غسّلت أسماء زوجها أبي بكر حين توفي، وهذا فيه دليل على أنه يجوز للمرأة تغسيل زوجها إذا مات، وهذا محل إجماع بين العلماء لا خلاف بينهم. أن المرأة يجوز لها أن تغسّل زوجها إذا مات عنها.
بل يقولون هي أولى من غيرها في تغسيل زوجها وهذا محل إجماع، ويدل في ذلك ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّله إلا نساؤه.
وكذلك المرأة إذا ماتت يغسّلها زوجها وهو أولى من غيره بتغسيلها وهذا مذهب الجمهور مذهب المالكية والشافعية والحنابلة
هل يجوز للذمية تغسيل زوجها
يقول الشاعر:
وألزموا الأحياء للأموات بالكفن والدفن وبالصلاة
والغسل والزوجان فيه قدما ولو لم ذمية ومسلما
ولو كان الزوجان المرأة ذمية والزوج مسلم، فإنها مقدمة على غيرها في تغسيل زوجها.
بيان رأي الحنفية
الحنفية رحمهم الله يقولون إن المرأة إذا ماتت لم يجز لزوجها أن يغسّلها.
والجمهور يستدلون بأدلة منها ما رواه أحمد وأبو داوود وغيرهما وأصله في الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة بالبقيع، وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول وارأساه، فقال صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه.
ثم قال لها صلى الله عليه وسلم: وما ضرك؟ إن متِ قبلي أن أغسّلكِ وأكفنكِ ثم أصلي عليكِ وأدفنكِ.
فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر عائشة أن لو تقدّم موتها لتولى رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسيل عائشة رضي الله عنها.
والجمهور يستدلون بما رواه الحاكم والبيهقي في معرفة الأثر عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها، قالت: غسّلت أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالحديثان ظاهران جداً على مذهب الجمهور.
الحنفية رحمهم الله يستدلون ويقولون الأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ماتت ابنته زينب أو أم كلثوم على الخلاف، أمر النسوة بأن يغسّلنها وزوجها حاضر.
لو كان هو أولى بتغسيلها لأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بتغسيلها وهو حاضر، وإنما أمر النسوة فدل ذلك على أنه لا يغسّلها الزوج.
وقالوا هو أيضاً لا يغسّلها بسبب انقطاع الزوجية بينه وبينها. ماتت، فلم تعد زوجة له فلأي سبب سيغسّلها ويكشف عنها ما تستره عن غيره؟
قالوا ألم تروا أنها تغسّله إذا مات لأنها في عدة منه، أما إذا ماتت هي فهو لا عدة عليه، منها فمعناه تنقطع الزوجية فلا يغسّلها.
وهذا الذي يقولونه فيه نظر، أما ما استدلوا به من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر النسوة أن يغسّلن ابنته وزوجها حاضر هذا الاستدلال مبني على مقدمات:
المقدمة الأولى
أن يثبتوا أن زوجها حاضراً، أنى لهم إثبات ذلك؟ لا طريقة لإثباته. وهي غير حاصلة
المقدمة الثانية
هب أنه حاضر شاهد، يجب أن يثبتوا أنه لا مانع عنده من مرضٍ مثلاً، قد يكون حاضراً لكنه مريض لا يقدر على تغسيلها.
المقدمة الثالثة
هب أنه حاضر صحيح، يجب أن يثبتوا أن امتناعه من تغسيل زوجته إنا لم يكن إثاراً من عثمان.
قد يكون عثمان آثر النساء بتغسيل زوجته لأن الجمهور يقولون إن ذا الحق يجوز له إسقاط حقه ويتولى تغسيل الميت من هو أبعد إلى الميت منه.
فهذه كلها مقدمات يجب أن يثبتوها ليستدلوا بالحديث.
بيان إرث الزوج لزوجته
ثم إن قولهم إن الزوجية انقطعت، فلماذا يرثها؟ فما السبب الذي لأجله يرث الزوج من الزوجة؟ هو الزوجية.
إنما يرث الزوج من زوجته بسبب الزوجية، وهذا لم يؤثر موت الزوجة في هذا السبب بحيث يمنع الإرث فكذلك لا يؤثر السبب الذي هو الموت في منع تغسيل الزوجة.
ثم إن هذا كله الذي ذكرناه إنما هو مناقشة للحنفية رحمهم الله فيما أوردوه وقدح للنظر بالنظر.
وإلا فنحن في غنىً عن ذلك كله بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لعائشة ما ضركِ لو متِ قبلي ن غسّلتكِ. هو يقول ذلك.
ثم ما صح عن أسماء بنت عميس أنها غسّلت فاطمة وزوجها علي، وإلا فالظاهر جداً قول الجمهور أنه يغسّلها وتغسّله وكل واحد منهما أولى بصاحبه من غيرهم.