شخصيات

بديع الزمان النورسي الجزء الأول

بديع الزمان النورسي : في ربيع عام 1911 صعد كرسي الوعظ رجلٌ في شرخ الشباب، في الجامع الأموي في دمشق قبل صلاة الجمعة، أمام علماء الشام، وبحضور جمع غفير من الناس.

فنادى بهم قائلاً:

يا أخواني العرب الذين يستمعون إلى هذا الدرس في الجامع الأموي ..

إنني ما صعدت إلى المنبر وإلى هذا المقام الذي هو فوق حدي لأرشدكم فهذا أمرٌ فوق طوقي، إذ ربما منكم مئةٌ من العلماء الأفاضل.

فمثلي معكم كمثل صبيٍ يذهب إلى المدرسة صباحاً ثم يعود في المساء ليعرض ما تعلمه على أبيه ابتغاء تصحيح أخطاءه.

والتلطف في تصويبه وإرشاده، فشأننا معكم شأن الصبيان مع الكبار، ونحن تلامذةٌ بالنسبة إليكم، وأنتم أستاذةٌ لنا ولسائر شعوب الإسلام.

من هو بديع الزمان النورسي

رجل دين عاصر جميع مراحل الفشل الذي تحقق عند تركيا، من مرحلة الإمبراطورية العثمانية إلى مرحلة الدولة القومية العلمانية.

مناضلٌ قضى ما يقارب نصف عمره الذي بلغ 84 عاماً في الحبس والتشريد والمراقبة، وتحت أشنع أنواع الظلم والتشريد.

لكنه لم ييأس بل وقف صامداً ومتصدياً، لهذا الظلم و الاضطهاد الشنيع.

رجل مثالي خلف آلاف الصفحات من الكتب والرسائل تقرأ وتدرس من قبل تلاميذه كل يوم.

مفطرٌ ترجمت كتبه ومؤلفاته بعد وفاته على ما يقارب خمسين لغة.

وله الملايين من الأتباع يقتفون أثره ويتبعون مساره في جميع أنحاء العالم.

رائدٌ إيماني لم يستسلم للضغوط والاضطهاد، ولم يختر طريق التمرد والعصيان، ونهج نضاله ومجاهدته يحمل تلميحات جديدة ونمط جديد في مواجهة المساوئ والشرور.

من هو هذا الرجل وماذا يقول وماذا كان همه

يقول عنه الراهب الكاثوليكي توماس ميجهل:

كان من عظماء علماء الإسلام في القرن العشرين، وألف ما يقارب 6000 آلاف صفحة من تفسير القرآن.

ويقول عنه الأستاذ الدكتور فارس قايا رئيس وقف إسطنبول للعلم والثقافة:

هو مربٍ كبير من حيث العمل على تنشئة الناس, تنشئة روحية توافق أسس وتعاليم القرآن، ومن حيث التفسير بلغة وأسلوب ونهج يناسب روح ذلك الكتاب.

تقول عنه شكران واحدة الباحثة في حياة بديع الزمان سعيد النورسي:

هو مفكر واسع النطاق لقد أكرمه الله عمراً طويلاً، قام بأعمال جبارة في خدمة دين الإسلام الحنيف والبشرية قاطبةً على حدٍ سواء.

يقول عنه الأستاذ الدكتور تزويتان ثيو بنو جامعة صوفيا نائب عميد كلية اللغات بلغاريا:

أعتبر نفسه خادماً للقرآن الكريم, وكرس حياته لهذه الخدمة.

يقول عنه أديب دباغ أديب وشاعر من العراق:

هو يرى الجمال في كل شيء، يرى أن حتى القبح يمكن أن ينطوي على شيء من الجمال، والشر من الممكن أن ينطوي على شيء من الخير, والباطل من الممكن أن ينطوي على شيء من الحق.

يقول عنه إحسان قاسم صالحي مترجم رسائل النور إلى العربية:

لا تخاطب التركي ولا العربي ولا المسلم, تخاطب الإنسانية, تخاطب حتى الذي ليس له إيمان.

يقول عنه كريم بالجي كاتب وباحث:

إنه كان بديع الزمان بكل معنى الكلمة، ألفَّ 6000 آلاف صفحة، ومن أجل القيام بهذا التأليف، حفظ ستة وثلاثين ألف صفحة، أي 90 كتاباً من أمهات الكتب الإسلامية.

بديع الزمان سعيد النورسي المرحلة الأولى 

اسمه سعيد الجنسية عثمانية أحرز لقب الملة الذي يعني العلامة ، والأستاذ في مدارس شرق الأناضول،من قرية النُورس التابعة لمدينة بتليس، في تلك المنطقة تجلت مهمته التي نذر من أجلها في إنقاذ إيمان المسلمين من الإلحاد، منذ مرحلةٍ مبكرةٍ من عمره وحتى الوفاة.

ألا فلتعلموا جيداً, أنه لو كان لي من الرؤوس بعدد ما كان لي من شعر, وفصل كل يومٍ منها واحدٌ عني جسدي, فلن أحني هذا الرأس الذي نذرته للحقائق القرآنية أمام الزنادقة

اقتباس من حديث النورسي

لماذا يجب أن نعرف قصة سعيد النُورسي وماذا لهذه القصة المحيرة والرائعة أن تفيد أبناء المسلمين في القرن الحادي والعشرين.

ازدادت حيوية إرشاداته بعد وفاته رحمه الله، ماذا يجد التابعين له في اثاره وتعاليمه.

يقول سعيد أوزدمير أحد تلامذته القائمين بخدمته: إذا وجه سؤال من هو النورسي؟

نستطيع القول بشكل مباشر أنه بطل الرأفة والشفقة, سعى لإنقاذ الحياة الدنيوية والأخروية للناس.

يقول محمد كولج أحد تلامذته القائمين بخدمته: بينما كنا قبله نقضي حياة غير انسانية باللهو والهوى, إذا حدث انقلاب عظيم في جميع عواطفنا ومشاعرنا.

يقول عبد الله يكين أحد تلامذته القائمين بخدمته في أحد المرات وقفت أمامه هكذا, فغضب علي وقال:

إنني لا أريد الاحترام والتبجيل هكذا, إنما الاحترام لله ولرسوله وللقرآن العظيم فقط, لا تقفوا أمامي هكذا وقفة احترام, أنا لا أريد أن تحترموني.

اقتباس من حديث النورسي

يقول الأستاذ الدكتور جورجة جريجوره مختص في الدراسات الشرقية جامعة بكرش رومانيا:

بالنسبة إليه أهم شيء هو الإيمان، قبل الدين قبل الطريقة قبل المصلحة فيقول هو: إن كنت مؤمناً إنطلاقاً من هذا الإيمان فأنت أخٌ لنا، مهما كنت.

العودة إلى البداية

ولد سعيدٌ النُورسي عام 1877 في قرية نُورس التابعة لقضاء هيزان في مدينة بتليس.

اهتم والده المتصوف ميرزا بتعليم أولاده اهتماماً بالغاً، وبدرجةٍ غير عادية، فما لبث ولده الرابع سعيد أن التحق وهو في التاسعة من عمره بأحد الكتاب والمرافق التعليمية في تلك النواحي.

إلا أن قالب الابتداء الكلاسيكي المطبق على المبتدئين في المدرسة ألحق الضجر بسعيد النُورسي.

وأفضى بدخوله إلى المناظرة مع معلميه، فوجد الحل بالعودة إلى منزله، ودرس اللغة العربية الكلاسيكية على يد أخيه الكبير ملة عبد الله لمدة ثلاث سنوات.

وفي سنه المبكرة التحق بمجموعة من الكتاتيب والمرافق التعليمية المبثوثة في تلك النواحي حول قريته نُورس والنتيجة كانت خيبة أمل.

لم يرى سعيد النورسي المناهج المطبقة عليه والتي تغض النظر عن قدرته العقلية المفرطة كافية في تحصيل العلوم رغم ذلك لم يرغب عن الحياة التعليمية.

استمر في هذا التناقض حتى التحق بالمدرسة التي كان يرغبها التي كان يتولاها الشيخ محمد جلالي في دوغو بيازيد.

سعد النورسي الصغير

سعيدٌ الصغير البالغ من العمر 14 سنة وجد هنا ما كان ينشده ويحتاج إليه من نهج وأسلوب في التدريس تحت رعاية الشيخ محمد جلالي.

وفي غضون ثلاثة أشهر أكمل الدروس التي كان يرغب بها دون الرجوع إلى الهوامش والشروح ودون ابطاء أو فتور.

وحصل على إجازة من الشيخ جلالي وأصبح يدعى الملة سعيد.

لم يكن هذا التعليم تعليماً أساسياً رسمياً يوافق المراحل الدينية، ولكنه كان بالضبط وفق ما رغب فيه من التدريس والتعليم.

أي ما تعلمه في هذه الطريقة قام بتعلم ما قرأه من واقع صفحات الواقع والحياة بشكل مباشر دون ضياع الوقت مع التكرارات غير الضرورية.

تقول عنه شكران واحدة الباحثة في حياة بديع الزمان سعيد النورسي:

منذ صغره كان صبياً غير عادياً، نحن نسميه باللغة الإنجليزية بالطفل المعجزة، وله ذكاء مفرط وقوة خارقة في الحفظ واستيعاب واسع للعلوم والفنون.

وفي الرابعة عشر من عمره اكتسب سعيدٌ النُورسي لقب الملة، وذهب إلى مدرسة الملة فتح الله أفندي الذي كان من أعلام مدينة سِعرت الشهيرة.

يتعجب فتح الله أفندي لكثرة الكتب التي قرأها سعيد، وخلال مكوثه هناك حفظ عن ظهر قلب كتاب جمع الجوامع خلال أسبوع واحد بقراءة بضع ساعات في اليوم.

وبعد حفظه للكتاب البالغ 362 صفحة بشكل كامل ذهل الملة فتح الله أفندي قائلا: إن اجتماع الذكاء الخارق مع القوة الخارقة للحفظ شيءٌ نادرٌ جداً.

وبديع الزمان الهمداني كان هو الآخر يمتلك مثل هذا الذكاء الخارق والقوة على الحفظ، وأطلق عليه لقب بديع الزمان، واشتُهر بهذا الاسم.

سبقت صفة بديع الزمان اسمه سعيد، وأصبح باسم بديع الزمان حتى بعد وفاته رحمه الله.

انطلق قاصداً مدينة بغداد، وهذه الزيارة تكفي كي تقدم لنا الإشارات حول شخصيته رغبةً في الاطلاع والعثور على طريقته وأسلوبه الخاص به.

أسفاره عبر الجبال

تقول عنه شكران واحدة الباحثة في حياة بديع الزمان سعيد النورسي:

كما هو معلوم فإن النورسي عندما غادر المدرسة الدينية كان له زي الدراويش، ولم يكن يمتلك أي شيء سوى نفسه عند عبوره الجبال المغطاة بالغابات المتشابكة المملؤة بالذئاب والدببة وقطاع الطرق.

اتجه نحو الجنوب وبعد رحلة طويلة دامت ثلاثة أشهر وصل إلى مدينة بتليس، وكان هدفه مواصلة سفره حتى مدينة بغداد وزيارة ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره.

وعند عبوره مدينة بتليس أحبه الناس هناك وطلبوا منه أن ينصحهم ويرشدهم في المساجد.

إلا إن إلقاء الدروس في هذا السن المبكر لم يكن يسمح به من قبل علماء المنطقة، فتدخل والي بتليس في المسألة وابعد بديع الزمان سعيد النورسي عن مدينة بتليس.

وكان هذا أول المنافي التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياته، والتي طالت طوال عمره حتى وفاته.

انتقل إلى شروان ومن بعدها إلى تلو، مكث في مكان صغير يدعى قبة خاصة، وقضى هناك جميع أوقاته في القراءة وتحصيل العلوم.


المصدر

قناة الجزيرة

جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

ماكتيوبس

شاهد أيضاً:

الجزء الثاني

الجزء الثالث

الجزء الرابع

الجزء الخامس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى