إسلامقصص وحكايات

مكانة مكة المكرمة في العالم

مكة المكرمة : الفترة الزمنية الممتدة من عام 610 للميلاد، إلى عام 632 للميلاد، كانت من الفترات الاستثنائية في التاريخ الانساني.

وقد حاولت في الحقيقة عبر السنوات الماضية، أن أغوص قليلاً في الوضع الذي تشكل في تلك الفترة، أحوال العالم، وطرق تجارته وموازين قوته، وما آل إليه العالم في تلك الفترة.

وفي العامين المذكورين، هي الفترة التي كانت فيها النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، يزاول مهمته رسولاً للعالمين.

مكانة مكة المكرمة

مكانة مكة المكرمة

في 610 بعث النبي عليه الصلاة والسلام في مكة، و682 توفي عليه السلام، وحرصت أن يكون ذلك بالتاريخ الميلادي، لسبب أساسي.

وهو أن نضع حادثة انطلقت الإسلام في قلب جزيرة العرب، من مكة في سياق عالمي واقليمي، في محاولة لفهم موازين القوى الدولية والاقليمية في ذلك الوقت.

والاطلالة على واقع الدنيا وكيف تشكلت، وما الذي كان يدور حقيقة في عواصم العالم وحواضره الكبرى.

في القسطنطينية عاصمة بيزنطة، في المدائن عاصمة بلاد فارس، أو في أكسون عاصمة الحبشة وحتى في صنعاء وغيرها من المدن الإقليمية الأخرى.

مثل بصرى الشام أو الحيرة عاصمة المناذرة، أو مصر والاسكندرية، وما إلى ذلك.

فهم مرحلة انطلاق مكة المكرمة

في الحقيقة أن الحالة التي تشكل بها العالم، خلال القرن السابع الميلادي، كانت حالة فريدة ونادرة في التاريخ.

كأن نهاية كبرى كانت قد وصلت إلى حد لا يمكن معه أن تستمر الإنسانية على ما هي عليه، فلا بد من شيء جديد.

وهذا الشيء الجديد الذي ينبغي أن يولد، ولد في مكة، في ظرف لا بد أن يكون فيه شيء جديد، العالم كان قد اضطرب.

ليس فقط سياسياً واقتصادياً وثقافياً، بل اضطرب في كل نواحي الحياة، اضطربت موازين القيم، ومعايير الجمال، وحتى الأفكار والرؤى والتصورات.

وغابت عن الناس أحلامها، في هذه المرحلة تدخلت السماء وجاء محمد صلى الله عليه وسلم برسالته في عام 610 في مكة.

التوازنات في مرحلة ظهور مكانة مكة المكرمة

أنا الحقيقة أريد أن أتعامل مع السيرة النبوية ومكة، وتلك المرحلة تعاملاً أشبه ما يكون بالتعامل الصحفي.

من ناحية أن نطل على الواقع الذي كان يتشكل في مكة، نضعه في سياقه العام، سياقه الجغرافي، الجيوسياسي، في سياقه التاريخي.

وسياق توازنات القوى بين مختلف أنحاء الدول المهيمنة في ذلك الوقت، وفي سياقه القبلي والتاريخي الموضعي، أي جزيرة العرب ومكة وتحالفاتها وقواها.

فالله أعلم حيث يجعل رسالته، كان اختيار مكة من أجل هذه الرسالة، لم يكن اختياراً عبثياً، بل كان اختياراً حكيماً.

والحقيقة كلما درس الواحد فينا الوقائع التي حدثت قبل مكة، ثم التي سايرت بعثة النبي الكريم في مكة، ثم في المدينة المنورة.

كلما شعر بأن هناك قصة جميلة، والقصة الجميلة هذه ليست قصة العرب في مكة، أو قريش، أو جزيرة العرب أو ما جاورها.

بل هي قصة العالم كله، الذي وصل إلى لحظة ترقب كان لا بد منها، أن يخرج من عنق الزجاجة، التي وصل إليها وضع العالم في ذلك الوقت.

لذلك سنطوف في حواضر العالم، وفي طرق التجارة، ونتعرف الموازين الاستراتيجية التي حكمت العالم في ذلك الوقت.

سنتعرف كذلك على القيم الأخلاقية والقيم الدينية، والقيم الجمالية التي سيطرت على العالم، ثم بعد ذلك سنحاول أن نغوص في أصل فكرة التوازن.

أهمية مكانة ومكان مكة في العالم القديم

كيف أن هذا التوازن وهذه الوسطية التي حصلت في مكة، وبرأيي أن الوسطية لم تكن فقط وسطية القيمية، من حيث الدين.

وإنما كانت حتى وسطية سياسية واستراتيجية وجغرافية، لأن المكانة والمكان، الذي كانت تتمتع به مكة، كان شيئاً فريداً.

فتخيل لو أن النبي الكريم، بعث في بيزنطة، في القسطنطينية على سبيل المثال، في حاضرة الروم، في حاضرة الدولة الرومانية الشرقية.

العاصمة الأهم ربما في القرن السادس والسابع الميلادي، أو بعث في عاصمة الفرس، أو ربما بعث في حواضر أخرى، أكثر حضوراً وعراقة كالإسكندرية، أو في الصين.

فإن اختيار مكة لم يكن اختياراً عبثياً، بل الحقيقة أن مكة كانت شيئاً غريباً ونادراً، وبعيداً عن مراكز القوى في جميعها.

وبعد مكة هو الذي أدى أن تكون مكاناً مميزاً، لاحتضان الرسالة النبوية المحمدية.

الظروف المحيطة لتنزل الوحي في مكة

النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنزل عليه الوحي، (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي) ولكن أيضاً بالإضافة إلى الوحي، الذي وجه النبي الكريم.

كانت هناك ظروف في مكة اجتماعية وسياسية واقتصادية، ساعدت في أن تصل الرسالة إلى ما وصلت إليه.

من 610 إلى 632 نحن نتحدث عن فترة بسيطة جداً من الزمن، استطاع فيها النبي الكريم أن يحقق نقلة، ليس في منطقة الجزيرة ومكة فحسب، بل نقلة اتسعت وشملت مختلف أنحاء العالم.

مصادر فيديو مكة والعالم

مصادرنا هي المصادر الاسلامية والمصادر البيزنطية والفارسية، مصادر مملكة أكسون في الحبشة، والأحافير والموجودات التي عثر عليها في اليمن، والتي توثق فترة تاريخية مهمة، خاصة في القرن السادس والسابع.

وبعد ذلك سنربط هذه الحقائق، فقلنا أنها بنظرة صحفية، وتعني أن يكون لدينا إطلالة على المعلومات التي وصلت، والتقارير والأحداث.

ثم إطلالة على موازين القوى، وإطلالة على السياقات العامة، اجتماعية وثقافية في تلك المرحلة، ثم نربط بعضها ببعض، ونحللها ونضعها في سياق.

لتكتمل الصورة، وتبدو لنا واضحة جميلة وملونة، قادرين أن نفهمها جيداً، حتى نتعاطى مع مفرداتها.

المصادر التي تبين مكانة مكة في القرآن

الإشارة الأولى والمهمة في القرآن الكريم، إلى الواقع الإقليمي والدولي، كانت في سورة قريش (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)

معنى إيلاف قريش

الإيلاف سيقودنا إلى جوهر أساسي في كل الإشكاليات والأمور كلها، التي ستبنى بعد ذلك، على مكانة مكة.

في تلك المرحلة، كلمة الإيلاف تحديداً، تعود إلى فترة هاشم بن عبد مناف بن قسي، كان هاشم على الأرجح، من مصادرنا الإسلامية، هو الجد الأكبر للنبي الكريم في مكة المكرمة.

عاش في نهاية القرن الخامس الميلادي، يقال أنه توفي في عام 480 وبعض المصادر ترجح أنه توفي عام 498

أهم الأحداث في القرن الخامس الميلادي ومكة المكرمة

في القرن الخامس الميلادي، كان قرناً فيه قدر هائل من الاضطراب الدولي، والمنظومة الدولية التي عرفها العالم القديم، بدأت تتشقق وتتباعد وتتمزق.

سقوط الامبراطورية الرومانية

وكان أكبر حدث في القرن الخامس مدوي على مستوى العالم، سقوط الامبراطورية الرومانية، التي عاصمتها روما، الامبراطورية الرومانية الغربية، تحديداً في عام 476

انهارت روما وتم احتلالها ومداهمتها وسرقتها، وازيح الامبراطور الروماني، واستولت القبائل التي تسمى بالبربرية على روما، وألغت وجود الامبراطورية.

والدولة الرمانية كانت دولة مهمة في التاريخ، لأن التراث الروماني اتسع بشكل كبير، وسيطر على محيط البحر المتوسط كله، وصل إلى أواسط آسيا.

وكانت الامبراطورية الرومانية بقوتها وتدخلها المباشر في إدارة شؤون العالم القديم، كان لديها قدرة هائلة جداً على انتاج الأفكار والقيم والأنظمة.

كانت امبراطورية نظم اقتصادية والضرائب والمعايير الحسابية والاحصاء السكاني، والاحصاءات السكانية القديمة كانت قبل الميلاد.

كان تراثها في داخلاً في عمق تاريخ العالم القديم، وسيطر منهجها على كثير من قيمنا في ذلك التاريخ، في مرحلة ما قبل القرن السادس الميلادي.

قوة الامبراطورية الفارسية

والشيء المهم في تلك المرحلة، أن الامبراطورية التي كانت تعادل الامبراطورية الرومانية هي الامبراطورية الفارسية.

وكانت الامبراطورية الفارسية هي أقدم وأكثر عراقة من الرومانية، وعمرها كانت قبل ألف عام منها، لذلك عاشت أكثر من ثلاثة آلاف سنة.

واتسعت أراضيها في عهد الامبراطور داريوس، حوالي 550 قبل الميلاد، لتكون الدولة الامبراطورية الأوسع في التاريخ في ذلك الوقت.

ثم إنها استطاعت أن تقدم أشياء لم تستطع الدولة الرومانية والإغريقية، أيضاً نظم ومعايير وطرق مختلفة للتفكير العالمي، ومنشآت ضخمة.

الإنجازات التي حققتها الامبراطورية الفارسية

مثل أن داريوس الكبير، كان امبراطور مهم قد بنى طريقاً سريعاً، يربط الامبراطورية ببعضها بإنشاء طريق معبد عرضه عشرين قدم، لتنقل العربات والبريد والتجارة.

وحفر قناة بين البحر الأحمر والنيل، واستطاع أن يربط تجارته عبر النيل، بالبحر الأبيض المتوسط.

وبنى جسراً فوق البوسفور، الذي يربط شقي العالم، آسيا وأوروبا، فهو أول من بنى جسراً خشبياً فوقه، وعبرت جيوشه عليه لاحتلال مناطق مختلفة.

قيمة مكة المكرمة أمام الامبراطوريات العظمى

فكانت الامبراطوريتين عريقتان قديمتان، لهما قيمهما ومؤسساتهما، وفلاسفتهما، والنفوذ الأكبر في العالم القديم.

مكة الصغيرة في نهاية القرن الرابع، كانت بعيدة عن كل ذلك، ولكن ليس في البعد الذي نعتقد، لأننا إذا توغلنا في دراسة المنظومات السياسية في ذلك الوقت.

وصلنا إلى أن مكة كانت ترقب بحذر وتتابع، وتتخذ من  الاستراتيجية الشيء الكفيل، بأن تصبح لاعباً مهماً مستقبلاً.

فبداية مكة بدأت مع الإله وقصة الإله سنرويه لاحقاً في القصة القادمة، لنعرف مكانة مكة في نهاية القرن الخامس الميلادي، وبداية القرن السادس الميلادي.

 المصادر

وضاح خنفر

شاهد أيضاً

شرح معنى الإيلاف في سورة قريش


جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى