إسلامشخصيات

علي بن الحسين زين العابدين 


علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الملقب زين العابدين وكان بعرف بعلي الأصغر، تمييزاً له عن أخيه علي الأكبر، وهذا قتل مع أبيه الحسين رضي الله عنه في كربلاء.

وكان علي زين العابدين صغيراً فلم يشهدها، وذلك بعد أن قضى الله ما قضى فيها، لم يعرضوا له.

قصة أسره

عمر بن سعد الذي كان أميراً على الجيش الذي ارسله عبيد الله بن زياد إلى كربلاء لمقاتلة الحسين.

لما قتل رضي الله عنه وقتل من قتل من آل بيته، قال هذا عمر بن سعد لأصحابه لا تعرضوا لهذا المريض.

قال علي زين العابدين: فأخذني رجل منهم فغنمني ، فأكرمني واعتنى بي وجعل يبكي كلما دخل وخرج.

فقلت في نفسي إن يكن عند أحد خير فعن هذا، قال: فمكثت على ذلك أياماً، حتى نادى منادي ابن زياد: ألا من وجد علياً بن الحسين فليأتنا به، فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم.

قال: فدخل علي هذا الذي كنت عنده، فجعل يربط يدي إلى عنقي ويبكي، ويقول أخاف، وأخذني وسلمني إليهم وأخذ ثلاثمائة درهم وأنا أنظر.

فحملت إلى ابن زياد، فلما أدخلت عليه قال: ما اسمك؟ قلت: علي بن الحسين. قال: ألم يقتل الله علياً فقلت له: ذلك أخي أكبر مني قتله الناس.

فقال ابن زياد: بل قتله الله. فقال علي: الله يتوفى الأنفس حين موتها. فأمر ابن زياد بقتل علي زين العابدين، فقامت عمته، زينب بنت علي، وقالت: يا ابن زياد حسبك من دمائنا.

استحلفك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه، فكف عنه، ثم ارسل إلى يزيد بن معاوية في الشام، فلما دخلوا عليه، قام رجل من أهل الشام وقال: إن سبائهم لنا حلال.

فقال له علي زين العابدين: كذبت، ليس ذلك لك، إلا أن تخرج من ملتنا. فأطرق يزيد بن معاوية ثم رفع رأسه وقال لعلي: إن أحببت مكثت عندنا ووصلنا رحمك.

وإن أحببت رددناك إلى بلدك وأكرمناك، فاختار أن يرده إلى المدينة، فرده إليها ووصله.

علي زين العابدين كثير البكاء

وكان علي زين العابدين كثير البكاء، فكان سئل مرة عن ذلك، فقال لهم: لا تلوموني، إن يعقوب عليه السلام فقد سبطاً من ابنائه فبكى حتى ابيضت عيناه من الحزن ولم يدري أنه مات.

قال وأنا رأيت أربعةعشر رجلاً من أهل بيتي ذبحوا في غداة واحدة، أترون حزني عليهم يذهب من قلبي أبداً؟

محبته للعلم

وكان رحمه الله ورضي عنه، طلابة للعلم، يأتي حيث ينتفع، وكان يجلس إلى أسلم مولى عمر بن الخطاب.

هو من بيت الشرف من بيت النبوة من نبعة العز من سلالة الرسول صلى الله عليه وسلم، خير أهل الأرض ويجلس إلى عبد، مولى.

فقال له رجل من قريش: تترك قريشاً، وتجلس وتجالس عبد بني عدي؟ فقال له زين العابدين: إنما يجلس الرجل حيث ينتفع.

كثرة صدقاته

وكان رحمه الله كثير الصدقة، قال بعض أهل المدينة: لم نفقد صدقة السر حتى مات زين العابدين. بيوت من أهل المدينة يأتيهم طعامهم وتأتيهم ميرتهم ولا يدرون من ينفق عليهم.

فلما مات علي انقطع ذلك، فعلم أنه هو صاحبه. وكان يقول: إني أستحي لأخ من إخواني أن أسأل له الجنة وأبخل عليه بالدنيا.

حتى إذا كان يوم القيامة قيل لي لو كانت الجنة بيدك لكنت بها أبخل وابخل. وكان يقول: سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وسادة الناس في الآخرة أهل الدين والفضل والعلم لأن العملاء ورثة الأنبياء.

موقفه من أهل العراق

وكانت له المواقف المشهورة مع من يدعي التشيع لأهل البيت، فجاءه مرة بعض أهل العراق وجلسوا إليه وذكروا أبا بكر وعمر، فنالوا منهما وهو يسمع، ثم ذكروا عثمان فتوسعوا ما شاؤوا في النيل والذم له.

فقال لهم: أأنتم ممن قال الله فيهم: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون

قالوا لسنا منهم. قال: أفأنتم من الذين قال الله فيهم:

والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان فيهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون

قالوا: لسنا منهم. قال أما أنتم فقد تبرأتم من الفريقين أن تكونوا منهم، وأما أنا فأقسم أنكم لستم من الفريق الثالث الذين قال الله فيهم:

والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم

قوموا عني لا قرب الله دوركم فإنكم تستترون بالإسلام ولستم من أهله.

وكان يقول يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام ولا تحبونا حب الأصنام، فما زال حبكم بنا حتى بغضتمونا إلى الناس. وكانت له مهابة عظيمة، عز شامخ.

قصته مع هشام بن عبد الملك

حج هشام بن عبد الملك في خلافة أبيه أو أخيه، وحج في طائفة من أهل الشام، وفي الطواف كان إزدحام شديد، فكان لا يقدر على استلام الحجر الأسود.

فلما انتهى من طوافه وسعيه، جلس ونصب له مجلس قبالة البيت، وطاف به أصحابه من أهل الشام، وكان فيهم الفرزدق.

فجاء رجل هو علي بن الحسين زين العابدين وكان أجمل الناس صورة ومن أطيبهم ريحاً فجعل يطوف فإذا دنا من الحجر الأسود وسع الناس له ليستلمه.

فرأى ذلك أهل الشام، من هذا الذي يعظمه الناس أكثر من تعظيمهم لأخ الخليفة أو أخيه، فقال بعض أهل الشام: من هذا؟

فعرفه هشام بن عبد الملك ولكنه مره أن يقول فلان فيينطلق إليه أهل الشام فقال: لا أعرفه. فقال الفرزدق: ولكني أعرفه، فقال الشامي السائل: من هو يا أبا فراس؟

فقال: قصيده المشهورة:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا النقي التقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العز الذي قصرت عن مثلها الإسلام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذ ما جاء يستلم

يغضي حياءً ويغضى من مهابته فلا يكلم إلا حين يبتسم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا

وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم

مشتقة من رسول الله نبعته طابت عناصرها والخيم والشيم

من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم منجى ومعتصم

يستدفع السوء والبلوى بحبهم ويسترب به الإحسان والنعم

إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

أي الخلائق ليست في رقابهم لأولية هذا أو له نعم

من يشكر الله يشكر أولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الأمم

حبس الفرزدق

فغضب هشام بن عبد الملك وحبس الفرزدق. فهاجه الفرزدق. وبلغ ذلك علي بن الحسين فأرسل إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم.

وقال له: اعذر أبا فراس لو كان عندنا أكثر من هذا لبذلناه لك.فقال الفرزدق: والله يا بن بنت رسول الله ما فعلت ما فعلته إلا غضباً لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليها شيئاً.

فردها إليه علي زين العابدين وقال له: قد علمت أنا أهل بيت لا نعود فيما أعطينا، وقد رأى الله مقامك وعلم نيتك فخذها بارك الله لك فيها، فقبلها حينئذ.

وقال يهجو هشاماً قصيدة قال فيه:

أيحبسني بين المدينة والتي إليها قلوب الناس يهوي منيبها

يقلب رأساً لم تكن رأس سيد وعيناً له حول أباد عيوبها

محاسبته لنفسه

وقال الزهري: سمعت علياً زين العابدين ، يناجي ربه ويحاسب نفسه ويقول: يا نفس حتام بالدنيا غرورك وإلى عمارتها ركونك فما اعتبرت بما مضى من أسلافك؟ وغيبته الأرض من الافك؟

ومن فجعت به من إخوانك؟ وذهبت به من أقرانك؟ فهم في بطون الأرض بعد ظهورها، محاسنهم فيها بالدواثر، خلت دورهم وأقوت عراصهم وضمتهم تحت التراب الحفائر.

كم اخترمت أيدي المنون من قرون بعد قرون وكم غيرت الأرض ببلاها وغيبت تحت ثراها وأنت على الدنيا مكب منافس لخطابها فيها حريص مكاثر.

على خطر تمسي وتصبح لاهياً أتدري بماذا لوعقلت تخاطر، وأن امراً يسعى لدنياه دائباً ويذهل عن أخراه لا شك خاسر.

رحم الله علياً زين العابدين

الشيخ سعيد الكملي

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى