إسلامشخصيات

الجوانب الإنسانية في حياة الإمام البخاري



الإمام البخاري الذي ملأ سمع الدنيا وبصرها، في كل زمان، البخاري الذي إذا ذكر اسمه، عرف أن الحديث الذي رواه، حديث صحيح.

البخاري الذي عرف الناس في زمانه، مكانته وهو شاب، حتى إذا دخل أي قرية، تجمع الناس عليه، يتعلمون منه، ويستقبلونه خارج القرية ويحاصرونه.

والناس يعرفون البخاري من ناحية العلم، فأحببت أن أضيف لكم بعض الجوانب الشخصية له، وكان له صفة خاصة.

الورع والخوف من الله

وهي الورع والخوف من الله عز وجل، والتعلق بالآخرة، وكان هذا المعنى يستحضره باستمرار دائماً.

يقول أحد أصحابه: خرجنا معه في ضيافة في بستان، فلما جلسنا، كان صاحب البستان معجب في بستانه، لكثرة ما عمل به واعتنى به.

فقال صاحب البستان للبخاري: يا أبا عبد الله كيف تر؟ قال البخاري: هذه الحياة الدنيا، وعند الله سبحانه خير وأبقى.

وهذا المعنى تعلمه من ابيه، في أنه يحرص على الخير والحق والآخرة، أكثر من حرصه على الدنيا.

يروي أحمد بن حفص يقول: دخلت على أبي الحسن، يعني والد الإمام البخاري، عند موته، فقال: لا أعلم من مالي درهماً من حرام، ولا درهماً من شبهات.

يقول أحمد بن حفص: فتصاغرت إلي نفسي عند ذلك، فقال الإمام البخاري، لما أبلغوه قصة أبيه، قال: أصدق ما يكون الرجل عند الموت.

الخصال التي تفرد بها الإمام البخاري

يقول الحسين بن محمد السمرقندي: كان محمد بن اسماعيل، أي الإمام البخاري، مخصوصاً بثلاث خصال، مع ما كان فيه من الخصال المحمودة.

كان قليل الكلام، ولا يطمع فيما عند الناس، ولا يشتغل بأمور الناس، كل شغله كان في العلم.

كيف كان يعيش البخاري؟

كان له شيء من التجارة، يعيش منها، لكن تجارته ليست كتجارة باقي التجار، فكان مثالاً للتاجر الصدوق، الذي لا يغش ولا يبدل من أجل الربح.

ومن القصص الشهيرة له في ذلك، أنه حُملت إليه بضاعة، أرسلها له ابن أحمد، فاجتمع إليه بعض التجار، وطلبوها منه، وأربحوه فيها خمسة آلاف درهم.

فقال لهم: انصرفوا اليوم، وعندما أتى اليوم الثاني، جاء إليه تجار آخرون، فطلبوا منه البضاعة نفسها، وقالوا:

نحن نربحك فيها عشرة آلاف درهم، فقال: إني نويت بيعها بربح خمسة آلاف درهم، للذين أتوني البارحة، هكذا كان البخاري رحمه الله تعالى.

مديح العلماء للإمام البخاري

ولذلك كثر مدح العلماء له، فأبو اسحاق السرماري يقول: من أراد أن ينظر إلى فقيه بحق، فلينظر إلى محمد ابن اسماعيل.

ويقول يحيى بن جعفر: لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن اسماعيل من عمري، لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموته ذهاب العلم.

والعالم العظيم، نعيم بن حماد يقول: محمد بن اسماعيل فقيه هذه الأمة.

ويقول مصعب الزهري: محمد بن اسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحديث.

ويقول إسحاق بن راهويه: اكتبوا عن هذا الشاب، فلو كان في زمن الحسن البصري، لاحتاج إليه الناس، لمعرفته بالحديث وفقهه.

يقول علي بن حجر: أخرجت خراسان ثلاث، أبو زرعة، ومحمد بن اسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ومحمد بن اسماعيل عندي، أبصرهم وأعلمهم وأفقههم.

ويقول ابراهيم بن خالد المروزي: رأيت أبا عمار، الحسين بن حريف، من عظماء العلماء، يثني على ابن عبد الله، ويقول: لا اعلم أني رأيت مثله، كأنه لم يخلق إلا لحديث رسول الله الكريم.

ويقول حاتم بن مالك الوراق: سمعت علماء مكة يقولون: محمد بن اسماعيل، إمامنا وفقيهنا، وفقيه خراسان.

ويقول أبو الطيب، حاتم بن منصور: محمد بن اسماعيل، آية من آيات الله، في بصره ونفاذه في العلم.

ويقول سليم بن مجاهد: لو أن وكيعاً وابن عيينة وابن المبارك، كانوا في الأحياء، لاحتاجوا إلى محمد بن اسماعيل.

يقول قتيبة بن سعيد: لو كان محمد في الصحابة، لكان آية، نظرتُ في الحديث، ونظرتُ في الرأي، وجالستُ الفقهاء والزهاد والعباد، ما رأيت مثل محمد بن اسماعيل.

شهادة ابن حنبل

 

ومن أعظم الشهادات التي شهد له بها، شهادة الإمام الجليل العظيم أحمد بن حنبل، الذي قال: لم يجئنا من خراسان، مثل محمد بن اسماعيل البخاري.

وأما العالم الجليل في الحديث، أبو عبد الله الحاكم، يقول: محمد بن اسماعيل البخاري، إمام أهل الحديث.

وصاحب المؤلف في الحديث، ابن خزيمة يقول: ما رأيت تحت أديم السماء، أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحفظ من محمد بن اسماعيل.

والإمام  مسلم، لم جاء إلى البخاري قال: دعني أقبل رجليك، يا أستاذ الأساتذة، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله.

ويقول سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بالبصرة يقولون: ما في الدنيا مثل محمد بن اسماعيل، في العلم وفي الصلاح.

الكرم والسماحة عند البخاري

وأضيف إلى كل هذا العلم وهذه المكانة، من أخلاق البخاري، الكرم والسماحة، فيروى محمد بن أبي حاتم، صاحب الإمام البخاري:

كان للبخاري أرض يؤجرها كل سنة، يؤجرها بسعر مائة درهم، فكان المؤجر يزرعها، ويأتي بالأجرة، ويجلب معه قثاء، وهي نوع من الخيار.

فكان البخاري يحبه أكثر من البطيخ، وعند مجيء الرجل، يعيد له من الأجرة مائة درهم كل سنة، لأنه جلب معه القثاء.

ويصرف من المال الباقي، على أهله، وخمسمائة درهم، يشتري بها الكتب، ويدفع للعلماء وطلاب العلم الفقراء.

يقول محمد بن أبي حاتم: كم فرق بين من ينفق أمواله، يصرفها على العلم، وبين الذي يجمع أمواله من العلم، فقلت يوماً له هذا الكلام، فقال: ما عند الله خير وأبقى.

وكان البخاري إذا فاض عنده شيء، يتصدق به، وبالذات يبحث عن طلاب الحديث الفقراء، يقول عبد الله بن محمد الصيرفي:

كنت عند أبي عبد الله البخاري في منزله، فجاءته جارية صغيرة السن، وأرادت دخول المنزل، ومرت أمام البخاري، وهو يكتب بالمحبرة.

فتعثرت وأسقطت المحبرة، وانسكب الحبر، فغضب البخاري وقال: كيف تمشين؟ قالت: إذا لم يكن طريق، فكيف أمشي؟

فرفع البخاري يده كاد يضربها، ولكنه أمسك نفسه، وقال: اذهبي فقد أعتقتك، فلما سُئل قيل له: يا أبا عبد الله، أغضبتك الجارية؟ فقال: إن كانت أغضبتني، فإني أرضيت نفسي بما فعلت.

المحن والشائعات التي تعرض له البخاري

والبخاري لم تكن كل حياته فقط في العلم، وإنما أصابته المحن والأذى، فتعرض كما تعرض العلماء الصادقون، وصبر كما صبروا.

وحسد بعض الناس البخاري، لما له من مكانة عند العلماء وطلاب العلم، وجماهير المسلمين، فأثاروا حوله الشائعات.

بأن لديه عقيدة منحرفة، وكان في ذلك الوقت عقيدة خلق القرآن، التي أظهرها المعتزلة، بأن القرآن مخلوق، وليس كلام الله.

يقول أبو أحمد بن عدي: ذكر لي جماعة من المشايخ، أن محمد ين اسماعيل البخاري، لما ورد نيسابور، اجتمع الناس عليه.

فحسده بعض من كان في ذلك الوقت من المشايخ في نيسابور، وبدأوا يدققون بشدة، في أقوال البخاري، فوجدوا قولاً اشتبهوا به فنشروه في رأي آخر.

وهو قوله أن اللفظ بالقرآن مخلوق، فنشروا عنه أنه يقول، القرآن مخلوق، وكان ذلك غير صحيح أبداً.

وفي أحد مجالس البخاري، قام إليه رجل يقول له: يا أبا عبد الله، ما تقول في اللفظ بالقرآن، هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟

فلم يلتفت إليه البخاري، ولم يجبه، فقال: يا عبد الله اللفظ في القرآن، هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟ فلم يجبه أيضاً.

فأصر الرجل وردد السؤال للمرة الثالثة، فالتفت إليه البخاري، وقال: القرآن كلام الله، غير مخلوق، أما أفعال العباد ،هي مخلوقة، والإمتحان بهذه الأمور، وسؤال الناس في هذه الأمور بدعة.

فقال الرجل: انظروا يقول القرآن مخلوق، فحصلت ضجة في المسألة، و الإمام البخاري رجع إلى بيته، فقالوا له: ارجع عن هذا القول.

قال: لا أفعل، إلا أن تأتوني بحجة أقوى من حجتي، فإن القرآن كلام الله، وليس مخلوق، ومن قال أنه مخلوق فهو كافر.

وقال من قال أو زعم من أي بلد، أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كاذب، فأنا لم أقل ذلك وإنما قلت، أفعال العباد مخلوقة.

وفي قول للبخاري: حركاتنا وأفعالنا وأصواتنا وكتابتنا، مخلوقة، أما القرآن المتلو المبين، والمثبت في المصاحف، فهو كلام الله وليس بمخلوق.

قال الله تعالى (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى