إسلامشخصياتقصص وحكايات

معركة شقحب بين المغول والمسلمين


معركة شقحب : المغول كانوا يزحفون كالجراد، واستطاعوا أن يسقطوا الدول واحدة تلو الأخرى، حتى أسقطوا الخلافة العباسية في بغداد، وارتكبوا المجازر.

وتحركوا إلى المدن الأخرى، ومنها دمشق فاستعد أهلها، واستعانوا بالسلطان في مصر، وخرج الجيش الشعبي من دمشق إلى شقحب.

التي تبعد 37 كيلو متر لمواجهة الجيش التتري المغولي، وفي هذه المعركة، شارك الإمام ابن تيمية، فما قصة معركة شقحب؟ وما هو دور الإمام ابن تيمية فيها؟ وما هي نتائجها؟

وضع الخلافة العباسية في عهد المماليك

في القرن السابع الهجري، كانت فترة الخلافة العباسية الثانية، وكانت الدولة العباسية ضعيفة، وكان الخليفة لا يملك من أمره خارج بغداد.

فخارج بغداد، تجد ولايات، وكل ولاية لها حاكم وأمير، والخليفة كان مجرد رمز، فتعرضت بلاد المسلمين إلى أخطار، من جهة أوروبا.

التي سيرت حملات صليبية، طمعاً في القضاء على الإسلام، وأخذ المناطق المقدسة، مثل القدس، واستطاعت أن تحقق بعض الانتصارات.

واستطاعت أن تقيم دول، مثل إمارة الرها وأنطاكية وبيت المقدس وطرابلس، وظهرت في هذه الأثناء حركة المغول، في أقصى الشرق، بزعامة جنكيز خان.

الصليبيون والمغول

زحفت الجيوش المغولية بقيادة هولاكو، باتجاه عاصمة الخلافة العباسية، وانتصرت عليها، واحتلت العاصمة في عام 656 للهجرة.

وسالت الدماء في العاصمة، واختلطت دماء  المسلمين في بغداد، بأحبار الكتب، التي رماها المغول في الأنهار.

وحاول الصليبيون بعد تأسيسهم بعض الدول، أن تستميل المغول إلى دينهم، الذين ظهروا وسيطروا على مناطق شاسعة، وأسقطوا الخلافة العباسية.

وكان الهدف أن يحدث حلف بني القوتين، ضد الأعداء المسلمين، وكان لهولاكو زوجة نصرانية، وبسبب ذلك عامل النصارى من رعاياه.

في المناطق التي يحكمها، معاملة حسنة، وعندما فتح بغداد، أعفى النصارى من القتل، وفي دمشق أيضاً، عندما دخلوها بعد معركة شقحب.

حتى أنهم سلموا فلسطين إلى النصارى، فأصبح النصارى في دمشق يشربون الخمر علناً، في رمضان، ويرشونه على المسلمين، ويحملون الصلبان في الطرقات.

وكان سبب الحملة المغولية ومعركة شقحب، هو شخص اسمه قازان، حفيد هولاكو، بعد هزيمة مصر التي هزمتهم في عين جالوت.

ولكن في تلك الأثناء، حدثت أحداث في المنطقة الشرقية، التابعة للمغول، فعاد قازان إلى الصين، وترك في مكانه قطلوشاه،  الذي تولى هذه الحملة.

ابن تيمية والسلطان الناصر

وكما نعلم الخلافة في بغداد سقطت، ولكن الخلفاء هربوا إلى مصر، وعاشوا هناك من أجل إضفاء الشرعية، على حكم المماليك كرمز فقط.

وتولى الخلافة في مصر المستنصر، وبعده الحاكم بأمر الله الأول، وبعده جاء الخليفة المستكفي بالله من عام 701 إلى 736 للهجرة.

وفي عهده جرت معركة شقحب، وكان الحاكم الفعلي في مصر، هو السلطان الناصر من المماليك، وتحرك المغول، ووصلت الأخبار أن المغول سيدخلون بلاد الشام، وإزالة المماليك في مصر.

فاجتهد العلماء على حث السلطان لمواجهة المغول، وقام شيخ الإسلام ابن تيمية، بمهمة جسيمة في هذا المجال، وكان في الشام.

وفي شهر رجب من سنة 702 للهجرة، زادت الأخبار بعزم التتار على دخول بلاد الشام، كمنطلق نحو مصر، وخاف الناس بشكل كبير.

وبدأ القنوط في المساجد للدعاء لله، بحماية مصر من المغول، وشرع الناس في الهروب من الشام، ليذهبوا إلى مصر، أو إلى الحصون في المناطق المختلفة.

بداية غزو المغول

ووصل التتار إلى حمص وبعلبك، وعاثوا الفساد وساد القلق بين الناس، وأخذ المثبطون يوهنون من عزائم المقاتلين، بأنه لا طاقة للمسلمين بلقاء التتار.

وكملاحظة هنا، عندما جاء التتار إلى بلاد الشام، تظاهروا بأنهم مسلمين، فكان بعض العلماء يقولون بعدم جواز قتالهم.

وفي قصة وصول قازان بجيشه إلى الشام، خرج له ابن تيمية بنفسه، وجميع العلماء وذهبوا إلى مجلس قازان المحتل في الشام، وعندما رأى قازان ابن تيمية.

أوقع الله له في قلبه هيبة، فأدناه منه وأجلسه، أمر بالطعام، فأكل الجميع إلا ابن تيمية، فسأله لماذا لا تأكل؟ فقال: كيف آكل من طعامك، وكله مما نهبتم من أغنام الناس.

فطلب قازان، الذي تظاهر أنه مسلم، أن يدعوا له ابن تيمية، فقال ابن تيمية: اللهم إن كنت تعلم أنه إنما قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.

وجاهد في سبيلك فايده وانصره، وإن كان قاتل للملك والدنيا، فافعل به، واصنع، وقازان يقول آمين، وخاف الناس الذين مع ابن تيمية، لكنه كان أحكم من أن يقتل ابن تيمية.

دور ابن تيمية في تقوية المسلمين للمعركة

نعود إلى أجواء المعركة، عندما وقف ابن تيمية، متصدياً للمجدفين، واستطاع أن يقنع الأمراء بالتصدي للتتار.

واجتمعوا وتعاهدوا على لقاء العدو، ونودي في الشام أن لا يرحل أحد، فسكنوا، وجلس القضاة في الجامع الكبير، في المسجد الأموي، يشجعون الناس على القتال.

وكبرت الحماسة وارتفعت الروح المعنوية، وعمل ابن تيمية على إلهاب عواطف الأمة، لخوض معركة الخلاص من المغول.

ثم توجه إلى العسكر الذي جاء من حماه، واجتمع بهم، وأعلمهم باتفاق الأمراء في الشام، لمواجهة العدو.

قال ابن تيمية: إنكم في هذه المرة منصورون، فقال الأمراء: قل إن شاء الله، قالِ: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً.

وتلى آيات من القرآن منها (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور)

ونجح ابن تيمية، في التصدي للفتنة الأولى، وهي خوف الناس من المواجهة، فهل ينجح في الفتنة الثانية وهي في الدين؟

دور ابن تيمية في إظهار كذب المغول

ظهرت عند المسلمين شبهات، وهي قولهم كيف نقتل التتار وقد أعلنوا الإسلام؟

فرد شيخ الإسلام ابن تيمية قائلاً: هؤلاء إذا كانوا مسلمين فمن جنس الخوارج، الذين خرجوا على علي ومعاوية رضي الله عنهما.

فبهذا الموقف زالت الشبهة، لكن بعض الناس بقوا مترددين، فذهب يقول لهم: إذا رأيتموني في جانب مع التتار، وعلى رأسي مصحف، فاقتلوني، عندها تشجع الناس لقتال التتار.

ولم يكتفي شيخ الإسلام بهذا، بل عمل على تحري أسباب النصر، وحرك الناس في دمشق، للضرب على يد المفسدين، ومنع المعاصي.

و معركة شقحب كان لها اسم آخر، وهو مرج الصفر في رمضان ،وامتلأت قلعة دمشق والبلد بالناس الوافدين.

وخرج ابن تيمية من دمشق، صبيحة يوم الخميس، بصحبة جماعة كبيرة ليشهد القتال في المعركة بنفسه.

تشكيل جيش الإسلام

تشكل جيش غير نظامي، ومعه العلماء الكبار، وابن تيمية، وظن بعض العامة عند رؤيتهم لهذا الأمر، أنه يريد أن يهرب.

فقالوا له: أنت منعتنا من الجفل، وها أنت ذا هارب من البلد، فلم يرد عليهم ابن تيمية، تواضعاً منه واعراضاً عنهم.

ودخل رمضان في يوم الجمعة، فكان الناس يتسائلون، متى يصل جيش التتار، وهل سيأتي جيش من مصر ينقذهم؟

ووقفت الجيوش قريبة من قرية الكسوة، وجاء الجيش الشعبي الشامي، وطلبوا من شيخ الإسلام ابن تيمية، أن يسير بنفسه إلى السلطان الناصر، يستحثه على السير إلى دمشق.

وكان كذلك فعلاً، فجاء الناصر مع ابن تيمية، ووصل الجيش الإسلامي من مصر، ومعهم الخليفة العباسي أيضاً.

وطلب السلطان من ابن تيمية، أن يقف مع جيشه وقت القتال، فقال له ابن تيمية: السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه، ونحن من جيش الشام، ولا نقف إلا معهم، ورجع إليهم.

وحرض العلماء السلطان على القتال، وبشروه بالنصر، إن كان قد أخلص النية، وقام الشيخ ابن تيمية عندها بإعلان فتوى.

وهي فتوى الفطر، وبدأ يدور على الجيش، ويأكل بيده، ليعلمهم أن إفطارهم في هذا اليوم، أفضل من صيامهم، لأنه أقوى على الجهاد.

بداية معركة شقحب

نظم المسلمون جيشهم في سهل شقحب، وكان السلطان الناصر في القلب، ومعه الخليفة المستكفي بالله العباسي، والقضاة والأمراء.

واستطاع المغول في بداية المعركة، أن ينزلوا بالمسلمين خسارة عظيمة، وكسروا ميمنتهم، وقتل من قتل من الأمراء.

وكادت المسألة أن تفلت من يد المسلمين، ولكن بفضل الله تعالى، ثم ثبات العلماء والمجاهدين، ثبت المسلمون أمام المغول، وبدأوا بهجوم مضاد، من الميسرة وقلب الجيش.

فتغير وجه معركة شقحب، وأصبحت الغلبة للمسلمين، وطال القتال كل الليل، وعندما طلع النهار، بدأ التتار بالهرب، فتابعهم المسلمون، وقتلوا منهم عدد كبيراُ.

النصر في معركة شقحب للمسلمين

وفي يوم الثلاثاء الخامس من رمضان، كانت المعركة قد انتهت، ودخل السلطان إلى دمشق، وبين يديه الخليفة العباسي.

وزينت البلاد، وتم الاحتفال بشكل كبير، وظلوا إلى الثالث من شوال، وهم في الأفراح، حتى عاد السلطان الناصر إلى بلاده.

من الدروس المهمة في هذه المعركة، أن تكالب الأعداء على الأمة، ليس سبباً كافياً للهزيمة، إلا إذا هزمت من الداخل.

ومن نتائج المهمة أيضاً، أن معركة شقحب، كبحت جماح المد المغولي، وتراجع أطماع الصليبيين، وتثبيت حكم المماليك في مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى