نظرية تأثير اللغة على الفكر : قبل أن يتم الثلاثين سنة، بدأ يعاني من صعوبة في الكلام، شهر والثاني إلى أن خسر أي قدرة على نطق أي كلمة.
لسانه سليم وحنجرته سليمة وقدراته العقلية وفهمه وذكائه لم يتغيروا، لكن على مدار 21 سنة ولحد وفاته لم ينطق إلا كلمة وحيدة تان تان.
السيد Leborgne أحد أشهر المرضى بمجال طب المخ والأعصاب، ومن خلال تشريح جثته عرفنا كلامنا يأتي من أين؟
إيمان الإمام من الاسبتالية.
نظرية تأثير اللغة على أدمغتنا
من المثير للاهتمام كيف يمكن أن تكون لغتنا هي التي تؤثر على أدمغتنا؟
قبل 1860 لم يكن الأطباء يفهمون جيداً كلامنا يأتي من أين، يأتي من الحنجرة ومن الفم نعم، لكن شخص حنجرته وأحباله الصوتية ونفسه ولسانه كلها سليمة، لماذا لا يتكلم؟
بعد موت المريض تان تان مثلما لقب في المستشفى، تشريح جثته أظهر تلف واضح في منطقة معينة من النصف الشمال من المخ.
وهذه كانت أول مرة يدرك فيها الأطباء علاقة اللغة بالدماغ، ومن ذلك الوقت بدأت الدراسات والأبحاث لفهم كيف أدمغتنا تتحكم بإنتاج وفهم واستخدام اللغة؟
لكن المثير للاهتمام كان العكس، كيف يمكن أن تكون لغتنا هي التي تؤثر على أدمغتنا؟
في بداية القرن العشرين ظهرت نظرية فلسفية تفترض أن اللغة تؤثر بقوة على سلوك الذين يتكلمون بها.
وأن هناك لغات تعتبر أرقى من غيرها، واللغات الأقل في الرقي هي سبب غباء المتحدثين بها وفي تأخرهم حضارياً.
وظهرت مطالبات على إلغاء لغة المواطنين الأصليين في أمريكا، لأنها هي التي تدفعهم لتصرفاتهم الهمجية.
وضرورة إجبارهم على تعلم الإنجليزي لأنه لغة راقية وهو من يؤهلهم للحيا بشكل حضاري.
الكلام كما يبروا غير معقول وتوجه له انتقادات كثيرة، ولكن هذا لا يمنعنا أن نسأل.
أثر اللغة في فهم العالم
هل فهمنا للأمور هو الذي يشكل ويغير في اللغة؟ ولا اللغة هي التي تشكل فهمنا للأمور؟
أنت ممكن تستوعب بسهولة أن لغتك تؤثر على فهمك للعالم لأسباب تقنية.
GOOGLE الذي تدخله كل يوم تسأله على أي شيء، يتعامل مع 160-لغة فقط من أصل 6000 لغة يتكلمها البشر في العالم.
أي شخص لا يتكلم لغة واحدة من هذه اللغات على الأقل ليس لدية رفاهية GOOGLE بكل ما تعنيه الكلمة.
95% من المقالات الموجودة على ويكيبيديا مكتوبة بأقل من 6 لغات، لو أنت لا تملك على الأقل واحدة من ال 6 لغات فتقريباً محتوى ويكيبيديا كله لا يبقى ضمن نطاق معرفتك أو إدراكك.
في منطقة مثل الضفة الغربية نتائج البحث في GOOGLE MAP ستختلف باختلاف اللغة التي تبحث فيها، على نفس الأرض ونفس المباني ونفس الطرق.
لكي تبحث عن المطاعم مثلاً، لو كتبت بالعربي أو العبري أو الإنجليزي، كل لغة ستعطيك نتيجة مختلفة تماماً.
شعورك عندما تلمس أشعة الشمس وأنت تمشي بين مجموعة من الأشجار يمكن أن تصفه أنت بالصفاء أو الدفء والسلام.
لكن ستبقى كلها مشاعر تقريبية ولا يوجد بالعربي مثلاً كلمة تقول ماذا تشعر بالتحديد، لكن في اللغة اليابانية موجود.
تخيل وأنت تستخدم توتير بعدد الحروف المحدود لكي تعبر عن أفكارك ومشاعرك، لأي مدى يمكن لغتك أن تسهل عليك أو تعيقك.
ولكن أنا أفكر معك لأبعد من الأسباب التقنية، لغتك يمكن أن تحدد فهمك للعالم لطبيعتها هي نفسها؟
دراسات حول اللغة وفهم العالم
دراسة قبيلة نهر الأمازون
واحدة من أعجب الدراسات في هذا المجال كانت، دراسة على قبيلة بدائية مكونة من 200 شخص يعيشون على شط نهر الأمازون.
نظام العد والأرقام عندهم كان 1،2، كثير، لم يكن عندهم أرقام، أي شيء عندهم إذا لم يكن واحد أو اثنين فهو كثير، الثلاثة مثل الأربعة مثل العشرين مثل المئة مثل المليون.
لبساطة حياتهم هذا النظام كان يكفيهم ، لأنهم أناس يعيشون على ضفاف الهر يصطادون الأسماك ويقطفون الثمار، لماذا سيحتاجون الأرقام؟ لحساب البنوك أو التعداد السكاني أو الضريبة!
لا يحتاجون هذه الأرقام المعقدة، ليس لها ألفاظ في لغتهم، هم لا يحتاجونها؟ أم لا يفهمونها؟
القائمين على هذه الدراسة كانوا يضعون أمام اهل القبيلة 15 سمكه على الطاولة مثلاً ويطلبون منهم تكوين عدد مماثل من السمك الذي يرونه.
أهل القبيلة كانوا يفشلون تماماً أنهم يقلدون أو يقدرون عدد السمك التي أمامهم ولا حتى بشكل تقريبي.
وكلما كان عدد السمكات أمامهم أكبر كلما كانت المهمة أصعب، ليسوا قادرين على التفريق بين 15 سمكة ولا 20سمكة لأنهم لا يملكون لفظ خمسة عشر ولا لفظ عشر.
وكأنه يصعب علينا فهم أشياء ليس لها لفظ في اللغة التي نتكلمها، حتى لو كانت هذه الأشياء هي نحن في أي جنسنا.
تأثير اللغة على تمييز الطفل للفرق بين الجنسين
في دراسة منشورة في الثمانينات في أحد أشهر الدوريات المتخصصة بعلوم اللغة.
كان المتخصصين يحاولون فهم العلاقة بين اللغة التي يتكلمها الطفل وقدرته على تمييز جنسه، أي أن يقول أنا بنت أو أنا ولد.
الأطفال الذين خضعوا للدراسة كانوا من بلاد مختلفة ويتكلمون لغات مختلفة، لغات فيها تمييز واضح بين الذكر والأنثى في استخدام الضمائر والأفعال والصفات مثل اللغة العبرية.
ولغات متوسطة مثل اللغة الإنكليزية، التي تحتوي على الفعل eat لا يفرق بين الذكر والأنثى، ووصف Happy أيضاً، ولكن هناك اختلاف في الضمائر he she.
ولغات ليس فيها تمييز أبداً مثل اللغة الفنلندية ليس فيها الضمير هو وهي لديهم ضمير واحد يصف أي أحد.
أنت متخيل أن طفل يجيب ويقول أنا ولد أو أنا بنت هذه ليست صعبة.
لكن الأطفال الذين يتكلمون اللغة الفنلندية مثلاً يستخدمون نفس الكلمات وهم يتكلمون عن أمهم وأبوهم، لا يوجد مثلا بابا جميل وماما جميلة، هو وصف واحد لهم.
الولد يتوجه له أوامر بنفس الصيغة التي توجه للبنت ليس هنالك اسكت واسكتي، هي صيغة واحدة لهم هم الاثنين.
الدراسة أظهرت أن تميز الطفل لجنسه كان يظهر عند الأطفال باللغة الفنلندية وهم أكبر في السن بسنة كاملة، عما يظهر عند الأطفال الذين يتكلمون لغة عبرية.
استيعاب الفرق بين الجسين يتأخر عندهم لأن لغتهم لا تساعدهم.
أنت تعلم أن لغتك هي الأداة التي تعبر فيها عن العالم الذي تراه لكن تخيل لو كانت لغتك هي التي تريك العالم، لغتك تجعلك تشاهد العالم حرفياً.
دراسة حول قدرة الإنسان على ربط الرسوم باللغة
في تجربة بسيطة، أن يعرض أمام مجموعة أشخاص رسومات متفرقة ومبعثرة لعناصر كثيرة، وطلب منهم أن يجدوا عنصر محدد.
ظهر أن الأشخاص الذين يرددون اسم العنصر المطلوب منهم بينهم وبين أنفسهم كانوا يجدونه أسرع.
وكأن رؤيتنا محصورة بإطار لغتنا، لو أنا وأنت نتكلم لغتين مختلفتين، ممكن جداً أن نفهم ونستوعب ونحكم على الأمور بشكل مختلف.
لو جماعة تسميه إجهاض وأخرى تسمية حق الأنثى في الاختيار، لو جهة تسميها بويضة مخصبة وجهة تسمية جنين أو طفل.
اقتحام العراق وتحرير العراق، لو أنت تقول عنه طب بديل أنا أقول عنه علم زائف.
ممكن فعلاً أن نرى الأمور بشكل مختلف.
ممكن أن تكون حكيم ودبلوماسي وتعلم ماذا تقول وتتحكم بكلماتك بشكل جيد في المناسبات المختلفة، لكن تأكد أن الكلمة التي تخرج منك والتي تصل لك، يمكن أن تكون هي أيضاً تغير وتتحكم فيك أكثر مما تتخيل.
كل أمنياتي بالشفاء والقوة لكل محاربين الأمراض بكل مكان.
المصادر
نظرية تأثير اللغة على الفكر http://ajar.io/8a5c3 دراسة قبيلة نهر الأمازون http://ajar.io/4zkjk http://ajar.io/zvrb8 تأثير اللغة على تمييز الطفل للفرق بين الجنسين http://ajar.io/3snyf اختلاف نتائج البحث على الإنترنت حسب اختلاف اللغة http://ajar.io/wux4u
