بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، شهد العالم صراع غير مباشر ولكنه رهيب، كان من الممكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية، بين أكبر قوتين في العالم لمدة خمس وأربعين عاماً تقريباً.
تطور أحداث الحرب الباردة
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ،التي استمرت لمدة سنة سنوات، وأدت إلى مقتل أكثر من 60 مليون إنسان.
القوى الكبرى الأوروبية التي كانت مسيطرة على العالم، ضعفت كثيراً، أمريكا والإتحاد السوفييتي، الذين كانوا قد تعاونوا على هزيمة ألمانيا النازية والإمبراطورية اليابانية.
أصبحوا هما القوتين العظمى في العالم، والإتحاد السوفيتي الذي هو اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، كان يغطي مساحة أرض تقدر بحوالي سدس مساحة الأرض في العالم.
وكانوا عبارة عن دولة شيوعية، مكونة من خمسة عشر جمهورية، تحت قيادة حزب واحد مقره موسكو، وفي المقابل الولايات المتحدة الأمريكية هي جمهورية ديمقراطية رأسمالية.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أمريكا كان لها تقدم عسكري، حيث أنها كانت الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية، بالاضافة لذلك كان لديها قوة صناعية واقتصاد يعد من الأقوى في العالم.
الستار الحديدي أثناء الحرب الباردة
سنبدأ في أوروبا حيث أن أمريكا تتقارب من دول الغرب، عن طريق مشروع مارشال، الذي كان هدفه ضخ مبالغ طائلة لإنعاش الاقتصاد المنهار بعد الحرب.
وتنمية العلاقات التجارية بين أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفييتي، من ناحية الاتحاد السوفيتي، خلق منطقة نفوذ حوله في بلاد أوروبا الشرقية، التي حررها من النازية.
مثل بولندا والمجر ،وهذا كون أنه جعل حكومات شيوعية موالية له، هي التي تحكم البلاد، وبهذه الطريقة أصبحت أوروبا مقسمة إلى جزئين، الكتلة الشرقية والغربية.
وبينهم ستار حديدي على حد التعبير الشهير للرئيس ونستون تشرشل في عام 1946، والقوات الغربية فرنسا وأمريكا وإنجلترا، اتفقوا على توحيد الأراضي.
التي هي تحت سيطرتهم في ألمانيا، لكي يشكلوا ألمانيا الغربية، وهذا كان في عدم الالتزام بالاتفاقيات الممضاة مع السوفييت.
وكرد فعل، الاتحاد السوفيتي أغلق الطرق، حتى يفرض ستار حول برلين الغربية، والتي كانت تحت سيطرة القوات الغربية، وهذا الحصار فشل، لأن أمريكا أقامت جسر جوي لتمويل ومساندة برلين الغربية المحاصرة.
التحدي بين القوتين
القوتين بدأوا يتحركون بالفعل، في طريقهم إلى الحرب الباردة ، وهي ليست حرب تقليدية مباشرة بينهم، ولكنها كانت حرب توتر ورغبة في التفوق والسيطرة.
في أمريكا مثلاً، موظفين الحكومة الذين يظهرون أي أفكار أو انتماءات شيوعية، كانوا يطردون من أمريكا كلها.
بالاضافة لهذا فإن صناعة السينما الأمريكية في هوليود، أصبحت شبه أداة دعائية اعلانية، ضد الأفكار والمعتقدات الشيوعية.
وفي المقابل الاتحاد السوفيتي، قمع كل أشكال المقاومة أو التمرد ضده، والتحدي بين القوتين العظمتين، أخذ شكل منافسة في مجالات كثيرة.
مثل العلوم والصناعة، والفضاء والرياضة، وفي التسليح أيضاً، الاتحاد السوفييتي استثمر كثيراً في الصناعة والتسليح، ونجح في تطوير السلاح النووي لأول مرة في عام 1949.
في نفس العام، أمريكا أسست حلف الناتو، أو منظمة حلف شمال الأطلسي، وهي عبارة عن منظمة دفاع جماعي بين دول الكتلة الغربية.
حرب النفوذ
طوال هذه الحرب الباردة ، حصلت مواجهات وصراعات غير مباشرة، بين أمريكا والاتحاد السوفيتي وحلفائهم.
اليونان شهدت واحدة من صراعات الحرب الباردة ، حيث أنه قامت بها حرب أهلية، بين المليشيات الشيوعية المتمردة، والمدعومة من السوفييت والمسلحة من يوغسلافيا.
وبين الحزب الملكي، الذي يحكم في السلطة، المدعوم من قبل بريطانيا، وبعدها من أمريكا من ناحية أخرى.
وبعد بعض التوترات بين الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا، سقط التحالف بينهم، والشيوعيين اليونانيين فقدوا الدعم، واضطروا إلى الاستسلام، وبالتالي أصبحت اليونان جزء من الكتلة الغربية.
الحروب في آسيا
بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية في الصين، انتصر الشيوعيين ضد القوميين، الذين هربوا إلى تايوان.
الاتحاد السوفييتي تحالف مع الصين، كحليف مهم في المنطقة، وذلك ليلعب دوره في حربين مهمتين في آسيا.
أولها هي الحرب الكورية، التي بدأت في هجوم شمال كوريا الشيوعي، المدعوم من الاتحاد السوفييتي والصين.
على جنوب كوريا، المدعوم من قوى دولية تحت لواء منظمة الأمم المتحدة، وبقيادة أمريكية وبعد ثلاث سنوات من الحرب، توقف اطلاق النار.
وشبه الجزيرة الكورية، قسمت إلى دولتين، كوريا الشمالية، وكوريا الجنوبية، والحرب الثانية التي تدخلت بها الصين، هي حرب الهند الصينية الأولى، من عام 1946 إلى عام 1954.
حيث أنها ساندت الميليشية الشيوعية المقاومة، بقيادة هوشي من، ضد الاستعمار الفرنسي المدعوم من أمريكا، وفرنسا بالفعل اضطرت أن تغادر المنطقة.
دولة فيتنام قسمت إلى جزئين، عند خط عرض 17 درجة، بوجود الشيوعيين في الشمال، والقوميين المدعومين من أمريكا في الجنوب، وهذه كانت بداية حرب فيتنام.
أزمة قناة السويس
كرد فعل لتأسيس أمريكا حلف الناتو، الاتحاد السوفيتي أنشأ حلف وارسو، الذي هو عبارة عن منظمة عسكرية، تجمع الاتحاد السوفيتي، مع باقي حلفاءه من الكتلة الشرقية.
في عام 1956 فرنسا وبريطانيا واسرائيل، اتحدوا لشن هجوم مفاجئ على مصر، بهدف السيطرة على قناة السويس، التي كان قد قرر تأميمها جمال عبد الناصر.
أمريكا والاتحاد السوفيتي، عارضوا الهجوم على قناة السويس، وبالتالي فرنسا وبريطانيا واسرائيل، انسحبوا من مصر.
وهذه كانت أحدى علامات انتهاء السيادة، أو السيطرة الفرنسية البريطانية على المنطقة، وهذا كان لمصلحة الاتحاد السوفيتي.
والسوفيت استطاعوا أن يتقدموا في الصناعة والتسليح، وجهزوا أنفسهم بمئات الصواريخ طويلة المدى، تستطيع أن تصل إلى أوروبا الغربية، وهذا كان رد فعل للصواريخ الأمريكية، التي كانت موجودة في أوروبا.
في باقي أنحاء العالم
بعد بعض الخلافات التي كان سببها اختلاف الايديولوجية الشيوعية، واختلافات على أراضي الصين الشيوعية، بقيادة ماوتسي تونغ، قطعت تحالفها مع الإتحاد السوفيتي.
وبدأت تريد أن تكون هي بدورها قوة عظمى عالمية جديدة، وفي عام 1961 السوفييت حاولوا أن يعزلوا لمرة ثانية، برلين الغربية ببناء حائط برلين.
الذي كان يهدف لمنع الهجرة إليها، من برلين الشرقية، والتي كانت فيها الأحوال والظروف أصعب بكثير.
وفي ظل الصراعات بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، دول كثيرة في العالم قررت أن تكون محايدة بالنسبة للقوتين، وأنشأت حركة عدم الانحياز.
أمريكا نجحت في التأثير على دول أمريكا اللاتينية، وهذا كان بمساندة أنظمة قمعية شريرة، مثل التي في السلفادور وغواتيمالا، لضمان عدم نجاح الثورات الشيوعية.
في كوبا، أمريكا دربت قوات كوبية متمردة، لغزوا خليج الخنازير، وقلب نظام الحكم الشيوعي الجديد، الذي كان تحت قيادة فيدل كاسترو، ولكن المحاولة فشلت تماماً.
أزمة صواريخ كوبا
الاتحاد السوفيتي استغل فشل الأمريكان في كوبا، وتقارب دبلوماسياً منها، وبنى هناك قواعد سرية لصواريخ نووية، تواجدت على بعد مسافة قليلة جداً من أمريكا.
وهذا كان رد فعل، لوجود صواريخ نووية أمريكية، قريبة من الاتحاد السوفييتي في تركيا، أمريكا أعطت انذار حاسم للاتحاد السوفيتي.
بطلب إزالة الأسلحة النووية من كوبا بسرعة، ولكن رفض الطلب في البداية، والأزمة كادت أن تؤدي إلى قيام حرب عالمية ثالثة، أو حرب نووية.
بعد مفاوضات بين القوتين، الاتحاد السوفيتي وافق على إزالة أسلحته النووية من كوبا، في مقابل أن تتعهد أمريكا بعدم الهجوم على كوبا، وإزالة صواريخها النووية من تركيا على الأقل.
حرب فيتنام
في فيتنام وفي ظل الخوف من سيطرة الشيوعية، التي جاءت من الشمال، أمريكا وبعض الدول الأخرى، قرروا مساندة الجنوب، بإرسال نصف مليون جندي للمشاركة في حرب فيتنام.
ودامت الحرب الباردة عشرين عاماً، ومات بها ملايين البشر، وهذا القرار أزعج فرنسا، التي كانت تعمد للعثور على حل أكثر سلمية.
وفي عام 1966 قررت فرنسا، أن تسحب قواتها من قوات حلف الناتو، كنوع من التعبير عن إرادتها لتكوين رأي ومركز، أكثر استقلالا عن أمريكا.
بالاضافة إلى ذلك، في عام 1975 الشيوعيين في فيتنام الشمالية، انتصروا وتوحدت فيتنام، لإقامة الجمهورية الاشتراكية، وهذه اعتبرت هزيمة وصفعة كبيرة لأمريكا، التي دمرت صورتها في العالم.
الصعود السوفييتي
الاتحاد السوفيتي، استغل اضمحلال صورة أمريكا في العالم، لإنعاش وتقوية نفوذه في العالم، وقام بمساندة الأحزاب الشيوعية في الدول الأفريقية، التي قد حصلت على استقلالها.
بالإضافة إلى ذلك، الاتحاد السوفيتي أرسل قوات إلى افغانستان في عام 1979، لمساندة الحكومة الأفغانية الشيوعية، ضد ما يسمى بالمجاهدين، المدعومين من قبل أمريكا وبعض الدول الأخرى.
الحرب الأمريكية السوفيتية في أفغانستان، استمرت لمدة عشر سنوات، وانتهت بانسحاب السوفييت من أفغانستان، ومن حرب أهلية بين الجيش الأفغاني والمجاهدين.
الذين أصبح جزء منهم بعد ذلك، أعضاء في حركة طالبان، وغير ذلك، الاتحاد السوفييتي طور صواريخه الموجهة إلى أوروبا الغربية، بصواريخ جديدة أكثر تقدماً.
مما سبب قلقاً للكتلة الغربية، وجعل أمريكا تبدأ ببناء قواعد صواريخ جديدة في أوروبا، مثل التي في ألمانيا الغربية، سباق التسلح هذا كان قوي جداً، بين القوتين العظيمتين، والاتحاد السوفييتي استثمر لغاية 14% من دخله القومي في التسليح.
انهيار الاتحاد السوفيتي
في الثمانينيات، الاتحاد السوفيتي بدأ يستنفذ اقتصادياً، ولم يعد يستطيع أن يستمر في دفع مبالغ كبيرة لمتابعة سباق التسليح، أو لمساندة الحكومات الشيوعية في البلاد المختلفة.
وبدأت المفاوضات بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، بهدف نزع الأسلحة، وكذلك ولأول مرة، رئيس الاتحاد السوفيتي غورباتشوف، أطلق بشكل سريع سياسات غلاسنوست البريسترويكا.
والتي كان هدفها الانفتاح السياسي والإصلاح الاقتصادي في الاتحاد السوفيتي، وهذا يتضمن مثلاً تقليل رقابة الدولة على الزراعة والاقتصاد، وتقليل القيود على المؤسسات المدنية والسماح بالانفتاح أكثر على الغرب.
ولكل هذه الأسباب، بدأت شعوب دول الاتحاد السوفيتي واحدة تلو الأخرى، تطالب بالاستقلال، سقوط حائط برلين في عام 1989، كان بمثابة رمز لانهيار الاتحاد السوفيتي.
وفي عام 1991 الاتحاد السوفيتي، انتهى بالفعل، وخمسة عشر دولة مختلفة، حصلوا على استقلالهم، وهذه كانت نهاية الحرب الباردة.