إسلامشخصياتقصص وحكايات

من هو الحسن البصري وما تأثيره على أهل البصرة؟


التابعي في هذا الدرس هو الحسن البصري ، وهو علم من أعلام التابعين، وفي قصته موعظة عظيمة جداً.

يقول الله عز وجل (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)

ويقول الله عز وجل (وكذلك نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك)

ولادة الحسن البصري

جاء البشير يبشر زوجة النبي الكريم أم سلمة، بأن جاريتها خيرة قد وضعت حملها، وولدت غلاماً، ففرحت أم سلمة.

وبادرت أم سلمة بإرسال رسول يحمل إليها خيرة مع ولدها، حتى تقيم معها في بيتها، لتعتني بها، فقد كانت خيرة أسيرة عند أم سلمة، وكانت تحبها.

وكان لها لهفة وتشوق لرؤية وليد خيرة البكر، وهو الحسن، ولما وقعت عينا أم سلمة عليه، أحبته وارتاحت له.

فكانت حكمة الله سبحانه، أن هذا الطفل الصغير، كان محبب إلى القلوب، فكان يتميز الصفاء والعفوية، وكان وسيماً وجميل وبهي الطلعة، تام الخلقة ويأسر الفؤاد.

أم المؤمنين ورعاية الحسن البصري

قالت أم سلمة إلى خيرة: اسميتي غلامك يا خيرة؟ قالت خيرة: كلا يا أماه، لقد تركت لك أن تسميه ما تشائين، فقالت أم سلمة: نسميه على بركة الله الحسن.

ثم رفعت يديها ودعت له بصالح الدعاء، والفرحة في هذا المولود، لم تقتصر على أم سلمة، بل شاركها الفرحة كل البيوت.

ومنهم الصحابي الجليل زيد بن ثابت، كاتب وحي رسول الله الكريم، ذلك أن يسار والد الصبي كان مولاً له أيضاً، فكان من أحب الناس إليه.

وتربى الحسن بن يسار في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حجر زوجة من زوجات النبي أم سلمة.

وقد كانت من أكمل نساء العرب عقلاً، وأوفرهن فضلاً، وأشدهن حزماً، وكانت من أوسع زوجاته عليه الصلاة والسلام علماً.

وأكثرهن رواية عنه، إذ روت عن النبي الكريم، ثلاث مائة وسبعة وثمانين حديثاً، ومن النساء النادرات اللواتي يكتبن في الجاهلية.

وكانت خيرة أم الحسن، تخرج من البيت لقضاء بعض حاجات أم المؤمنين، وكان الطفل يبكي من جوعه، فتأخذه أم سلمة، وتضعه في حجرها، وترضعه لتصبره على غياب أمه.

وكانت لشدة حبها إياه، يدر ثديها لبناً سائغاً في فمه، فيرضعه الصبي ويسكت عليه، لهذا غدت أم سلمة أماً للحسن من جهتين، فهي أمه بوصفه أحد المؤمنين، وأمه من الرضاعة.

ولقرب بيوت أمهات المؤمنين من بعضهم في تلك الفترة، كان يتردد الحسن على هذه البيوت كلها، وتخلق بأخلاق رباتها جميعاً واهتدى بهديهن.

الحسن البصري وتتلمذه على يد الصحابة

وكان يتحدث عن نفسه أنه يملأ البيوت بحركته الدائمة، وظل الحسن يتقلب بالأجواء العبقة بطيوب النبي الكريم.

تتلمذ الحسن على يد كبار الصحابة، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن عثمان بن عفان وعن علي بن أبي طالب.

وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وغيرهم.

لكنه أولع أكثر بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأعجبته صلابته في دينه، وإحسانه لعبادته، وزهده بالدنيا.

وأحب في علي بن أبي طالب، بيانه المشرق وحنكته وعظاته، وأخلاقه في التقى والعبادة، ونسج على منواله في البيان والفصاحة.

انتقال الحسن البصري إلى البصرة

ولما بلغ الحسن عمر الرابعة عشر، دخل في مداخل الرجال، وانتقل مع أبويه إلى البصرة، واستقر فيها، وهنا نسب الحسن بالحسن البصري.

وكانت البصرة يومها قلعة من قلاع العلم، في عالم المسلمين، وكان مسجدها يموج بمن ارتحل إليها من كبار الصحابة، وكانت حلقات العلم، تعبر باحات المسجد ومصلاه.

لزم الحسن البصري المسجد، وانقطع إلى حلقة عبد الله بن عباس، حبر أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وأخذ عنه التذكير والحديث، والقراءات والفقه والأدب وغيرها.

الحسن البصري العالم الفقيه

حتى غدى عالماً جامعاً فقيهاً، فأقبل الناس عليه ينهلون من علمه الغزير، ويسمعون إلى مواعظه، التي تستدر الدموع، وحكمته ويتأثرون بسمعته الطيبة.

وانتشر أثر الحسن البصري في البلاد وبين العباد، فجعل الخلفاء والأمراء يتساءلون عنه، ويتابعون أخباره.

وحدّث خالد بن صفوان فقال: لقيت مسلمة بن عبد الملك في الحيرة، فقال لي: أخبرني يا خالد عن حسن البصرة، فإني أظن أنك تعرف من أمره ما لا يعرفه سواك.

فقال: أصلح الله الأمير، أنا خير من يخبرك عنه بعلم، وأنا جاره في بيته، وجليسه في مجلسه، وأعلم أهل البصرة به، فقال: هات ما عندك.

قلت: إنه امرئ سريرته كعلانيته، وقوله كفعله، إذا أمر بمعروف كان أعمل الناس به، وإذا نهى عن منكر كان أترك الناس له.

وقد رأيته مستغنياً عن الناس، زاهداً بما في أيديهم، ورأيت الناس محتاجين إليه، طالبين ما عنده، فقال مسلمة: حسبك يا خالد كيف يضل قوم فيهم مثل هذا؟

قصة الحجاج الثقفي والحسن البصري

ولما ولي الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق، كان الحسن البصري أحد الرجال القلائل، الذين تصدوا لطغيانه، وجهروا بين الناس بسوء أفعاله، وقال كلمة الحق في وجهه.

وعلم الحجاج أن الحسن البصري يتهجم عليه، في مجلس عام، فدخل الحجاج إلى مجلسه، وهو يتميز من الغيظ، وقال لجلاسه:

تباً لكم وسحقاً، يقوم عبد من عبيد أهل البصرة، ويقول فينا ما شاء أن يقول، ثم لا يجد فيكم من ينكر عليه؟ والله لأسقينكم من دمه، يا معشر الجبناء.

ثم أمر بالسيف والنطع، وهو قطعة قماش كبيرة، حتى إذا قطعت رأس أحدهم فالدم لا يلوث الأثاث.

وأحضر السيف، ودعا بالجلاد ووجه إلى أن يؤتى بالحسن إليه، ليقطع رأسه، وينتهي الأمر، وما هو إلا قليل، حتى جاء الحسن، فشخصت نحوه الأبصار.

الحجاج يكرم الحسن البصري

فلما رأى الحسن السيف والنطع والجلاد، حرك شفتيه، ثم أقبل على الحجاج، وعليه جلال المؤمن، وعزة المسلم، ووقار الداعية إلى الله.

فلما رآه الحجاج على هذه الحال، هابه أشد الهيبة، وقال له: ها هنا يا أبا سعيد، تعال اجلس هنا، والناس لم يصدقوا ما رأوا.

حتى أجلسه على فراشه بقربه، ولما أخذ الحسن مجلسه، التفت إليه الحجاج، وجعل يسأله عن بعض أمور الدين، والحسن يجيبه عن كل مسألة، ببيان ساحر وعلم واسع.

فقال له الحجاج: أنت سيد العلماء يا أبا سعيد، ثم دعا بغالية، وهي نوع من أنواع الطيب، وطيّب بها لحيته، وودعه، ولما خرج الحسن من عنده، تبعه حاجب الحجاج.

دعاء الحسن البصري

وقال له: يا أبا سعيد، لقد دعاك الحجاج لغير ما فعل بك، لقد دعاك ليقتلك، وقد أكرمك، وإني رأتك عندما أقبلت، ورأيت السيف والنطع، قد حركت شفتيك، فماذا قلت؟

فقال الحسن: لقد قلت: يا ولي نعمتي وملاذي عند كربتي، اجعل نقمته برداً وسلاماً علي، كما جعلت النار برداً وسلاماً على ابراهيم.

قصة عمر بن هبيرة والحسن البصري

ومن مواقف الحسن أيضاً، أنه عندما انتقل الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز إلى جوار ربه، وآلت الخلافة إلى يزيد بن عبد الملك.

وعندما تولى يزيد بن عبد الملك، ولى على العراق عمر بن هبيرة الفزاري، ثم زاده بسطة في السلطان، وأضاف إليه خراسان.

ثم أن يزيد كان يرسل إلى عمر بن هبيرة، بالكتب المتتالية، ويأمره بتنفيذ ما فيها، ولو كانت منافية للحق أحياناً.

فدعا عمر بن هبيرة كل من الحسن البصري، وعامر بن شرحبيل، المعروف بالشعبي، وقال لهما:

إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك، قد استخلفه الله على عباده، وأوجب طاعته على الناس، وقد ولاني ما ترون من أمر العراق.

ثم زادني فولاني فارس، وهو يرسل إلي أحياناً كتباً، يأمرني فيها بإنفاذ ما لا أطمئن بعدالته، فهل تجدان لي في متابعتي إياه، وإنفاذ أوامره، مخرجاً في الدين؟

فأجاب الشعبي جواباً ملاطفاً للخليفة، والحسن سكات، فالتفت عمر بن هبيرة إلى الحسن، وقال: فما تقول أنت يا أبا سعيد؟

نصيحة الحسن البصري لوالي العراق

قال الحسن: يا ابن هبيرة، خف الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله، واعلم أن الله جل وعلى، يمنعك من يزيد، وأن يزيد لا يمنعك من الله.

يا ابن هبيرة، إنه يوشك أن ينزل بك ملك غليظ شديد، لا يعصي الله ما أمره، فيزيلك عن سريرك، وينقلك من سعة قصرك، إلى ضيق قبرك.

حيث لا تجد هناك يزيد، وإنما تجد عملك الذي خالفت فيه رب يزيد، يا ابن هبيرة، إنك إن تك مع الله تعالى وفي طاعته.

يكفيك بائقة يزيد في الدنيا والآخرة، وإن تكن مع يزيد في معصية الله تعالى، فإن الله يكيلك إلى يزيد، واعلم يا ابن هبيرة، أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

فبكى ابن هبيرة حتى بللت دموعه لحيته، ومال عن الشعبي إلى الحسن، وبالغ في إعظامه وإكرامه.

فلما خرجا من عنده، توجها إلى المسجد، فاجتمع الناس عليهما، وجعلوا يسألون عن خبرهما مع أمير العراق.

فالتفت الشعبي إليهم وقال: أيها الناس، من استطاع منكم أن يؤثر الله عز وجل على خلقه، في كل مقام، فليفعل، فوالله فوالذي نفس بيده.

ما قاله الحسن لعمر بن هبيرة، قولاً أجهله، ولكنني أردت فيما قلته وجه بن هبيرة، وأراد فيما قاله، وجه الله، فأقصاني الله من ابن هبيرة، وأدناه منه وحببه إليه.

من أقوال الحسن البصري في الدنيا

يقول الحسن البصري: إن مثل الدنيا والآخرة، كمثل المشرق والمغرب، متى ازدت من أحدهما قرباً، ازدت من الآخرة بعداً.

وقال له أحدهم: صف لي الدار الدنيا، قال الحسن: ماذا أصف لك من دار أولها عناء، وآخرها فناء، وفي حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن.

وسأله أحدهم قال: ماذا فعلنا في أنفسنا؟ قال الحسن البصري: لقد أهزلنا ديننا وسمنا دنيانا، وأخلقنا أخلاقنا وجددنا فرسنا وثيابنا.

يتكئ أحدنا على شماله، ويأكل من مال غير ماله، فطعامه غصب، وخدمته سخرة، يدعو بحلو بعد حامض، وبحار بعد بارد، وبرطب بعد يابس.

حتى إذا أخذته الكظة، تجشأ من البشم، ثم قال: يا غلام هات هاضوماً، يا أحيمق، والله لن تهضم إلا دينك.

أين جارك المحتاج، أين يتيم قومك الجائع، أين مسكينك الذي ينظر إليك، أين ما وصاك به الله عز وجل، ليتك تعلم أنك عدد، وأنه كلما غابت عنك شمس، نقص شيء من عددك، ومضى بعضه معه.

وفي ليلة الجمعة من شهر رجب، سنة مائة وعشر للهجرة، توفي الحسن البصري، ولما أصبح الناس وشاع الخبر.

ارتجت البصرة لموته، فغُسل وكُفن وصُلي عليه، في الجامع الذي قضى في رحابه جل حياته، عالماً ومعلماً وداعياً إلى الله.

وتبع الناس جميعاً جنازته، فلم تقم صلاة العصر في ذلك اليوم في البصرة، لأنه لم يكن هناك أحد يقيم الصلاة، وكانت سابقاً لم تعطل صلاة في جامع البصرة، منذ أن بني إلى ذلك اليوم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى