إسلامالحياة والمجتمع

هل المني نجس ؟


سؤال يطرح هل المني نجس ؟

عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب، في ركب فيهم عمرو بن العاص، وأن عمر بن الخطاب عرس ببعض الطريق فاحتلم عمر.

وقد كاد أن يصبح، فلم يجد مع الركب ماء، فركب حتى جاء الماء، فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر، فقال له عمر بن العاص: أصبحت ومعنا ثياب، فدع ثوبك يغسل.

فقال له عمر بن الخطاب: واعجبا لك يا عمرو بن العاص، لئن كنت تجد ثياباً، أفكل الناس يجد ثياباً؟ والله لو فعلتها لكانت سنة، بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر.

والأفضل في الصبح الأفضل التغليس، وهو أن يصلى في الغلس، وهو أول الوقت، وهو مذهب الأئمة الثلاثة خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله.

والذي صنعه عمر من غسله ثوبه، حتى ضاق وقت الصلاة، وكاد أن يخرج، اعترض عمرو بن العاص على هذا الفعل لأن معه ثياب غيره ثوبه.

فاقترح عليه أن يغير الثوب، وهذا دليل على أن المني نجس، وهذا محل خلاف بين الفقهاء، فعند المذهب المالكي والحنفي، وبعض الشافعية وبعض الحنابلة، أن المني نجس.

وذهب الحنابلة والشافعية، في المشهور عنهم، بأنه طاهر، ونحن استدللنا بحديث عمر بن الخطاب، وكيف أنه اشتغل بغسل ثوبه حتى ضاق وقت الصلاة.

وفعل ذلك بحضرة الصحابة، ولم ينكر عليه ذلك أحد، وكل ذلك دل بقوة على أن المني نجس، لأنه لو كان طاهراً، لم يشتغل عمر بن الخطاب بغسله ويفوت وقت الفضيلة.

بل كان يوشك أن يخرج وقت الصلاة، وهو يغسله، ولو فعل ذلك وهو ليس بنجس، لقال له الناس، لماذا تشتغل بإزالة ما لا تجب إزالته.

غسل الثوب من الجنابة

ونستدل أيضاً بما رواه الشيخان، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج للصلاة وإن بقع الماء في ثوبه.

المخالفون قالوا، هذا الحديث لا دليل فيه على نجاسة المني، لأن الثوب لا يغسل فقط من النجاسة، والغسل هذا يكون أيضاً من الوسخ، والوسخ لا يكون نجساً.

ومن الأدلة أيضاُ ما رواه مسلم، أن رجلاً نزل بعائشة رضي الله عنها، ثم أصبح يغسل ثوبه، فقالت له عائشة رضي الله عنها:

إنما كان يكفيك إذا رأيت شيئاً أن تغسله، وإن لم تر نضحت حوله، ولقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يصلي فيه.

فهي انكرت عليه غسل الثوب كله، وأمرته أن يغسل الموضع النجس فقط، وإذا شك في موضع آخر، لم ير فيه شيئاً أن ينضح.

المخالفون قالوا، هذا لا دليل فيه، لأنها قالت: ولقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الغسل مستحب وليس واجباً.

لأن الغسل لو كان واجباً، لكان ذلك دليلاً عليها هي، لأنها لم تكن تغسله، فقد قالت: كنت أفركه، معناها أن الغسل مستحب وليس بواجب.

ولكن تقول عائشة رضي الله عنها: كنت أفركه، أي بالماء، وقدرنا هذا لأنها أمرته أن يرش الموضع، الذي لم يجد فيه شيئاً، فما بالك بالموضع الذي وجد فيه، ولذلك قلنا الفرق هنا بالماء.

هل الفرك مثل الغسل؟

ويؤيد حديثنا شيء وهو المصدر، في قولها: ولقد كنت أفركه فركاً، المقرر عند النحاة، أن المصدر يؤتى به لثلاثة أغراض منها

توكيد بين النوع وبين العدد، فهي قالت أفركه فركاً، وليس هناك بيان النوع أو العدد، بل كان للتأكيد، ولو كان المني غير نجس، وكان يكتفى بفركه، فلماذا تمعن في الفرك.

ونستدل على ذلك بما رواه الشيخان، عن ميمونة رضي الله عنها، في صفة غسل جنابة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأفرغ على فرجه، فغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض، فدلكها دلكاً شديداً.

وهذا الغسل بهذا الوجه من المبالغة، يدل على أن ما باشرته اليد نجس، والدليل على ذلك أيضاً، مارواه الإمام أحمد في مسنده، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

أنه سأل أخته أم حبيبة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ فقالت له: نعم، إذا لم ير فيه أذى.

فسمت المني أذاً، وميمونة رضي الله عنها سمت المني أيضاً أذاً، في الرواية التي في الصحيح فكان النبي صلى الله عليه وسلم، يبدأ في الجنابة بغسل فرجه، وما أصابه من الأذى.

والله عز وجل سمى الحيض الأذى، فدل ذلك على أن الأذى في اصطلاح الشرع نجس، ثم إن قولها رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بالثوب الذي جامعها فيه، إذا رأى فيه أذى، معناه أنه نجس، فلأي شيء يترك الصلاة فيه إذاً.

هل المني مثل البول والودي والمذي؟

هذه الأدلة من النقل، أما الأدلة من النظر، أن المني مخرجه مثل مكان مخرج المذي والودي والبول، وكل هذه مخرجها واحد.

وهذه الثلاثة نجسة بالإجماع، فالمني يجب أن يكون كذلك، ثم إن المذي نجس، وبعض الناس يقول إن المني لا يخرج منفصلاً عن المذي، وهذا أيضاً من موجبات الحكم بنجاسة المني.

الشافعية والحنابلة، واستدلوا بما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لو كان نجساً؟ لما اكتفت بفركه.

ونحن نقول لهم، هذا لا دليل فيه على أنه طاهر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، أرشد إلى أن النعل التي تطأ النجاسة يمسحها ليطهرها.

روى الإمام  أحمد في مسنده، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه، فخلع الناس نعالهم، وكانوا يصلون بنعالهم سابقاً.

فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني فأخبرني إن بهما خبثاً.

فإذا جاء أحدكم المسجد، فليقلب نعليه فلينظر فيهما، وإذا وجد بهما خبثاً، فليمسحه في الأرض، وفي رواية أخرى فليمسه بالأرض.

هل غسل الثياب من المني يجب أن يكون بشكل مباشر؟

واستدلوا على طهارة المني بهذا الفرك، بحديث عائشة رضي الله عنها، كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصلي فيه.

والفاء هي من حروف العطف، ولها معان، فعملها العطف ولكن معانيها مختلفة، وتفيد الترتيب في التعقيب بالحدث القريب، فلا يوجد وقت بين حدثين متقاربين.

ونحن نقول إن أهل العربية، يقولون إن التعقيب يكون بكل شيء بحسبه، مثل عندما تقول الناس، تزوج فلان فولد له، يستعملون الفاء الدالة على التعقيب، إذا لم يكن بين الزواج والإنجاب، إلا وقت الولادة.

فلا يعني قولها فيصلي، في أنه بعد الفرك مباشرة يصلي النبي صلى الله عليه وسلم، واستدلوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت:

كان النبي صلى الله عليه وسلم، يسلت المني بعرق الإذخر ثم يصلي فيه، أي يسلته بعود، نقول هذا أيضاً لا دليل فيه، لقولها ثم يصلي، ففيه تراخي في الوقت.

المني خلق منه الطيبون والأنبياء فكيف يكون نجساً؟

ونقول وقد خلق منه الجبابرة والمجرمين، والفاسقين وفرعون، الذي ادعى الألوهية، أيضاً خلق من المني النجس.

ثم إننا نقول، إنه ليس كل ما بدء منه الخلق يكون طاهراً، لأن العلقة والمضغة، إذا أسقطتهم المرأة فهما نجسان بالاجماع، ومع ذلك منها من يتخلق ويولد.

وقال بعض العلماء، أن هذه الأدلة تقتضي التردد، وكما نقول دائماً، الاحتياط في مثل هذا سهل، فأحياناً المسائل الخلافية يكون الاحتياط فيها صعباً وشاقاً ومحرجاً.

والأولى أن الإنسان يحتاط، ولا سيما وقد أخبرناكم أن الناس مجمعون على أن الطهارة في الثوب، شرط في صحة الصلاة.

وأن فرض الصلاة هي أول ما يسأل عنه المرء في يوم القيامة، فإذا صلحت الصلاة، صلح العمل، وإذا فسدت الصلاة، فسد العمل.

هل من الضرورة تبديل الثوب من النجس؟

وكان عمرو بن العاص بفكر في الصلاة والثوب البديل موجود، فكان يقول لعمر بن الخطاب، معك الثياب فبدل وصلي ثم اغسل الثوب.

وقال عمر بن الخطاب: وا عجباً لك يا عمرو بن العاص، لأنك انطلقت في الحكم على المسألة من نفسك، لئن كنت تجد ثياباً، أكل الناس تجد ثياباً؟ ولو فعلتها لكانت سنة، بل أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أر.

فكان عمر رضي الله عنه يعلم، مكانته في قلوب المسلمين، ويعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين.

فعمر كان إذا فعل فعلاً، ينظر إلى حال الضعفاء والمحتاجين، والمساكين والفقراء من أمته، وما أطاقوا وما قدروا عليه، لأنه يعلم أنه من يقتدى به، فيكره أن يفعل فعلاً إذا أريد الاقتداء فيه، أصاب الناس المشقة والمعاناة.

وأنضح ما لم أر، فالنضح هو محل الاستدلال عند الإمام مالك، في وجوب نضح الثوب، الذي شك فيه، والأئمة الثلاثة يقولون، أن ما شك فيه من الثياب فحكمه الطهارة، إلا عند المالكية.

قال مالك رحمه الله تعالى، في رجل وجد في ثوبه أثر احتلام، ولا يدري متى كان، ولا يذكر شيئاً رأى في منامه، قال: ليغتسل من أحدث نوم نامه، فإن كان صلى بعد ذلك النوم، فليعد ما صلى بعد ذلك النوم.

من أجل أن الرجل ربما احتلم، ولا يرى شيئاً، ويرى ولا يحتلم، فإذا وجد في ثوبه ماءً، فعليه الغسل، وذلك أن عمر رضي الله عنه، أعاد ما كان صلى لآخر نوم نامه، ولم يعد ما كان قبله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى