لماذا نشأ الاستعباد ؟ الله سبحانه وتعالى يقول ولقد كرّمنا بني آدم. كرّم الله سبحانه وتعالى الإنسان بأن خلقه حراً.
آدم خلق حراً وحواء خلقت حرة. ثم استمرت البشرية عقود ومئات السنين الكل كان فيها أحراراً.
ولما صارت الحروب بين الناس وصار الناس يتفاخرون على بعض وناس يغلبون أخرين نشأت فكرة الاستعباد.
أي أن انسان يستعبد إنسان آخر، وهذه الفكرة أنشأها البشر من أنفسهم سبحان الله.
الاستعباد في الإمبراطورية الرومانية
الإمبراطورية الرومانية هي آخر قوة عظمى كانت موجودة على الكرة الأرضية قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فتعطي انطباعاً كيف كانت البشرية تعيش، وتعطي انطباعاً كيف البشرية تنظر إلى الاستعباد والرق، والكولوسيوم يجسد هذا الأمر.
كان الكولوسيوم مغطى بطبقة خشب سميكة وعليها كانوا يفرشون نوعاً من الرمل لامتصاص دماء القتلى من المجالدين العبيد والحيوانات.
صورة بالتوقيت 4:16
تظهر الصورة كيف كان شكل مسرح الكولوسيوم وكيف كان مغطى وأقفاص الحيوانات والمجالدين تحت الأرض بانتظار أن يصعدوا إلى الأعلى.
وكانت هناك فتحات يمكن أن تفتح فجأة ويخرج منها نمر مثلاً، ويحارب أحد المجالدين.
يقدر عدد من ماتوا هنا في الكولوسيوم بنصف مليون انسان من أجل متعة الجمهور، ويقال أن أصوات الجماهير كانت تسمع على بعد مئات الأمتار منه.
تماماً كما يمكن سماع أصوات الجماهير من خارج ملعب كرة القدم، والفرق أن اليوم المشاهدون يهتفون لفريقهم المفضل ليحرز هدفاً.
بينما قديماً كانت الجماهير يهتفون ويحضنون بعضهم عندما المجالد المفضل لديهم يقتل عشرات المجالدين الآخرين وكلما قتل كلما هتفوا.
والهدف كان هناك هو قتل إنسان.
الاستعباد في الإسلام
موضوع تعامل الإنسان مع الاستعباد وفكرة ما ملكت أيمانكم مهم جداً أن يتم فهمه حتى لا يساء فهم الإسلام.
الإسلام جاء وهذا كان أصلاً مبدأ موجود ومتوغل بدرجة كبيرة جداً في كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأسرية.
ودين الإسلام عندما جاء بالشرائع جاء بالتدرج فنجد مثلاً تدرج الخمر فلم يحرم الخمر إلا بعد البعثة بثمانية عشر سنة.
لأن الخمر كان متوغلاً جداً في عاداتهم وتقاليدهم وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى.
في موضوع ما ملكت أيمانكم أيضاً يوجد تدرج في الإسلام، لأنه لو حرّم الموضوع فوراً في وقتها كانت ستحدث كارثة اقتصادية واجتماعية وهذا ليس من الحكمة.
الإسلام شرّع الشرائع، فتح باب تحرير الرقاب وضيّق منافذ الاستعباد، ويقال أنه يوجد خمس وعشرون باب لتحرير الرقبة وفك الاستعباد.
حتى الزكاة فيمكن صرف الزكاة لعتق رقبة، وبالتالي انظروا كيف هناك منافذ كثيرة لتحرير الإماء والعبيد.
بعض العلماء كانوا يقولون لو أن المسلمين استمروا على المنهج الإسلامي القويم وعلى الصراط المستقيم في موضوع التعامل مع ما ملكت أيمانهم لانتهى الاستعباد خلال مائة عام.
وكان قضي عليه تماماً بمجرد تطبيق الشرع، ولكنهم حادوا.
في الدولة الأموية والعباسية عاد الناس للتوسع في الاستعباد والجواري والنخاسة التي هي بيع العبيد في الأسواق.
مع أنها انتهت في المدينة أيام الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يعد هناك عبد يُشترى. لكنها عادت في الدولة الأموية.
الإحصاءات تقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة في عهده حرروا ما يقارب الثلاثين ألف عبد.
فتخيلوا لو أن هذه الوتيرة استمرت بعد الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء ما كان ليظل هناك استعباد، وكان انتهى الأمر.
ولكن المسلمين مع الأسف بعضهم أساء واستمر الاستعباد والتوسع فيه، والحضارة الأوروبية عندما قامت قامت على نفس المبدأ بل وأسوأ.
رحلة العبيد إلى أمريكا
منذ عام 1500 إلى 1600 انتقلت البواخر من بريطانيا والبرتغال وإسبانيا، كلها ذهبت إلى أفريقيا وأسروا الأفارقة ونقلوهم بالبواخر.
نتحدث عن عملية تمت خلال ثلاثمائة سنة، 15 مليون إنسان دخلوا في الرق قصراً ونقلوا وهجروا إلى أمريكا الشمالية والجنوبية.
حيث كانوا يرصّون الناس في بواخر مخصصة لنقل أكبر عدد ممكن منهم وتربط أرجلهم ويرصون كالسردين وكان معدل الوفاة 10%.
وكان أمراً عادياً والميت يرمونه في البحر ولم يكن له قيمة لأنه لم يعد كإنسان له حقوق وإنما مجرد بضاعة.
صورة بالتوقيت 9:29
صورة توضح أسلوب نقلهم وتعطيك انطباعاً أنهم ليسوا بشر، فما كانوا يعاملونهم كبشر بل يعاملون كآلات وهم بحالة سيئة جداً.
وطبعاً في البواخر يصابون بدوار البحر فيرجّعون في نفس المكان وينامون في نفس المكان وينزفون ويتأذون وكلهم يجلسون في قيود.
وخلال أربعمائة سنة من الاستعباد الأوروبي لأفريقيا ونقل الأفارقة، بقدر ما تطورت أوروبا والأمريكتين بقدر ما تخلفت أفريقيا.
وكان التجار يضعون إعلانات لبيع العبيد من نساء ورجال وأطفال كمنتجات مع بيع الأغراض الأخرى كعلب السجائر.
وكان كل سيد لديه وسم يحميه على النار ويشم العبد بشكل أبدي لتكون علامته، فيعرف السيد عبيده من عبيد غيره.
العنصرية في أمريكا
كانت أمريكا إلى ما قبل عهد إبراهام لينكولن بلد ينتشر فيها الاستعباد، والعبيد يمثلون ثمن التعداد السكاني.
جاء إبراهام لينكولن الرئيس الأمريكي الذي كانت له اليد الكبرى في تحرير العبيد.
ما حدث في القرن العشرين هي محاولة تصحيح المسار، حيث أنهم نفوا الاستعباد قانوناً ولكنه بقي في النفوس.
ففي القانون لم يعد هناك استعباد، لكن أصبح في أمريكا الفصل العنصري، فالسود لهم أماكن والبيض لهم أماكن وهذا في كل مجالات الحياة.
فتخيل في أمريكا في القرن الماضي إن كنت تسير في الشارع عام 1920 كنت سترى هناك حمامات للسود وحمامات للبيض.
حتى نوافير مياه الشرب ستجد أماكن للبيض وأماكن للسود، وهذا هو الفصل العنصري.
صورة بالتوقيت 12:38
فسبحان الله القانون لوحده لا يعالج المشاكل لأن النفوس فيها خلال، ويجب أن يحدث التغيير من الداخل.
وهذه رسالة إلى العالم العربي فاليوم هناك أناس لديها مصالح من عدم المساواة وليس لمصلحتها أن يصبح الناس كأسنان المشط.
فهل العنصرية في العالم العربي تزيد أم تنقص؟ هل نعالجها أم نشعلها؟
نحن نحتاج إلى الوحدة وتوحيد الصفوف ونبذ العنصرية مع وجود الاختلافات في وجهات النظر وبها تنهض الأمم.
مقاومة التفرقة والعنصرية
أمريكا قبل لينكولن غير أمريكا بعد لينكولن.
وأمام نصب لينكولن التذكاري وقف مارتن لوثر كينج واحد من أهم الشخصيات التي حاربت التفرقة بين السود والبيض في أمريكا.
وقف في الستينات وقال خطبته المشهورة جداً: لدي حلم I Have a Dream.
وطبعاً كان مؤيداً جداً للمعارضة السلمية وكان ضد استخدام العنف في أخذ الحقوق وكان يرى أن حقوق السود ستأتي بالسلم.
لذلك يقول كلمة جميلة: لا ينبغي أن نشبع عطش الحرية بالشرب من ماء الحقد والكراهية والبغض، وأن ماء الحرية هذا لا يأتي إلا بتطهير القلوب من أي كره أو حقد للمعارضين لنا.
اليوم جاء الوقت لإخراج الشعب الأمريكي من أرض العنصرية الرخوة إلى أرض الأخوة الصلبة.
يقول أن أرض العنصرية رخوة ويستحيل أن تتقدم بلد وفيها تنخر العنصرية، والأخوة هي الأرض الصلبة التي تبنى عليها المجتمعات.
بعض الناس يقولون أن التطبيق الفعلي لحلم مارتن لوثر كينج لم يجسد إلا عام 2008 عندما اعتلى رئاسة أمريكا أوباما.
رجل أسود البشرة من عرق غير أمريكي، وأصبح رئيساً ليس بناءً على قبيلته أو عرقه أو لون بشرته بل بناءً على قدراته.
فليس من عائلة كينيدي أو لينكلون أو واشنطن أو من العوائل الكبيرة المعروفة العريقة في أمريكا بل من عائلة أوباما.
فمن سمع بأوباما أصلاً، وحتى إسم باراك ليس أمريكي أو انجليزي. فما الذي يعنيه أن رجل اسمه باراك يحكم أمريكا.
هذا معنى أن الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى. عندنا بالإسلام وعندهم الفرق بالفكر والجهد والعلم والعمل وهذه خلاصة الأمر.
هل انتهى الاستعباد
نحن اليوم في القرن الواحد والعشرين، فهل انتهى الاستعباد؟
لا، اليوم يوجد استعباد يطلق عليها إسم استعباد القرن الواحد والعشرين Twenty first Century Slavery.
لدينا مشكلة كبيرة اسمها استعباد الأطفال، فهناك 60% من أطفال بعض الدول يعملون في مصانع ومزارع مرغمين وبدولار في الشهر.
حتى في العالم العربي يوجد عشر مليون طفل يعملون في المصانع وليس لديهم فرصة للتعلم ويعملون بأجر زهيد أقرب للاستعباد.
لأن المبلغ لا يكفي شيئاً كأنه فعلاً عبد يعمل بالمجان لمالكيه، ويوجد 76 دولة في العالم تعاني من عمالة الأطفال.
وفي بعض دول شرق آسيا النساء مستعبدات، يعملن 12 ساعة في اليوم بدون راحة، وسبعة أيام في الأسبوع بدون عطلة.
وعمال آخرون يتكدسون في مساكن العمال في غرف صغيرة. وفي بعض المصانع يوجد حمام واحد لكل 55 عامل.
فماذا يسمى هذا؟ هذا استعباد القرن الواحد والعشرين.
أثر العنصرية على المجتمع
الشبكات الاجتماعية أظهرت ما في النفوس. فكثير من الحسابات مزيفة فيقول صاحبها ما بداخله لأنه مجهول فيظهر ما في قلبه.
وبعض التعليقات من عدة دول في العالم العربي تأتي بعنصرية واضحة مريضة. وكل هذا في القرن الواحد والعشرين.
وطبعاً هناك من يرد عليهم ولكن يظهر أن الفكرة ما زالت لدى البعض.
وتعبير العبد في بعض البلاد يطلق على منتجات. فهناك حلوى رأس العبد ما زالت موجودة لأنها من الخارج شوكولاتة سوداء.
وسلك الجلي في بعض البلاد يطلق عليه سيف العبد لأنه مجعد كشعر الرجل الأفريقي.
وحتى في بلاد الغرب هذا الفكر موجود، ففي حادثة حصلت للاعب في إحدى نوادي كرة القدم كان سيضرب ركلة ركنية.
وهناك عادة عند بعض المشجعين أن يرموا الموز على الأشخاص الذين أصولهم أفريقية لتشبيههم بالقرود وأنهم جاءوا من الغابات.
فأخذ الموزة وأكلها، ومن ثم نشأت حملة للاعبي كرة القدم كلهم يأكلون الموز للسخرية من ذلك العنصري.
فالعنصرية ما زالت موجودة في الشرق والغرب.
استعباد العمالة المنزلية
العمالة المنزلية في بعض البيوت في العالم العربي أقرب للاستعباد، وبعض العمالة المنزلية لا يحصلون على رواتب.
فتجلس المرأة ستة أو سبعة شهور لا تحصل على راتب بل تأكل وتشرب فقط.
فكم من العمالة المنزلية في البيوت العربية لا يحصلون على الإجازة الأسبوعية وكم تعمل العاملة في البيوت العربية من ساعات تصل إلى 10 أو 12 ساعة بدون راحة؟
أليس هذا نوعاً من أنواع الاستعباد في القرن الواحد والعشرين؟ وإن لم تسمى أمة.
وأدعو الله سبحانه وتعالى أن ينصلح هذا الحال لأنه من أنواع الظلم والظلم يزلزل أمن البلاد.
الشعوب إذا ظلمت تزلزل الأمن لأنه كما قالوا الأمن نعمة تدوم بالعدل وتزول بالظلم.
والظلم أنواع فإذا استشرى ظلم العمالة مثلاً والناس المستضعفين في الأرض الذين ليس لهم حيلة، إن استشرى الظلم على هؤلاء ولم يحقق العدل فبأيدينا نزلزل كيان المجتمع.
المصادر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com