أصحاب الرس | قتلوه لأجل شجرة، أصحاب الرس والنبي المجهول ! حسن هاشم، تلك الاقوام الغابرة، عالمهم وقصصهم اشبه بالخيال، نسمعها فنتعجب دائماً، هل يعقل ان رحلة التاريخ القديم حملت كل الجهل الاسطوري؟ و ان اسلافنا كان يعتقدون ويؤمنون بأشياء لا يمكن ان يتقبلها عقلنا اليوم؟
سنروي لكم اليوم قصة قوم ذكروا في القرآن الكريم، قوم اختلف المفسرون في تحديد هويتهم، عددهم القرآن مع الاقوام التي حق عليها عذاب الله وبلائه
لكن النبي المرسل إليهم بقي موضع جدلاً كبير إلا ان المفسرين اتفقوا على امر واحد وهو عصيان ربهم وقتلهم لنبيهم وما اصابهم من عذاب وهلاك جزاء افعالهم الشنيعة … اصحاب الرس
اصحاب الرس:
قوم من الاقوام الغابرة التي ذكرها القرآن الكريم في سورتي الفرقان و ق، فهم بحسب النص الصريح في القرآن الكريم قوم كذبوا رسولهم فحق عليهم العذاب
اما التفاصيل فقد فندها كبار المفسرين القرآن والمؤرخين المسلمين نقلاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام والصحابة، في امر تحديد هويتهم
نرى الاختلاف بين اهل التفاسير، فالبعض قال انهم اهل قرية من قرى ثمود و آخرون قالوا انهم من اهل مدين، فيما ذهب البعض إلى القول انهم اهل انطاكية الذين قتلوا مؤمن آل ياسين حبيب النجار
وهي قصة قد نتناولها في المقالات اللاحقة
مفسرون آخرون قالوا انهم قوم من اليمامة وآخرون ذكروا انهم هم اصحاب الأخدود، أما عن سبب تسميتهم بأصحاب الرس فذلك لأنهم رسوا نبيهم أي اغرقوه ودفنوه وهو ما سنطلعكم عليه
بالنسبة لنبيهم فلم يرد نص صريح حول هويته، قال بعض المفسرين انه حنظلة بن صفوان، و آخرين قالوا قد يكون النبي شعيب عليه السلام، ومنهم من قال انه من ولد يهوذا
لننتقل إلى القصة…
تبدأ القصة بقوم يعبدون شجرة الصنوبر، يقال لها شاه درخت والتي بحسب ما اورد اهل الحديث ان هذه الشجرة قام يافث بن نوح بزراعتها على ضفة عين تسمى روش آب،
هذه العين انبعها الله لنوح عليه السلام بعد طوفان الشهير، فأصبح مصدر للحياة بحسب تلك الاقوم، هؤلاء القوم أي اصحاب الرس استطونوا في 12 مدينة على طول نهر سمي بنهر الرس نسبة لهم
هذه القرى 12 كانوا اكثر القرى عمراناً وازدهاراً في محيطها واكبر تلك القرى كانت تسمى اسفندار وبحسب بعض المفسروين و رواة التاريخ سكنها ملك اولائك القوم ويدعى تركوذ بن غابور بن يارش بن مازن بن نمرود بن كنعان
أي ان نمرود في زمن ابراهيم الخليل عليه السلام
هذه القرية بنيت حولها الصنوبر والعين المقدستين وفي باقي القرى اخذو حبة صنوبر من الشجرة الأم وغرسوا في كل قرية حبة وقاموا بعمل قنوات مائية تتفرع من العين الأساسية لسقاية اشجار الصنوبر
هذه القنوات المائية او الانهر كانت محرمة على اهل القرى وعلى انعامها فلا يشربون منها و لا يسقون انعامهم لأنها بحسب معتقدهم مصدر الحياة لآلهتهم
الاغرب من هذا ان قاموا بجعل عيد لكل شجرة من الاشجار ال 12 موزعة على اشهر السنة، فكل شهر يحمل بين ايامه لأحدى اشجار الصنوبر
وفي هذا اليوم يجتمع اهل القرية حول الشجرة ويلبسونها ثوباً من حرير مطرز بمختلف انواع الصور والنقوش ثم يأتون بشات او ببقرة فيذبحونها قرباناً للشجرة
بعد الذبح يشعلون النيران بتلك القرابين فإذا ما علا الدخان يخرون ساجدين الى الشجرة باكين متضرعين طالبين الرضى والرحمة من شجرتهم الاله حسب معتقداتهم
كان القوم يبقون على هذه الحالة حتى يرون اوراق الشجرة تتحرك ويسمعون صوتا كصوت الصبي يناديهم ويبلغهم بنيل الرضى وعند ذلك ترتاح نفوس اهل القرية لظنهم ان الههم الشجرة قد رضي عنهم
وكل شيء وارد الحدوث، أ وليست أفعال الشيطان اكبر بكثير، تبدأ الأفراح ويضربون المعازف ويشربون الخمور ليوم وليلة وهكذا دواليك في كل قرية حتى يصل دور القرية الكبيرة والشجرة الام
الملفت في الامر ان بعض المؤرخين يعتقدون ان اسماء اشهر السنة قد اشتقت من اسماء تلك القرى، فقد أورد بعضهم أن تلك القرى كانت تدعى: (أبان أذر دين بهمان ازفندار فروردين أرديباهاشت خرداد مرداد تير مهر شهريورت)
في القرية الكبيرة وفي يوم الاحتفال بعيد الشجرة الأم يأتي كل سكان القرى الاثني عشر كبارا كانوا ام صغارا ويجتمعون حول الشجرة والعين التي تسقيها ويقومون ببناء سرادق أو ما يشبه بناء ويقومون بتغطية هذه السرادق بديباج أي بثوب من الحرير الاصلي المطرز بمختلف الصور والنقوش التي تدل على كل قرية بقريتها، هذه السرادق التي كانت تقام حول الصنوبرة كانت ذو اثني عشر باب وكل باب يخص أهل من أهالي القرى
أي ان لكل قرية باب خارج هذه الابواب كان القوم اجمعين يسجدون لشجرتهم ويقدمون لها اضعاف مضاعفة من القرابين التي قدموها لأشجار الصنوبر في قراهم يوم أعيادهم ويشعلون النيران العظيمة التي تملئ الهواء بدخانها وتحجب السماء عن النظر
وعند ذلك يأتي دور إبليس الذي كان يهز الشجرة ويحركها بشدة ويصدر أصواتا عميقة من جوف الشجرة واعدا القوم بكل ما تمنيه انفسهم ويخبرهم ان الشجرة راضية كل الرضى عن عبيدها
وتبدأ الاحتفالات كما اقيمت في باقي القرى من عزف ورقص وشرب للخمور لاثني عشر يوماً وليلة ليعود بعدها كل اهالي قرية الى قريتهم ويعيدوا الكرى
بقي القوم على هذه الحال فترة من الزمن حتى بعث الله فيهم نبياً يدعوهم الى التوحيد وعبادة الله وحده
بالفعل باشر النبي بدعوته مستخدما كمختلف الطرق من الترهيب والترغيب وحضر كل أعيادهم وصولاً إلى العيد الكبير ووضح لهم أن من يكلمهم هو الشيطان وليس الشجرة التي هي من خلق الله وتوحده مثل باقي مخلوقاته الا انهم رفضوا تصديق النبي واتباع دعوته فما كان من النبي بعد ان ضاق ذرعا بتكذيبهم وإيذائهم له الا ان دعا ربه ان ييبس اشجار الصنوبر الاثني عشر وبالفعل أصبح القوم في اليوم التالي على اشجار يابسة لا حياة فيها وكان هذا اليوم عيد الشجرة الام
ارعب منظر الاشجار الميتة القوم فانقسموا الى فريقين، فريق يقول ان الرجل الذي يزعم انه رسول رب السموات والارض ماهو الا ساحر سحر ألهتهم كي يوجه اهتمام القوم الى ربه فيعبدوه
أما الفريق الاخر فقال ان الالهة غضبت لرؤية هذا الرجل الذي يذمها ويقلل من قيمتها واحترامها لذلك قامت بإخفاء جمالها وبهائها عن القوم حتى ينتصروا لها من ذلك الرجل أي النبي
فاجتمع رأيهم على التخلص منن النبي بقتله، فكانت الجريمة التي لن ينساها التاريخ، قام القوم بحفر بئر عميق ضيق المدخل وقاموا بإلقاء نبيهم فيها و أغلقوا بابها بصخرة عظيمة
بقي النبي يناجي ربه شاكيا قلة حيلته وضعف بدنه راجيا منه ان يعجل بقبض روحه، وكان القوم يسمعون أنين النبي وتضرعه فيفرحون لحاله ظنا منهم ان ألهتهم تتشفى من الذي أذاها واستمر الحال هكذا حتى قبض الله روح نبيه إليه وبعد وفاة النبي ظن القوم انهم أتاوا بإنجاز كبير لإرضاء ألهتهم إلا أنه ماكان بانتظارهم من عقاب الله الجبار أكبر من أن يتخيله عقل بشري
فانتقام للنبي أرسل الله ريحا عاصفة شديدة الحمرة دبت الذعر والرعب في قلوب القوم ثم أصبحت الأرض تحت أقدامهم كحجر الكبريت المتقد وغطت سمائهم سحابة سوداء داكنة حاملة في طياتها جمرا يلتهب وامطرت السماء الجمر الملتهب واحرقت الارض سكانها وكان القوم يذوبون كما يذوب الرصاص في النار فجعلهم الله عبرة لكل من طغى وتكبر
ورد عند بعض المؤرخين في العالم الاسلامي رواية اخرى مثيرة للاهتمام
هذه الرواية التي ذكرت في كتاب البداية والنهاية لابن كثير تستند على حديث لرسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:
“إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود”
فما قصة هذا العبد؟
تقول الرواية ان هذا النبي الذي بعث الى اصحاب الرس لم يؤمن به إلا عبد أسود وهذا العبد كان يبيع الحطب ليأتي بثمنه طعاما وشرابا للنبي الملقى في البئر
فكان يزيح الصخرة عن البئر بمساعدة إلهية وينزل الطعام والشراب الى النبي بحبل ثم يعيد الصخرة الى مكانها وبقي على هذا المنوال فترة من الزمن حتى أتى يوم كان العبد يحتطب كعادته فلما فرغ من عمله وهم بالرحيل أحس بالنعاس فاضطجع لينام ساعة بحسب الرواية،
نام هذا العبد لسبع سنين على إحدى جنبيه ثم نام سبعة أخرى على جنبه الاخر فلما أفاق ظن العبد أنه نام لساعة فقط فانطلق الى السوق واحضر الطعام والشراب بثمن حطبه وذهب الى البئر لإطعام النبي فلما وصل لم يجده هناك،
وبحسب هذه الرواية فإن القوم أخرجوا النبي وأمنوا به بعد حين فكان النبي يسأل القوم عن العبد وهم لا يفقهون عنه شيئا حتى توفاه الله ليستيقظ العبد من نومه بعدها
الجدير بالذكر ان العديد من المفسرين يقولون بعدم صحة هذه الرواية وينسبون الامر الى ان القرآن بصريح العبارة ينص على هلاك القوم وعذابهم
لذلك فهم يقولون إما أن الرواية تعرضت للتحريف والتغيير او ان القوم الذين اخرجوا النبي من البئر هم أولاد القوم الذين هلكوا فبحسب بعض المفسرين قد يكون هؤلاء الأولاد قد شهدوا ماحل بآبائهم من عذاب فأخرجوا النبي من البئر وأمنوا به
وهناك رواية أخرى أيضا عن حقيقة من هم أصحاب الرس
هذه الرواية تقول ان هؤلاء القوم كانوا قوما ذوي نعمة ولديهم بئر غزيرة الماء وكان يحكم هؤلاء القوم ملك عادل، هذا الامر جعل القوم يحبونه ويكنون له جزيل الاحترام
ولما مات الملك استغل الشيطان حب القوم لملكهم فتجسد بصورته ودعاهم الى عبادته فصدق القوم إبليس وعبدوه ليرسل الله نبيا يسمى حنظلة بن صفوان فبين لهم كذب الشيطان ودعاهم الى التوحيد وعبادة الله الا انهم رفضوا حديث النبي فقتلوه ورموه في البئر التي جف مائها ويبست الاشجار وهلك القوم جوعا وعطشا وقد استوطن معشر الجن مساكنهم.
اقرأ أيضاً… النمرود | ماذا فعل النمرود بسيدنا إبراهيم عليه السلام وماذا فعل الله به | نهاية الطغيان
اقرأ أيضاً… كيف مات النبي يحيى، من قطع رأسه؟ والمفاجأة، من انتقم له ؟! – حسن هاشم