الحياة والمجتمعصحة

هستيريا السيدات female hysteria


كم عانت النساء بسبب الرحم؟

بعد عشرة أيام قضتها نيلي بلاي Nellie bly في واحد من ملاجئ نيويورك لعلاج هستيريا السيدات female hysteria في سنة 1887، خرجت لكي تكتب عن تجربتها.

المريضات كان يتم ربطهن في حبال موثوقة، في كراسي خشبية، وفي غرف باردة طوال اليوم، وكانت الحركة ممنوعة، وأي نشاط خلال يومهم ممنوع.

والممرضات كن يتعاملن معهن بقسوة شديدة، ومن الممكن أن يضربوهن، لو لم ينفذن الأوامر.

أنا يمان الإمام وهذه الاستبالية.

مصحات هستيريا السيدات female hysteria

السيدات المحجوزات في هذا الملجأ، وباقي الملاجئ في أوروبا وأمريكا، لم يكن يحتجزن بسبب ظهور الأعراض النفسية عليهن فقط.

السيدات في ذلك الوقت، كن يحبسن في المصحات النفسية، لمجرد إبداء آراء مخالفة لمجتمعهن، أو التعبير عن أفكار أو طموحات ليست مقبولة من حولهن.

اعتراض الزوجة فقط على المعتقدات الدينية والفكرية لزوجها كان من الممكن أن يسجنها في مصحة نفسية لسنوات طويلة.

ورفض الزواج فقط كان من الممكن أن يضع المرأة في خانة أنها مريضة، ويسمح لأهلها بإدخالها المشفى لعلاجها.

واحدة من أشهر الناشطات في مجال الاشتراكية وحقوق العمال في ذلك الوقت edith lanchester، عندما حجزت في مصحة نفسية رغماً عنها، كان تشخيص مرضها هو أنها قد أخذت تعليماً زائداً عن الرجل.

عدم تحمل ضغط الحياة كانت هيستريا

زاد الموضوع بوضوح بعد الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وظهور الماكينات والمصانع وأصحاب الأعمال الذكور.

وبدأ الأطباء يدّعون أن سبب اضطرابات السيدات هو عدم قدرتهم على تحمل الحياة المتحضرة، بدون أعراض وبدون تشخيص لأي أمراض حقيقة.

فأي سيدة وامرأة في أي لحظة كان من الممكن أن توسم بعار المرض النفسي، وتحبس في المصحات والملاجئ لنسوات طويلة، بدون إذن أو موافقة منها بأي شكل.

حتى أن Nellie bly التي كتبت عن الذي حصل معها في المصحة النفسية، لم تكن مريضة أبداً، بل كانت مجرد صحفية غيرت اسمها وهويتها.

ومثّلت أمام الناس أنها تحدث نفسها وأنها لا تتذكر من هي، إلى أن نقلت إلى المصحة النفسية وقرر الأطباء دون أي دليل طبي واضح على حالتها أن يحجزوها.

حتى السيدات اللواتي كن يعانين من أمراض مرضية حقيقة، كان يتم التعامل معهن على أنهن يتدللن، ويتمارضن أو يهيأ لهن.

الاضطرابات النفسية هستيريا أيضاً

لم يكن أمام الأطباء إلا أن يجمعوا كل الذي لا يعرفوه عن هذا المرض ولا يفهموه، ويسموه هستيريا السيدات female hysteria أو جنون النساء.

أمراض مثل الصرع، وأعراض ما قبل الدورة الشهرية، واضطرابات المزاج المصحوبة مع الحمل والولادة، وبعض أمراض الأعصاب والمفاصل والعضلات.

وبعض الأمراض التي من الممكن أن تسبب الشلل، أو الحركات اللاإرادية، كل هذه لا أحد عرف عنها أي شيء، كلهم اعتبروه هيستريا السيدات female hysteria وانتهى.

أبقراط Hippocrates هو مخترع تسمية الهستيريا

ولأجل الإنصاف، لم يكن الأطباء في ذلك الوقت هم الذين اخترعوا تسمية وتشخيص female hysteria هم فقط استكملوا الذي بدأه أبو الطب، وأعظم أطباء عصره.

والذي اخترع قسَم الأطباء، الذي يتم القسَم به من قبل طلاب الطب عند التخرج من كلية الطب إلى اليوم، أبقراط Hippocrates

هو أول شخص استخدم لفظ هيستريا، والتي أخذت من لغة أبقراط hystera، والتي معناها الرحم.

وللإنصاف أيضاً، صحيح أنه أول شخص استخدم اللفظ، ولكنه ليس أول شخص اعتقد أن الاضطرابات النفسية والعقلية عند السيدات، سببها حزن وتوتر الرحم، بسبب الحرمان العاطفي وعدم الزواج، والحمل والانجاب.

وأن الرحم في حالة التوتر، يتحرك في الجسم كله، ويهيم في الجسم، ويؤثر سلباً على باقي الأعضاء، وكأن الصحة العقلية للسيدة، والاعتراف بأهليتها، مرهوناً فقط بدورها البيولوجي، في عملية التزواج والتكاثر.

وبناءً على هذا المفهوم الذي اعتقدوه، فإن الهستيريا لا يمكن أن تأتي للرجال، لأن ليس لديهم الرحم، هي تأتي فقط للنساء.

أنواع علاجات الهستيريا المتبعة قديماً

أحد الأطباء واسمه George miller beard كتب أطروحة من خمس وسبعون صفحة، يوجد بها قائمة بأعراض الهستيريا.

منها العصبية والقلق، واضطرابات النوم، وضيق في التنفس، وفقدان الشهية أو زيادتها، الإرهاق والميل لافتعال المشاكل، وحتى قال أن هناك أعراضاً أكثر منها. وطبعاً لكثرة الأعراض، كان هناك تنوع في طرق العلاج.

لفترات طويلة اعتقد الأطباء، أن الهستيريا هي مس من الشياطين، أو مرض ليس له علاج، وبالتالي الحل هو قتل المريضة والتخلص منها، حتى لا تشكل خطراً على المحيطين بها.

في الفترات التي تلت بعد ذلك الوقت، والأقل تطرفاً، كانت تعالج المريضات، باستئصال الرحم، بما أنه أصل المشكلة.

استئصال الرحم والمبيض، وأجزاء من الجهاز التناسلي، في عمليات تشويه، تشبه عمليات الختان تقريباً.

العلاج بالايحاء

أحد آباء ومؤسسي طب الأعصاب jean martin Charcot، حاول أن يعالج الهستيريا بالايحاء، وواحدة من مريضاته، لقبت بملكة مريضات الهستيريا.

وذلك لكثرة شهرتها الواسعة، واللوحات التي رسمت لها، وهي تقف أمام جمع من الأطباء، الذين كان يجمعهم هذا الطبيب كل أسبوع، حتى يشاهدونه وهو يعالجها بالايحاء.

بعد عامين من وفاة الطبيب، وتوقف جلسات العلاج، استطاعت المريضة الخروج من المشفى، وعملت كمساعدة لماري كوري marie curie في أبحاثها العلمية.

ماري كوري التي نالت جائزة نوبل مرتين، والمريضة المشكوك في عقلها، والتي عولجت من الهستيريا، حسب اعتقادهم، عملت معها في البحث العلمي.

طبعاً لا يوجد أي احصائيات دقيقة عن أعداد المريضات، اللواتي مررن بكل تلك المعاناة، ولا كم من الوقت من حياتهن، ضاع داخل المصحات النفسية.

الهستيريا يصاب بها الرجال أيضاً

في نهاية القرن التاسع عشر، كان ممنوعاً بكل الأشكال، دخول النساء للمجال الطبي، وكل الذين شخصوا، وألفوا نظريات، وكتبوا واخترعوا العلاجات المختلفة، كانوا من الرجال فقط.

فلا يوجد أحد منهم عاش نفس المعاناة تلك والأوجاع، ولا عرف ما هي الصراعات التي عاشتها النساء في تلك الفترة، وشعروا بالأعراض بنفسها أبداً.

نهاية أسطورة الهستيريا وجنون السيدات female hysteria، بسبب أرحامهن، والحجْر على عقولهن وحرياتهن، داخل المصحات بدون أسباب حقيقية.

لم تحصل إلا بعد أن بدأ بعض الأطباء، يصرحون بأنهم يلاحظون، بعض أعراض الهستيريا على الرجال أيضاً.

أعراض نفسية

وبدأت تظهر تفسيرات جديدة، للأعراض النفسية، منها الصدمات العصبية التي تحصل للجنود، الذين يعودون من الحروب، أو الصدمات التي تحصل بسبب سوء المعاملة في الطفولة.

ولم يخلُ الموضوع من العنصرية، بل تحول إلى الأعراق المختلفة بدل النساء، ففي بريطانيا، رفض الأطباء تشخيص الهستيريا، إلا للذكور الذين هم من أصول لاتينية.

وفي ألمانيا، انتشرت أبحاث ودراسات تؤكد، أن الرجل الألماني، لديه مناعة ضد الهيستريا، وأنها تأتي فقط للرجال الفرنسيين، وطبعاً في أمريكا، الذين يشخصون بمرض الهستيريا، هم فقط العبيد.

المهم أن الأطباء، بدأوا يدرسون علاقة الاضطرابات النفسية بالجهاز العصبي، بدل الرحم، وتأكدوا أنها أعراض إما لأمراض عضوية، أو أمراض نفسية مختلفة، وليست جميعها هستيريا.

حتى انتهت كل هذه الحوارات في عام 1980 بحذف الهستيريا في حد ذاتها، كمرض من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، لم يعد هناك شيء اسمه هستيريا سيدات female hysteria في الطب.

واليوم صحيح أننا أصبحنا في عالم انتهت منه الخرافات وادعاءات الجهل والظلم تلك على النساء هذه، ولكن لا زال هناك خرافات كثيرة باقية.

لا تستهيني سيدتي بأي معلومة تخص جسدك وصحتك، وقدراتك العقلية والنفسية، وتأكدي من صحتها ألف مرة، قبل أن تصدقيها.

 المصادر

مقالة جنون السيدات في القرن التاسع عشر من جامعة أيسلندا

كتاب الصحفية نيللي بلاي بعد خروجها من المصحة النفسية

الاعتقاد بعلاقة الرحم بالصحة العقلية للإناث عند الفراعنة وأفلاطون وأبقراط 

الناشطة اليسارية Edith Lanchester 

محاولات علاج الهستيريا بالإيحاء

حذف الهستيريا من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية عام 1980

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى