الحياة والمجتمع

مشكلات الزواج والأسرة في العصر الراهن


الزواج وأسباب التفكك في الأسرة

 

الأسرة : لا بد أن يبنى الزواج على أسس شرعية، حتى يكون بناؤه صلباً، ينعم في ظله الزوجان بالمودة والسعادة، ويكون من ثماره الذرية الصالحة.

ومن هذه الأسس الشرعية ما يتعلق باختيار الزوجة الصالحة واختيار الزوج الصالح والرضا.

ومما لا شك فيه أن حسن الاختيار له دور حاسم في مستقبل الحياة الزوجية والأسرة واستقرارها وأمن الأسرة وسلامة النسل.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم).

المشكلات الأسرية

قد تتخلل رحلة الزواج مشكلات تؤدي إلى اضطراب العلاقات بين الزوجين، وإلى سلوكيات شاذة وتعاسة زوجية.

مما يهدد استقرار الجو الأسري والصحة النفسية لكل أفراد الأسرة. ويصدر النزاع والشجار عن أزواج غير متوافقين مع الحياة الزوجية في الأسرة.

نظراً إلى عــدم وضوح دور كل منهما، وتفكك شبكة العلاقـات بينهما، مما يؤدي إلى شعور الزوجين بخيبة الأمل والإحباط والفشل والغضب والنزاع والشجار.

فشل الوالدين في التنشئة الأسرية السليمة لأبنائهم

الأبناء هم زينة الحياة الدنيا وأنس الوالدين في حياتهم، بهم تحلو الأيام، وعليهم تعلق الآمال ويضاعف الثواب.

يتوقف ذلك على التنشئة الاجتماعية السليمة، التي تجعلهم مصدر سعادة، أما إذا لم يحظ الأبناء بالرعاية والتوجيه السليم فسوف يصبحون عوامل هدم للأسرة.

وعلى الوالدين أن يدركا عظم المسؤولية الملقاة عليهما تجاه أبنائهم، وليس أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم:

(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها).

الفقر والبطالة

لقد أوجب الإسلام على الزوج النفقة على الأسرة، بما يكفل لأفرادها الحياة الكريمة في مؤسسة الزواج ويؤمن احتياجاتهم الأساسية، من طعام وشراب ومسكن وغيرها.

مما يقضي به الشرع، مصداقاً لقولـه سبحانه وتعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفس إلا وسعها) (البقرة:233)

وقوله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) (الطلاق:6)، وقوله صلى الله عليه وسلم (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف).

وهكذا يمكن القول بأن الزوج هو المطالب بتوفير الحياة الكريمة للأسرة، وتجنيبها البحث عن طرق غير مشروعة لتأمين احتياجاتها تحت وطأة الفقر والحرمان والبطالة.

ويعد الفقر والبطالة في كثير من المجتمعات مسؤولان عن الأزمات الأسرية، إذ يؤديان إلى عدم إشباع الحاجات الفسيولوجية لأفراد الأسرة.

وقد يدفعان الأب إلى ممارسة بعض أشكال الانحرافات السلوكية كالإدمان على الكحول أو المخدرات، هروباً من مواجهة المسؤولية.

أو كاللجوء إلى مزاولة أعمال يحرمها القانون ويزج بصاحبها في السجون، كالسرقة أو الاتجار بالمخدرات وغيرها.

عمل المرأة

يعد عمل المرأة من المشكلات الأساسية التي تهدد استقرار الأسرة المسلمة ومؤسسة الزواج بشكل عام.

لأن في ذلك إقصاء لها عن أدوارها الأساسية وهي الأمومة والحياة الزوجية، فهي مسؤولة عن بناء الأسرة المسلمة وتنشئة الأجيال الصالحة.

وبعملها خارج بيتها تفسد علاقتها بأبنائها، فهي تغيب عن البيت فترة طويلة يومياً، وعندما تعود إلى البيت تكون مجهدة متعبة وبحاجة إلى الراحة.

وبهذا يفقد الأبناء الدفء والمودة والحنان والعطف، كما يفقدون التربية والتوجـــيه الصحيح في الأسرة.

وكما هو معلــوم، فإن السنوات الخمس الأولى من العمر، تكون حاسمة في تطور الشخصية المستقبلية للطفل من كافة النواحي الجسمية والعقلية والاجتماعية والروحية.

الأمر الذي يتعين على الأم أن تقضي مع ابنها وقتاً كافياً لإنمـــاء كافــة مظاهــر شخصيته، تحدثه وتستمع إليه وتقربه منها ولا تبعد عنه.

تلعب معه وتنمي لديه القيم الاجتماعية والروحية.

الخدم في الأسرة

قد يكون الحديث عن الخدم في الأسرة موجه في الأغلب نحو منطقة الخليج العربي، إذ يشير الكندري، إلى وجود حوالي مليون خادم فيها.

ويذكر أن وجود الخدم في الأسرة ظاهرة انتشرت في دول الخليج العربي منذ قديم الزمان، عندما كانت الأسر الكبيرة تعتمد على الخدم في حضانة الأبناء وتربيتهم.

وتقديم الخدمات المنزلية اليومية من طبخ وتنظيف وكي وغيرها، ومع مرور الزمن أصبحت الأعمال المنزلية لا تمثل واجباً أساسياً، على المرأة أن تؤديه.

لذا تحولت هذه الأعمال إلى الخادمة دون أن تفقد الزوجة دورها الاجتماعي كربة بيت.

وبالمقابل توجهت المرأة إلى أعمال بديلة كالمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والاستقبالات والتنزه والعمل خارج المنزل، وهي مطمئنة لوجود بديل لها في المنزل.

وقد يستغرب بعضهم القول إن ظاهرة الخدم جاءت نتيجة لضغوط اجتماعية معينة، حتى أن الأسرة التي ترفض وجودهم لأسباب وجيهة، غالباً ما تتهم بالبخل والتقتير.

وقد أدت هذه الظاهرة إلى تعزيز دور الزوج الآمر الناهي في البيت على حساب الزوجة، في حين وجدت الزوجة من الخادمة متنفساً مقبولاً اجتماعياً لانفعالاتها.

الأمر الذي قد يفسر إصرار الزوجة على وجود الخادمة على الرغم من عدم رضاها عنها.

الطلاق

الأسرة في المنظور الإسلامي، مؤسسة اجتماعية اقتصادية، وتعني كلمة (أسر) الشد والربط.

وفي المنظور الاجتماعي، فإن الأسرة تعني الرابطة الاجتماعية بين أفرادها، لذا فلا عجب أن يعنى الإسلام بدوام الزواج ونجاحه، فيحدد الإجراءات لاستمرار ديمومته.

فقد اشترط نية دوام الزواج، لــذا كان أي زواج بنية مؤقتة باطل لا يجوز، ويُعد الطلاق أبغض الحلال إلى الله.

وقد أباحه الإسلام إذا لم يعد بالإمكان استمرار الحياة الزوجية والأسرة بشكل عام، وجعل له ضوابط ومراحل وفرصاً للعودة في ضوء حرصه على استمرار العلاقة الزوجية قائمة.

ويعد الطلاق نوعاً من أنواع الغربة والاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى صراع بين أسرتي الزوج والزوجة ويذهب ضحيتها الأبناء.

ويرتبط الطلاق بالصراع بين الزوجين وعدم الانسجام النفسي بينهما وبعمل المرأة (في كثير من الأحيان).

وبعدم قدرة الزوج على الإنفاق، وبالتالي عدم إمكانية استمرار الحياة الزوجية. ومن المؤسف حقاً أنّ معدل الطلاق في معظم البلدان العربية الإسلامية آخذ في الازدياد في الأسرة العربية.

ففي دولة الكويت مثلاً، يشير الكندري، إلى أن ما يقرب من نصف الذين يتزوجون سنوياً ينتهون بالطلاق، وأن ثمة نسبة عالية من الانفصال التام المشابه للطلاق.

الخيانة الزوجية

يعد وفاء الزوجين من الدعائم لاستقرار الزواج والسعادة في الأسرة. وبالمقابل تعد الخيانة الزوجية، من العوامل الرئيسة في هدم البناء الأسري وتقويض دعائمه.

وتعد الخيانة الزوجية خروجاً عن الحقوق الشرعية للزوجين، فالأصل هو الوفاء، مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى:

(والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) (الـمؤمنون:5-6).

ولقـوله صلى الله عليه وسلم (ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء: المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته).

وتشير الآية الكريمة إلى الحقوق المشتركة للزوجين من إخلاص ووفاء وعمق المودة والسكن بينهما.

كما يشير الحديث الشريف إلى أن على الزوجة أن تحفظ عرض زوجها بحفظ عرضها وشرفها.

تحديات العولمة والإعلام

تعد العولمة من أبرز التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة، وتهدف إلى إزالة إذابة الفروقات بين المجتمعات الإنسانية وشيوع القيم المشتركة التي تجمع بني البشر.

وتكون البنية التحتية لسيادة آلية رأس المال دون قيود وآلية المعلومات دون رقابة، حاملة شعار المصير الواحد للبشرية.

وبالنظر إلى الجانب الاجتماعي للعولمة، نجد أنها تهدف إلى القضاء على مؤسسة الزواج وبنية الأسرة وهدمها واقتلاعها حتى تتعطل عن إنتاج الأسر المسلمة.

ومحو خصوصيتها المميزة على المستوى الأسري، والقضاء على الإسلام من خلال تفكيك الأسرة المسلمة، والبدء بالمرأة باعتبارها الأساس في بناء الأسرة.

مؤتمرات لتحرير المرأة

ظهرت الدعوات إلى تحرير المرأة، وتم عقد المؤتمرات الدولية التي تستهدف الأسرة والمرأة، منها مؤتمر مكسيكو، ومؤتمر كوبنهاجن، ومؤتمر نيروبي.

وآخرها مؤتمر بكين عام 1995، الذي أفضت قراراته إلى:

تهميش دور الأمومة والزوجية داخل الأسرة باعتباره دوراً غير مربح.

الدعوة إلى تقاسم الزوج والزوجة الأعباء المنزلية وتربية الأطفال، واعتبار الزوجية والأمومة قهراً للمرأة.

تهميش دور العلاقات في الأسرة والتماسك، والنظر إلى الزواج على أنه علاقة جنسية بين طرفين، كل له استقلاليته وحقوقه.

تقبل المجتمعات ارتكاب فاحشة الزنا وعدم استهجانها، ومساعدة المرأة على الإجهاض بصورة قانونية.

الاعتراف بالممارسات الشاذة وغير المشروعة والترويج لها، ومطالبة الحكومات بإيجاد التشريعات التي تسمح بذلك دولياً.

الزواج بغير المسلمة

أجاز الإسلام نكاح أهل الكتاب بالاستدلال بقوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) (المائدة:5).

وأكد ضــرورة أن تكــون الزوجة محل ثقة الزوج، يأمنها على شرفه وأبنائه ومتاعه، ولكن الزوجة غير المسلمة موكولة إلى طبيعتها.

وما تربت عليه في الأسرة التي عاشت بها، من عادات وتقــاليد وقيم اجتماعية، تختلف عن عادات وتقــاليد وقيم زوجها في البلاد العــربية والإسلامية.

وجدير بالذكر أن المرأة غير المسلمة ستعمل على تربية الأبناء وتنشئتهم وإكسابهم العادات والقيم التي تربت عليها.

فيكون الأبناء ضحية هذا النوع من الزواج، فقد يتعلمون لغة أمهم على حساب اللغة العربية، وقد تحول الأم دون ممارستهم شعائر الدين الإسلامي.

بل قد تعلمهم شعائر دينها ومعتقداتها، مما يثير النزاع بين الزوجين الذي قد ينتهي بفرار الزوجة إلى بلدها ومعها أبناؤها.

وهناك تجد الحماية القانونية لها ولهم، ويحاول الزوج جهده لإعادة أبنائه دون جدوى، فتتشتت الأسرة ويضيع الأبناء.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى