إسلامشخصيات

قصة حياة الإمام الأوزاعي

قصة حياة الإمام الأوزاعي ، في برنامج المبدعون، لذي يستعرض شخصيات تاريخية شهيرة من تاريخ الإسلام.

استطاعت أن تبدع وتصل إلى العظمة، وتضيف جديداً للأمة والحضارة.

ونحاول ليس فقط أن نتعرف على قصتها وسيرتها ومواقفها، بل نحاول أن نتعرف على سر من أسرار عظمتها.

نشأة الإمام الأوزاعي

نشأة الإمام الأوزاعي

من الأسماء العظيمة وشخصية رائعة جداً هو الإمام الجليل العظيم عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعى.

أهل لبنان لديهم شعور بالفخر لأن الأوزاعى هو إمامهم، وهو علم من أعلامهم.

ولكن يحق للأمة كلها أن تفخر بهذه الشخصية العظيمة، التي ولدت في بعلبك ونشأة في البقاع ولد يتيماً رحمه الله.

عندما أزور دور الأيتام، أجد ظاهرة أنهم يعتبرون الأيتام مساكين وضعاف، أو إذا صنعوا فلم إعلامي عن الجمعية يركزوا على الجانب المأساوي لماذا؟

 هل تعلمون أن الكثير من الأيتام كان سر عظمتهم هذا اليتم المبكر، خاصة إذا يتم الأب، وعادة كلمة يتيم تعني يتم الأب.

هذا اليتم المبكر يجعل الإنسان يتحمل المسؤولية مبكرا في حياته، وهذه المسؤولية تصقل شخصيته وتجعله يتحمل إدارة نفسه.

لذلك يقولون نشأ الأوزاعي يتيماً في حجر أمه، كثيراً ما رأينا من عظماء الأمة، هذه كانت صفته ويكفيكم المصطفى صلى الله عليه وسلم نشأ يتيم الأب ثم فقد أمه.

يقولون عنه انتقل من بلد إلى بلد وتأدب بنفسه اعتمد على نفسه.

يقول ابن كثير الإمام العظيم والمؤرخ الشهير:

(لم يكن في أبناء الملوك والخلفاء والوزراء والتجار والعلماء وغيرهم أعقل من الإمام الأوزاعى ولا أكثر أدباً ولا أورع ولا أعلم ولا أفصح ولا أوقر ولا أحلم ولا أكثر صمتاً منه، ما تكلم بكلمة إلا تعين من جلسائه أن يكتبها عنه من حسنها)

عرف الإمام الأوزاعي ليس فقط بهذه الدرجة العلية من الأدب والعلم، وإنما عرف بتطبيقه لعلمه وبجهاده باللسان والجنان والسنان.

عظمة الإمام الأوزاعي

يقولون عنه كان كنز العلم ونبع الحكمة، كان سيد العلم في زمانه، وصل لأعلى درجات العلم.

يقولون كان مركز الفقه والحكمة، يقول ابن كثير (ساد أهل زمانه في بلده وسائر البلاد بالفقه والحديث والمغازي وغير ذلك من علوم الإسلام).

هو من أتباع التابعين، ويقولون أدرك خلقاً كثيراً وحدث عنه جماعات وسادات أهل السنة والجماعة.

من تلاميذه ممن حدث عنه وروى عنه، الإمام مالك بن أنس والإمام الثوري والإمام الزهري.

والزهري حدث عنه وهو كان شيخاً له، فكانت هذه الظاهرة نجدها واحداً منهم يتعلم من الأخر وهذا شيخ لهذا والعكس.

وأثنى عليه أكثر من واحد من أمة المسلمين وأجمع المسلمون على عدالته وإمامته وفضله.

كان إماماً يقتدى به منبعا صافياً يستقى منه العلم والعمل معاً.

قال الإمام مالك وهو تعلم منه وأفاده يقول (كان الأوزاعي إمام يقتدى به).

ويقول عليه سفيان بن عيينه وهو إمام من كبار العلماء (كان الأوزاعي إمام أهل زمانه وكان الأئمة والعلماء يكبرونه ويجعلونه إيما إجلال فيما بينهم).

روايات عنه

يروي ابن كثير هذه القصة يقول

(حج الأوزاعي مرة، فدخل مكة وسمع بعض العلماء بذلك الوقت بمجيئة، فخرج كبار العلماء، فكان سفيان الثوري –وهو رجل لا تقل منزلته عن الآمة الأربعة)

وصل إليه ووصل مالك بن أنس فكان سفيان الثوري ممسكاً جملة يقوده من الأمام ومالك بن أنس من الخلف، ودخل والإمام الثوري يقول افسحوا للشيخ حتى أجلسه عند الكعبة وجلسا بين يديه يأخذان عنه العلم.

يقول الإمام الأوزاعي :

(تذاكر مالك والأوزاعي مرة في المدينة من الظهر إلى أن صليا العصر، ومن العصر إلى أن صليا المغرب وحدهما، فغمره الأوزاعي في المغازي – أي كان أعلم منه في السيرة وتاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته-وغمره مالك بن أنس في جوانب من الفقه)

الاحتكاك بالعلماء سر من أسرار العظمة، وأيضاً عدم التكبر على العلم، فأينما وصلت من العلم يمكن أن تتعلم.

وتتعلم من أناس في بعض المجالات أعلم منك ولكن في بعض المجالات أنت أعلم منهم.

يقول ابن زياد (أفته الأوزاعي في سبعين ألف مسألة في كل مسألة يروي حديثاً)

أبو زرعة يقول (سمعت روايات عنه ستين ألف مسألة)

صفات الإمام الأوزاعى

عندما تلقى العلم من التابعين عرف عظمة الصحابة الكرام فكان يوصي بالصحابة والسنة وبتوقيرهم واجلالهم.

يروي عنه الإمام الذهبي وهو من أعظم العلماء يقول (كان يقول ويوصي الناس في المجالس والمساجد والتجمعات عليكم بآثار السلف وإن رفضكم الناس، إياكم وأقوال الرجال وإن زخرفوه وإن حسنوه).

إياكم وأقوال الرجال تعني أنه كان حريصاً أي رجل يتكلم بكلمة، أن يقول عليها دليل أو حديث.

وكان الإمام ابن الجوزي يقول (كان الإمام الأوزاعي دوماً مادحاً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول العلم ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومالم يجأ عنهم ليس بعلم هم المصابيح والنور المستطير).

 فكان عند الأوزعى حرصاً شديداً عليهم.

 شخصيته قريب جداً من عهد الصحابة فكان دائما يحدثهم بهذا المعنى، احرصوا على أن تأخذوا العلم من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.

ونقل ابن كثير وغيره انه طالما كان يوصي بالسنة والالتزام بها.

يقول (اصبر على السنة وقف حيث يقف القوم وقل ما قالوا وكف عما كفوا).

إذا فمنهجه هو منهج النقل، أن كل شيء لا بد له دليل وحديث وليس منهج العقل.

لدينا منهجين أساسيين نجدهما باستمرار منهج العقل الذي يعتمد على التحليل والتفكير والرأي، ومنهج أخر هو منهج الالتزام والإتباع وهو منهج الإمام الأوزاعى.

نلاحظ أيضاً من أسرار العظمة ومن أسرار الإبداع، أن الإنسان يضع لنفسه منهجاً ويلتزم به، ويحاول ان يصل لأعلى درجات هذا المنهج.

الإمام أبو حنيفة كان من سادة الرأي والتحليل العقلي، أما الإمام الأوزاعى فمن سادة النقل والرواية والحديث والتثبت وأقوال الصحابة.

وكان يجمع منها أقوال كثيرة عندما يفتي كان يأتي بدليل.

عبادة الإمام الأوزاعى

ما وصل إليه الإمام الأوزاعي من عبادة وتبتل ومن خشوع كاد ينافس به صحابة رسول إله صلى الله عليه وسلم.

هذا المعنى التوازن، صحيح أن كل الشخصيات العظيمة قد برزت في نقطة معينة ووصل إلى القمة فيه، لكن دوماً عندهم توازن.

هناك ناس عندهم علم لكن في العبادة ليس لهم وزن وفي الأخلاق ليس لهم شأن، جزء من العظمة وسيرة المبدعين التوازن، التمكن من جانب معين.

لقد جمع الأوزاعى رحمه الله تعالى في عبادته لربه بين شتى أنواع العبادة وأصنافها، كان عنده إخلاص وعنده شفافية ونصح للمسلمين.

كان يبذل وقته وماله وجسده، وكان عنده رقة في القلب ودفق في العين ومعطاء في كل سلوكه.

حتى كانت حياته كلها عبودية خالصة امتثال لقوله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) سورة الأنعام الأيه 162

يقول الإمام ابن عساكر المؤرخ العظيم ( كان الأوزاعى رحمه الله كثير العبادة حسن الصلاة ورعاً ناسكاً طويل الصمت).

ويقول عنه ابن عجلان (لم أرى أحداً أنصح للمسلمين من الأوزاعى).

هناك ناس عندهم علم لكن مع العلم هناك جفاف وشده وغلظه،أما الأوزاعي كان رحيماً جداً.

يقول عنه ما رؤي الأوزاعي ضاحكاً مقهقهاً قط، ويقول ابن كثير (كان يعظ الناس فلا يبقى أحد في مجلسه إلا بكى بعينه أو بقلبه).

يقولون أصحابه ما رأيناه يبكي في مجلسه، كان حريصاً على الإخلاص فكان يمسك بكاءه، لكنه إذا خلا بكى حتى يرحم، بمعنى كأن ميت له ميت كما يقولون.

يقول يحيى بن معين إمام الجرح والتعديل، أي يقول هذا ثقه وهذا ضعيف و هو من أعظم العلماء يقول (العلماء أربعة الثوري وأبو حنيفة ومالك والأوزاعى).

ويقول الوليد بن مسلم (كان الأوزاعي إذا صلى الصبح جلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس وكان يؤثر ذلك عن السلف ثم يقومون فيتذاكرون في الفقه والحديث).

ماذا قال عنه ابن عساكر

ويقول ابن عساكر :

(كان الأوزاعى يقول من أطال القيام في صلاة الليل هون الله عليه طول القيام يوم القيامة وقد أخذ ذلك من قوله تعالى ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا  (26) إِنَّ هؤلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27سورة الإنسان، يقول وليد بن مسلم (ما رأيت أحد أشد اجتهاداً من الأوزاعى في العبادة).

إذًا هو ليس إمام فقط في العلم إنما أيضاً في العبادة، يقول كان من شدة خشوع كأنه أعمى.

تروي أمه هذه القصة تقول (دخلت امرأة على أمه للأوزاعى، فرأت الحصير الذي يصلي عليه مبلولاً فقالت لعل صبياً بال هنا، فقالت لا هذه دموع الشيخ من بكاءه في سجوده مبارحة، هكذا يصبح كل يوم)، أمه تشفق عليه من شدت بكاءه.

يقول الإمام ابن كثير (كان الأوزاعى بالإضافة للعبادة من أكرم الناس وأسخاهم، وكان له أكثر من سبعين ألف دينار من الذهب ورثهم فلم يمسك منهم شيئاً).

لم يقتني عقار ولا غيره، وما ترك يوم مات سوى سبعة دنانير، واستعملت في تجهيز وفاته، كان ينفق ماله كله في سبيل الله وفي مصلحة وحاجة الفقراء والمساكين.

كان دقيق جداً في حرصه على التقوى والصدق، يقولن سمع يوماً بائعاً يبيع بصل وهو يقول (يا بصل أحلى من العسل فغضب الإمام الأوزاعى وقال سبحان الله أيظن هذا الرجل شيء من الكذب يباح.

وفاة الإمام الأوزاعى

توفي الأوزاعى رحمه الله سنه 157هـ، وهو ولد سنه 88هـ، مات وعمره 79 سنه.

يقول ابن كثير (لا خلاف بين العلماء أن الامام الأوزاعي لما مات كان مرابط في سبيل الله) رحمه الله تعالى.

أي حياة هذه وأي عبادة ليست حياة العلم فقط ولا حياة العباد فقط.

الذين يعتزلون حاجة أمتهم 79 سنه ومات وهو مرابط في سبيل الله.

ما كان يحدث بالعلم ومعتزل الحياة ويترك الفساد يجري في الأرض فكان يعرف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يقولون كان سيفا مسلاً على المنكر بكل أصنافه وألوانه وكانت له مواقف مع الظلمة الذين كانوا قد نالوا من أصحاب النبي أو أذوى أهل سنته.

قصة من حياة الإمام الأوزاعى

 يقول ابن كثير لما دخل الإمام الأوزاعى دمشق، ناداه الأمير السفاح بزمن العباسيين وهو والي دمشق، قتل بني أمية وأجلاهم عن الشام كلها.

فتأخر عنه الأوزاعى ثلاثة أيام، فطلبه الوالي مرة ثانية فحضر بين يديه.

ابن كثير يروي القصة على لسان الأوزاعى يقول (دخلت على والي الشام وهو على سرير أي مثل العرش، وفي يده خيزرانه والمسودة –العبيد-عن يمينه وعن شماله معهم السيوف مسلطه والعمد الحديد،

 فسلمت عليه فلم يرد السلام، ونكتا بتلك الخيزرانة ثم قال يا أوزاعى ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة أجهاد ورباط هذا كان،

قلت أيها الأمير عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما الأعمال بالنيات، فنكت بالخيزرانه أشد مما كان ينكت، وجعل من حوله يقبضون على سيوفهم.

قال يا أوزاعى ما تقول في دماء بني أمية، فقال الأوزاعى:

(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم مرء مسلم إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة)

وقال ما تقول بأخذنا لأموالهم، فقال الأوزاعي قلت (إن كانت في أيديهم حراماً فهي حرام عليكم أيضاً وإن كانت لهم حلال فلا تحل لكم إلا بطريق شرعي و انتظرت رأسي أن تسقط بين يديه وضم الناس ثيابهم حتى لا تتلوث من دمي.

وبعضهم رفع السيف، ويقول ثم أمرني بالانصراف، وإذ برسوله ورائي و معه مئتين دينار من الذهب قال لي خذه، فأخذتها ووزعتها على الفقراء قبل أن أتحرك من مكاني و رسول الأمير وجنده ينظرون إلي ).

وصف ابن كثير عنه

قال ابن كثير هكذا كان الإمام الأوزاعي وكان مع أبو جعفر المنصور أشد موعظة من ذلك.

من جوانب العظمة أن الإنسان إذا صار عظيماً لا يخاف من أحد، إذا تيقن بعظمة الله في نفسه واستقر عنده أنه على الحق، هذا من جوانب الإبداع والعظمة أنه لا يخاف من أحد.

رحم الله الإمام الأوزاعى جوانب العظمة فيه كثيرة ولكن هذا تعريف سريع ببعض هذه الجوانب لعلنا نقتدي به ونسير على هداه.

المصدر

طارق سويدان


جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

ماكتيوبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى