الخديوي اسماعيل باشا
بروناي السلطنة الصغيرة التي تقع في جزء صغير من جزيرة في جنوب شرقي من آسيا.
قررت ان تطبق قانون عقوبات مستمد من الشريعة الإسلامية، فانتفض العالم الغربي ودعا إلى التصدي لمثل هذه التشريعات والقوانين،
حيث وصفها المتحدث الرسمي في الأمم المتحدة بأنها قاسية ومهينة وغير آدمية وتشجع على العنف والتمييز ضد النساء ونادت باحثة بمنظمة العفو الدولية بضرورة التحرك الفوري لإدانة هذه القوانين الوحشية وزعمت ان الممارسات لا يجوز اعتبارها جرائم اصلاً،
مثلا ممارسة الجنس بالتراضي بين بالغين من نفس الجنس، وركب موجة التصعيد مجموعة من الفنانين الامريكان ودعوا إلى مقاطعة سلسلة فنادق التي تمتلكها هيئة بروناي للاستثمار رداً على عقوبات الجديد،
والعجيب ان صحيفة BBC الإخبارية عندما نقلت خبر اعلان بروناي لتطبيق قانون العقوبات المستمد من الشريعة، وصفت بروناي بأنها دولة متشددة وكان معيار التشدد بأنها منعت بيع واستهلاك الكحوليات.
لماذا تتحسس الدول الغربية من أي دعوة لتطبيق الشريعة في البلدان الإسلامية؟
وهل يعتبر هذا التدخل السافر في الشؤون الدول الإسلامية هو التدخل الأول لمعارضة التحكيم الشريعة؟
التاريخ يشهد بأن هذا التدخل من الدول الغربية ليس جديداً، فعملية الإطاحة بنظام التشريع الإسلامي أصلاً كان وليدة الاستعمار الأجنبي للدول الإسلامية،
وفي ذلك يقول أستاذ الحقوق الفرنسي جورج سوردن: أن الأسلحة الفرنسية هي التي فتحت البلاد العربية وهذا يخولنا اختيار التشريع الذي يجب تطبيقه في هذه البلاد.
وهذا ما حصل بالفعل، فأول البلاد الإسلامية تنحية لشريعة الله سبحانه وتعالى هي الهند، فقد يستغرب البعض من وصف الهند بالبلاد الإسلامية،
فالهند كانت بلاداً إسلامية لا تعرف الحكم بغير شريعة الله سبحانه وتعالى حتى جاء الاحتلال البريطاني وبدء بتعطيل احكام الشريعة سبحانه وتعالى شيء فشيء حتى تم إلغاءها تماماً في أوساط القرن التاسع عشر ولم يبقى منها بعض الاحكام المتعلقة بالنكاح والطلاق.
اما بالنسبة لمصر فبدأت تسرب القانون الفرنسي إلى المحاكم المصرية منذ عهد محمد علي باشا، فكان أول والي عثماني يسن القوانين الوضعية في الديار المصرية
لكن كانت قرارات محدودة بشكل كبير إلا أن البداية الفعلية لتنحية الشريعة في مصر كانت على يد حفيد الخديوي اسماعيل باشا،
الانقلاب التشريعي | سعد القحطاني
الخديوي اسماعيل باشا المولود في فرنسا وترعرع ونشأ بها وكانت غايته ان يجعل مصر قطعة من اوروبا ولكن اخذ بتقليدها في القشور والهوامش وترك الاستفادة من علومها طبيعياً نافعاً، فأسرف في بناء القصور الفارهة وأنشاء المسارح ودور اللهو والغناء،
فمن أثاره دار الأوبرا المصرية التي استقدم لها اشهر الموسيقيين من فرنسا واوروبا، واسترسل في تقليد الغرب في القوانين والتشريعات.
في عام 1875 أنشأ المحاكم المختلطة التي التختص بالفصل في النزاعات بين المصريين والأجانب وكانت المحاكم المختلطة تحكم بالقانون الفرنسي وباللغات الفرنسية و أغلب قضاتها من اوروبا،
ثم جعل احتلال بريطانيا 1882 فألزموا المحاكم الأهلية بتحكيم القانون الفرنسي ونزعوا سلطة المحاكم الشريعية بالحكم بين الناس إلا في قضايا الأحوال الشخصية،
ومن اجل ترسيخ تلك القوانين والنظم الوضعية تم أنشاء المدارس والكليات القانون في زمن الاحتلال الاجنبي وأسند لخريجيها مناصب القضاء والنيابة وتم تحييد المتخصصين في الشريعة وأشغالهم في المساجد والوعظ والإرشاد الروحي حتى حصل هذا الانفكاك التام الذي نراه اليوم،
ثم ساق خلف مصر الكثير من الدول العربية والإسلامية في طريقة تنحية الشريعة الربانية وآثروا عليها القوانين البشرية،
من أكثر الشبهات انتشاراً في معارضة استئناف تحكيم الشريعة في البلاد الإسلامية هي الاحتجاج بوجود الاختلاف بين العلماء في تقرير في الكثير من الأحكام الشرعية.
فتفسيرات الشريعة متعددة فإي شريعة تريدون أن نطبق؟
وفي الإجابة على هذا السؤال نقول.. لقد بينت شريعة سبحان الله وتعالى أن الاختلاف بين البشر سنة كونية ماضية، فالله سبحانه وتعالى الذي قدّر وجود الاختلاف بين البشر هو الذي انزل الشريعة ليتحاكم الناس إليها،
لذلك أرشدنا ربنا إلى الرجوع للوحي عند الوجود الاختلاف، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: إِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً. فالشريعة ينبغي ان تكون حاكمة على الاختلاف لا ان نجعل الاختلاف لاغياً للشريعة.
من هنا نتسأل هل المنظومة التشريعية الإسلامية هي المنظومة الوحيدة التي جرى فيها الخلاف بين الناس؟
لدينا هذا النموذج للاختلاف الكبير عندما يتبنى المنظومة المهيمنة على العالم اليوم، وهي المنظومة الليبرالية،
ومن المعروف أن اعظم المباني الليبرالية هي الحريات بالرغم من ذلك فقد حصل خلاف كبير بين الليبراليين في تحديد مفهوم الحرية وكذلك جرى النزاع في تطبيقاتها،
فقد ذكر أحد الباحثين أن الحرية لها أكثر من 200 تعريف ويرجع هذا التفاوت والتباين في التعريفات إلى الاختلاف المرجعيات والمنطلقات وكذلك اختلاف الحدود والضوابط،
ومع ذلك لم يزعم احد أن وجود هذا الاختلاف في تحديد مفهوم الحرية موجب لإلغاء الليبرالية،
لذلك انتبهت النظم الحديثة إلى وجود تلك الإشكالية فإنشات المحاكم الدستورية، يعرف المختصون بالقانون المحكمة الدستورية بانها المحكمة العليا التي تختص بتفسير النصوص الدستورية وبالفصل بين النزاعات المتعلقة بدستورية القوانين، فإيجاد آلية لحسم النزاع في فهم المواد القانون إقرار بوجود هذا الخلاف،
فكذلك ينبغي التعامل مع هذا الاختلاف في احكام شريعة الله سبحانه وتعالى ان نبحث عن المسلك الصحيح في كيفية التعامل مع هذا الاختلاف لا ان نجعل وجود هذا الاختلاف سبب لإلغاء الشريعة والتشكيك في صلاحيتها،
وكذلك من التناقضات ان الكثير من يعارض اصل التحكيم شريعة الله سبحانه وتعالى من اجل وجود الخلاف في بعض الفروع فإنهم لا يعارضون اصلاً مشروعية الصلاة مع اقرارهم بوجود الخلاف في الكثير من المسائل المتعلقة بها،
مما يدل على عدم جدية من يعارض الشريعة بحجة وجود الخلاف، ان الكثير من القطعيات والأمور المجمع عليها لا يطالب بتطبيقها مع ان مسائل الاجماع اضعاف مضاعفة من مسائل الخلاف
كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تبارك وتعالى في كتاب الاستقامة واكد على ذلك الاستاذ ابو اسحاق الإسفراييني حيث ان مسائل الاجماع اكثر من 20 الف مسألة،
فلماذا يتم تعطيل هذا النوع من الأحكام؟
عندما نتحدث عن الشريعة فنحن نتحدث عن القانون الذي حكم المسلمين لأكثر من 14 قرناً فحكم الشريعة هو الأصيل وليس الدخيل، أما القوانين الوضعية فهي طارئة في تاريخ الأمة ليس لها أصلاً في هويتنا أو ثقافتنا أو ديننا.
اقرأ أيضاً… ثلاث خرافات عن إسرائيل
اقرأ أيضاً… صنم فرنسا – سعد القحطاني
اقتباس..
يقول عالم القانون جورج باتون السبيل الوحيد للوصول إلى معايير متفق عليها للقانون هو الاعتراف بالوحي السماوي قانونا
الانقلاب التشريعي | سعد القحطاني