الآدابشخصيات

أبو الطيب المتنبي بين المدح والهجاء

أبو الطيب المتنبي مع نايف الظفيري :

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم

أبو الطيب المتنبي واسمه أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي، والجعفي يأتي من قبيلة قحطان الكندي من كنده وهي منطقة في العراق.

وولد في الكوفة عام 915 ميلادي 303 هجري وهو أحد شعراء الدولة العباسية وأيضاً يعتبر أعظم شاعر عربي على الإطلاق.

نسب أبو الطيب المتنبي

نسب أبو الطيب المتنبي

كان والده سقّا لم يكن معروفاً فقيراً ولم يكن للمتنبي سند، لكنه كان لسانه سليطاً سواء بالإيجاب أو بالسلب هو الذي كان يسنده بين الناس.

الوضع السياسي للدولة الإسلامية

الدولة الإسلامية في ذلك الوقت دولة شيعية وهي الدولة الحمدانية وهي في ظل الخلافة العباسية.

الدولة الحمدانية

الحمدانية أصلهم عرب من بني تغلب أسسوا ولاية في الموصل بعلم الخليفة العباسي الذي سمح ببقائهم من اجل المال وضمان شوكتهم ألا تطغى.

لكنهم كبروا واستحكموا على حلب والشام والأراضي في أنطاكيا وكانوا السد المنيع للروم من ناحية القسطنطينية.

والدولة الحمدانية ساعدت في طرد الروم من بلاد الشام.

الدولة الإخشيدية

دمشق كانت ما بين الحمدانيين العرب و الإخشيديين في مصر. والدولة الإخشيدية تعتبر من مخلفات الدولة الفاطمية العبيدية والتي أسسها محمد الإخشيدي.

وكان هناك تنازع كبير ما بينه وبين الحمدانيين، لكن الفرق بينهما أن الإخشيديين كانوا يحصلون على رضى الخلافة العباسية بينما الحمدانيين ليسوا كذلك.

نشأته وتعليمه

بدأ حياته منهمكاً بالتعليم وعاش في بادية السماوة في العراق بين الكوفة والشام، تعلم أصول اللغة العربية هناك.

ويقال أنه ادعى النبوة والتف عليه أناس من أهل بادية السماوة، فسجنه أمير حمص التابع للدولة الإخشيدية في مصر.

فنظم أبو الطيب المتنبي قصيدة وأرسلها إلى الأمير فخرج وتاب عن ادعائه النبوة ومن يومها أصبح اسمه المتنبي.

إن صحت الرواية أو لم تصح لكن عباس العقاد يقول أنه لا يستبعد هذا الأمر عنه، لأنه كان شخصاً نرجسياً ويرى نفسه أعلى من البشر.

وأما عن التسمية فيدافع عنه أبو العلاء المعري بأن يقول أنه من النبوة وليس من النبوءة. والنبوة هو المكان المرتفع أي أن المتنبي ارتقى مكاناً عالياً في الشعر.

لقاء المتنبي بسيف الدولة الحمداني

بعد ذلك التقى بشخص يدعى أبي العشائر وهو والي أنطاكية عند سيف الدولة الحمداني وابن عمه.

فقام أبي العشائر بتعريف المتنبي على سيف الدولة الحمداني وحصل بينهما انسجام كبير، فسيف الدولة كان عربياً من تغلب وحاكم والمتنبي كان عربي وشاعر .

فاستخدم سيف الدولة المتنبي لتوثيق قتاله وأمجاده في القصائد، والمتنبي يحصل من سيف الدولة على المال والاحترام الكثير.

وفعلاً أغدق سيف الدولة على أبو الطيب المتنبي وعلمه الفروسية ليخرج معه في الحروب ليخبر عنه.

وبسبب حب سيف الدولة للمتنبي أصبح لديه أعداء كثيرون من أكابر القوم والوزراء الذين أصلاً يرفض مدحهم لأنه لا يمدح إلا الأمراء والملوك.

وحتى كان ارتباط سيف الدولة مع المتنبي شديداً لدرجة أن الشاعر ألّف ديواناً أسماه سيفيات المتنبي.

فكل الناس كرهوا أبو الطيب المتنبي وأصبحوا يتصيدونه في الشعر.

لقاء أبو علي الأمدي

مرة كان عند الوزير ابن الفرات وكان جالساً عنده مجموعة من الشعراء وكبار القوم وأحد الجالسين رجل يدعى أبو علي الأمدي عالم باللغة العربية.

فسأل الوزير المتنبي: يا أبا الطيب هذا أبو علي الأمدي أتعرفه؟ قال المتنبي: لا أعرفه. فحزن الأمدي لذلك وبدأ المتنبي بقول الشعر فقال:

إنما التهنئات للأكفاء، فقال له الأمدي: كيف تجمع تهنئة لتهنئات وهي مصدر والمصدر لا يجمع؟ فقال المتنبي لمن بجانبه: أهذا مسلم؟

فرد عليه بالإيجاب، فقال المتنبي: ألا يصلي؟ ألا يقرأ في الصلاة التحيات لله؟ والتحيات جمع تحية والتهنئات جمع تهنئة.

فدخل الحساد ما بينهما يشحذانهما ويوصلون كلاماً عن لسان أبو الطيب المتنبي لسيف الدولة الحمداني.

وقيعة الناس بينه وبين سيف الدولة

وكان أبو الطيب المتنبي يأتي متأخراً فكان الناس يلمزون سيف الدولة أن المتنبي هو أعظم منه منزلة لأنه يتأخر.

وكان المتنبي يكثر من مدح سيف الدولة ويكثر من مدح نفسه فقال الناس لسيف الدولة: ألم يُبق شيئاً للأمير فقال كل شيء لنفسه؟

وفي نفس الوقت أحب خولة أخت سيف الدولة والتي قال عنها قصيدة فنشر خبرها بين الناس وأنه يذكر محاسنها، وهذه كانت الطامة.

عتاب المتنبي لسيف الدولة الحمداني

ومرة كان المتنبي جالساً مع ابن خالويه وهو من عملاء اللغة في الدولة يتلامزان بالكلام لكن المتنبي أثقل في الكلام وسخر منه ومن أصله الفارسي.

فغضب ابن خالويه وضربه بحديدة فنظر المتنبي إلى سيف الدولة، ووجد أنه لم يفعل شيئاً فخرج وقال القصيدة المدمية والمعروفة من شدة حزنه من موقف سيف الدولة يقول فيها:

مالي أكتم حباً قد برى جسدي وتدّعي حب سيف الدولة الأممُ

إن كان يجمعنا حباً لغرّته فليت أنّا بقدر الحب نقتسم

قد زرته وسيوف الهند مغمدة وقد نظرت إليه والسيوف دم

فكان أحسن خلق الله كلهم وكان أحسن ما في الأحسن الشيم

فوّت العدو الذي يممته ظفرٌ في طيّه أسفٌ في طيّه نِعم

قد نام عنك شديد الخوف واصطنعت لك المهابة ما لا تصنع البُهم

الزمت نفسك شيئاً ليس يلزمها أن لا يواريهم أرض ولا علم

أكلما رميت شيجاً فانثنى هرباً تصرفت بك في ىثاره الهمم

عليك هزمهم في كل معترك وما عليك بهم عار إذا انهزموا

أما ترى ظفراً حلواً سوى ظفرٍ تصافحت فيها بيض الهند واللمم

يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

أعيدها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

وما انتفاع أخ الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلم

سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا بأنني خير من تسعى به قدم

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم

أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جرّاها ويختصم

وجاهل مده في جهله ضحكي حتى أتته يد فرّاسة وفم

إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم

الانتقال إلى الدولة الإخشيدية

بعد القصيدة التي قالها عتاباً لسيف الدولة انتقل أبو الطيب المتنبي إلى الدولة الإخشيدية في مصر.

وكان قد مات مؤسس الدولة الإخشيدية وخلف ابنه الصغير، وكان لديه عبد أسود يدعى كافور وهو الوصي على الولد الصغير وهو الحاكم الفعلي.

كافور الإخشيدي كان سياسياً محنكاً، وعندما كان عبداً سجيناً مقيداً بالسلاسل يسألونه ما حلمك كان يقول لهم: أحكم مصر.

وحكم مصر وله أعمال كثيرة جيدة.

المتنبي ذهب إلى عنده وأكثر من مدح كافور، لكن كافور كان حبشياً ليس لديه كرم العرب عندما يسمع الشعر.

فالحياة كانت بالنسبة للمتنبي قاسية.

زلزال مصر

ومرة حدث زلزال في مصر فقال أبو الطيب المتنبي لكافور:

ما اهتزت مصر من كيد ألّم بها لكن رقصت من عدلكم طرباً

فأكرمه كافور لكن ليس بالقدر الذي يتمناه أبو الطيب بل يعطيه هدايا بسيطة.

هجاء المتنبي كافور الإخشيدي

مرة دخل المتنبي على كافور يطلب منه ولاية يحكمها فرفض طلبه لأن الحكم ليس من خصاله، فغضب المتنبي وخرج من مصر يهجو كافور هجاءاً شديداً.

وقال في كافور القصيدة المعرفة:

لا تشتري العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيدُ

 وكلنا نعرف هذه القصيدة في هجاء كافور الإخشيدي ولكننا لا نعلم كم عمل من أجل مصر في زمانه.

من فارس إلى بغداد

خرج المتنبي وذهب إلى فارس ليمدح ملكهم وكذلك الفرس لم يكونوا كرماء كالعرب والمال لم يعجبه فقرر الرجوع إلى بغداد.

وسمع بخبر عودته فاتك الأسدي، وكان قد هجاه المتنبي وهجا قريبه ضبة فقطع عليه الطريق، وكان هجاءه شديد الفحش والسباب.

وأراد المتنبي أن يهرب فجاءه الغلام وقال له: أتهرب وأنت الذي قلت الخيل والليل والبيداء تعرفني؟ فنظر فيه المتنبي وقاله له: قتلك الله قتلتني بها.

وقتل أبو الطيب المتنبي في سنة 965 ميلادية 354 هجرية.

أرهق الشعراء أبو الطيب وكان الشعراء في ذلك الزمن المعروفين لم يكونوا معروفون بوجوده فهو القائل:

عِشّ أبقِ اسمُ جُدْ قُدْ مُرْ انهَ أثْرِ فَهْ تُسَلْ

غِظْ ارمِ صِب احمِ أغزُ أسبِ رَعْ زَعْ دَلْ أفنِ نَلْ

وهذه أفعال أمر جمعها معاً كي يكون فيها مقطوعة فنية. وهذه نهاية حلقتنا عن تاريخ أبو الطيب المتنبي.

المصدر يوتيوب قناة زمكان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى