عمر بن عبد العزيز..
قال الابن التقي لأبيه الخليفة، يا أبتي ما رأيك أن تمضي من العدل، فوالله ما كنت أبالي ولو غلت بي وبك القدور في ذلك.
فقال الخليفة الراشد: يا بني إنما أنا أروض الناس رياضة صعبة، إني لأريد أن أحي الأمر من العدل، فأؤخره حتى يخرج الطمع من الدنيا، فينفر من هذه ويسكن لهذه.
إني أعالج أمراً قد شب عليه الصغير، وشاب عليه الكبير، ألا ترضى من أبيك أن يحي في كل يوم سنة، ويميت في كل يوم بدعة؟
فقال الابن: بلا.
كان هذا هو الخليفة الخامس الراشد عمر بن عبد العزيز، كيف تدرج في تغيير الأوضاع وإزالة الظلم.
الإصلاح من داخل منظومة الحكم، والتدرج في التغيير، هو موضوع حلقتنا اليوم، من برنامج قصة وفكرة.
ولادة عمر بن عبد العزيز
ولد عمر بن عبد العزيز في عام 61 هجرياً، في المدينة المنورة ونشأ فيها وحفظ فيها القرآن الكريم وهو صغير.
وتربى مع من بقي من الصحابة، فهو تابعي جليل، كانت للخليفة عمر بن عبد العزيز، مكانة رفيعة في العلم، وليس فقط في الأسرة الحاكمة.
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان، وعمه عبد الملك بن مروان، فكانت للخليفة عمر مكانة في العلم.
فكان يعتبره العلماء أحد أئمة العلم في زمانه، وكان زمانه مليء بأئمة التابعين، قالوا عنه التابعين أتيناه نعلمه، فما برحنا حتى تعلمنا منه.
وقالوا ما كانت العلماء عند عمر إلا تلامذة، وكان عمه عبد الملك بن مروان، خامس الخلفاء الأمويين.
وكانت تعجبه نباهة عمر بن عبد العزيز، وكان يقربه من مجلسه، ويقدمه على الكثير حتى على أبنائه.
تولي عمر بن عبد العزيز إمارة دير سمعان
وزوجه ابنته فاطمة، فزوجته فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان، وعينه على أميراً على إمارة صغيرة قرب حلب، تسمى دير سمعان.
وكان بالإضافة إلى إدارته، يرسل النصائح لعمه الخليفة، فارسل له مرة كتاباً يذكره فيه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه.
جاء فيه: أما بعد فإنك راع وكل مسؤول هو مسؤول عن رعيته، الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه، ومن أصدق من الله حديثا.
تولي عمر بن عبد العزيز على المدينة
توفي عبد الملك بن مروان سنة 86 في دمشق، وتولى بعده ابنه الوليد بن عبد الملك، فولى عمر بن عبد العزيز على المدينة.
كان عمر بن عبد العزيز بعمر خمس وعشرين سنة فقط، فلما جاءه الخبر، اشترط عمر بن عبد العزيز، على ابن عمه الخليفة.
أن يعمل في الناس بالحق والعدل، ولا يظلم أحداً ولا يجور على أحد في أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال.
وأن يسمح له بالعطاء وأن يخرجه للناس في المدينة، لا أن يأتي العطاء من الخلافة، بل ما يجمعه يوزعه على أهل المدينة، ووافق الوليد بن عبد الملك.
وفرح أهل المدينة بهذا الوالي الجديد، الذي اشترط العدل، ولما وصل عمر بن عبد العزيز إلى المدينة، صلى الظهر ثم دعا بعشرة من أكبر فقهاء المدينة، وقال لهم:
إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه، ونكون فيه أنا وأنتم أعواناً على الحق، ما أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم، أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو يظلم، أو بلغكم عن عامل من العمال ظلم، فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني.
أبرز الأعمال التي قام بها عمر بن عبد العزيز
ومن أول الأعمال التي قام بها، أنشأ مجلس شورى من علماء أهل المدينة الكبار، وهذا ساعد على أن يحكم بالعدل.
وبنى في مدة ولايته على المدينة، المسجد النبوي الشريف، ووسعه توسعة كبيرة، بأوامر من الوليد بن عبد الملك، لكنه هو الذي أشرف على البناء.
فعرف عن عمر بن عبد العزيز رغم العداء الذي كان بين الأمويين، وأبناء علي رضي الله عنه، إلا أنه لم يدخل هذا الصراع.
تكريم عمر بن عبد العزيز آل البيت
عرف بحرصه البالغ على تكريم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وحرصه على ودهم وقضاء ما يحتاجونه.
وتذكر فاطمة ابنة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنها دخلت على عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة.
فقال لها: يا ابنة علي والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحب إلي منكم، ولا أنتم أحب إلي من أهل بيتي.
وكانت تقول فاطمة: لو بقي عمر بن عبد العزيز لنا، ما احتجنا بعد إلى أحد.
عمر بن عبد العزيز والياً على الحجاز
وفي عام 91 هجرياً، اتسعت ولاية عمر بن عبد العزيز، فأصبح والياً على كل الحجاز، وأخذ ينشر بين الناس العدل، والأمن وأذاقهم حلاوة الرحمة وسكينة النفس.
ونأى بنفسه عن الظلم والآثام، وتحدى الجبابرة الطغاة على رأسهم الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي كان والياً عند الأمويين، وكانوا يعتمدون عليه.
لكن عمر بن عبد العزيز، كان يكره الحجاج بسبب طغيانه، وبسبب تعسفه، وطلب عمر من الخليفة أن لا يذهب الحجاج بن يوسف إلى المدينة المنورة.
ولا يمر عليها حتى لو كان ذاهباً إلى الحج، وذلك بسبب ظلمه الشديد، وعمر بن عبد العزيز يكرهه لذلك.
وشاية الحجاج على عمر بن عبد العزيز
لهذا السبب كان هناك عداء بين الحجاج وعمر بن العزيز، فانتقم الحجاج منه، ورتب له بمكر شديد وشاية إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك.
وصدق الخليفة الوليد الوشاية، وكانت سبباً في عزل عمر بن عبد العزيز سنة 93 هجرياً، ولكن بمحبة الناس وسمعت عمر بن عبد العزيز.
عمر بن عبد العزيز مستشار الخليفة
لم يستطع الوليد إلا أن يحافظ على وده، فعزله عن المدينة، لكنه قربه منه في الشام، فتحول من والٍ على المدينة وما حولها، إلى مستشار للخليفة.
تسجل كتب التاريخ أن عمر بن عبد العزيز، بصفته مستشار للخليفة الوليد، لم يكن يتوقف عن نصح الوليد، على الرغم أن الوليد كان معروفاً أنه شديد وحازم.
ويروي عمر بن عبد العزيز قصة يقول فيها:
(بعث إلي الوليد ذات ساعة من الظهيرة، فدخلت عليه، فإذا هو عابس، فأشار إلي أن اجلس، فجلست فقال: ما تقول في من يسب الخلفاء، أيقتل؟
فسكت عمر بن عبد العزيز، قم عاد الوليد وسأل نفس السؤال، يقول عمر فسكت مرة أخرى، ثم عاد الوليد وأعاد السؤال مرة ثالثة، فقلت:
هل قتل يا أمير المؤمنين؟ قال الوليد: لا ولكن سب، قلت: يؤدب، فغضب الوليد وانصرف إلى أهله، وقال لي ابن الريان السياف: اذهب.
يقول عمر: فخرجت من عنده وما تهب ريح إلا وأظن أنه رسول من الوليد يأمرني بالرجوع إليه)
عمر بن عبد العزيز وزيراً لسليمان
وقد كان عمر بن عبد العزيز حريص على أنه إذا أعطى عهداً يلتزم به، فرفض خلع ابن عمه سليمان بن عبد الملك.
فقد عزم الوليد على خلع أخيه سليمان، وأن يعهد إلى عبد الملك بن الوليد، بدل أن تكون الخلافة لأخيه، كما كان التعاهد بين بني أمية.
بينما أطاع الوليد بهذا الأمر، الكثير من الأشراف من بني أمية، إلا عمر بن عبد العزيز، وقال: لسليمان في أعناقنا بيعة.
فلما مات الوليد بن عبد الملك، عام96 تمت البيعة لسليمان، فعرف مكانة عمر بن عبد العزيز بسبب الموقف السابق.
وعينه وزيراً له وقال له: يا أبا حفص إنا ولينا ما قد ترى ولم يكن لنا بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة، فأمرني به.
الإصلاحات التي قام بها عمر في عهد سليمان
ووجدها عمر بن عبد العزيز، فرصة للإصلاح، فبدأ ينصحه، فعزل كل نواب الحجاج بن يوسف الثقفي، وأخرج جميع أهل السجون منها، وبذل العطايا لأهل العراق، والعدل، حتى استقر أمر العراق.
وروي أن سليمان وعمر خرجا إلى البوادي، وجاءت سحابة فيها برق وصواعق، ففزع منها سليمان الخليفة ومن معه، من شدة البرق والرعد.
فقال عمر: إنما هذا صوت نعمة، فكيف لو سمعت صوت عذاب، فقال سليمان: خذ هذه مئة ألف درهم وتصدق بها، فقال عمر: أواخيرٌ من ذلك يا أمير المؤمنين؟
قال سليمان: ما هو؟ قال عمر: قوم صحبوك في مظالم، لم يصلوا إليك، فجلس سليمان يستمع للناس مباشرة، ورد المظالم.
وروي أنه في 99 للهجرة، حج سليمان بن عبد الملك، فلما رأى الناس في الموسم، قال سليمان لعمر بن عبد العزيز: ألا ترى هذا الخلق الذي لا يحصي عددهم حج إلا الله، ولا يسع رزقهم غيره؟
فقال عمر: يا أمير المؤمنين هؤلاء رعيتك اليوم، وهم غداً خصمائك عند الله، فبكى سليمان بكاءً شديداً، وقال: بالله أستعين.
مرض سليمان والخلافة بعده
مرض الخليفة سليمان بن عبد الملك، وشعر أن الأجل قد اقترب، وفكر لمن ويصي بالخلافة بعده، وكعادة الخلفاء.
أول من فكر به هو ولده داوود بن سليمان بن عبد الملك، وكان قائداً من قادة الجيش، قد بعثه سليمان لفتح القسطنطينية.
وهنا تدخل أحد الوزراء الصالحين، وأشار على الخليفة بما هو خير للإسلام والمسلمين، هذه الشورى التي غيرت التاريخ.
الشورى في الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك
يقول الوزير العالم الصالح وأصله من فلسطين، الذي استشاره سليمان، واسمه رجاء بن حيوه، يقول رجاء:
استشارني سليمان بن عبد الملك وهو مريض، أن يولي بعده ابنه الصغير لم يبلغ الحلم، فقلت له: إن ما يحفظ الخليفة في قبره أن يولي على المسلمين الرجل الصالح.
ثم شاورني في ولاية ابنه داوود، فقلت له: إنه غائب عنك في القسطنطينية، ولا تدري أحي هو أم ميت.
فقال سليمان: من ترى، قال رجاء: رأيك أنت يا أمير المؤمنين، قال سليمان: كيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟
فقال رجاء: أعلمه والله خيراً فاضلاً مسلماً، يحب الخير وأهله، لكن أتخوف عليه أخوتك، أن لا يرضوا بذلك.
معاهدة الخلافة إلى عمر بكتاب من سليمان
فقال سليمان: والله هو ذلك، فأشار رجاء قائلاً: سأعطيك اقتراحاً، عين عمر بن عبد العزيز، وعين يزيد بن عبد الملك ولي العهد من بعد عمر بن عبد العزيز.
حتى يرضى بذلك بنو عبد الملك بن مروان، فوافق سليمان على ذلك، ويقول رجاء: ففعل ذلك، وكتبت له الكتاب وختمه.
ثم نادى يستدعي رئيس الشرطة، فقال له سليمان: اجمع أهل بيتي فأمرهم أن يبايعوا على ما في هذا الكتاب.
فمن أبى منهم فاضرب عنقه، فاجتمع بنوا أمية، ورفع الكتاب أمامهم دون فتحه، وقال لهم: بايعوه، دون أن يعرفوا من هو الولي.
وقال لهم: قال لي سليمان: أن الذي لا يبايع أن أقتله، فاجتمعوا جميعاً وبايعوا كلهم على الكتاب المختوم.
قال رجاء: لما تفرقوا، جاءني عمر بن عبد العزيز، فقال: أنشدك الله وحرمتي ومودتي، إلا أعلمتني هل كتبني أنا في هذا الكتاب، حتى أستعفيه الآن، قبل أن يأتيه الحال لا أقدر أن أستعفيه فيه.
فقلت له: والله لا أخبرك حرفاً واحداً، ثم جاء هشام بن عبد الملك، وكان يطمح أن يكون هو الخليفة.
فقال: يا رجاء إني بي لك حرمة ومودة قديمة، أخبرني بهذا الأمر، إن كان إلي علمت، وإن كان لغيري فما قصر به عن هذا؟
فقلت: والله لا أخبرك حرفاً واحداً مما أسره إلي أمير المؤمنين، ودخلت على سليمان بن عبد الملك، فإذا هو قد مات.
فأرسلت إلى صاحب الشرطة، وجمع الناس في مسجد دابق، فقلت: بايعوا لمن في هذا الكتاب، قالوا: بايعنا، قال: بايعوا مرة ثانية، فالكل بايع بما فيهم بني أمية، ثم قلت: قوموا إلى صاحبكم فقد مات، ففوجئ الناس، لأنهم بايعوا خليفة لا يعرفون من هو.
مبايعة الناس لعمر بن عبد العزيز
ويتابع رجاء: فقرأت الكتاب عليهم، فلما وصلت إلى أن الخليفة الجديد هو عمر بن عبد العزيز، تغيرت وجوه كل بني أمية، ولما قرأت وأن يزيد بن عبد الملك بعده، تراجعوا بعض الشيء.
فوقف هشام بن عبد الملك قائلاً: لا نبايعه أبداً، فقال رجاء: والله إذا أضرب عنقك أمام الناس، فقم وبايعه أولاً.
فنهض هشام وبايعه خوفاً، ونهض الناس على عمر بن عبد العزيز، وهو مازال في مؤخر المسجد، ولما تأكد أنه أصبح الخليفة قال:
إنا لله وإنا إليه راجعون
حاول أن يقف لم يستطع، فأخذوه ورفعوه، ثم أصعدوه على المنبر، فجلس لم يستطع أن يقف، فسكت قليلاً.
فقال رجاء بن حيوة: ألا تقوموا إلى أمير المؤمنين فتبايعونه؟ فنهض الناس الذين لم يبايعون بعد، وبايعونه على المنبر.
خطبة الخليفة عمر بن عبد العزيز في الناس
خطب عمر بالناس في المسجد:
يا أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي مني، ولا طلبتاً له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم ولأمركم من تريدون.
فكلهم صاحوا قد اخترناك لأنفسنا وأمرنا، رضينا بك، فكلهم يعرفون أخلاقه ودينه وقدراته وإدارته.
فلما هدأت الأصوات، حمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس من أطاع الله، وجبت طاعته، ومن عصى الله، فلا طاعة له على أحد.
يا أيها الناس، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله، فلا طاعة لي عليكم، هكذا أراد عمر أن يطبق مبادئ الإسلام في اختيار الحاكم، وترك الأمر شورى بينهم.
الخليفة عمر بن عبد العزيز
اشتهرت خلافة عمر، بفترة العدل والرخاء بين المسلمين، كان الرجل يخرج بزكاته يبحث عن أحد من الفقراء، فلا يجد أحد يعطيه، فالدولة أغنت كل الناس.
وبدأت خلافته برد المظالم لأهلها، وبدأ الإصلاح من داخل الحكم بنفسه، فجرد نفسه من كل النعيم.
وأعاد الأراضي والأموال التي وهبة له، والتي وهبة من بني أمية لزوجته وأولاده، وهبها كلها إلى بيت مال المسلمين.
ثم طلب من بني أمية قراراً عجيباً، أي أموال أعطتهم الدولة، يجب أن يعيدوها، مثل الهبات، وأعاد كل الأراضي والأموال.
وعزل كل الولاة الظالمين، وعين مكانهم ولاة عرفوا بالتقوى والصلاة وحسن السيرة، وأسقط الجزية عن من لم يسلم.
وكتب له أحد عماله يقول: هذا يضر بخزينة الدولة، فقال عمر: ارفع الجزية عن من أسلم، فإن الله بعث محمداً هادياً، ولم يبعثه جابياً.
واهتم بالناحية العلمية وشجع الناس على حفظ القرآن الكريم، وأمر بتدوين الحديث النبوي وجمعه.
الخوارج وعمر بن الخطاب
نظر إلى الخوارج الذي ناصبوا الدولة الأموية العداء منذ قيامها، لم ينقطع عدائهم من أيام علي بن أبي طالب، فرأى أنه يجب أن يجد حل لهم، فطلب أن يجتمع بقادتهم، فبصرهم بخطأهم، وحاورهم، فاستجابوا له.
وظهرت حجته عليهم في جميع القضايا، إلا مسألة واحدة، فقد قالوا له: الناس بايعوك ولكن لم يكن هناك مرشح آخر، وجلعت الناس يبايعوا يزيد بن عبد الملك بعدك بدون شورى من الناس.
فاخلع نفسك واخلع يزيد، واترك الناس يختارون، فإذا اختاروك، نحن نبايعك مع الناس، فقال: أتركوني أنظر.
وعاد إلى بيته وفكر، إلى اليوم التالي، واجتمع معهم وقال لهم: صدقتم، اعترف لهم، بأنه لم يفتح الباب للشورى.
فقرر أن يرتب الأمور لإعادة الشورى للناس، وهذه المسألة بقيت معلقة دون حل، لأن عمر لم يكن قادراً على حلها.
بسبب أن بني أمية كانوا ضده، وخوفاً منهم، لأن العصمة كانت بيدهم وهم كانوا ولاة الأمور في أيام سليمان.
وفاة عمر بن عبد العزيز
توفي الخليفة العادل سنة 101 هجرياً، بعد لقاءه بالخوارج بثلاثة أيام فقط، ودفن في منطقة دير سمعان بالقرب من حلب.
وعندما توفي لم يكن في سجونه سجين واحد، واختلفت الروايات عن سبب مرضه، فمنهم من قال أنه قد سمم، من قبل بني أمية، لما سمعوا الخبر بأن يخلع يزيد.
فوضعوا له من سمّه، فلم يلبث إلا ثلاث أيام ومات، والدليل على هذه القصة، مجاهد مفسر القرآن يروي القصة:
قال لي عمر بن عبد العزيز: ما يقول الناس في؟ قال مجاهد: يقولون عنك مسحور، قال عمر: ما أنا بمسحور.
ثم دعا غلام له وقال: ويحك ما حملك أن سقيتني السم؟ فقد عرف من الذي سممه، فقال: ألف دينار من الذهب أعطوني إياها، لأعتق.
قال عمر: هات الألف، فجاءوا بها، فأخذها ورماها في بيت مال المسلمين، ثم قال: اذهب حيث لا يراك أحد، وختم حياته بالعفو والصفح.
الإصلاح من داخل الحكم
الإصلاح يمنع الظلم والإثم، ويدعوا إلى الخير والاحسان، قال تعالى (من تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم)
الإصلاح بمفهوم القرآن يشمل النفس والمجتمع والأمة، وكل مناحي الحياة، مفهوم الإصلاح يتعدى ثورة مجردة.
يختلف عن الثورة أنه أمر دائم وإيجابي، ويبحث عن التغيير عن الأفضل والأحسن، لكن الثورة تعني التمرد على الواقع، وقد يكون ثورة على الحق.
الإصلاح لا يقوم على انتقام طبقي أو طائفي أو حتى سياسي، فهو يتطلب التدرج، والتدرج يحتاج إلى وقت وصبر.
وهو يحتاج إلى رجال نذروا أنفسهم لله ولخدمة أمتهم، كما قال الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله)
أنشروا عنا الإصلاح من داخل الحكم هو أفضل من خارجه، والإصلاح من خارجه أفضل من الثورة، والثورة أفضل من الاستبداد.