مشروع تفعيل معاني أسماء الله الحسنى في حياتنا من خلال نظرات جديدة في برنامج نورك فينا مع الدكتور طارق سويدان.
كيف سيكون شكل الإنسان بعد عشر سنوات من الآن؟ كيف ستكون احتياجاتنا، انفعالاتنا، عواطفنا؟
كيف سيكون أثر تغلغل التكنولوجيا فينا إلى أبعد من الاستخدام الخارجي؟ تبدو أسئلة غريبة لكنها ليست كذلك.
في القرن الماضي لم يكن أحد يتخيل أن تغيّر مكتشفات العلوم الحديثة حياة الإنسان إلى هذا الحد الذي وصلنا إليه.
أعادت ترتيب أولوياتنا، غيرت نظرتنا لأنفسنا وللكون، تغيرت القيم، تغيرت الحاجات والغايات، وستتغير أكثر وأكثر.
فما الذي يضبط لكَ أهدافك؟ وما الذي يحدد لكِ دوركِ؟ من سيكشف لكَ ولكِ المهارات التي عليكما امتلاكها للوصول لأهدافكما؟
وتحقيق أدواركم في الحياة حتى لا تتشتت جهودكَ ويتبدد عمركِ سعياً وراء سوق واسع في كيفية تحديد الأهداف والغايات والمهارات.
لا بد أن الله تعالى قد وضع لنا مصدراً ثابتاً صالحاً لكل زمان ومكان، يمكن أن نقيس عليه وننهل منه.
أسماء الله الحسنى كيف يمكن أن نستعملها كدليل ومرشد ومصدر لأهدافنا وغاياتنا ومهاراتنا؟
تفعيل معاني أسماء الله الحسنى
طبعاً لن نغير شيئاً في معاني أسماء الله الحسنى الشرعية واللغوية التي شرحها علماؤنا الكرام في السلف واليوم.
لكننا نضيف إليها الكثير في مجال المهارات والسلوكيات في حياتنا، نريد أن نوظف في حياتنا توظيفاً إيجابياً شمولياً الأسماء الحسنى.
اسم الله تعالى المنتقم، هذا من الأسماء الحسنى، اسم الله تعالى الضار، هذا من الأسماء الحسنى لا يستعمله أحد.
فمثلما نوظف أسماء الله تعالى النافع والرازق والغفور، نريد أن نوظف المانع والقهار والجبار والمميت والضار.
ديننا ليس فقط تذكرة دخول الجنة ووسيلة لاتقاء النار، طبعاً هذا هدف عظيم، لكن هذا الدين هو دين حياة.
يثري حياتنا ويفعِّلنا جميعاً لأداء أدوارنا، هذا الدين يمنحنا سبل السعادة، سبل الحياة الطيبة. كثير منا يحمل قيماً، يحمل مبادئ.
لكن أن نقدم بديلاً حضارياً إنسانياً قادراً على أن يبني إنساناً سعيداً قبل أن يبني ناطحة سحاب مليئة بالتعساء والأشقياء.
نحن أمة الإسلام نمتلك كنزاً للأسف لا نستغله في حياتنا.
أسماء الله الحسنى بنظرات جديدة
ما هو هدفك في الحياة؟
يقول عمرو الغزاوي وهو كاتب صحفي من مصر: هل أنا كاتب هدفيّ؟ للأسف لا، لكن هناك الأفكار والأحلام والصور.
التي تجول ببال الإنسان أن يكون قائداً مؤثراً، هذا ما يجول في الخاطر، ولكن للأسف الهدف الواضح بالضبط لم أكتبه.
يقول عماد الدين العصيري وهو مهندس كمبيوتر من سوريا: أطمح أن أترك بصمة وأغير بحياة أشخاص بحاجة لمساعدة عن طريقي.
تقول آلاء عبدالله وهي طالبة دراسات عليا من العراق: أريد أن أساعد الإنسانية، الأطفال والنساء في مجال التعليم.
هدفي على كل حال عام، لابد أن أحدده بشكل أكثر دقة.
ما الهدف من الحياة
من البديهي أن يعرف الإنسان نفسه، من البديهي أن يعرف الإنسان هدفه من هذه الحياة.
لكن العجز عن الإجابة عن سؤال: ما هو هدف حياتي؟ قد يدفع الكثيرين نحو الانتحار رغم الرفاه المادي الذي يعيشونه.
والسبب أنهم سيشعرون بعبثية هذه الحياة، بانعدام الغاية من الوجود. لكن معظم الناس لا يملكون أبسط بديهيات الحياة.
بل يتخبط معظمُ الناس ويسيرون في الحياة دون أن يعرفوا أنفسهم، دون أن يعرفوا أهدافهم في الحياة.
نحن لا نقصد الأهداف التقليدية، أن يكون الإنسان عنده وسيلة لكسب العيش وأن يكون عنده زوجة وأولاد ويرزقهم ويتابع دراستهم.
هذه يتساوى فيها كل البشر حتى – أجلكم الله – الحيوانات تسعى نحو الرزق ونحو التكاثر ونحوه.
لكن الله سبحانه وتعالى استخلفنا نحن البشر، استخلفنا عز وجل في الأرض، هل ندرك حقيقة معنى الخليفة؟
خليفة تعني النائب، الذي يُدير ويدبر شؤون الأرض نيابة عن الله عز وجل، دورنا كبشر أكبر بكثير من احتياجاتنا الأساسية من أكل وشرب ونحوه.
في ظل هذا التخبط الإنساني، في ظل تخبط الناس وعدم معرفتهم، ليس فقط لأنفسهم ولأهدافهم وإنما لمغزى الحياة ومعنى الخليفة.
أصبحت البشرية بحال لا تخفى على أحد.
اختلال حال البشر
ماذا أصاب العالم؟ انظروا معي وتأملوا، تتراوح أعمار من أقدموا على الانتحار في هذا الزمان بين 15 و 25 سنة.
هذا عمر أوج الشباب. تخيلوا إنسانا شابا 15 سنة ويصاب بالاكتئاب؟
بينما يحدثنا تاريخنا الإسلامي العظيم أن أسامة بن زيد قاد جيش المسلمين وفيه كبار الصحابة وعمره قريب من 18 سنة.
العالم الإسلامي اليوم يشترك مع العالم في المشكلات العامة، يتميز بعدد إضافي من المشكلات الخاصة، الأمراض النفسية، والخروج عن القانون.
إدمان وشذوذ، إلحاد وتطرف، وإرهاب وانتحار وغيرها، هذه بدأت تنخر في أُسس مجتمعاتنا، بدأت تقوض هذه المجتمعات.
بالإضافة للعبثية وانعدام الرؤية وانعدام الهدف، واللهاث خلف كل ما لا يفيد، هذه الأمة إذا لم ننقذها تتجه نحو الهاوية.
حان الوقت أن نفيق، طبعاً هناك شباب مميز وهؤلاء في ازدياد، ولكن أيضاً هناك شباب يحتاجون إلى إنقاذ، أمة تحتاج إلى إنقاذ.
تديننا صار تدينا مظهرياً للأسف، غير مفعل، هذا يحتاج إلى مكاشفة، يحتاج إلى مراجعة جادة.
ماذا حدث لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ أين هي خير أمة أخرجت للناس؟
هل أصبحت هذه الأمة همها الصراع على شبكات التواصل الاجتماعي؟ التقاط أفضل صور سيلفي؟ تصويت على برامج الغناء والموسيقى؟
متابعة أحدث أخبار عمليات التجميل؟ تحزب لنصرة ريال مدريد أو برشلونة؟ لماذا تراجعت قضايا الحرية؟ لماذا نسينا أقصانا السليب؟
لماذا تجرأ بعض مفكرينا وجاهروا بعدائهم لأمتهم؟ بل عداؤهم للشريعة والهوية؟ كيف لهذا الدين العظيم أن يعجز عن إنقاذنا؟
ببساطة شديدة، الدين لا يعجز عن إنقاذنا، لكن لأننا لا نستخدمه، ولا نطبقه.
ثم تكون لدى بعضنا الجرأة لإلقاء اللوم ليس علينا وإنما على الدين الحنيف، يلقون اللوم على ديننا لما وصلنا إليه.
كل هذه الآثار الكارثية هي نتيجة لعدم تحديد كل واحد منا هدفه في الحياة أو سعيه وراء أهداف فاسدة وتافهة.
تفعيل دور الدين
نحن في هذا المشروع لا ندعو لحل الأزمات فقط، بل إلى تفعيل الإنسان من أجل أن يحقق أهدافه ويبدع.
من أجل أن يعيش حياة ليست تقليدية وإنما حياة استثنائية، لا نريد أن يخدع أحد نفسه بتدين شكلي طقوسي.
عاجز عن توفير الحريات، عاجز عن مواجهة الاستبداد وإيقاف الفساد.
طبعاً النتيجة إذا كنا بهذا التدين الشكلي ستكون إما هروب الشباب إلى الإلحاد أو الدروشة والانسحاب من تحديات الحياة.
وتحديات التنمية، التحديات الجدية، ويصبح الدين تصوفاً زائفاً، أو اختفاء خلف تمييع الدين بدعوى الوسطية أحياناً.
هذا مصطلح جميل، الوسطية، لكنه ظُلِمَ كثيراً وتمت المتاجرة به.
سمعت ذات مرة أحد كبار المتشددين يلقي محاضرة ساعة ونصف كلها تشدد وفي نهايتها يقول وهذه هي الوسطية.
وبالمقابل أرى مفكرين ميعوا الدين، لم يعد له حتى ثوابت، ويقولون هذه هي الوسطية.
نعم طبعاً كلامي أعلم أنه مؤلم لكن لابد من المصارحة.
تأمل في نظرية ماسلو
نقطة البداية، أن نحدد هدفنا في الحياة، ماذا يريد الإنسان؟
تقول ياسمين يوسف الباحثة في التنمية البشرية: Maslow حدد خمسة مستويات للاحتياجات الإنسانية، فلو مثلناه بشكل هرمي:
المستوى الأول أو قاعدة الهرم هو الحاجات الأساسية الجسمية مثل التنفس والماء والغذاء والزواج.
المستوى الثاني من الهرم هو الحاجة للأمان، والإحساس بالأمان قد يكون إحساساً مادياً كأمان الجسم والبيئة المحيطة.
أو إحساس الأمان المعنوي مثل الأمان الوظيفي مثلاً.
المستوى الثالث من الهرم هو الحاجة للحب والانتماء وتكوين الأسرة والصداقات والعلاقات.
المستوى الرابع هو تقدير الذات، ومن أمثلته الحاجة لاحترام الآخرين والشعور بالإنجاز والثقة بالنفس.
المستوى الخامس آخر مستوى في الهرم وأعلى مستوى هو الحاجة لتحقيق الذات، وبعض أمثلتها حل المشكلات والإبداع والابتكار وإدراك الحقائق.
أسماء الله الحسنى نظرات جديدة
في برنامج نورُكَ فينا، نورُ الله سبحانه وتعالى فينا، ليُفَسِّر لنا هذا النور احتياجاتنا الإنسانية، أفضل مما تفسره نظرية هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية.
طبعاً هذه النظرية مشهورة تحاول أن تفسر الاحتياجات الإنسانية، ولكن لو تأملناها بعمق، سنجد أن هذا النموذج لا يفسر لنا:
لماذا يقدم بعض من يملكون كل هذه الحاجات وصلوا إليها جميعاً ومع ذلك يُقدِمون على الانتحار. لماذا؟
لماذا أمثال هؤلاء الذين حققوا كل هذا الهرم يصابون بأمراض نفسية، فهناك العديد من النجوم الّلامعين الذين حققوا الأمان المادي.
وحققوا تحقيق الذات وكل ما في الهرم لا ينقصهم شيء وتجمهر حولهم المعجَبون والمحبون، وامتلأت خزاناتهم بالجوائز الإنجاز.
وتصدرت أفلامهم أو ألبوماتهم الغنائية قوائم المبيعات العالمية وهُم بالرغم من كل ذلك يترددون على جلسات العلاج ويقعون فريسة للإدمان.
يفقدون السيطرة على سلوكهم، وقد ينتحرون. كل هذه مؤشرات لوجود خلل في حياتهم التي ينهيها بعضهم بالانتحار.
كيف يفسر هرم ماسلو كل هذا رغم أنهم حققوا كل ما في هذا الهرم؟
بالمقابل نجد الكثير من النماذج الإيجابية، أناس لا يملكون إلا الكفاف نجدهم يزهدون في كثير من الحاجات التي في الهرم.
ومع ذلك يعيشون حياة من السلام النفسي والرضا يحسدهم عليها الملوك. ما تفسير هذا في هذه النظرية؟
أيضاً نظرية ماسلو لا تفسر سلوك الإنسان عندما يخاطر بعض الناس بكل ما يملكون وبحياتهم وبأنفسهم للدفاع عن حقوق غيرهم.
وقد يتعرضون للسجن أو التعذيب أو حتى الموت، ما تفسير هذا كله في هذا الهرم؟
مفهوم الانتماء
طبعاً الهرم يمكن من أعلى درجاته قضية الانتماء ومن القضايا المهمة فيه قضية الانتماء. دعونا نتأمل مفهوم الانتماء قليلاً.
هؤلاء الذين ينضمُّون لعصابات المافيا أو إلى فرق موسيقية، يستمتعون بمشاعر الانتماء، عندهم انتماء لمافيا أو لفرقه موسيقيةّ أو غيرها.
لكن هل هذا الانتماء صحي؟ هل هو حقيقي؟ كل هذه الأسئلة لا تجيب عنها هذه النظريات الغربية.
نود أن نؤكد هنا على ملاحظة أراها جديرة بالاهتمام حتى لا يحدث لبس، طبعاً التنمية البشرية العادية مهمة.
لكنها في نفس الوقت التي جاءتنا كما هي من الغرب، والتي للأسف بعض الناس يدرسها كأنها هي الإسلام، هذه النظرية لا تربطنا بالله تعالى.
ثم هي في النهاية حين تتأملونها وتدرسونها بأعماقها هي في الحقيقة انطباعات فردية وليست علماً، وطبعاً هي مصبوغة بالهوية الغربية.
طبعاً نريد تنمية بشرية، ونريدها تنمية بشرية علمية، لكنها نريدها بهوية إسلامية، هذه التنمية البشرية المؤسسَّة على القرآن والسنة.
هي المؤهلة لمساعدتنا في ربط أسماء الله الحسنى وتفعيلها في حياتنا العملية ومناهجنا التعليمية والتدريبية.
تأمل في نظرية سليجمان
تقول ياسمين يوسف: سليجمان حدد خمسة عناصر للحياة الطيبة تختصرها كلمة PERMA:
P مختصر Positive Emotion أو المشاعر الإيجابية.
E مختصر Engagement or flow أو الاستغراق. ومعناه أن الإنسان يحب أن يكون لديه خبرات يستخدم فيها مهاراته.
R مختصر Relationships للعلاقات، بديهي أن كل الناس يحبون أن يكون لديهم نجاح في علاقاتهم.
M مختصر Meaning الهدف والرسالة، الإنسان يحب أن يشعر أنه جزء من كيان أكبر وله هدف أكبر من وجوده المحدود.
A مختصر Achievement أو الشعور بالإنجاز.
نظرية سليجمان تفسر الكثير مما لا تفسره نظريات أُخرى، هي نظرية بالتأكيد أعلى من نموذج ماسلو لتفسير الحاجات الإنسانية.
أسماء الله الحسنى إضافة المعنى
إضافة الهدف، الرسالة من الحياة هي إضافة مهمة جداً، هذه طبعاً ستفسر لنا ما لا تفسره نظرية ماسلو.
تفسر لنا لماذا قد يضحي شخص بكل ما يملك في سبيل ما يؤمن به.
لكن هل هناك معايير واضحة حول مفهوم الإنجاز الذي تطرحه هذه النظرية؟
فعندما يتصدر ألبوم غنائي المركز الأول في مسابقة غنائية، ويحصل فيديو تافه على ملايين المشاهدات، هل نعتبر هذا إنجازا عظيما؟
تبقى كثير من مفاهيم الحياة الطيبة نسبية، يختلف معناها من شخص إلى آخر، فما الذي يصلح حياة الإنسان حقا؟
تقول الحكمة الإغريقية: أن على الإنسان أن يعرف نفسه ثم أن يتحكم في نفسه التي عرفها ثم أن يعطي نفسه ويسهم في تحسين حياة من حوله.
إذن الخطوة الأولى لتحقيق الحياة الطيبة هي معرفة النفس، لكن كيف يمكن أن يعرف كل منا نفسه؟ هل من الممكن أن تعرفي نفسكِ؟
سؤال سهل المظهر لكنه صعب المخبر، ما زلنا نبحث عما يسعد الإنسان، عما يحقق له الحياة الطيبة.
ليس الهدف فقط التغلب على الأزمات، بل أعلى من ذلك، نريد تفعيل وتمكين واستخلاف في الأرض، وتمكين الأمة في البشرية.
كل العلوم الإنسانية لم تستطع حتى الآن أن تقدم كل الحلول على الأسئلة التي تحتاج البشرية إلى إجابة واضحة عنها.
خاتمة
لم يخلقنا الله تعالى للشقاء في الدنيا، وإنما سوَّى نفوسنا وركَّب فيها القدرة على الخير والقدرة على الشر بالتساوي.
ثم ملَّكها أمرها، وجعل لها قانوناً واضحاً يسعد فيه من زكّاها ويشقى من خدعها وأغواها ودساها.
فحين تضيق بنا نفوسنا فانفراجها لا يكون إلا في جناب من أعطى كل شيء خلقه، ثم هدى.
المصادر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com