إسلامشخصيات

الإمام البخاري – وامتحانه في الأحاديث



 

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين، أهلاً بكم ومرحباً البخاري مع روائع القصص.

وما زلت معكم ومع سيرة الإمام العظيم الإمام محمد ابن إسماعيل البخاري ، صاحب الجامع الصحيح أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل.

وحدثتكم كيف كان رحمه الله، كأن الله خلقه للحديث، فكان منذ نعومة أظافره محباً للحديث وصاحب قدرة في الحفظ عجيبة على الحديث.

حتى صار الناس يتنافسون في اختباره، وصارت شهرته وهو شاب بين أقطار المسلمين، حتى كان الناس إذا سمعوا أنه اقترب من بلدهم يخرجون إليه.

وكانت الأمة المسلمة في ذلك الوقت أمة علم وخاصة في طلب حديث النبي صلى الله عليه وسلم 

اختبار البخاري في بغداد

يقول أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ: سمعت عدة مشايخ يتحدثون أن محمد ابن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا.

أرادوا أن يختبروا البخاري هل فعلاً هو بالمستوى الذي وصف عنه، على قدرة حفظه، فأخذوا مائة حديث وطلبوا المتون والأسانيد.

( المتن والإسناد هو الحديث وليس فقط النص ) والمتن، وهو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أما الإسناد فيكون عن فلان وعن فلان وهكذا حتى الوصول للنبي صلى الله عليه وسلم.

أخذوا متن حديث وأخذوا سنده ووضعوه لحديث آخر، وأخذوا سند هذا ووضعوه لهذا الحديث، أي بدلوا فيه ( قلبوا الأسانيد مع المتون ) بحيث يصعب التمييز.

لكن الحديث بهذه الطريقة سيكون حديثاً ضعيفاً بحيث أن هذه السلسلة لم تروي هذا الحديث، ثم أخذوا مائة حديث، ومن ثم قلبوا الأسانيد والمتون.

وأعطوا لكل واحد عشرة أحاديث بالسند الجديد، مخلوطة فيها متن لا يركب مع سند، حتى لما يأتي البخاري ، يسألوه عنها ماذا تقول بالحديث الفلاني.

واجتمع الناس ليسألوا البخاري عن هذه الأحاديث، وعندما اجتمعوا وقف واحد منهم فقال: ماذا تقول بالحديث المروي عن فلان وفلان عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟

فقال البخاري: لا أعرفه. ولما انتهى من العشرة، التفت العلماء إلى بعضهم البعض وظنوا أن البخاري المعروف بعلم الحديث لم يعرف العشرة أحاديث.

ثم وقف واحد آخر وروى الأحاديث المحرفة، والبخاري يقول لا أعرفه والثالث والرابع وهكذا، حتى أكملوا المائة حديث، وهو لا يزيد عن قوله لا أعرفه لا أعرفه.

رد البخاري على السائلين

وعندما انتهوا التفت البخاري للسائلين وقال: أما عن حديثك الأول فرواه البخاري بالسند الجديد والمتن الجديد. وقال: هذا المتن لا يركب مع الحديث ويركب مع الحديث الآخر.

يقول العلماء الذين حضروا المجلس وهم مندهشين، ليس من قدرته على حفظ الصحيح بل على قدرته على حفظ الخطأ رغم روايته مرة واحدة.

بل ويربط هذا السند بهذا السند بحيث قام بربط الأحاديث كلها بكل سهولة وعن غيب.

حكايته في سمرقند

هذا الإمام البخاري الذي لا يقف أمامه أحد بري الأحاديث، ويروى عن ابي الأزهر قال: كان في  سمرقند أربعمائة ممن يطلبون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فاجتمعوا سبعة أيام، وأحبوا أن يغالطوا البخاري، أي يختبروه. فجاءوا بالأحاديث التي فيها إسناد من أهل الشام وأدخلوها في إسناد أهل العراق واليمن والحرمين.

أي لعبوا كما ذكرنا سابقاً في هذه الأحاديث، يقول: فما تعلقوا منه بسقطة لا في إسناد ولا في متن، كلها عرفها.

هكذا وصلت قدرته رحمه الله تعالى، أربعمائة عالم يجتمعون لسبعة أيام، لوضع اختبار له فينجوا بالعلامة الكاملة ولا أي خطأ.

يقول ابن أبي جعفر والي بخارى

قال محمد بن أبي إسماعيل، رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته في مصر. فقلت له: يا أبا عبد الله بكماله ( كتب كاملاً بدون نص ).

فسكت ومن ثم قال: هل أكتب حديثاً ناقصاً؟ وكان رحمه الله صاحب نور وحكمة، وله كلمات جميلة في هذه المسألة يقول: لا أعلم شيئاً يحتاج إليه الناس إلا وهو في الكتاب والسنة.

ويقول عن نفسه

ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم، وحتى نظرت في عامة كتب الرأي، حتى قرأت الفقه والمنطق والرأي.

وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها، فما تركت بها حديثاً صحيحاً إلا كتبته، إلا ما لم يظهر لي، ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه.

مواقف في حياته

وله مواقف عجيبة في حياته، يقول بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً قلت صدق رحمه الله.

من نظري في كلام البخاري في الجرح والتعديل، فعلمت ورعه في كلامه في الناس، فكان عندما يضعف إنساناً لا يقول هذا كذاب. كان حريصاً على إمساك لسانه فيقول: منكر الحديث أو يقول سكتوا عنه.

يعني لا يروى عنه، أو يقول فيه نظر أو نحو ذلك، ونادر أن يقول فلان كذاب، إلا أن يكون يؤلف الأحاديث تأليفاً.

وكان يعلم تلاميذه إذا قلت فلان في حديثه نظر، فهو متهم واهي يعني لا ترون عنه.

وهذا معنى قول البخاري لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداً يقول العلماء وهذا غاية الورع، حتى في كتابته عن المضعف كان دقيقاً في اختيار الكلمات.

كان يراعي حتى الشباب، كان يمتلك أخلاق عالية.

حكايته في نيسابور

يروي البخاري يقول كنت في نيسابور أجلس في الجامع، فذهب عمرو بن زرارة وإسحاق بن راهويه إلى يعقوب بن عبد الله والي نيسابور، فأخبروه بمكاني.

فاعتذر إليهم، وقال: إذا رفع إلينا غريب لم نعرفه حبسناه حتى يظهر لنا أمره، فقالوا للوالي: بلغنا أن البخاري لا يعرف يصلي.

فنقل هذا الكلام للبخاري، فقال وهو يضحك: لو قيل شيء من هذا لما قمت من ذلك المجلس حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة فقط.

مناظرته مع أبي بكر البخاري

وحدثت بينه وبين أبي بكر البخاري مناظرة أبو بكر يناظر البخاري في أحاديث سفيان فعرفها كلها.

ثم أقبل محمد بن إسماعيل البخاري على أبي بكر، فأعطاه مائتي حديث من أحاديث سفيان، فلم يعرفها أبو بكر. فكان أبو بكر يقول: هذا البصير بالعلم الشجاع لم أرى مثله.

حكايته في بلخ

ويقول محمد بن أبي حاتم: سمعت البخاري يقول: دخلت بلخ من مدن شرق آسيا فسألني أصحاب الحديث أن أملي عليهم لكل من كتب عنه حديثاً واحداً. فأمليت عليهم ألف حديث ألف رجل ممن كتب عنهم.

ويقول أبو جعفر: سمعت أبا عمر سليم بن مجاهد يقول: كنت عند محمد بن سلام، فقال: لو جئت قبل قليل لرأيت صبياً يحفظ سبعين ألف حديثاً، بمتنها وسندها.

فقال سلم بن مجاهد: استغرب من سبعين ألف حديث، فخرجت في طلبه حتى لحقته، فقال له: أنت الذي تقول أحفظ سبعين ألف حديث؟

قال: نعم وأكثر، ولا أجيئك بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفتك متى ولد كل واحد منهم ومات، وأين سكن.

ولست أروي حديث من حديث الصحابة أو التابعين، إلا ولي ذلك أصل أحفظه حفظاً عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

فتعجبت من حفظه.

محبة الناس له في زمانه

ويقول ابن الأخرم سمعنا أصحابنا يقولون لما جاءهم البخاري، استقبله أربعة آلاف رجل ركبان على الخيل ومن ركب على البغال أو الحمير أو جاء مشياً انظروا حفاوة الناس به في زمنه.

ولعل ما جعل الناس يحبونه ويجلونه أنه كان يخشى الله عز وجل، لديه ورع.

حكايته مع وتد الجسر

يروي محمد بن أبي حاتم: يقول ركبنا يوماً لنتدرب على الرمي، وجعلنا نرمي، وأصاب سهم البخاري وتد لجسر فانشق الوتد.

فلما رأه البخاري نزل عن دابته، وأخرج السهم من الوتد وترك دابته. وقال: إرجعوا فرجعنا معه للمنزل. فقال: يا ابن أبي حاتم عندي حاجة أريدها منك، وهو متألم.

فقال: لك ما تريد. فقال: تذهبوا إلى أبي جعفر، وتقولون له عندنا حاجة لك من البخاري. ومن ثم إلى صاحب الجسر، وتقولون له أن البخاري أصاب الوتد الخاص بك.

وتقولون له: إما البخاري يعطيك وتد مقابله، أو يعطيك ثمنه. وتجعلني في حل من مما أصاب الوتد. فكان صاحب القنطر الحميد ابن الأخطل.

فقال: أبلغ أبا عبد الله السلام، وقل له أنت في حل مما كان منك وجميع ملكي لك فداء.

يقول فأوصلت الرسالة للبخاري ، فاستنار وظهر عليه السرور، ومن ثم تصدق بمائة درهم، لأن هذا الخطأ لن يعاقب عليه يوم القيامة. هكذا كان في حرصه على كل معاني الخير رحمه الله تعالى.

مزيد من الحديث عن قصة هذا العالم الجليل محمد بن إسماعيل البخاري في لقاء قادم، ولكم من الحب والدعاء والتقدير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور طارق سويدان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى