إسلامقصص وحكايات

قصة زكريا عليه السلام


طارق سويدان- قصة سيدنا زكريا من قصص الأنبياء

إن آخر الأنبياء قبل النبي محمد عليه الصلاة والسلام، هم زكريا ويحيى وعيسى، والقصة تبدأ، بتوالي الأنبياء على بني اسرائيل، حتى جاء زمن زكريا عليه السلام .

انتقال النبي زكريا عليه السلام إلى بيت المقدس

كان زكريا في دمشق، ثم انتقل إلى بيت المقدس، للتعبد في بيت المقدس، وكان مكان اعتكاف عندهم، وصلاة وعبادة، وكان الأحبار يتعبدون فيه.

وكانت هناك عائلة شريفة عابدة، هي آل عمران، ومن شأن الناس في ذلك الوقت، أنهم ينذرون الأولاد، لبيت المقدس، فإذا ولد الذكر يضعونه في بيت المقدس، فيصبح خادماً وعابداً فيه.

ولادة مريم عليه السلام

امرأة عمران، نذرت نذراً وقالت يا رب، أنا حامل، والولد الذي سيأتي، سيكون خادماً لبيت المقدس، وعندما ولدت، وإذا بالمولود أنثى.

فلم تتوقع هذا، والإناث لا تخدم البيت المقدس، فاحتارت واستشارت زكريا عليه السلام، فقال لها: أوفي بنذرك (وليس الذكر كالأنثى)

بعض الناس يخطئ هنا، ويظن أنه تقليل من شأن المرأة، ولكن الله سبحانه وتعالى، لم يقل وليس الأنثى كالذكر، وإنما قال وليس الذكر كالأنثى.

والمقصود أن هذه الأنثى، هي أفضل مكانة، وأعظم من الذكور، والذكور ليسوا مثلها، فدققوا بالقرآن، فهو يكرم المرأة.

زكريا يكفل مريم عليها السلام

وعندما جاءت امرأة عمران بابنتها مريم، إلى بيت المقدس، وهي من عائلة كريمة شريفة عابدة، كل الرهبان أرادوا، أن يكونوا هم أولياء أمرها، فاختلفوا فيما بينهم.

وقالوا سنقوم بابتكار طريقة، واتفقوا أن يرموا أقلامهم في الماء الجاري، الموجود قرب بيت المقدس، وننتظر العلامة من الله، ليقرر من الذي يتكفل بمريم.

فرموا الأقلام، ورمى نبي الله زكريا قلمه، ومشت الأقلام مع الماء الجاري، إلا قلم زكريا مشى بالاتجاه المعاكس.

يقول الله عز وجل (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) كلها أخبار وتفصيل من القرآن الكريم.

(وكفلها زكريا) وخرجت مريم عابدة عالمة، وتربت على يد نبي، لعبادة الله رب العالمين، واتخذت لها مكاناً معتزلاً عن الناس، في بيت المقدس.

اعتزال مريم عليه السلام في المحراب

في الأحاديث الكريمة، ذكرت مريم بقوله صلى الله عليه وسلم: لم يكمل من النساء إلا أربع وأفضلهم مريم بنت عمران ثم فاطمة بنت محمد، ثم خديجة بنت خويلد، ثم آسيا بنت مزاحم.

وكان لا يدخل عليها أحد، سوى زكريا عليه السلام في المحراب، والذي هو مكان الصلاة، والمكان العالي في البيت المقدس.

فكان زكريا يتعجب من كرامات الله لها، عندما يدخل عليها، يجد عندها رزقاً من ثمار وعنب، فيتعجب ويقول (أنا لك هذا) فتجيبه (هو من عند الله)

تبليغ النبي زكريا بولادة النبي يحيى

عرف زكريا كرامة مريم، وتمنى أن يكون له ولد مثلها، وبدأ يدعوا زكريا الله عز وجل، بأن يرزقه الولد، فجاءته البشرى من الله، أنه سيرزق ولداً.

(قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر) فجاءته الملائكة، تخبره أن هذا أمر الله عز وجل، فلا تتردد وتشك، فقال: ما عاذ الله أن أشك بهذا.

فرح زكريا فرحاً شديداً، وقال (رب اجعل لي آية) علامة أبشر بها الناس، أنه سيأتي ولد على كبر سني (قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً).

أي خلال ثلاثة أيام، لن تستطيع أن تتكلم مع الناس، وكان إذا جلس يسبح ويقرأ، كانوا يسمعون صوته، وإذا جلس يتحدث معه أحد ما، لا يستطيع أن ينطق إلا بالرموز.

النبي يحيى عليه السلام

فأوحى زكريا إليهم، أن سبحوا بكرة وعشيا، وبشر بالنبي يحيى عليه السلام، وولد النبي يحيى، وأعطاه الله عز وجل، العلم والحكمة وهو صغير، إكراماً من الله عز وجل.

ولم يكن ليحيى سمي، أي كان لا يوجد نفس الاسم في ذلك الزمن، وكبر يحيى، وكان يحكم في تلك المناطق ملك جبار قوي.

وكانت لدى الملك، ابنة أخ وهي جميلة جداً، فأراد أن يتزوجها الملك، وهي فاجرة مثله، ولم يكن لها مانع أن تتزوج من عمها، ولكن في شريعتهم كان حراماً.

فذهب الملك إلى يحيى عليه السلام، وقال له: أنا أريد استثناءً أن أتزوج ابنة أخي، قال يحيى: سأعلن الأمر للناس.

واجتمع الناس في المسجد الأقصى، وخرج يحيى عليه السلام عليهم، وهم يعرفونه نبياً، وزكريا كان لا يزال حياً.

أعلن يحيى عليه السلام للناس جميعاً، أن زواج المرأة بعمها، هو فجور وباطل، وفوجئ الملك بهذا الكلام، وغضب بشدة، وأصر على الزواج، ولكن لم يعرف ما العمل.

الأمر بقتل النبي يحيى

وفي ليلة فجور بين الملك والمرأة الفاجرة، رقصت له وغنت له، فأرادها لنفسه، فرفضت دون الزواج، فقال لها: لا أستطيع، يحيى منعني، فقالت: إن مهري، هو رأس يحيى.

ومع سكره وفجوره، وإغرائها الشديد، أمر بأن يؤتى إليه برأس يحيى عليه السلام، وفعلاً قتلوا يحيى عليه السلام، وجاءوا برأسه مهراً، لبغية وزانية.

ثم أمر بقتل النبي زكريا، حتى لا يحرك الناس ضده، وفعلاً بدأوا يتبعون زكريا، وفي روايات كثيرة، أنهم قتلوا زكريا أيضاً.

هذه باختصار قصة النبي يحيى، وزكريا نبيين عظيمين، قتلا على يد بني اسرائيل.

قصة النبي عيسى عليه السلام

ابن خالة يحيى، هو عيسى عليه السلام، مريم هي أم عيسى عليه السلام، وهي أخت أم يحيى زوجة زكريا عليهم السلام.

نعود إلى بداية القصة مرة أخرى، فبعد ولادة يحيى بثلاثة أشهر، ولد النبي عيسى عليه السلام، من أمه مريم عليها السلام.

فأثناء اعتزال مريم في المحراب، الخاص بها، وهي محجوبة عن الناس (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا).

فاتخذت من دونهم حجاباً، لا أحد يراها إلا زكريا (فأرسلنا إليها روحنا) الروح القدس، الذي أخطأ به النصارى، وقالوا أنه الله، وهو واحد من ثلاثة.

الروح القدس، إذا ذكر في القرآن، فإن المقصود هو جبريل عليه السلام، فهو الذي يسمى الروح، والروح القدس.

فإذاً أرسل لها جبريل عليه السلام (فتمثل لها بشرا سويا) ظهر عليها شاب جميل، وقوي ورائع المنظر (قالت أعوذ بالله منك إن كنت تقيا).

جبريل عليه السلام يبلغ مريم لولادة النبي عيسى عليهما السلام

مريم هي لم تكن ترى الرجال، ومعزولة في المسجد الحرام، في البيت المقدس، فمن أين جاء (قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيا).

وكان عمر مريم خمسة عشر عاماً، ولكن كان شكلها مثل النساء البالغات، وناضجة بشكل جيد (قالت أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا).

(قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضيا) ونفخ فيها نفخة، ثم اختفى جبريل عليه السلام.

يقول الله عز وجل (فحملته) أي حملت فوراً، من نفخة جبريل عليه السلام، ولما جاء وقت الميلاد، خافت أن تلد، وينكشف أمرها، وكيف ستبرر لهم هذا.

خرجت مريم وذهبت إلى بيت لحم (فحملته فانتبذت به مكاناً قصيا) وجاءتها الولادة إلى جذع النخلة (فأجاءها المخاض إلى جذع نخلة).

وهي ليست نخلة كاملة، بل جذع منها، وليس بها أوراق، فلما شعرت بالولادة، خافت من الناس أكثر (قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا).

(فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريّا) قيل هنا في الروايات أن عيسى هو الذي ناداها، وقيل جبريل، وسريّا أي جرى الماء فاشربي منه.

(وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا) وإذ بمعجزة إلهية، حيث ينزل الرطب والتمر فوقها (فكلي واشربي وقري عيناً).

اتهام مريم عليها السلام بالبغاء والفجور

قال لها ارجعي إلى قومك (فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) كان في شريعتهم الصوم عن الكلام آنذاك.

فأطاعت الوحي، وأخذت الولد، وحملته إلى قومها، وعندما رأوها ومعها ولد (قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريّا) ما الذي فعلتيه هذا منكر عظيم.

وقالوا لها (يا أخت هارون) أي يا شبيهة هارون بالعبادة (ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) فأنت من عائلة كريمة، لا يتوقع منها الناس هذا.

معجزة تحدث النبي عيسى في المهد

أشارت مريم إليهم، ولم يفهموا عليها اشاراتها، فأشارت على عيسى عليه السلام، فقالوا: أنكلمه؟ فأشارت بنعم (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا).

كيف يتحدثون مع طفل رضيع مولود حديثاً، وفوراً جاءت المعجزة، الربانية العجيبة (قال إني عبد الله) والناس الذين حوله سمعوا، وفوجئوا، وبدأوا يقولون اسكتوا واسمعوا.

(قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) أي أخبرهم أنه سيكون نبي، فهو لم يصبح نبياً إلى وعمره ثلاثون عاماً.

(جعلني مباركا أينما كنت) مكانة عيسى عليه السلام، عندنا معشر المسلمين، مكانة عظيمة جداً، فهو نبي مبارك.

(وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا* وبرا بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا* والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) أي يوم القيامة.

(ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون* ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون)

أمر الله عز وجل في عيسى عليه السلام، أن يكون مثل آدم، فقد خلقه من تراب، وليس من أم، مثل عيسى، فهما معجزات في الخلق.

وتناقل الناس الخبر، واليهود قالوا هذا ساحر وأمه ساحرة، وهي زانية (وقولهم على مريم بهتاناً عظيما) فكيف النصارى اليوم يتعاملون مع اليهود، وهم يسبون عيسى وأم عيسى؟

نحن نقول عيسى نبي عظيم شريف، ومن لا يؤمن به، فهو بعيد عن الإسلام، فنحن أقرب إلى النصارى، ولكنهم خلطوا الأمور.

معجزات النبي عيسى بن مريم

وكبر الخبر أكثر، وانتشر حديث سابق، أن هناك ولد سيأتي، ويصبح ملكاً على اليهود، فأخبروا الملك أن هذا الولد قد يكون هو.

وبدأوا يتحرشون به، فهربت به مريم إلى ربوة، خارج بيت المقدس، وقيل هي في مصر، وعندما كبر، بعث إليهم وجاء بالمعجزات.

ظهرت عليه علامات الصلاح، والعلم والحكمة، وبدأ يعطيهم أخبار الغيب، ولكنه لم يبعث إلا في عمر ثلاثين عاماً.

يقول الله عز وجل (ورسولاً إلى بني اسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله) ويطير أمامهم.

وهي معجزات عجيبة، على يد عيسى عليه السلام (وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم).

وأعظم معجزاته (وأحيي الموتى) ليس ميت واحد، بل كانوا أربعة موتى، في أحداث منفصلة، أحياهم أمامهم، بإذن الله (إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين).

الحواريين أتباع النبي عيسى

ومع ذلك كفروا، وبدأ يدعوا الأنصار، وعندما أحس بهم الكفر (قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأننا مسلمون).

وكان الحواريون اثنا عشر شخص، ينصرونه، وخشي الملك من هذه المعجزات، وخشي أن تتبعه الناس، وتترك دين اليهود، وتترك سلطانه.

فبدأ التآمر على قتل عيسى عليه السلام، وتآمر الأحبار، وكانوا يحرضون الملك، أن عيسى يدعي أنه ملك اليهود، وينادونه بذلك.

وجاءت الأوامر بقتل عيسى عليه السلام، فسأل عيسى عليه السلام الحواريين، من منهم مستعد أن يضحي بنفسه، من أجله، قالوا: وكيف ذلك؟

قال: ينزل عليه شبهي، فيقتل مكاني، تبرع شاب منهم، فقال عيسى: تكون معي في الجنة، وفعلاً نزل شبه عيسى عليه، ورفع عيسى أمام أعينهم، من شباك في السقف إلى السماء.

من أعلام الساعة نزول النبي عيسى عليه السلام

جاء اليهود، وأمسكوا بالشاب، وقتلوه صلباً، يقول الله عز وجل (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم).

وتأتي الآيات، لتخبرنا بأنه علم من أعلام الساعة، فقبل يوم القيامة، من الأحداث العظيمة، ينزل عيسى عليه السلام، ويحكم الأرض أربعين سنة، ثم يموت.

كل الأنبياء، قصصهم من العجائب والمعان العظيمة والعبر، وأعظم الأنبياء والمرسلين، هو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.

فاستمتعوا بقراءة القرآن، وافهموا قصص الأنبياء من خلال القرآن الكريم، وقصصهم عبرة ومنهج حياة، وسيرة طاهرة، ومعلم للدعاة، يسيروا على نهجهم على مدى الزمان.

قصص الأنبياء هي قدوة لنا، لقد كان في قصصهم عبرة (نحن نقص عليك أحسن القصص) ارجعوا إلى القرآن، واقرأوا القرآن، وعلموها لاولادكم وبناتكم، وأشنئوهم عليها، واجعلوها قدوة لكم، بدل القدوات الفاسدة، وسيروا على هذا المنهج القويم، نفلح وننجح في الدنيا والآخرة.

 طارق سويدان قصة زكريا عليه السلام

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى