إسلام

رحلة النبي إلى الطائف ﷺ

رحلة النبي إلى الطائف : في حديث سابق كنت قد أشرت إلى أن الاستراتيجية النبوية، منذ انطلاقتها، كانت تركز على أن تحول قريش إلى قبيلة مسلمة، تحتضن الإسلام.

على اعتبار أن قريش وقتها، كانت هي القبيلة التي تنقاد لها العرب، وهي التي تدير شؤون الحرم، وذات السمعة التي يجتمع عليها الناس.

لكننا سنلاحظ أنه بعد الحصار، وصلنا إلى مرحلة أصبح واضحاً فيها للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه، أن فكرة إيمان قريش بكليتها، لم تعد واردة.

نزول سورة الكافرون، السورة التي أعلنت رسمياً بأن لا حوار ولا اتصال، ولا مساومة مع كل المحاولات القرشية، لاحتواء الرسالة النبوية.

أيضاً أرسلت رسالة، بأن فكرة أن قريش كلها ستؤمن، هذه لم تعد واردة الآن، ولذلك لن يعبدوا

ما تعبد يا محمد، ولن تعبد أنت ما يعبدون، ووصلنا إلى طريق مسدود.

التفكير في نشر الدعوة على نطاق أوسع من قريش

في هذه السنوات، في المرحلة التي دخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشعب، ثم من بعد ذلك، كان إسلام الناس في مكة قد قل، أي تمايزت الصفوف.

فأسلم من قد أسلم، ومنهم من هاجر، وكان الباقين، إما يعادون النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنهم الذين يسكتون لأسباب لها علاقة، بالنسب والمصاهرة.

هنا بدأت مرحلة جديدة، وتوجه استراتيجي جديد، وبدأ التركيز بعد الخروج من الشعب، على النطاق الأوسع من قبيلة قريش، على نطاق يضم مجموعة أخرى من القبائل.

ومن التوجهات المختلفة حينها، لذلك نلحظ نشاط غير مسبوق للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر وعلي بن أبي طالب وغيرهما، في الاتصال مع كل من يفد إلى مكة.

ولا سيما في المواسم المختلفة، مثل سوق عكاظ والمجنة وفي الحج، في منة وغيرها، كلما سمع النبي وصحبه، بأن هناك وفد زائر إلى مكة، ذهبوا وخاطبوهم بالإسلام.

طلب النصرة والدعم

وكان يطلب النبي صلى الله عليه وسلم، أن ينصروه ويدعموه، حتى يبلغ كلمة الله، هذه كانت العبارة التي تتكرر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.

نستشف منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم، رأى بأن لا مناص من الخروج، من النطاق الذي أرادت قريش أن تعزله فيه، أي مكة، فلا بد أن يخرج سياسياً، من خلال وجود ناصر ومؤيد.

وجغرافياً من خلال الهجرة خارج مكة، لذلك فكرة الهجرة، بدأت بعد انسداد الأفق، من تحول قريش إلى الإسلام.

رحلة النبي إلى الطائف عليه الصلاة والسلام

هنا في هذا السياق، تأتي رحلة الطائف، أنا الحقيقة لا أرى الطائف خارج إطار مكة، أرى الطائف في النهاية، جزء من الجيوسياسية، التي تشمل منطقة الحجاز.

الطائف تحديداً، قريبة من مكة، ومرتبطة بمكة، والطائف مدينة مختلفة عن مكة، لأنها ليست تجارية، وإن كان لديها تجارة، ولكنها كانت زراعية، مناخها معتدل وهي سياحية.

وكثير من زعماء مكة، كانوا يصطافون في الطائف، ولديهم فيها مزارع، مثل عمرو بن العاص، وهذه العلاقة، جعلت من الطائف، كأنها امتداد طبيعي لمكة.

فرحلة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، لا يمكن النظر إليها أنها محاولة للهجرة، بل محاولة لتبليغ الرسالة، مثلما بلغ كافة القبائل المحيطة، والوفود التي جاءت إلى مكة.

وقد ذهب فعلاً النبي صلى الله عليه وسلم، مع زيد بن الحارثة، في السفرة المعروفة، التي انتهت نهاية غير جيدة.

لأن الطائف وأهلها، بنو ثقيف، لم يكونوا ليميزوا بموقفهم عن موقف قريش، قريش وثقيف، بينهما علاقات تجارية وزراعية، واستثمارية في السياحة.

لذلك لن تقف ثقيف موقف يعادي مصالحها، المرتبطة مع مكة، وبالتالي أقول، أنني لا أرى أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى أن تكون الطائف مهجراً له.

رد أهل الطائف على رسول الله

في حالة الطائف، ذهب وبلغ الرسالة، ولكن ردهم كان قبيحاً، فهم أرادوا أن يرسلوا رسالة إلى المصطافين، لأبناء قريش، أنهم لم يجاملوا ولم يساوموا، ولم يعطوا أي وعود تضر بهم.

وطلبوا من سفهاءهم، وصبيانهم، أن يضربوا النبي صلى الله عليه وسلم بالحجارة، أثناء خروجه من الطائف، وعاد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نزفت الدماء من قدميه.

وعودة النبي إلى مكة، أصبحت متعذرة، فلقد نزع عنه الغطاء القبلي، لأنه خرج إلى قبيلة أخرى، وحاول اللجوء إليهم، وهو يعرف أنها ليست مثل قريش.

فكانت العودة تحتاج إلى ترتيب جديد، وسيكون في الجوار، الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى حراء، وبدأ يرسل رسائل إلى زعماء معينين، في داخل مكة، يطلب الدخول في جوارهم.

رسائل طلب الجوار والعودة إلى مكة

كانت رسالة إلى الأخنس بن شريق، وكان في مكانة السيد في نبي زهرة، طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم، أن يدخل مكة في جواره، فرفض لأنه من حلفاء قريش.

ورسالة أخرى إلى سهيل بن عمر، وأيضاً رد بالرفض، لأن بني عامر لا يجيرون على بني كعب، فقريش من أبناء فهر، وهم ينقسمون إلى بنو كعب وبنو عامر.

فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم، بطلب جوار إلى المطعم بن عدي، يقول المؤرخون، أن الرجل الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم، لطلب الجوار من مطعم، كان من خزاعة.

إذاً هو كان على اتصال مع خزاعة، فهي القبيلة التي بينها وبين قريش مشاكل، لأنها تعتقد أن قريش قد سلبت حقها التاريخي في مكة.

وخزاعة هي حليف عبد المطلب القديم، ومن الطبيعي أن يتواصل النبي صلى الله عليه وسلم، بهذه الأزمة مع خزاعة.

وعندما أرسل رجل من خزاعة إلى المطعم بن عدي، فقد فعل شيء عجيب، فالمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ونوفل الذي هو جد المطعم.

وقف موقف سيء من عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، عندما سلب منه أرضاً ومزارع، واضطر عبد المطلب، أن يستجير حينها بأخواله من بني النجار.

حتى يأتوا وينصرونه على عمه نوفل، فاضطر نوفل أن يعيد الأرض إلى عبد المطلب، بسبب جوار عبد المطلب من بني النجار، من يثرب.

خزاعة وعبد المطلب

في تلك المرحلة، وقفت خزاعة مع عبد المطلب، وعاهدته ودخلت معه في حلف، فانظر إلى ذكاء النبي صلى الله عليه وسلم.

يرسل رجل من خزاعة إلى المطعم، يقول له: جدك حاول أن يسلب أراضي جدي، وخزاعة في تلك المرحلة، وقفت مع جدي، واستجار جدي بأخوالهم من بني نجار.

لا تزال لدي خيارات أخرى، والمطعم فهم الرسالة، وكان رجلاً ذكياً وحصيفاً وعاقلاً، وأعطى الجوار للنبي صلى الله عليه وسلم.

وخرج مع أبناءه ومع قومه، يحملون السلاح، ووقف عند الكعبة، وقال: إني قد أجرت محمداً، فلا يهجمنه أحد.

ودخل النبي صلى الله عليه وسلم، وطاف بالكعبة وصلى ركعتين، ثم عاد إلى منزله معززاً مكرماً.

هنا تبرز قدرة النبي صلى الله عليه وسلم، على فهم التركيبة الداخلية في قريش، وموازين القوى فيها، وفهم العمق التاريخي، الذي يشكل وعي متجدد في القبائل، والتقاليد والعادات والأحلاف.

في هذه المرحلة انتهت الطائف، بطريقة لم يكن فيها انجاز، لأنها لم تؤمن، ولكن تم احتواء الضرر، والسيطرة عليه.

وعاد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعرف أشياء كثيرة ترتبت على الطائف، لأن الجوار كف الأذى عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستأنف دعوته في أوساط القبائل جميعها.

المصادر

رحلة النبي إلى الطائف
شاهد أيضاً:

جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

ماكتيوبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى