اليوم معنا بطل من الصومال وهو أحمد الغري . أنا متأكد أني إذا قلت لكم دولة الصومال ستفكرون مباشرة في المجاعة أو على الأقل أغلبكم سيفعل ذلك.
وهذا بسبب المستعمر الذي أتى إلى أرضنا وخرّبها ثم استعمر بلاده. لكن هل تعرفون أن الصومال لديه تاريخ مشرف؟
تمهيد لظهور أحمد الغري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحباً بكم أيها الخوالد. اليوم سنتحدث عن الصومال وكما تعلمون فأفريقيا سواء أفريقيا السمراء أو أفريقيا ككل دائماً ما تحقّر في الأعمال الفنية والكتب والتاريخ.
وكأن هذه الأرض لم تنتج شيئاً، بينما الإحصاءات تقول أن أفريقيا هي التي تحمل العالم إذا نحينا البترول، فسنجد أن أغلب المعادن الضرورية تستخلص من أفريقيا.
ومع ذلك نجد أن كثير من هذه الدول تعاني من التخلف والأمراض والمجاعة.
حضارات أفريقيا
أفريقيا يتم تحقيرها حالياً كأنها لم تر حضارة من قبل، مع أنها في بعض الأحيان كانت هي التي تسود العالم وهي احتضنت على مر الأزمان حضارات كثيرة.
منها الحضارة الفرعونية، الحضارة الكوشية، مملكة غانا، ومملكة مالي ومملكة إكسوم التي هي الحبشة الآن، ومملكة أروران التي هي الصومال.
كل هذه الممالك كانت قوية جداً في جميع النواحي العسكرية والعلمية، وأتحدث عن قبل الإسلام وبعد الإسلام.
ولا يجب أن نقول أن أفريقيا ليس فيها حضارة أو أن أفريقيا تعاني من الفقر والتخلف على مر الأزمنة، بل في هذا الزمان.
نسأل الله تعالى أن يخلصنا من سطوة المستعمر الذي لا زالت أظافره في أعناقنا.
دخول الإسلام إلى الصومال
وبالحديث هنا عن الصومال نتحدث عن كيفية دخول الإسلام إلى أراضيه، حيث دخل في الصدر الأول للإسلام عن طريق التجارة على يد شخص يسمى إبراهيم الموحد وإسمه الأصلي إبرو أفاديد.
ربما كان مسيحياً لذلك تم تحويل إيبرو إلى إبراهام أو إبراهيم، وهذا الشخص التقى الصحابة عندما أتوا في الهجرة الأولى إلى الحبشة، ومنهم تعلم الإسلام ونشره في أهله وتقبلوه.
لأن عند نزول الإسلام كان كثير من أهل الكتاب خاصة المسيحيين، كانوا أقرب ما يكون إلى الدين الصحيح.
فكانوا في القرن السادس فقط منذ نزول الإنجيل، وكانوا يشعرون أن هناك بعض التحريف، فلما أتى الإسلام كثير من أهل الكتاب دخلوا طواعية في الإسلام لأنهم عرفوا أن هذا تصحيح لذاك.
وكالعادة تمت محاربة الإسلام من قبل النصارى، فحدثت صراعات كثيرة على مدى قرون حتى أتى يومٌ استفحلت فيه المشكلة وعظمت بسبب دخول البرتغاليين.
اكتشاف رأس الرجاء الصالح
حيث اكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح، والتفوا حول أفريقيا ليصلوا إلى الهند وجزيرة العرب.
فبمجرد دخولهم إلى الأراضي الإسلامية تحت قيادة فاسكو دي جاما القائد البحري، بدأوا في شن الغارات على المسلمين على القرى الإسلامية وأحرقوا الكثير من السفن التجارية.
وأحرقوا سفينة كان فيها حجاج وقتل فيها أكثر من مائة حاج، وسفن تجارية تحوي الثلاثمائة والأربعمائة، وأحرقوهم أحياء.
حيث كانوا يذهبون إلى الهند ويتربصون بالسفن التجارية المسلمة، لا لشيء إلا أنهم يريدون أن يطفئوا نور الله الذي لا يطفئه أمثال هؤلاء.
خطة القضاء على المسلمين
عموماً راحوا يتخبطون هنا وهناك حتى راسلهم ملك الحبشة يطرح عليهم أفكاراً جهنمية، وخططاً لقتل المسلمين وإبادتهم.
وأغرب خطة اقترحها عليهم هي تحويل نهر النيل ليصب في البحر الأحمر حتى لا يمر على أرض السودان ومصر، فيموت المسلمون ويهلك المماليك الذين كانوا أصلاً في نهاياتهم.
فانظر إلى هذه العزيمة عند أعداء الإسلام، وعندما ترى مثل هذه العزيمة تجد نفسك لم تفعل شيئاً في حياتك.
بمساعدة الأحباش سيطر البرتغاليون على الكثير من المدن والقرى، وهدموا أكثر من ثلاثمائة مسجد كعادتهم.
فلا يدخل أهل الكتاب إلى أرض مسلمة إلا هدموا مساجدها أو حولوها إلى كنائس، وما دخل الإسلام إلى أرض فيها كنائس إلا وتركها كما هي. وفوق كل هذا فرضوا الجزية على كثير من المسلمين.
ضعف المماليك
في تلك الفترة مماليك مصر كانت لديهم كثير من البوارج البحرية، وكان بإمكانهم أن يخرجوا ويجاهدوا بحراً لأن البرتغاليين لم تكن لديهم سوى سفنهم، فإن أحسوا بأي خطر، سيركبون تلك السفن ويهربون.
لذلك كان على المماليك أن يخرجوا، لكن للأسف الشديد في تلك الفترة كان المماليك في آخر أيامهم ولم تكن لديهم أي عزيمة للقتال.
ظهور البطل أحمد الغري
هنا بعد أن يئس الناس ظهر بطل يسمى أحمد بن إبراهيم الغازي ويعرف باسم أحمد الغري وتعني الأعسر إذ كان يستخدم يسراه.
ولد في سنة 908 هجرية وفي مدينة هزر التي كانت ولاية للإمارة الإسلامية عدن، وتربى في محيط العلم، أخذ ونهل من العلم الشرعي.
وربما يجب الإشارة إلى أن هناك بعض الأشخاص يقولون أنه كان ابن قسيس لكن الخبر الأكثر صحة هو أنه كان مسلماً منذ ولادته. وكان أول ما قام به أحمد الغري هو أنه وحّد الصفوف.
لأنه كان هناك الكثير من الإمارات في القرن الأفريقي وأخذ البرتغاليون الكثير من قطع الأراضي من هذه الإمارات حتى أصبحت لا تساوي شيئاً ولا قوة لها وما بقي أمامها إلا أن تتوحد.
وهذا ما قام به أحمد الغري رحمه الله تعالى لهذا العمل، ثم راسل الدول الإسلامية الأخرى يطلب المساعدة فاستجاب له الأتراك.
وكان ذلك في زمن سليمان القانوني وأرسل له تسعمائة فرد من الجيش الإنكشاري
النجدة الإنكشارية
الإنكشارية كانوا أفضل جيش في ذلك الزمن، وكانوا يعلّمون منذ الصغر على فنون الحرب، وهم في الأساس موالي من أهل الكتاب يربونهم منذ الصغر على الإسلام. ثم يعطونهم المراتب ولا يظلون عبيداً.
وهذا الأمر محفوظ للأتراك حينها، يمكن أن يصير عبداً ويباع في الأسواق، لكن أن تأت به وتجعله في المقامات العليا حتى يخرج منهم وزراء وقادة كبار، هذه مسألة محفوظة للأتراك وهي خصلة جيدة جداً.
عندما أرسل سليمان القانوني تسعمائة فرد فقط من الإنكشارية، تبعهم أكثر من ألفي متطوع من الجزيرة العربية وبالتحديد من الحجاز واليمن.
عندما دخلت هذه القوات إلى القرن الأفريقي انقلب السحر على الساحر وهزم البرتغاليين في معركة أناصي في سنة 1542 ميلادية.
حرب استنزاف
في سنة 1543 ميلادية أعاد أحمد الغري من أتاه من جزيرة العرب من المتطوعين والأتراك الإنكشاريين أعادهم إلى اليمن ثم تفرقوا.
وربما يكون هذا خطأ لأن الحرب كانت توقفت نوعاً ما، وربما لم يستطع أن يكفلهم أو ربما كان حان الوقت فعادوا إلى أهليهم وأراضيهم.
فسمع الأحباش بهذا وعادوا للتواصل مع البرتغاليين، ودخلوا في معارك أخرى استشهد فيها الشيخ أحمد الغري بطلنا وخلفه ابن شقيقه.
واستمرت المعارك حتى قتل ملك الحبشة وخلفه ابنه واستمرت حتى 1559 ميلادي هنا وضعت الحرب أوزارها مؤقتاً بسبب استنزاف الطرفين.
خاتمة
لم يكتب على يد أحمد الغري أو ابن شقيقه أن يفتحوا الحبشة، وكان هذا من أقدار الله تعالى كما حدث في كثير من الأزمنة تجد المسلمين في ضعف شديد وهذا الضعف يكون له ما بعده من مصائب أخرى.
وما وصل البرتغاليون إلى هذه المناطق إلا بعد سقوط الأندلس، فغزوا العالم ووصلوا أمريكا. وقتلوا فيها ما بين 100 مليون و 300 مليون إنسان.
أتمنى أخوتي وأخواتي أن لا أكون قد أطلت عليكم اسألكم الدعاء وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه أستغفرالله لي ولكم والسلام عليكم
خالد الحضري
المصادر
النور السافر في أخبار القرن العاشر
الإلمام بأخبار أهل الحبشة من ملك الإسلام