يوسف بن تاشفين وحركة المرابطين في المغرب
حديث عن الشخصيات الإسلامية العظيمة التي ملأت الدنيا إبداعاً وغيرت التاريخ في كل مجالات الحياة.
في السياسة في الجانب العسكري في الاقتصاد في الفلسفة في العلوم الشرعية والعلوم الطبيعية في كل مجالات الحياة.
من بعض هذه الشخصيات التي لها وزن خاص وبالذات الشخصيات التي عرفها الشباب بأسمائها وأحياناً لا يعرفون هذه الاسم.
يوسف بن تاشفين الخليفة الراشد السادس
حديثنا عن شخصية فذة فريدة، هل سمعتم بالخليفة الراشد السادس؟
نحن نعرف الخلفاء الراشدين الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.
ونعرف أن الخليفة عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي لقب بالراشد الخامس.
لكن هل سمعتم بالراشد السادس؟
يذهب كثير من المؤرخين أن الخليفة الراشد السادس هو أمير المسلمين وناصر الدين يوسف بن تاشفين.
ولد سنة 400 هـ في بلاد المغرب التي كانت ممزقة.
عندما انطلقت حملة الجهاد المباركة لفتح المغرب العربي وفتحت بلاد المغرب الواحدة تلوى الأخرى، فتحتها جيوش الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين ومن بعدهم التابعين.
قبيلة الأمازيغ
كانت هناك قبائل رئيسية تعيش في المغرب العربي، وجزء كبير من المغرب وشمال أفريقيا كانت تحت حكم الروم، استطاع المسلمون أن يطهروا هذه المناطق من حكم الروم.
لكن كان هناك قبائل تسمى قبائل البربر، واسمها الصحيح هو قبائل الأمازيغ، وهم اليوم موجودون ومعروفون ولهم قبائل ضخمة ونسبهم معروف.
قبائل البربر كما يحبون أن نسميهم قبائل الأمازيغ هذه القبائل بدأت تدخل في دين الله أفواجا وتركت ما كانت عليه من كفر وضلال وعادات عرفية مظلمة.
وأشرقت عليهم بفضل الله شمس الهداية.
هذه القبائل كانت وثنية وتبدلت أخلاقهم وقلوبهم وسمت نفوسهم وظلت بلاد المغرب العربي من ليبيا إلى الأطلسي ولاية تابعة للخلافة الأموية وشطر من الخلافة العباسية.
لكن مع الأيام بعد أن نتشر هذا الدين فيهم ومع ضعف الخلافة العباسية، بدأن تنفصل عدة دويلات من عباءة هذه الخلافة العباسية.
دولة الأغالبة
ظهرت دول منها الأغالبة والأدارسة والخوارج والدولة الفاطمية العبيدية الخبيثة والدولة الرستمية وغيرها الكثير ظهرت في هذه الفترة.
ولولا ضعف الخلافة العباسية بعد عصر المتوكل ما كان لبعض هذه الدول أن تظهر أصلاً أو أن تقوم.
لكن الضعف الذي حل في دولة الخلافة في بغداد انعكس على المغرب العربي وبقيت بعد ذلك معظم الأحوال المغرب العربي لا يتبع للخلافة.
كانت هذه القبائل قبائل الأمازيغ هي الضحية الأولى والكبرى لهذا التمزق الذي أصاب تلك البلاد الكبيرة من أمة الإسلام.
ووجد هؤلاء الأمازيغ وهم يكرهون اسم البربر لأن البربر أطلقه عليهم الأوربيون ويعتبرونهم قبائل همجية.
حتى عندنا في اللغة العربية البربر هو الهمج، فنحن لا نفضل إطلاق هذه الاسم عليهم بل الأفضل أن نسميهم باسمهم الحقيقي قبائل الأمازيغ.
فوجد الأمازيغ أنفسهم بعد أن كانوا يدينون بالولاء لدولة الخلافة تمزقوا وتشرذموا وتفرقوا في دويلات عديدة ظهرت في بلادهم.
هذا التمزق لكل دولة ضعيفة وليس لها إمكانات أدى لتوقف عجلة التعليم وصار عدد العلماء فهم قليل وخاصة المناطق البعيدة منهم.
حتى أصول الإسلام بدأت تختفي فيهم، وعاد كثير من الناس إلى العادات والأعراف القديمة الجاهلية.
وانتشر بينهم الجهل المطبق ولم يعد لهم نصيب من الإسلام ي كثير من الأحيان إلا الاسم فقط والجميع غارق في الجهل ما عدا مناطق محدودة كان فيها عدد من العلماء.
والأمازيغ أمة عظيمة ومجاهدة فيهم الصلابة وحرقة على الدين وظهر منهم على تاريخ الإسلام بعض كبار العلماء وما زال يظهر منهم علماء إلى اليوم.
لو تأملنا في تاريخ الإسلام سنجد أن معظم العلماء الكبار لم يكونوا عرب في الغالب من الفرس وبخاره ومن غيرها ومنهم الأمازيغ.
تأسيس حركة المرابطين لتوحيد المغرب العربي
تمزقت البلاد وكثر فيها الانحرافات ووصل الأمر بها للشرك، إلى أن جاءت حركة عظيمة جداً في تاريخ الإسلام اسمها حركة المرابطين.
عندما ظهرت حرك المرابطين سنة 443 هـ، ظهرت على يد فقيه ورع وزاهد اسمه عبد الله بن ياسين.
عمل عبد الله بن ياسين على نشر الدين الصحيح في صفوف الأمازيغ فلم يجد الاستجابة منهم إلا عدد قليل.
فذهب إلى جزيرة بنهر النيجر وأنشأ رباط للعبادة في جزيرة بنهر النيجر وانقطع هناك للعبادة والعلم.
وانضمت إليه مجموعة صغيرة من التلاميذ وبدأوا ينشرون العلم في المناطق المحيطة بهم.
وأخلاقهم السامية وأدبهم الجم و دعوتهم الكريمة وبوضوح العلم وأنهم من الأمازيغ يتكلمون بلغة القوم، وبدأوا بالازدياد يوم بعد يوم حتى صاروا عدة آلاف.
ونشر عبد الله بن ياسين بينهم حب الجهاد في سبيل الله والقضاء على الشرك، فقرر أن يقضي على الشرك الذي أنتشر في هذه القبائل الأمازيغية وبالذات التي خرجت تماماً عن تعاليم دين الإسلام.
وكان يبحث عن مساند فحصل على المساندة من أمير قبيلة لمتونا الأمازيغية، وهذه القبيلة أحد بطون قبيل صنهاج الكبرى وهي من القبائل الأمازيغية الكبيرة والمعروفة اليوم.
في المغرب إلى اليوم توجد هذه القبائل وشبابها من خيرت أهل العلم والدين ويتكلمون اللغة العربية أفضل من العرب في كثير من الأحيان.
حركة المرابطين
الأمير يحيى بن عمر اللمتوني كان أمير هذه القبائل، آمن بأفكار عبد الله بن ياسين وانضم إليه وسانده.
فأصبحت حركة المرابطين حركة جهادية خالصة تقوم على نشر الإسلام ومحاربة الضلال والشرك وتوحيد بلاد المغرب من جديد.
في هذه البيئة الجهادية والجو الإيمان في رباط نهر النيجر وعلى يد الشيخ الزاهد عبد الله بن ياسين ظهر يوسف بن تاشفين اللمتوني الأمازيغي.
بدأت هذه الحركة تنمو وبمساندة كبيرة من الأمير يحيى بن عمر، لكنه توفي سنة 447هـ.
وتولى مكانه أخوه أبو بكر بن عمر، فواصل عمل أخيه من توحيد البلاد ومحاربة الضالين، وجعل قائد الجيوش أبن عمه الأمير يوسف بن تاشفين.
في المغرب العربي يسمونهم تشافين بدل تاشفين، وهو قريب من الاسم الصحيح.
وكان يوسف بن تاشفين عندما تولى أمارة الجيش عمره 48 سنه.
يوسف بن تاشفين المؤسس الحقيقي لدولة المرابطين الكبرى.
في أحد المعارك ضد قبيلة برغواطة الوثنية، استشهد عبد الله بن ياسين مؤسس هذه الدعوة الكريمة، سنة 451هـ، وآلة رئاسة حركة المرابطين إلى قائد القبيلة.
كان هناك قائد للحركة وقائد للقبيلة فمع موت قائد الحركة عبد الله بن ياسين توحدت القيادة السياسية والدينية في أبي بكر بن عمر وأصبح قائد حركة المجاهدين.
واصل السير على نهج عبد الله بن ياسين فتح العديد من المدن المغربية وأعادها للإسلام الصحيح.
انتقال إدارة حركة المرابطين ليوسف بن تاشفين
أثناء فتوحاته أضطر أبو بكر بن عمر إلى العودة للإصلاح بين قبيلتي لمتونة ومسوفة وهما عماد حركة المرابطين، وترك قيادة المرابطين لابن عمه يوسف بن تاشفين.
يوسف بن تاشفين في شهرين أعاد ترتيب الدولة، ورجع أبو بكر وإذا بالدولة مرتبة ترتيب إداري عجيب في شهرين فقط.
فقال لابن أخيه أنت أعظم مني في إدارة الدولة فتنازل عن الحكم لابن أخيه لأنه أصلح منه ديناً وعلماً وإدارةً، حركة نادرة في التاريخ.
كم حاكم يتنازل عن منصبه؟ اقرأوا التاريخ وأخرهم سوار الذهب في السودان، لا يوجد حاكم يتنازل إلا بالموت أو بالتنحية أو بانقلاب أو انتهاء ولايته قانونياً حسب الأنظمة الديمقراطية الغربية.
لكن أبو بكر تنازل وصار يوسف بن تاشفين قائد دولة المرابطين.
يوسف بن تاشفين يجمع صفات الخير
وافق شيوخ المرابطين على هذا الاختيار لما يعلمونه عن يوسف بن تشافين من دين وشجاعة وفضل وحزم وعدل وورع وسداد رأي وعلم، يوسف بن تاشفين يجمع صفات الخير كلها.
وتولى يوسف بن تاشفين وعمل من أول يوم لقيادة المرابطين على تحويل الحركة المرابطية من حركة جهادية معنية بنشر الإسلام، إلى دولة كاملة الأركان متينة الأساس بالمعنى الشامل لمفهوم الدولة.
وذلك على أساس الجهاد لنشر الدين ومحاربة المرتين وتوحيد بلاد المغرب الشاسعة تحت راية دولة واحدة على الكتاب والسنة.
أتبع يوسف بن تاشفين سياسة جميلة، قسم الدولة إلى قطاعات ووزع إدارات.
وقسم جيوشه البالغ عددها أربعين ألف مقاتل إلى عدة أقسام ويوجه كل قسم إلى جزء معين من بلاد المغرب.
عاصمة دولة المرابطين
وشرع في بناء عاصمة للدولة المرابطية، وبذلك كانت مدينة مراكش الشهيرة والعظيمة القائمة اليوم هي من تأسيس يوسف بن تاشفين وهي عاصمة الدولة الجديدة أسسها سنة 454 هـ.
بالإضافة إلى هذه القبيلة العظيمة اللمتونية، كانت قبيلة المصامدة من أكبر قبائل المغرب قوة وعدد آمنوا بأفكار المرابطين وانضموا وكانوا عماد في جيش المرابطين.
وتوسعت هذه الحركة توسع سريع وواصل يوسف بن تاشفين مشروعة الكبير لتوحيد المغرب العربي تحت راية واحدة وهي راية الدولة المرابطية الإسلامية الموحدة.
ولم يهنأ براحة ولم يعرف سكون ولم ينعم بمأكل ولا مسكن، رغم اتساع ملكه وكانت تحته ثروات الأرض.
لكنه ما رأى الملك تشريف ومتعة وقصور، رأى أن هذا تكليف وفرصة ليبني أخرته.
واتسع ملكه، يقولون عنه رغم اتساع ملكه لم يلبس طول حياته إلا الصوف ولم يأكل سوى الشعير ولحوم الإبل وألبانها.
وكان دائب التفقد لبلاده لا يرتاح أبداً ولا يجلس، من الغريب أن الحاكم يحكم وينام.
سيدنا عمر بن الخطاب يقول لو عثرت بغلة في العراق لسئل عنها.
تأسيس يوسف بن تاشفين دولة المغرب
يوسف بن تاشفين أخذ المسألة كالخلفاء الراشدين لذلك يسمى الخليفة الراشد السادس.
اعتاد على التفقد الدائم للثغور وأحوال المسلمين ولم يحكم إلا بشرع الله عز وجل، وظل يوسف بن تاشفين من أجل تحقيق حلمة عشرين سنة متصلة.
عشرين سنة من دون راحة ولم ينم يوماً مرتاحاً، معظم حياته بتفقد أحوال رعيته وتفقد الثغور وبناء الجيش ونشر الدين ومساندة الدعاة العلماء مع عدل كامل فلم يظلم عنده أحد.
عشرين سنة متصلة أقام في المغرب دولة واحدة كبيرة وممتدة من تونس شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً ومن البحر المتوسط شمالاً حتى ثلث الأعلى من أفريقيا جنوباً.
وصل إلى حدود مالي وتشاد والنيجر والسنغال، وتم القضاء على السلطان سائر الأمراء المحلين الذين مزقوا المغرب العربي تحت أطماعهم وحولوها دويلات ضعيفة متفرقة.
ورغم هذا الذي وصل إليه كان عنده أصالة، هو لم يأتي لأجل المنافسة على الملك فلم يكن حريصاً على أي منصب.
مشروع يوسف بن تاشفين
بعد أن حقق يوسف بن تاشفين مشروعة الكبير بتوحيد المغرب العربي أشار عليه بعض الناس أن يتخذ لقب خليفة المسلمين وينافس الخليفة العباسي في بغداد بحكم أنه أقوى رجل في العالم الإسلامي.
هو أقوى الأن من الخليفة في بغداد وأكبر ملك منه حتى، لكن هذا البطل العظيم رفض ذلك لأنه على دين وورع وزهد لا يريد من جهادة دنيا ولا مناصب.
بل أصر على أن تكون ولايته على بلاد المغرب العربي مدعومة بموافقة الخليفة، هو لا يريد أن يمزق الخلافة ولم يفعل كما فعل غيره من محاربة الخلافة وإعلان دولة مستقلة.
قال أنا جزء من هذه الدولة وأنا سند لها وخلافة المسلمين خلافة واحدة وهذه الأمة أمة واحدة.
فأرسل إلى الخليفة يقول له أنا معك واعتبرني أحد الولاة عندك، فحظي بموافقة الخليفة العباسي وقتها كان المستظهر بالله، فأرسل إليه بالعهد بولاية المغرب العربي.
يوسف بن تاشفين لا بد له من لقب فما كان يستطيع أن يسمي نفسه أمير المؤمنين لأن أمير المؤمنين في بغداد فلقب من يومها بأمير المسلمين وناصر الدين.
عصر ملوك الطوائف في الأندلس
ثم جاءت أحداث عظيمة جداً جعلته يفكر في أمر أخر، بعد أن وحد المغرب العربي وقضى على الشرك.
ونشر العدل والدين واستقرت الدولة تحت ملكه بهذه المساحة والناس في أمان واطمئنان وبدأت الحضارة تزداد من جديد ومراكش صارت عاصم للتجارة والحضارة.
لكن جاءت الأحداث التي جعلته يضيف إلى مجده مجداً أخر، الأن توجه إلى إنقاذ الأندلس.
كانت في تلك الفترة تمر الأندلس في مرحلة دقيقة وخطيرة في وجودها، أصابها ما أصاب بلاد المغرب من تشرذم وتفرق لكن بصورة أكبر وأخطر.
هذه المرحلة تاريخاً كانت تسمى عصر ملوك الطوائف، وتحولت فيها دولة ملوك الإسلام في الأندلس لعدة دويلات صغيرة كل دولة على رأسها معتمد وذاك معتضد وألقاب كثيرة في غير موضعها.
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسدي، كل أحد منهم يريد منصب، وصلت عدد الدويلات في الأندلس وحدها أي إسبانيا إلى 22 دويلة كل واحد منها لها أسرة حاكمة ويتوارث أبناؤها الحكم.
والسمة الغالبة على ملوك الطوائف ضعف الوازع الديني والانغماس في الشهوات والمفاتن والمفاسد واللذات، وكانوا يرتعون في الدنيا مع كثرة الخلافات الجانبية بينهم.
مما أدى إلى القتال الداخلي المستمر، فهذه دويلة تهجم على أخرى وخلاف على الحدود والحصون والنفوذ.
كل هذا أدى لنتيجة في غاية الخطر وهي تسلط نصارى إسبانيا على مسلمي الأندلس، واحتلوا شمال الأندلس ثم بدأت تتوسع رقعتها على حساب دولة الإسلام في الأندلس.
مع مرور الأيام واتساع الخرق أصبح وضع المسلمين في الأندلس في منتهى السوء، وازداد تسلط نصارى الشمال عليهم.
ملوك الطوائف
وصار ملوك الطوائف من الضعف والهوان يدفعون الجزية لملك إسبانيا الكبير ألفونسو السادس الذي كان يخطط لمشروع صليبي كبير عرف تاريخياً باسم حرب الاسترداد أي استرداد الأندلس من المسلمين.
استطاع ألفونسو أن يحقق قفزة كبيرة في مشروعة عندما استولى على مدينة طليطلة في وسط الأندلس.
وهي وأقرب إلى الجنوب وعاصمة إسبانيا القديمة أخذها النصارى سنة 476هـ واهتز العالم الإسلامي بسقوط طليطلة في يد النصارى.
وتوجهت الأنظار نحو المغرب بحثاً عن المنقذ والمنجد بعد الله عز وجل فكان المنقذ يوسف بن تشافين.
كيف أنقذ يوسف بن تاشفين الأندلس بعد أن أنقذ المغرب وعظمة يوسف بن تشافين تحتاج لقصة أخرى.
المصدر : يوتيوب