إسلام

المفاوضات التي حصلت في قريش خوفاً من الدعوة


المفاوضات : المبادرة النبوية التي أحرجت قريش، واضطرتها لاتخاذ موقف، وجرها إلى الحديث عن الإسلام استمرت، لكن هذه المرة بطريقة أخرى جديدة.

القرآن الكريم، يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول وأصحابه، أو بعض أصحابه على الأقل.

يتحدثون ويتلون آيات الله هنا وهناك، ويدعون الناس إلى الاسلام، المشكلة التي بدأت تشعر بها قريش، هي التالي.

بداية انتشار الدعوة في قريش

دعوة محمد في السنة الرابعة، أصبحت تنتشر بطريقة تزعج، ليس فقط العامة في قريش، بل السادة أيضاً.

لأنهم اكتشفوا أن بيوت السادة قد اخترقت، الرسول عليه الصلاة والسلام، في السنوات الأولى، دعا كثيراً من المقربين للسادة والزعماء في قريش، واسلموا بالفعل.

وكمثال فإن الشخص المتصدي للنبي الكريم، وأكثر الناس شراسة ضده، كان أبو جهل، ودعونا نذكر من المقربين منه، الأشخاص الذين أسلموا.

أخ أبو جهل سلمة بن هشام بن المغيرة، ابن أخ الوليد بن المغيرة وهو بن عم أبو جهل، هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة، أي ابن أخ أبو جهل.

عياش بن أبي ربيعة، وكان أخ أبو جهل بالرضاعة، أم سلمة بنت أبي أمية، وهي من بني المغيرة، وأخوها هو ابن عم أبي جهل.

وطبعاً أسلم كثر من عدي ومن  سهم ومن جمح، وكلهم كانوا من الذين يعيشون، في بيوت السادة في قريش.

فلم يعد بإمكانهم أن يتجاهلون ما يقوله النبي الكريم، لأن الأمر وصل إلى مرتبة، تهدد كل البناء القرشي الطبقي، الذي بنته عبر الزمن.

أول مرحلة من المفاوضات

حاولوا إغراء النبي الكريم، ولم يستطيعوا، فاتجهوا إلى الطريقة القبلية المعتادة، شكلوا وفداً لإجراء المفاوضات، من عشر شخصيات، كان معهم الوليد بن المغيرة.

وكان معهم أيضاً أبو جهل وأبو سفيان، مع عمه عتبة وشيبة بن ربيعة، وهم من بني عبد شمس، أبو البختري وابن العاص، ومجموعة من قيادات قريش، تنتمي إلى بطون غير حلف الفضول.

ذهب الوفد إلى أبي طالب، وتحدثوا معه، بأنهم يريدون أن يحلوا المشكلة بالتراضي، فمحمد يعيب آلهتهم، ويمر بالأسواق ويتكلم هنا وهناك.

فرد عليهم أبا طالب برد لطيف، وأنه سيرى هذه المشكلة ويحلها، ودعا النبي الكريم وتحدث معه، فكان النبي واضحاً، بأنه لن يقف أبداً وسيستمر، فقال له أبو طالب: افعل ما تشاء.

المرحلة الثانية من المفاوضات

وبعد فترة لم يحدث شيء، فعاد وفد  المفاوضات نفسه، في جولة ثانية، إلى أبو طالب، لكن هذه المرة، اختلفت اللهجة.

من اللين والمصالحة، إلى لهجة التهديد والوعيد، وقالوا له: هذا محمد عاب آلهتنا، وشتم آبائنا، نطالبك برفع الغطاء عنه، أسلمنا إياه.

كان في العرف القريشي، لا يحدث أن يسلم أحد هكذا، فقالوا له: إذا لم تفعل، ربما نلجأ إلى العنف، ونحتكم السلاح، فكان تهديد غير معهود.

أبو طالب أدرك أن المسألة قد وصلت إلى مرتبة، فيها قدر كبير من التوتر، فدعا النبي الكريم وقال له:

يا محمد لا تحملني أكثر مما أطيق، لقد جاء قومك، وقالوا كذا وكذا، فدعنا نتوقف عن هذا، فخاف النبي الكريم، خشية أن يتراجع أبو طالب عن دعمه له.

وقال قولته الشهيرة: والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته، حتى أن أهلك دونه.

وبكى النبي الكريم، وخرج، فندم أبو طالب، لأنه كان يحبه كثيراً، ودعاه وقال له: يا ابن أخي، اذهب، فافعل ما تشاء، فوالله لن أسلمك.

ذهب النبي واستمرت الدعوة، وبدأت المسألة في قريش تتفاقم، مع اقتراب موسم الحج، وقريش تريد أن تحتوي هذه المشكلة، قبل أن تنتشر بين قبائل العرب.

المرحلة الثالثة من المفاوضات

وجاءت الجولة الثالثة من المفاوضات، وهذه المرة، دلت على سخافة قريش، وأسلوبها البائس في التعامل.

ففي المرة السابقة، هددوا باستخدام العنف، ويعرفوا أن ذلك سيدمر قريش من الداخل، وسيدمر تجارتهم، فجاءوا بأمر غريب.

قالوا له: يا أبا طالب، نحن نريد محمد، أسلمه لنا، ونحن نعطيك بدلاً منه، أجمل فتيان قريش، وكان ابن الوليد بن المغيرة.

فقال لهم: بئس العرض جئتموني به، تريدون أن أسلمكم ابني لتقتلوه، وتسلموني ابنكم لأغذيه لكم؟ فخرجوا من عنده.

وفي هذه المرحلة، وصلنا إلى نهاية طريق المفاوضات، فلم يعد بإمكان قريش، الاستمرار بهذا الشيء، فهناك إجراءات تصعيدية جديدة.

وبنفس الوقت، بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، بدا الأمر أنه قد انحسم، بنزول آية (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين)

وهذا رد على بعض العروض، التي قيل أن رجالات قريش، جاءوا بها إلى النبي الكريم، يقولون له: يا محمد، نعبد إلهك يوماً، وتعبد إلهنا يوماً، كتسوية بينهم.

لم يدركوا بعد، أن هذه المسألة، هي مبادئ، فالرسول عليه الصلاة والسلام، يعيد مكة إلى نقائها الإبراهيمي، وإلى أصل التوحيد.

نهاية المفاوضات وبداية مرحلة التعذيب للمسلمين الضعفاء

وعندما انغلق طريق المفاوضات، كان على قريش أن تفكر بخيارات جديدة، ولكن هذه الخيارات ستكون تصعيداً.

ليس فقط ضد النبي في شخصه، أو النخبة العليا من أصحابه، المنتمين إلى بطون قريش الكبرى، ولكن ضد العبيد، والموالي والمساكين والمهمشين.

فقام كل بطن من بطون قريش، على من عنده منهم، وبدأوا يلجأون إلى التعذيب، مثل بلال بن رباح، وعمار بن ياسر، وأمه وأبوه.

وهكذا بدأت عملية الاضطهاد والتعذيب، لكل هؤلاء الضعفاء، وبدأت سلسلة جديدة من محاولات رمزية، ولكنها مهمة، في الاعتداء حتى على الصحابة وعلى النبي الكريم.

مثل حادثة وضع الشوك أمام بيت النبي، والتعرض له ببعض الشتم، وكان هناك مجموعة يسمون بالمستهزئين.

كانوا يجلسون وقولون، أن محمد يزعم بأنه يأتي بشيء جديد، ونحن نتحدث كذلك، ويأتوا بتلاوة أخبار الروم، ويقولون هذه أساطير الأولين نفسها.

هذا الجو التصعيدي، بدأ يشحن مكة، بطريقة غير مسبوقة، وأصبح أمام بني هاشم تحدي، وهو أن يلتفوا حول بعضهم، مع بني المطلب، ليشكلوا وحدة تدافع عن كرامتهم.

فهي مضطرة أن تدافع عن النبي وتحميه، ووصلنا إلى المرحلة الثالثة في التصعيد، وهي مرحلة فيها قدر أعلى من الاجراءات، غير المعهودة في تاريخ قريش.

وهي أن تعزل قوماً بكل عائلاتهم، في حصار اقتصادي واجتماعي، وتمنع عنهم المؤنة والزواج والبيع والشراء.

وهذا التصعيد، اتخذته قريش فعلاً، بصفة طبقة رجال الأعمال والأثرياء، وغالبيتهم من حلف الأحلاف، والتي كانت أصلاً تتربص بحلف المطيبين، لتصفي حساباتها، بذريعة الدعوة الإسلامية، وبنفس الوقت، التقليل من شأن بني هاشم، وبني المطلب.

 وضاح خنفر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى