عقيل بن أبي طالب عبد المطلب بن هاشم، القرشي الهاشمي الصحابي، بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخوه علي بن أبي طالب وأخوه جعفر.
شقيقهما كان أكبر من جعفر بعشر سنوات، وكان جعفر أكبر من علي بعشر سنوات، فعلي كان أصغرهم سناً، وأولهم اسلاماً.
عقيل كان أولهم مولداً وآخرهم اسلاماً، وكان لأبي طالب ولد أكبر من هؤلاء، وكان يكنى بطالب، ولكنه مات كافراً.
تميز عقيل بن أبي طالب عند رسول الله (ص)
فلما أسلم عقيل كان النبي الكريم يحبه، فقد روى الطبري بإسناد مرسل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا يزيد، إني أحبك حببين حباً لقرابتك وحباً لما كنت أعلم من حب عمي لك.
وكان عقيل أحب بني طالب له، وهو من أعلم قريش بأنسابها، إلا أنهم يزعمون أنهم كانوا يبغضونه لأنه كان يكثر ذكر مثالبهم ومعايبهم.
موقعة بدر وأسر عقيل بن أبي طالب
وكان عقيل بن أبي طالب، ممن شهد بدر، وكان على الكفر، لكنه أخرج مكرهاً فلم يكن له رغبة لقتال ابن عمه رسول الله الكريم.
وهذا كان شأن بعض بني هاشم، فما كانوا يرغبون في قتل النبي الكريم، لأنه منهم، وكان النبي يوصي بهم، فقد علم أنهم سيكرهون على الخروج إلى بدر.
روى ابن شيبة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن استطعتم أن تأسروا من بني عبد المطلب، فإنهم أخرجوا كرهاً لا طواعية.
وعندما أسر في بدر عقيل بن أبي طالب وعمه العباس بن عبد المطلب، وابن عمه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، مع طائفة من قريش، ففداه عمه العباس.
ملك من الملائكة يساعد في أسر عقيل
وقد روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الذي أسر العباس بن عبد المطلب، أبو اليسر، بن عم أحد بني سلمة.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أسرته يا أبا اليسر، فقال: أعانني عليه رجل ما رأيته بعد ولا قبل، هيئته كذا وكذا، فقال له الرسول الكريم: أعانك عليه ملك كريم.
ثم قال للعباس: افدي نفسك وافدي ابن أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعتبة بن جحدم.
وقال ابن العباس: لقد كنت مسلماً قبل ذلك، إنما استكرهوني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بشأنك، إذا كان ما تدعي حقاً، فالله يجازيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافدي نفسك.
فدو العباس ليخرج عقيل من الأسر
وكان النبي الكريم قد أخذ منه قبل ذلك قد أخذ منه 20 أوقية، فقال له العباس: اسحبها من الفداء، فقال له النبي: إنما أعطاناه الله منك.
فقال له العباس: إنه ليس لي مال، فقال له النبي: فأين المال الذي وضعته في مكة؟ حيث خرجت عند أم الفضل، وليس معكما أحد غيركما.
فقلت لها: إن أصبت فللفضل كذا ولقسم كذا ولعبد الله كذا، فقال العباس: والذي بعثك بالحق، ما علم بهذا أحد من الناس غيري وغيرها، وإني لأشهد أنك رسول الله.
وروى أبو نعيم أن النبي الكريم: كان جعل على أسرى بدر، 40 أوقية في الفداء، فجعل على العباس مئة أوقية، وعلى عقيل 80 أوقية، فقال العباس للنبي الكريم: ألقرابتي فعلت هذا؟
فأنزل الله قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى، إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم)، فكان العباس بعد ذلك يقل: وددت لو أخذ مني أضعاف مما أخذ.
تعويض العباس بالمال الذي دفعه فدية
وقد عوض الله عز وجل لابن العباس أكثر مما أخذ منه، وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: أوتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين.
فقال النبي: انثروه في المسجد، قال أنس: وكان أكثر مال أوتي به النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج النبي الكريم إلى الصلاة ولم يلتفت، فلما انصرف من صلاته.
رجع فجلس فما رأى أحداً إلى أعطاه، حتى جاء العباس، فقال له: يا رسول الله أعطني من هذا المال، فإني فديت نفسي وفديت عقيل بن أبي طالب.
فقال عليه الصلاة والسلام: خذ، فدعل يحثو في ثوبه، فلما حثى ذهب يقل ثوبه فلم يستطع، فقال العباس إلى رسول الله: يا رسول الله مر أحدهم يرفعه إلي.
فقال له النبي الكريم: لا، فقال العباس: ارفعه أنت علي، فقال له النبي الكريم: لا، فنثر العباس من المال، ثم احتمله فألقاه على كاهله، وولى.
فجعل النبي الكريم، يتبعه بصره حتى خفي عليهم، تعجباً من حرص العباس على المال، قال أنس: فما قام النبي الكريم من مجلسه ذاك وثنى درهم.
في خارج الصحيح، لما ولى العباس بالمال، قال: أما يحظى اللتين وعدنا الله إياهما فقد أنجزها لنا، ونحن ننتظر الأخرى.
قصة إسلام عقيل بن أبي طالب
ولما أسر عقيل، ذكر ابن سعد أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له: من قتلت من أشرافهم، فقال النبي: قتل أبو جهل، فقال له عقيل: الآن صفى لك الواد.
ثم أسلم عقيل قبل الحديبية في ثمان للهجرة، وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحضر غزوة مؤتة، ثم مرض، فلم يسمع له بذكر في فتح مكة، ولا غزوة حنين ولا فتح الطائف.
سبب كره قريش له وعداءه
وكان ذكاراً لمعيب قريش، ومصرحاً بمثالبها كما قلنا، فأكثروا عليه من الاختلاق والتزوير، ونسبوه إلى الحمق، وذكروا عليه أموراً أكثرها غير صحيح.
ومما ساعدهم على ذلك، أنه فارق أخوه علي بن أبي طالب، وذهب مع معاوية ومكث عنده، وأتى علي فقال له: يا أمير المؤمنين إني فقير فأعطني.
فقال له علي: انتظر حتى يخرج عطائي فأعطيك منه، فلم يقبل الانتظار، فلما ألح عليه قال علي لرجل ما: خذ بيد هذا واذهب به إلى السوق، وأره حوانيت الناس، وقل له دق هذه الأقفال، وخذ من الحوانيت ما شئت.
فقال عقيل: يريد أمير المؤمنين أن يتخذني سارقاً؟ فقال علي: بل أنت تريد أن تتخذني سارقاً، أن آخذ وأحوذ أموال الناس فأعطيك دونهم، فقال عقيل: إذاً أذهب إلى معاوية، فقال علي: إذاً أنت وذاك.
فذهب عقيل بن أبي طالب إلى معاوية، وأعطاه مئة ألف، فمكث عنده، وهذا السبب الذي جعل الاخباريين يكثرون عليه من الحكايات، إضافة إلى أنه حديد اللسان، فكثر عليه عداوة الناس.
قصة عقيل مع معاوية بن أبي سفيان
ويذكرون أنه كان عند معاوية يوماً، فدخل عليه وأكرمه معاوية، وأجلسه معه على سريره، ودخل عتبة بن أبي سفيان، أخ معاوية بن أبي سفيان، فوسع معاوية له وأجلسه بينه وبين عقيل.
فقال عقيل: من هذا الذي أجلسه أمير المؤمنين بيني وبينه؟ فقال معاوية: أخوك وابن عمك عتبة، فقال عقيل: لإن كان أقرب إليك مني، لأنا أقرب إلى رسول الله منك ومنه، وأنتم مع رسول الله أرض ونحن سماء.
فقال عتبة: يا أبا يزيد، أنت كما ذكرت، ورسول الله فوق ما وصفت، وأمير المؤمنين عالم بحقك، وإن لك عندنا مما تحب أكثر مما لنا عندك مما نكره.
مجلس عقيل في مسجد رسول الله
وقال النسابون: لقد كان هناك طنفسة خاصة يجلس عليها عقيل بن أبي طالب، في مسجد النبي الكريم، يجلس الناس إليه، يأخذ عنه علم النسب وعلم العرب.
وقد ذكر في الموطئ عن مالك عن عمه أبي سهيل، عن جده مالك بن أبي عامر الأصبحي، أنه قال: إني كنت أرى طنفسة لأبي طالب يوم الجمعة تطرح إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار، خرج عمر بن الخطاب فصلى الجمعة.
قوة عقيل في علم النسب
وقال النسابون: كان أربعة في قريش يتحاكم إلى قولهم، ولا تتجاوز أقوالهم في علم النسب، هم عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل، وأبو جهل بن حذيفة وحويطب بن عبد العزة.
هكذا يقولون ولا يذكرون أبا بكر، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أبا بكر أعلم بني قريش بأنسابها، ومع ذلك لم يذكرونه في العلماء في النسب.
وعقيل بن أبي طالب اشتهر بأجوبته، فقد قال الجاحظ عنه: كان بيّن اللسان شديد الجواب لا يقوم له أحد.
توفي عقيل بن أبي طالب قبل وقعة الحراث أو خلافة يزيد، في سنة 62 أو 63.