إسلام

الإسراء والمعراج مع انطلاق الدعوة الإسلامية


الإسراء والمعراج

الأجواء التي سادت مكة أثناء الحصار، والصحيفة والمقاطعة، كانت بالنسبة إلى المسلمين، أجواء تحدي حقيقة، حتى أن النصوص القرآنية، التي نزلت في تلك المرحلة.

كانت دائماً تحمل نفس قوي، فيه قدر عال من التحدي، والرد على قريش، وحتى في كثير من الأحيان، الهجوم المباشر على زعمائها، كما حدث بالنسبة لأبي لهب.

(تبت يدا أبي لهب وتب) وسورة (ويل لكل همزة لمزة) نزلت في أمي ابن خلق (ولا تسبوا الذي يدعون من دون الله) نزلت في أبي جهم، وغيرها من السور.

يسرد لنا ابن هشام في سيرته، عشرات الآيات، التي نزلت في هذه المرحلة، وكانت تصادم الواقع في قريش بشكل مباشر.

لأن  المرحلة كانت تقتضي قدر من الصمود والتماسك، وقدر من الرد على هذا الهجوم العنيف من قريش، الغير مسبوق، من خلال الحصار.

خلاف على العبادة

الشي المهم في هذه المرحلة، هو أنه بعد انتهاء الحصار، قريش أرادت أن تلين قليلاً، فقد عاد بعض الناس يقولون، دعونا نعقد صفقة مع محمد.

فاقترحت مجموعة من الاقتراحات، كانت إحداها، لماذا لا نعبد إلهك يوماً، وتعبد إلهنا يوماً،

وهو تنازل، قريش تتكلم عن تسوية.

ولكن بالنسبة لهم، نظروا إلى الدين، كصفقة مثل التجارة، ويحلون المشكلة، وهنا نزلت (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد).

نزلت الآية التي قطعت الجدل، في امكانية أي تسوية، فهو دين وليس صفقة، قريش وهذه السورة ودلالة نزولها.

ليست رسالة إلى قريش، بأن الطريق باتجاه المساومات العقائدية، مستحيل، بل هي رسالة إلى المسلمين، بأن قريش لن تسلم جميعها.

المنتديات والوفود

هنا بدأت استراتيجية النبي صلى الله عليه وسلم، بالانطلاق والتوسع، حاججهم وناقشهم، وكان حضوره إلى المنتديات يومياً، في قريش.

يجادلهم ويجادلونه، ويأتون بالحجج، ويأتي بالحجج من القرآن، ويجلس في مجالس الوافدين إلى قريش، فكان لا يفد زعيم قبيلة، أو أي شخص، إلا هو حاضر.

يخاطب الوافدين، ويتحدث عن الإسلام بقوة، ويسانده وزيره الأول، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي كان يعطيه المعلومات عن القبائل وعن زعمائها.

وفاة أبو طالب وخديجة

في هذه المرحلة أيضاً، بني هاشم وبني المطلب، الذين ساندوا النبي صلى الله عليه وسلم، أصيبوا بانتكاسة، وهي وفاة أبي طالب، في مرحلة ما بعد الشام.

أبو طالب وقف إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه وقف بنو هاشم وبنو المطلب، ووفاته كانت اشكالية حقيقية، نفسياً كانت هناك حالة من الجرأة، على النبي صلى الله عليه وسلم، بالنسبة إلى قريش أيضاً مشكلة.

لأنهم كانوا يعتبرون أبو طالب، رجل مقدم، وكانوا يحبون التحدث إليه، وهو من الزعماء والعقلاء، والآن لم يعد موجوداً.

والروايات تقول، عندما مرض أبو طالب، خافت قريش أنه سيموت، جاءوا إليه وقالوا له: تحدث مع ابن أخيك، حتى نصل إلى حل.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم، أريد منكم كلمة واحدة، وهي قولوا: أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فصفقوا بأيديهم، وقالوا: لا فائدة، وخرجوا.

توفي أبو طالب، وبعده توفيت خديجة رضي الله عنها، وجاءت حادثة الإسراء والمعراج، وهي حادثة مهمة، إذا قرأناها من زاويتين.

الإسراء

هناك بُعد مهم قُدم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولقريش، فهي بالنسبة إلى النبي، أنه رأى في رحلة الإسراء، مجمع للأنبياء، في مكان هو قصي، وبعيد في بيت المقدس.

وهنا يتصل التراث النبوي الديني، مع تراث الأنبياء جميعاً، وتهيمن الرسالة على الرسالات السابقة، عندما يؤمهم في الصلاة.

وهي في غاية الأهمية، لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، وإدراكه أنه الحلقة الأخيرة، في سلسلة ممتدة من الرسالات، التي جاء بها الأنبياء عليهم السلام من قبله.

ولها دلالة استراتيجية، فإن بيت المقدس، هو المكان الذي كان بنو اسرائيل، قد أقاموا فيه دولتهم، وهو المكان الذي بنى فيه داوود وسليمان عليهم السلام المملكة.

واستمر وجودهم إلى مائتي سنة، أي هذا هو المكان الذي كانت فيه الشريعة، وكان فيه الحكم والدين، المتمثل بالنظم الفقهية، والشرعية الموجود عند بني إسرائيل.

وأنت يا محمد تذهب إلى هناك، لكي تطلع على شكل من أشكال تطبيق هذه الرسالة، وهو لم يكن شكل جيد، لكي تتفادى الوقوع لمثل ذلك.

لذلك سورة الإسراء، هي درس كبير في الأخلاق، وفي التعاطي مع تطبيق إنزال الأفكار الدينية، والشعارات الدينية، والأحكام والعقائد على الأرض، وكيفية تطبيقها.

ثم أنه في سورة الإسراء، هناك لفتتين مهمتين، الأولى تسمية بيت المقدس، باسم المسجد، وهذا تراث، أنت يا محمد سوف يلتحق بك.

وسمي المسجد الأقصى، الأقصى أي الأبعد، ولم يسمى المسجد القصي، أي البعيد، أي أنه في مرحلة، أبعد من شيء آخر موجود، وهو سيكون مستقبلاً المدينة المنورة.

وخاتمة سورة الإسراء، فيها اشارة مهمة للنبي صلى الله عليه وسلم (وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق)

وكأن القرآن الكريم يوجه النبي صلى الله عليه وسلم، للتفكير في عملية الخروج من مكة، إلى يثرب، وهذه كانت اشارة مباشرة.

(واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا) وهذا الطلب المباشر للسلطان النصير، فيه القوة والبأس والتمكين، وهو مؤشر على انتقال الدعوة، من مرحلة الدعوة في مكة إلى المدينة.

لذلك نعود مرة أخرى إلى قريش، في حالة الإسراء والمعراج، بالنسبة إلى قريش، رفضت فكرة الإسراء طبعاً، فكيف يذهب في ليلة، ويعود فهذا غير معقول.

المعراج

لم تتحدث قريش عن المعراج، لأنهم رافضين لفكرة السماء، والنبي صلى الله عليه وسلم، الإسراء كان مرحلة، ولكن المعراج كان مهماً، فكان فيه تسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم.

في الإسراء اطلع على تجربة أكبر، من الأفق الضيق، الذي أرادت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم أن ينحصر فيه بعد الحصار، جاء هذا الانفتاح والرحابة والانطلاق.

ليس باتجاه مجموعات جديدة في داخل الجزيرة، بل خارجاً، إلى مركز آخر من مراكز الدين الإسلامي الواسع، الممتد من إبراهيم عليه السلام، وبعده جميع الأنبياء.

والمعراج أيضاً كان فيه تسلية، بعد فقد عمه وزوجه خديجة رضي الله عنها، أقرب الناس إليه، وأكثر الناس في الحنان والمساندة له.

في المعراج أنت تلتحق بعالم علوي سماوي، لطيف وجميل، وبعيد عن معاناة الأرض، وهي كانت ضرورية، لكي تتعاطى مع الحالة النفسية، للنبي صلى الله عليه وسلم.

ونقول أن النبي صلى الله عليه وسلم، في رحلته نحو الإسراء، الرحلة الأرضية، والمعراج الرحلة السماوية، في كلتا الحالتين، قدم له تكامل في الدين.

أنت تسافر وتهاجر في الأرض، من أجل التمكين والدعوة، وأنت تعرج إلى السماء، عندما تريد السكينة والطمأنينة، والتوجه نحو القيم العلوية الروحية.

والاطلاع إلى هذا الملكوت العظيم، في السماوات العليا، والنبي صلى الله عليه وسلم، ذهب إلى المعراج، وعاد.

الروحانيات في الإسلام

نحن في الاسلام، لا يوجد فصل بين عالم السماء وعالم الأرض، بمعنى أنك يمكن أن تكون روحانياُ، وأن لا تكون متصل بالأرض.

فأنت تسري، ولكنك تعرج كذلك، وأنت تعرج ولكنك تعود إلى الأرض، ولا تبقى هناك، لذلك لدينا فكرة الروح والروحانيات.

وفكرة الالتجاء نحو هذا العالم، هي ليست نهاية، أنت لا تذهب لكي تستقر هناك، وإنما تعود، فهي أداة من أجل الاستمرار الكامل، في حالة الاستخلاف في الأرض.

هي ليست محطة، فهو الفرق الأساسي بين القيمة الاسلامية، والقيم الأخرى، البوذية مثلاً، فنحن نعود إلى الأرض.

ذهب النبي صلى الله عليه وسلم في معراجه، إلى عالم السماء، وعاد إلى الأرض مرة ثانية، حتى يكدح ويتعب، ويعمل ويدعوا الناس جمعياً، ثم يعود إلى السماء في مرحلة لاحقة.

في نهاية هذه المرحلة، النبي صلى الله عليه وسلم، ينطلق نفسياً ومنهجياً باتجاه أبعد من مكة، إلى اتجاه عالمي، وفي الاتجاه الإقليمي، فقد أسلم عدد من الذين جاءوا من خارج مكة.

من بينهم الطفيل بن عمر من بني دوس، وكان له أثر كبير، وأسلم الكثير من بني دوس، فكانت مرحلة انتقال أساسية في انتشار الاسلام.

وتقول الروايات أن بعض النصارى، أسلموا في تلك المرحلة، يقول ابن اسحق، أن عشرين من نصارى الحبشة، جاءوا إلى مكة، والتقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا.

أي أن المسلمين القائمين في الحبشة، كانت أن ينظموا وفوداً، يذهبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لهم العمل الدئوب، لنشر الدعوة في أرض أبعد من مكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى