إسلام

الإمام علي – عبقرية الإمام علي رضي الله عنه



عبقرية الإمام علي للكاتب عباس محمود العقاد

من سلسة العبقريات

صفاته، سياسته، وعلاقته بالنبي والصحابة

في سيرة علي بن ابي طالب ملتقى بالعاطفة المشبوهة والإحساس المتطلع إلى الرحمة والإكبار لأنه الشهيد ابو الشهداء،

يجري تاريخه وتاريخ أبنائه في سلسلة طويلة من مصارع الجهاد والهزيمة وفي سيرته ملتقى بالخيال حيث تحلق الشاعرية الإنسانية في الأجواء أو تغوص في الأغوار فهو الشجاع الذي نزعت به الشاعرية الإنسانية، منزع الحقيقة ومنزع التخيل

اشترك في تعظيمه شهود العيان وعشاق الأعاجيب وتلتقي سيريه بالفكر كم تلتقي بالخيال والعاطفة لأنه صاحب آراء في التصوف والشريعة والأخلاق

سبقت جميع الآراء في الثقافة الإسلامية ولأنه أوتي من الذكاء ما هو أشبه بذكاء الباحثين المنقبين منه بذكاء الساسة المتغلبين وللذوق الأدبي أو الذوق الفني ملتقى بسيرته كملتقى الفكر والخيال والعاطفة لأنه كان أديباً بليغاً له نهج من الأدب والبلاغة يقتدي به المقتدون

بهذه الكلمات وصف العقاد باختصار الإمام علي في مقدة الكتاب الذي تناول شخصيته بالتفصيل من جميع نواحيها الإنسانية

وأهم ما جاء من أفكار في هذا القصد

صفاته:

هو ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف

كان اول هاشمي من أبوين هاشميين فاجتمعت له خلاصة الصفات التي اشتهرت بها هذه الأسرة الكريمة ومن أهم صفاتها النبل والأيد والشجاعة والمروءة والذكاء

نشأ رضي الله عنه رجلا مكين البنيان في الشباب والكهولة حافظا لتكوينه المكين حتى ناهز الستين

قال واصفوه وهو في تمام الرجولة إنه كان ربعة أميل إلى القصر، اسمر، اصلع مبيض الرأس واللحية، عريض المنكبين، حسن الوجه، واضح البشاشة وأكثر ما تميز به الإمام علي الزهد فلم يعرف أحد من الخلفاء أزهد منه في لذة الدنيا

 وكان وهو أمير المؤمنين يأكل الشعير وتطحنه امرأته بيدها، قال سفيان:

(إن علياً لم يبن آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة)

إسلامه:

ولد علي في داخل الكعبة وكرم الله وجهه عن السجود لأصنامها، فتح عينيه على الإسلام ولم يعرف قط عبادة الأصنام فهو تربى في البيت الذي خرجت منه الدعوة الاسلامية

وعرف العبادة من صلاة النبي وزجه الطاهرة قبل ان يعرفها من صلاة أبيه وأمه، وجمعت بينه وبين صاحب الدعوة قرابة مضاعفة ومحبة أوثق من محبة القرابة

فكان ابن عم محمد عليه الصلاة والسلام وربيبه الذي نشأ في بيته ونعم بعطفه وبره

كان المسلم حق المسلم في عبادته وفي علمه وفي عمله وفي قلبه وعقله، حتى ليصبح أن يقال إنه طبع على الإسلام فلم تزده المعرفة الا ما يزيده التعليم على الطباع

سياسته:

تسري في صفحات التاريخ أحكام مرتجلة يتلقها فم من فم ويتوارثها جيل عن جيل ويتخذها السامعون قضية مسلمة مفروغا من بحثها والاستدلال عليها

 من تلك الاحكام المرتجلة قولهم ان علي بن ابي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بخدع الحرب والسياسة

وقد شاع هذا الرأي في عصر علي بين أصحابه، كما شاع بين أعدائه وعزز القول بأنه خالف الدهاة من العرب فيما أشاروا به عليه وأنه لم ينجح بعد هذه المخالفة في اعظم مساعيه فكان من الطبيعي ان يقال أنه مني بالفشل،

لأنه عمل بغير ما أشار به أصحاب الدهاة وهناك عدة أسباب لاجتنابه سياسة المشورة إلا أنه في الجمل سياسته لم تورطه في غلطات كان يسهل عليه اجتنابها باتباع سياسة أخرى ولم تبلغه مآرب مستعصية كان يعز عليه بلوغها في موضعه الذي وضع فيه فلم تكن علة فشل منتزع ولا علة نجاح منتزع

كانت سياسته تحمل فهما وعلما ولكنها لا تحمل الحيلة العملية التي هي إلى الغريزة أقرب منها الى الذكاء النبي والإمام والصحابة

لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يغمر بالحب كل من أحاط به الغرباء والأقربين فأي عجب أن يخص بالحب من بينهم إنساناً كان ابن عمه الذي كفله وحماه وكان ربيبه الذي أوشك أن يتبناه

وكان زوج ابنته العزيزة عنده وكان بديله في الفراش ليلة الهجرة التي هم المشركون فيها بقتل من يبيت في فراشه وكان نصيره الذي أبلى أحسن البلاء في جميع غزواته وتلميذه الذي علم من فقه الدين ما لم يعلمه ناشئ في سنه

عن الصديق رضي الله عنه قال:

(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم إلا شقي الجد رديء الولادة)

أما العلاقة بين علي وسائر الصحابة من الخلفاء وغير الخلفاء، فهي علاقة الزمالة المرعية والتنافس الذي يثوب إلى الصبر والتجمل والتقية وليس هناك من الأخبار ما يدل على ألفة حميمة بينه وبين أحد الصحابة المشهورين وليس فيها كذلك مايدل على عداوة وبغضاء

في بيته:

عاش الإمام علي مع فاطمة رضي الله عنها لا يقرن بها زوجة أخرى حتى ماتت بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في الأثر، يغار لبناته غيرة شديدة وروى عنه أنه قال وهو على المنبر مرة:

(إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم على بن أبي طالب فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد علي بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنها بضعة مني يريبني مارابها ويؤذيني ما آذاها)

وربما كان من وفائه لها غضبه لغضبها، فأحجم عن مبايعة أبي بكر الى ما بعد وفاتها

على بعض الروايات، وهجره كما هجرته مدة حياتها، وقد ولدت له أشهر بنيه وبناته الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم وزينب، وماتت ولم تبلغ الثلاثين وتزوج بعدها تسع نساء

رزق منهم أبناء وبنات يختلف في عدهم المؤرخون وكان على ما يفهم من خلائفه ومن سيرته وأخباره أبا سميحاً يستريح الأبناء إلى عطفه ويجترئون على مساجلته الرأي في أطر ما ينويه من الأحداث الجسام

كان يقول: ( إن للوالد على الولد حقاً فحق الوالد على الولد أن يطيعه في كل شيء إلا في معصية الله سبحانه وحق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه ويعلمه القرآن )

أما معيشته في بيته بين زوجاته وأبنائه، فمعيشة الزهد والكفاف وأوجز ما يقال فيها إنه كان يتفق له أن يطحن لنفسه أن يأكل الخبز وأن يأكل الخبز اليابس الذي يكسره على ركبته وأن يلبس الرداء الذي يرعد فيه

وكان الخليفة يوم كانت الخلافة تناقض ملك الدنيا فكان بيته نقيض القصر الذي تعرض الدنيا المملوكة بين أركانه وزواياه من كلمات الإمام التي لم يقلها أحد غيره والتي تلخص سيرته كلمته في خطاب الدنيا حيث يقول:

( يا دنيا غري غيري…غري غيري ) وإنها لأكثر من كلمة، وأكثر من دعاء وأنها لسان قدر وعنوان حياة

اقرأ أيضاً… اصحاب الاخدود والغلام ،اسمعوا العجب في قصة خلدها التاريخ | حسن هاشم

اقرأ أيضاً…إحياء الموتى | من قصص الأنبياء واحياء النبي عيسى للموتى | مع حسن هاشم

اقرأ أيضاً… حرب أصحاب الفيل، القصة الكاملة بالتفاصيل الخفية التي لم تروى

https://www.youtube.com/watch?v=OFDsJIzNWzc

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى