حول العالمعلوم

هيروشيما وناجازاكي – كيف قامت هيروشيما وناجازاكي مرة تانية على منطقة مشعة؟

في منتصف القرن العشرين تعرضت اليابان الى واحدة من اسوء الكوارث البشرية على الاطلاق،

تم قصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية في اول استخدام للاسلحة النووية على البشر في التاريخ وكنتيجة لهذا القصف الغاشم تم إبادة المدينتين بالكامل وتحولوا الى ارض قاحلة لا يوجد فيها اي مظهر من مظاهر الحياة

وكان من المتوقع ان هاتين المدينتين، بل واليابان بوجه عام لن يستطيعون التعافي من هذه الكارثة لبعد مئات من السنين، لكن المفاجأة التي أدهشت العالم كله ان اليابان قامت بلم جراحها والانتعاش بسرعة كبيرة جدا

وبمرور الوقت استطاع العملاق الياباني ان يحول رماد وركام الهزيمة الى صرح اقتصادي عملاق لدرجة ان اليابان في أكثر من مرة احتلت المركز الثاني كأقوى اقتصاد في العالم، فما هي الحكاية ياترى؟ وكيف استطاعت اليابان على القيام من جديد على منطقة مشعة ؟

في الحرب العالمية الثانية دول المحور كانت تتألف بشكل اساسي من 3 دول او 3 أعضاء أساسيين وهم إيطاليا، ألمانيا، اليابان

في سبتمير عام 1943 استسلمت إيطاليا لقوات الحلفاء ووقعت على اتفاقية استسلام بلا شروط وبعد عامين وتحديدا في مايو عام 1945 استسلمت ألمانيا والتي كانت تعتبر رأس الحربة في النزاع هي الأخرى ولم يتبق سوى اليابان بقيت تحارب وتتدافع عن نفسها للنهاية،

وفي يوليو عام 1945 قام الرئيسي الأمريكي هاري ترومان بصحبة زعماء التحالف من بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي بزيارة مدينة بوتسدام الألمانية وقاموا بعقد مؤتمر عرف باسم مؤتمر بوتسدام او مؤتمر برلين

وحينها قام الرئيس الأمريكي بإصدار بيان وجه فيه الحديث الى اليابان واخبرهم ان يقوموا بالاستسلام فورا بدون شروط وهددهم ان قوات الحلفاء ستواجههم بدون رحمة لو لم يقوموا بالاستسلام وسيكون هذا بمثابة التدمير الاخيرة للقوات المسلحة اليابانية ولوطنكم بالكامل

لكن لم يذكر في هذا البيان اي شيء بخصوص القنابل النووية وحينها خرجت الحكومة اليابانية وأكدت رفضها للاستسلام وخرج رئيس الوزراء الياباني حينها كانتارو سوزوكي وأعلن في مؤتمر صحفي رفضه للاستسلام وانه سيدافع عن وطنه بأي ثمن

بعد رد اليابان بالرفض الرئيس الأمريكي هاري ترومان كان لديه نية خبيثة في ان يستخدم القنابل النووية وكانت حجته حينها انه يريد انهاء الحرب بسرعة من خلال الحاق الدمار وزرع الخوف داخل قلوب الشعب الياباني وبذلك يعلنون الاستسلام وبالفعل أصدر أوامر من بشن الهجوم النووي على اليابان

 وفي يوم الاثنين الموافق 27 شعبان عام 1364 هجرية الموافق ل6 أغسطس عام 1945 توجه الطيران الأمريكي الى فوق مدينة هيروشيما التي كانت مدينة صناعية وعسكرية بامتياز

وكانت تمثل ثاني اكبر مدينة في اليابان حينها بالاضافة الى انه عند اطراف المدينة كان هناك عدد من الوحدات والمواقع العسكرية يتمركز فيهم حوالي 40 ألف جندي هذا غير ال400 الف انسان مدني يعيشون في المدينة

والذين تفاجأوا ان الطيران الامريكي يسقط عليهم القنبلة النووية المعروفة باسم الولد الصغير، والتي بمجرد سقوطها اختفت معها معالم المدينة بالكامل

 وبالرغم من بشاعة الحادث الا ان الأمريكيين لم يكتفوا بذلك بل قاموا برمي قنبلة على مدينة أخرى وبعدها ب3 أيام انطلقت الطائرات الامريكية فوق مدينة كوكورا لكي يقصفوها هي الاخرى بالقنابل النووية لكن السماء كانت ملبدة بالغيوم والسحب وانحجبت الرؤية عن المدينة تماما

وهنا قرر الطاقم بالقيام بخطة بديلة وان يرمي القبلة على مدينة أخرى ووقع الاختيار حينها على مدينة ناجازاكي التي كانت واحدة من اكبر الموانئ البحرية التي كان لها اهمية استراتيجية كبيرة بسبب نشاطها الصناعي وبالفعل قاموا بإلقاء القنبلة النووية الثانية التي تحمل اسم الرجل البدين وهذا القصف النووي كان له أثر في غاية البشاعة

في هيروشيما في اللحظات الأولى مات حوالي ثمانين ألف إنسان من المدنين وبحلول نهاية السنة ارتفع العدد الى 140 ألف إنسان بالاضافة الى 75 الف أخرين ماتوا في ناجازاكي بل ان المؤسف اكثر ان هذه الارقام غير دقيقة وممكن ان يكون عدد الضحايا اكبر بكثير

القنبلة عند سقوطها تسببت في دمار تام لجميع المخلوقات الحية وحتى الجماد لمساحة تعدى نصف قطرها نحو كيلو ونصف كيلو متر مربع

حرارة السطح في مركز الانفجار بلغت حوالي 4000 درجة مئوية وامتدت القنبلة على مسافة مقدارها حوالي 11 كيلو متر مربع وتسبب الانفجار في تدمير اكثر من 70% من مباني المدينة وتسببت الاشعاعات في تسميم مياه الشرب وقتل الاسماك وفضلا عن تلف التربة الزراعية والنباتات

وحينها قررت الحكومة اليابانية ان تستسلم حفاظا على ارواح المدنين الذين ليس لهم ذنب فيما يحصل وخاصة عندما أدركوا ان عدوهم عدو غاشم لا يملك اي انسانية او رحمة اتجاه المدنين

وبالفعل وقعوا وثيقة استسلام في سيبتمبر من نفس العام لكي تنتهي الحرب العالمية الثانية بشكل رسمي

بعد هذه الاحداث تحولت هيروشيما وناجازاكي بأرض مقفرة ممتلئة بالحطام والرماد، وكان الشائع حينها بين العوام ان هذه الارض لن تكون صالحة للزراعة او السكن حتى بعد 70 عام على الاقل

وهذا الذي جعل هناك حالة شديدة من الاحباط لسكان المدينة او بالاصح القلة القليلة التي تبقت من السكان

ولكن بعدها حصل امر غريب جدا ففي وسط الخراب والارض الممتلئة في الخراب نبتت وردة، هذه الوردة من نوع الاوليندر او الدفلة والتي كانت اول زهرة تتفتح على ارض هيروشيما المحروقة، هذه النبتة البسيطة اعطت امل لسكان المدينة وبثت فيهم روح النشاط والحيوية من جديد

وقد اصبح لديهم امل بتعافي المدينة من القصف المأساوي الذي تعرضت له، ولذا ظهرت الدفله هي شعار المدينة حتى يومنا هذا

ومن الاشياء الغريبة التي نزلت على اهل هيروشيما في هذه الفترة انه بعد عدة اسابيع من الانفجار هب اعصار قوي جدا على المدينة كان مدمر نوعا ما وسبب بعد التلف

الا انه اتضح بعد ذلك ان هذه الرياح القوية قللت جدا من نسبة الاشعاع الموجود في التربة وقامت بنقله الى البحار الواسعة وحينها كان سكان المدينة امامهم مهمة شاقة جدا كي يستطيعون اعمار المدينة من جديد

في البداية بدأوا بتنظيف الحطام والركام الناتج من المباني المحطمة وكان عليهم مهمة تنظيف مساحة تتعدى 2.4 مليون متر مربع وهي المهمة التي تمت على مدار 4 سنوات كاملة وكانت كلها جهود تطوعية من الناس،

وبعد ازالة اثار الانفجار والحطام بدأوا ببناء مراكز علاج في المشافي الصغيرة ليعالجوا الجرحى والحالات الطارئة من المصابين ومن ثم قاموا بإنشاء أماكن إمدادات غذائية واماكن لتخزين المحاصيل البسيطة الموجودة لدييهم ومن حطام البيوت قاموا بصناعة اكواخ صغيرة ليعيشوا فيها

ووصل عدد هذه الاكواخ الى اكثر 10 الاف كوخ خشبي وكانت المرافق الصحية تنشئ في اماكن مشتركة وتستخدم من قبل اكثر من اسرة وثنم تم استعادة خطوط الكهرباء والبريد والنقل وتم اصلاح مضخات الماء

ورغم النقص الحاد في الفصول الدراسية والكتب المدرسية إلا أن سكان هيروشيما كانوا حريصين على استكمال التعليم بل قاموا باستكمال العام الدراسي الجديد وكأنه لم يحصل اي شيء

ومن اخذ صورة بعد عدة اشهر من القصف لمدرس يشرح لمجموة تلاميذ في الهواء الطلق على انقاض المدرسة الابتدائية التي تم تدميرها ثم تم بناء مدارس وجامعات وتم تأهيل معلمين وإرسالهم في منح دراسية من اجل ان يستفيدون من خبرات الدول الخارجية ويطبقون العلوم التي قاموا بدراستها هناك

وهذا بدوره ادى الى ثورة فكرية في مجال علوم التكنولوجيا الحديثة عند اليابانين ولك ان تتخيل ان نسبة الاطفال الذين كانوا  يتعلمون في اليابان بعد القصف كانت تتعدى 90%

بعد مرور عدة سنوات على القصف بقيت الاوضاع داخل هيروشيما وناجازاكي غير مستقرة واستمروا يحتاجون المساعدة

وهنا اتى دور شعب اليابان الذي يسكن الدول المجاورة ودور الحكومة الاجراءات التي قامت بها الحكومة هي اسقاط الضرائب عن الناس بما يتعدى 80% وقاموا بتسليم المدنيين اراضي ومنشأت تابعة للجيش مجانا كي يستخدموها ويعيدون اعمارها

 اما بخصوص الشعب نفسه فجميع الاشخاص الذين كانوا يسكنون مدن قريبة من هيروشيما او ناجازاكي كانوا يساعدون المدنين من خلال المساعدات المالية الصريحة او إهداءهم مقتنيات مثل السيارات لكي يعيدوا مظاهر الحياة للمدينتين مرة اخرى

 ومع مرور الوقت ومع اهتمام الجميع بهاتين المدينتين استطاع الشعب الياباني تحولهم من أرض قاحلة الى احد اهم المدن في اليابان ويكفي ان تعلم ان هيروشيما حاليا تعتبر مركز الصناعة الرئيسي في جزيرة هونشو والبضائع التي تدخل المدينة وتصدر الى الخارج لا تتوقف على الاطلاق

كما ان المدينة اصبحت رائدة في صناعة الصلب والسيارات والكيماويات والسفن وتتبر مقر التصنيع الرئيسي لسيارات مازدا وبهذا استطاع الشعب الياباني تحويل المحنة التي مروا بها الى منحة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى