولة عن كفاءة الاتصالات في جميع المخ.

وعندما تختل يبدأ المخ بالتدهور في جميع وظائفه لأن الاتصالات تصبح معيبة لذلك ينصحون العجائز بتناول السمك ومأكولات بحرية.

وعندما تتدهور الذاكرة  يصف بعض الأطباء Physostigmine والأمر يمكن أن يتخطى مسألة الدواء والعطار، ولا ينفع شيء.

وينتهي في العجوز أن يصبح معتوهاً ويسير في الشارع يصفق له الأولاد ويرمونه بالحجارة ويسخرون منه.

الدوبامين

هناك جزء آخر من كيمياء المخ وهي مادة الدوبامين وهي مادة تفرز في خلايا معينة يمكن لهذه الخلايا أن تضمر وتضعف كمية الدوبامين فينتهي إلى مرض شلل الرعاش أو الباركنسون.

ويتضح أن المخ مهم جداً، الشباب والشيخوخة والعمر وطبعاً هناك علاقة بين وزن المخ والعمر.

فالفأر معدل عمره سنتين والكلب معدل عمره 15 سنة والحصان 25 والفيل 70 سنة، فهناك علاقة بين حجم الجسم ووزن المخ وبين العمر، فالمخ هو رئيس مجلس الإدارة.

وهذا بعض ما قاله العلم في أعراض الشيخوخة.

دونالد هيب Donald Hebb

البروفيسور الكبير متخصص الشيخوخة الذي ألف أكثر الكتب التي تتحدث عن الشيخوخة يقول لا تنقطع عن العمل، اصنع أي شيء ازرع شيء، أصلح شيئاً في المنزل فالعمل هو سر الشباب.

واعترف عندما أصبح كبيراً في السن أن كفاءته في العمل أصبحت أقل والسبب هو الحواس ذاتها من سمع وبصر وحتى حاسة اللمس أصبحت لا تميز.

وهذا يؤثر على كفاءة العمل ودقته لكنه لا يتوقف عن العمل، فطالما هو يعمل ويجعل لحياته برنامجاً وهدفاً ومعنى فهذا يحميه من الشيخوخة.

ما هو السر

العلماء يريدون وضع يدهم على جوهر الأمر وهو الساعة البيولوجية، ويبحثون عن علاج للخلل الذي يصيب هذه الساعة التي تبدأ بالتباطؤ.

واتضح أن هذا حلم لأن كل عضو له ساعته الخاصة. وكل شخص يختلف عن الآخر في طبيعة ساعته وجيناته.

المسألة لها سرها وهي الجينات والشريط الوراثي الموجود في الخلية الجينية المخصبة فبداية خلق هذه الخلية يوضع فيها المعلومات وورقة العمل والتي فيها تاريخ الإنسان.

من الأمراض المحتملة وصحته وقوته وضعفه وعمره وكل شيء.

اختلاف في الرأي

في الواقع تختلف الآراء فالغربيون الذين لا يؤمنون بإله يقولون بأن الأمور جبرية ولا حيلة لتغيير الأمر، لكننا كمسلمين نقول شيئاً آخر.

يقول الله تعالى: يمحو ما يشاء ويثبت عنده أم الكتاب.

الحسنات يذهبن السيئات

ابدأ الحسنة السيئة تمحها.

وهذه حقائق، فلا يوجد شيء حتمي وجبري، بل رب العالمين يغير ما مكتوب، فلا قدر يحكمني طالما أن رب القدر بمشيئته قدّر القدر وكتب الكتاب.

فإن شاء أثبت القدر ون شاء غيره، وهذا الموقف الإسلامي الذي يفتح البااب بينما الموقف المادي يقفل الباب ويحوّل الإنسان إلى شخص سجين الجبريات ولا حل له بالمرة.

وبالتالي لدينا هامش حرية، وهو:

الموقف الإيماني

فدور الإيمان بأن يعطيه السلام الداخلي والإطمئنان والراحة.

وأن في الدنيا عدل وتعويض وأن لا شيء يضيع ولا العمل الطيب، وهذا ما يعطيه القوة في المصائب فيعطيه السند بأن له ما يلجأ إليه.

والإيمان هو رصيد في الشدائد وهذا لا يوجد في الرجل الكافر الذي يفلس أو يفقد ذراعه فإما ينهار او ينتحر أو يقع في اليأس العميق ويفقد عقله.

نتيجة هذا الإيمان والاطمئنان الداخلي والتفاؤل ينعكس بأن الشيخوخة نفسها تتراجع، والشباب يتقدم.

مبدأ العمل

العمل ليس مجرد العمل وزراعة البقدونس فقط، بل العمل الصالح المفيد، مثل إنشاء جمعية خيرية للرأفة بالحيوان، أو الاشتراك في أمر خيري والتطلع لشيء مفيد.

العمل الذي له رصيد اجتماعي والذي يحث صاحبه على فعل شيء، وهذا يجعل الانسان يشعر أن له قيمة في الحياة. وهذا يمد الشباب ويؤجل الشيخوخة.

وحتى عندما تأتي الشيخوخة فهي ليست بمنظر سيء فيمكن أن تجد رجلاً بعمر 90 وهو رئيس مجلس إدارة ورجل لياقته موجودة. والفرق بين الشيخوختين واسع.

الأخلاق

عندما يكون الانسان لديه أخلاقيات الاعتدال والصفاء الإنساني ولا حقد ولا بغض ولا ضغن وهذه الأمور السوداء التي تسبب المرض النفسي.

الصفاء النفسي يعطي الصحة ويجعل الشيخوخة تأتي على نورانية ولياقة.

في النهاية الكلمة التي قالها رب العالمين ( يمحو ما يشاء ويثبت عنده أم الكتاب ) تهدم الجبرية العمياء المادية للغربيين القدريين غير المؤمنين.

بل تعطي هامش حرية بأنك كلما تعاملت مع الله سبحانه وتعالى فإنه سيحل مشاكلك وهو القادر على محو ما كتبه، والحسنة ستمحو السيئة.

خاتمة

العجائز النساء لا يعترفن أنهن عجائز، وتقول دائماً أنها أصغر من عمرها الحقيقي أي ما يقارب الأربعين فقط، وتظن أنها ما زالت جميلة وأنها تستطيع فعل ما لا يستطيع فعله الشباب.

ودائماً لديهم إحساس لرفض الشيخوخة وإنكارها ويمارسون نشاطات يفعلها الشباب كنوع من تعويض الإحساس بأن الحياة تنسحب منهم.

دائماً ما ينصحون العجائز بالعيش مع بعضهم، ويكون لكل منهن دور صغير في حياتها، ليتعاونون وينشغلون بالعمل ولا يتوقفون.

ولكن للشباب سر، فهل هناك مشروب أو قرص نشربه ونتحول إلى أبطال ونتخلص من كابوس الشيخوخة؟ طبعاً لا يوجد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى