إسلامشخصيات

الخليفة عمر بن عبد العزيز

عمر بن عبد العزيز الخليفة الذي استطاع في خلال سنتين وخمسة أشهر من فترة حكمه، أن لا يبقي على أي فقير في دولته، هو الخليفة عمر بن عبد العزيز.

من هي أم عمر بن عبد العزيز

في أحد الأيام كان خليفة المسلمين عمر بن الخطاب تجول في أزقة المدينة، ويتفقد أحوال الناس، فأخذه التعب واتكأ على جدار حتى يرتاح.

وعندها سمع حواراً بين أم وابنتها، حيث أن الأم تقول: يا بنتاه قومي إلى ذلك اللبن فأمذقيه، أي أخلطيه مع الماء، فقالت الابنة: يا أمتاه، وما علمتي ما كان من عزمه أمير المؤمنين اليوم؟

إنه أمر منادياً فنادى أن لا يشرب اللبن بالماء، فقالت الأم: يا بنتاه قومي إلى اللبن فأمذقيه بالماء، فإنك في موضع لا يراك عمر ولا منادي عمر.

فقالت ابنتها: والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء ،وإن كان عمر لا يرانا فإن الله يرانا.

سمع عمر بن الخطاب هذا الحوار، وقال لغلامه الذي كان اسمه أسلم: يا أسلم علم الباب، واعرف الموضع.

وفي اليوم الثاني قال له: يا أسلم إمضي إلى الموضع، فأنظر من القائلة ومن المقول لها، وهل لهما من بعل.

فذهب أسلم واكتشف أنها أم وابنتها فقط، فجمع عمر بن الخطاب أولاده وقال لهم: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه إياها، فكان ولده عاصم هو الذي زوجه والده من تلك الفتاة.

عاصم بن عمر بن الخطاب

هو أحد الرواة للأحاديث والتابعين، المشهود لهم بحسن الخلق، ومرت الأيام وتبدلت الأحوال، وجاءت الدولة الأموية بعد الخلفاء الراشدين.

حتى كان الخليفة مروان بن الحكم، ولديه ولد اسمه عبد العزيز بن مروان يريد أن يتزوج من فتاة مشهود لها بالعلم والدين، فتزوج إحدى بنات عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وكانت تسمى ليلى بنت عاصم بن عمر، والتي سميت بعدها أم عاصم، وأنجبا ولداً سموه عمر بن عبد العزيز، وهو ثامن خليفة لبني أمية، ومن هنا تبدأ قصة عمر بن عبد العزيز.

نشأة عمر بن عبد العزيز

ولد عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة في عام 681 للميلاد، وعائلته جمعت بين الملك والعلم، وكان جده من أبوه هو الخليفة مروان بن الحكم، وجده من أمه عاصم بن عمر بن الخطاب.

ولكنه كان متأثراً بأخواله، فكبر ونشأ وهو شغوف بطلب العلم، وكان ينتقل مع والده بين الشام والمدينة ومصر، وتولى والده عبد العزيز بن مروان ولاية مصر.

وفي يوم من الأيام وأثناء وجوده مع والده في أحد الإسطبلات، جاءت فرس وضربت برجلها رأس عمر بن عبد العزيز، فشجت رأسه.

حاول والده اسعافه وقال له: لو كنت أشج بني أمية، إنك إذاً لسعيد. ورآه أخاه الأصغر فقال له: هذا أشج بني مروان.

أشج بني أمية

وحكاية الأشج أنه كان هناك رؤية متداولة بين الناس لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، كانت تتكرر له في المنام، أنه سيأتي من ولده أثر يملأ الأرض عدلاً.

وفي أحد الأيام أحب عبد العزيز بن مروان أخذ ولده عمر بن عبد العزيزمعه إلى مصر، فقال له: اعفني من الذهاب معك، ودعني أذهب إلى المدينة لرؤية أخوالي، وأجالس العلماء وأطلب العلم.

وبالفعل هذا الذي حصل، فقد ذهب عمر بن عبد العزيز إلى المدينة المنورة، وجالس هناك العلماء وغرف الكثير من العلوم الدينية وروايات الحديث.

تولى تأديبه أحد المشايخ الكبار وهو صالح بن كيسان، الذي قال عن عمر بن عبد العزيز: ما خبرت أحداً الله أعلم في صدره مثل هذا الغلام.

والشيخ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، سمع أن عمر بن عبد العزيز من الأشخاص الذين كان لديهم مشكلة، في سيرة علي بن أبي طالب وهي قصة كبيرة آنذاك.

فرآه يوماً يصلي فلم يصلي الشيخ عبيد الله وراء عمر، بل صلى لوحده، وبعد أن انتهى من صلاته، ومر بقرب الشيخ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.

قال له الشيخ عبيد الله بن عبد الله: متى بلغك أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ ففهمه عمر بن عبد العزيز وقال له: معذرة إلى الله ثم إليك، وبعد ذلك لم يعد يذكر علي بن أبي طالب إلا بالخير.

عالم فقيه ومن رواة الحديث

علا شأن عمر بن عبد العزيز وأصبح إماماً في زمانه وفقيهاً، وهو أحد الرواة الثقاة لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان العلماء يذكرون عمر على أنه حجة ومصدر بقوله أو فعله.

وورد ذكره في جميع المذاهب الأربعة، يقول الإمام أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يحب عمر بن عبد العزيز ويذكر محاسنه.

فإن من وراءه خير إن شاء الله، ويقول: لا أدري قول أحد التابعين حجة، إلا قول عمر بن عبد العزيز.

كان الخليفة حينها هو عبد الملك بن مروان الذي أحب عمر بن عبد العزيز كثيراً، خاصة بأخلاقه العالية وعلمه وفقهه وحفظه للحديث.

عندما توفي والد عمر بن عبد العزيز قربه عبد الملك بن مروان منه، وجعله يصادق ابنه سليمان، وزوجه من ابنته فاطمة، وقيل أنه ولاه على خنصاره لمدة بسيطة، حتى يتدرب على الحكم والإدارة.

والي المدينة المنورة

توفي عبد الملك بن مروان واستمر ابنه الوليد بن عبد الملك على نفس خطاه، في تعامله مع عمر بن عبد العزيز فعينه والياً على المدينة المنورة، في عمره العشرين عاماً.

وعلى الرغم من صغر سنه، إلا أنه كان شخصاً فطناً ويستشعر المسؤولية، فاشترط على الخليفة شروطاً من ضمها:

أن لا يمنعه أحد عن فعل الحق.

وأن يحج في أول سنة من حكمه.

وأن يكون خراج المدينة للمدينة.

وافق الوليد بن عبد الملك على شروط عمر بن عبد العزيز، وفي بداية ولايته للمدينة المنورة، أنشأ مجلس عرف بمجلس الفقهاء العشرة.

جمع فيه من خيرة العلماء ليشاركهم في كل أمور الحكم، فعمل في المدينة وأصلح بني الناس وعدل بينهم، وعمل على توسعت الحرم فأحبه الناس كثيراً.

جاء الوليد بن عبد الملك في زيارة إلى المدينة وأعجب بعمر بن عبد العزيز، ورآى أعماله فيها، ولكن حزم عمر بن عبد العزيز وعدالته كانت صارمة جداً.

حيث أنه كان كثير النصح للخليفة، ولديه تحفظات على بعض الولاة في الدول المتفرقة، ومن ضمنهم الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق حينها.

عمر بن عبد العزيز والحجاج

في قصة عن عمر بن عبد العزيز، أن الحجاج بن يوسف الثقفي ذهب إلى الحج، ومن ثم أراد زيارة المدينة المنورة.

فأرسل عمر بن عبد العزيز إلى الوليد بن عبد الملك قائلاً بأنه لا يريد رؤيته، حيث أن الحجاج كان شديداً مع من يخالفه، وعمر بن عبد العزيز يمقته.

وعندما دخل الحجاج إلى المدينة المنورة، أخذ الناس يهربون من طريقه، وقد حصل كما يريد عمر بن عبد العزيز فعلاً.

وفي قصة أخرى أنه كان هناك رجلاً يدعى خبيب بن عبد الله بن الزبير، وهو تابعي وعالم والده من الصحابة، ومن كبار المعارضين للخلافة الأموية.

أرسل الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز، بأن يعاقب خبيب بن عبد الله بن الزبير، بجلده بمائة سوط.

وتم تنفيذ الأمر على كره منه، ومن ثم ألقوا عليه ماءً بارداً، فتسبب في موت الرجل. وهنا حزن عمر بن عبد العزيز كثيراً، حتى أنه أصيب بالمرض.

وأخذ يتصدق بأموال كثيرة لأنه لم يستطع نسيان تلك الحادثة، وأعتق بعد ذلك ثلاثين عبداً، وأرسل إلى أسرة خبيب أموالاً كثيرة.

وكان الحجاج يراقب كل أفعال عمر بن عبد العزيز التي تصله من المدينة، واستمر في إرسال الكثير من المراسلات إلى الوليد، لتنحية عمر بن عبد العزيز.

وفعلاً فقد قام الوليد بتنحية عمر بن عبد العزيز، واستدعاه إلى الشام حيث أقام في مدينة السويداء، لفترة قليلة ومن ثم انتقل إلى دمشق.

تولي سليمان بن عبد الملك الخلافة

بعد وفاة الوليد بن عبد الملك، تولى أخاه سليمان بن عبد الملك الخلافة، وكان سليمان محباً لعمر بن عبد العزيز فهو صديق الطفولة، وعينه مستشاراً له وجعله من المقربين.

وعمر بن عبد العزيز استمر كما كان في السابق يطلق النصائح إلى الخليفة، وكان يعترض على قرار سليمان في حصاره للقسطنطينية، حيث أن ذلك يشكل عبئاً وإزهاقاً للأموال والأرواح.

واستطاع أن يعين الخليفة سليمان بن عبد الملك في كل الأمور، والثاني يأخذ رأيه في كل شيء، وفي إحدى المرات تجادل الإثنان في موضوع ما، فقال سليمان لعمر: كذبت.

فرد عليه عمر بن عبد العزيز: تقول لي كذبت؟ والله ما كذبت منذ أن عرفت أن الكذب يضر بأهله.

وقرر بعدها أن يرحل إلى مصر، ولكن سليمان عاجله بالصلح وقال له: ما عرض لي أمر يهمني إلا خطرت على بالي.

وفاة سليمان ووصيته

قبل وفاة سليمان بن عبد الملك كان يفكر في تولية ابنه الصغير على الحكم، فسأل رجاء بن حيوة الكندي، وهو صديق بني أمية، قال له: مما يحفظ الخليفة في قبره أن يولي المسلمين الرجل الصالح.

فشاروه في ولاية ابنه ولكنه قال له أن ابنه في القسطنطينية، ولا يعرف أهو حي أم ميت، فقال: من تراه؟ فقال له: رأيك يا أمير المؤمنين.

فقال له: فكيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟ فقال رجاء: أعلمه والله خيراً فاضلاً، يحب الخير لأهله، ولكن أتخوف عليه أخوتك أن لا يرضوا بذلك، فقال سليمان: هو والله على ذلك.

وهكذا كانت المفاجأة في الوصية التي عرضت بعد وفاة سليمان بن عبد الملك، بأن تكون الولاية لعمر بن عبد العزيز والتي كان فحواها:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من عبد الله سليمان بن عبد الملك، إلى عمر بن عبد العزيز، إني قد وليته الخلافة من بعدي.

ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوه، واتقوا الله ولا تختلفوا، فيطمع فيكم عدوكم.

الخليفة عمر بن عبد العزيز

قام رجاء بن حيوة بعد أن استلم الوصية من سليمان بن عبد الملك، وأجلس على الباب أحداً حتى لا يدخل على الخليفة أحد، إلى أن يعود هو.

ويتابع رجاء بن حيوة الحديث فيقول: فخرجت فأرسلت إلى كعب بن حامد، وطلبت جمع أهل بيت أمير المؤمنين، واجتمعوا في مسجد دابق فقلت:

بايعوا، قالوا: قد بايعنا مرة ونبايع أخرى؟ قلت: هذا أمير المؤمنين بايعوا على ما أمر به، ومن سمى في هذا الكتاب المختوم، فبايعوا جميعاً.

وعندما بايع الجميع قال لهم: قوموا إلى صاحبكم فقد مات، فقالوا: إنا لله وإنا إليه لراجعون، وعندما فتحت الوصية قام أحد الأمويين يقول: لا نبايعه أبداً.

فقام رجاء بن حيوة من مكانه وأمسك بالسيف وقال: أنا قلت أضرب والله عنقك، فقم وبايع، فبايع جميع المسلمين مع بني أمية على مضض.

ويقول: وأخذت عمر فأجلسته على المنبر، وكانت تلك المرة الأولى، التي خطب بها عمر على المنبر كونه الخليفة.

حيث قال فيها: أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا، فصاح الناس صيحة واحدة وقالوا: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك.

خطوات الإصلاح

عندما آلات الخلافة لعمر بن عبد العزيز، أمر بقرطاس وقلم وكتب ثلاث رسائل وأمر لتنفيذها، ولم ينتظر حتى العودة إلى المدينة.

أولها هي طلب توقيف حصار القسطنطينية، وأن يعود الجيش من هناك، حيث أن الجيوش قد وصلت إلى حالة سيئة جداً لدرجة طبخ خيولهم.

والأمر الثاني كان عزل والي مصر أسامة بن زيد الجبار، الذي كان له مع أقباط مصر وقعات كبيرة، ومن ثم الأمر الثالث كان عزل يزيد بن مسلم في أفريقيا، حيث كان من المعتدين على الناس بشكل جائر.

وعندما دفن الخليفة سليمان بن عبد الملك، جاءت مواكب خاصة بالخلافة الأموية الضخمة الصنع، فقال عمر بن عبد العزيز: ما هذا؟ قالوا: مراكب الخليفة لم تركب من قبل، يركبها الخليفة عندما يلي.

فقال لهم: ما لي ولها نحوها عني، وبقي يتنقل على دابته، وأخذ كل تلك الأشياء ووضعها في بيت مال المسلمين، وكانت تلك أولى خطوات عمر بن عبد العزيز الإصلاحية.

حتى أن زوجته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان التي هبت لتهنئته بمنصبه الجديد، وهي متزينة بحليها وزينتها من الذهب، قال لها، أنها قد تشعر بالتقصير منه، لأن الخلافة برأيه تحتاج إلى تفرغ وحكمة.

زوجته فاطمة كانت من أعرق النساء نسباً ومكانة في التاريخ، لأن والدها ملك وجدها ملك وأخوتها ملوك.

الثروات والمال في بيت مال المسلمين

فتح عمر بن عبد العزيز باب الشكاوى، وقام بإعادة كل أراضيه في خيبر ومصر وغيرها، وجميع أمواله إلى بيت مال المسلمين، إلا أرض السويداء، التي كانت من ماله الحر في منطقة نائية.

ورغم شدة حاجة أهله لهذا المال، فقد تبرع به جميعه، وكلما رأى شيئاً ترتديه زوجته فاطمة، يسألها من أين لها، فتخبره أنه من أخيها الخليفة، فيأخذه منها ويضعه في بيت مال المسلمين.

ومن ثم قام باسترجاع ثروات بني أمية مع جميع عطاياهم، التي كان الناس حينها يشتكون من تلك الثروات والأموال بشكل كامل، وسميت تحت اسم المظالم.

وأعلن أنه لا يوجد جباية للمال بغير حق، وإن كان لأحد مظلمة من حقه أن يبلغ عنها، ولكن بني أمية لم تعجبهم أفعال عمر بن عبد العزيز.

فذهب بني أمية إلى ولده الوليد بن عمر بن عبد العزيز، يشكون سياسة والده التي سحبت كل أموالهم وثرواتهم، فذهب الوليد ليحدث والده عن هذا الأمر.

فقال له عمر بن عبد العزيز: قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم.

كيد بني أمية

بدأ بني أمية يرون أن عمر بن عبد العزيز يشكل عليهم خطراً كبيراً، فتجمعوا وأرسلوا له رسالة جاء بها: أما بعد، فإنك أزريت بما كان قبلك من الخلفاء، وسرت بغير سيرتهم.

سميتها المظالم نقصاً لهم وعيباً لأعمالهم، وشتاماً لمن بعدهم من أولادهم، ولم يكن ذلك لك، فقطعت ما أمر الله به أن ويصل، وعملت بغير الحق في قرابتك، وعمدت إلى أموال قريش مواريثهم وحقوقهم.

فأدخلتها بيت مالك ظلماً وجوراً وعدواناً، فاتق الله يا بن عبد العزيز وراقبه، خصصت ذوي قرابتك بالقطيعة والظلم.

فوالله الذي خص محمد صلى الله عليه وسلم بما خصه به من الكرامة، لقد ازدت من الله بعداً في ولاتك هذه، التي تزعم على أنها بلاء عليك وهي كذلك.

رد عمر بن عبد العزيز

فجاء الرد من عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن أول أمرك يا فلان أن أمك بنانة، كانت تدخل دور حمص وتطوف حوانيتها، والله أعلم بها.

فاشتراها دينار بن دينار من فيء المسلمين، وأهداها إلى أبيك فحملت بك، فبئس المحمول وبئس الجنين، ثم نشأت فكنت جباراً شقياً، كتبت إلي تظلمني.

وزعمت أن حرمتك وأهل بيتك في مال المسلمين، الذي فيه حق القرابة والضعيف والمسكين وابن السبيل، إنما أنت كأحد منهم، لك ما لهم وعليك ما عليهم، فويلك وويل لأبيك، ما أكثر طلابكما وخصمائكما يوم القيامة.

لم يكتف بني أمية بذلك، بل قام بني أمية بمراسلة عمة عمر بن عبد العزيز، فاطمة بنت مروان، التي كان يحبها حباً شديداً.

وعندما قابلها عمر بن عبد العزيز سألته بغضب، عما فعل بأبناء خالته، ولكنه تحدث معها بهدوء، عن الخوف من الله ويوم القيامة، وأعطاها ديناراً كان يحرقه على النار.

ففهمت مقصده وخرجت من عنده، وعلمت أن عمر بن عبد العزيز لن يغير من قناعاته، وعندما قابلت بني أمية قالت: أنتم فعلتم ذلك بأنفسكم، تزوجتم بأولاد عمر بن الخطاب، فجاء من يشبه جده.

فعجزة حيل بني أمية، وتفرقت معارضتهم، وأصبح كل شخص منهم يتفاهم مع الخليفة على حدى، ويحاول أن يتقرب منه.

الإصلاحات السياسية

على مستوى الإصلاحات السياسية، قام عمر بن عبد العزيز؛ بعزل جميع الولاة الظالمين، وتم تعيين بدل عنهم أشخاصاً آخرين، من المشهود لهم بالصلاح.

وكان من الذين عزلهم صاحب حرس الخليفة السابق، واسمه خالد بن ريان، الذي كان يضرب عنق أي شخص يأمر بقتله سليمان بن عبد الملك.

واعتقل يزيد بن المهلب، وغيره من الولاة الذين عرف عنهم الظلم والجور، وكان يقول عنهم عمر بن عبد العزيز: هؤلاء جبابرة وانا لا أحب مثلهم.

من ناحية تنظيم هيكلة الدولة، فقد جزء أعمال الدولة إلى أربع أقسام رئيسية، وهي الوالي والقاضي وصاحب بيت المسلمين والخليفة.

وكان يمنع الولاة أو أي شخص من أصحاب القرار من قبول الهدايا، لأنها تعتبر رشوة، ومن أن يجمعون بين السلطة والتجارة.

وكان كثير النصح للولاة، فقد أرسل مرة لأحد الولاة يحذره بها من معصية الله وعذاب الآخرة، ولما انتهى هذا الوالي من قراءة الكتاب، خاف من الخليفة، فأرسل رسالة له وقال، أنه سيترك المنصب.

عمل عمر بن عبد العزيز على منع القتال، واكتفى على الحوار السلمي، ولكن في فترة حكمه القصيرة حدثت مناوشات بين بعض الدول مثل أذربيجان وتركيا.

حيث أن الأتراك بدأوا يغيرون على المسلمين ويقتلونهم، فأرسل عمر بن عبد العزيز جيشاً بقيادة حاتم بن النعمان، فقتل الأتراك وأسر منهم عدداً كبيراً.

شملت عدالة عمر بن العزيز الجميع، وأصبحو متساوون بدون أي تمييز، وكان أحد قراراته أنه أسقط الجزية عن الموالي، فهم حديثي عهد في الإسلام، خاصة في العراق ومصر وخراسان.

ومن الولاة الذين رفضوا ترك الجزية والي مصر حيان بن شريح، فأرسل له مندوباً يجلده علناً.

وفي مرة أخرى أرسل عامله إلى الكوفة يسأله عن الأموال التي تراكمت على الأشخاص الذين أسلموا بعد كفرهم،

فقال لهم: إن الله أرسل محمداً داعياً وليس جابياً.

الإصلاح الإجتماعي

أدرك عمر بن عبد العزيز التفاوت الإجتماعي، الذي كان سببه سوء توزيع الثروات، فرسم سياسة جديدة تنصف الفقراء والمظلومين.

حيث منع الأمراء من الإستثمار بأموال الدولة، وزاد الإنفاق على الفقراء والمحرومين.

وكان يهدف إلى توفير المسكن والمركب والأثاث، فهي من الأساسيات برأيه للجميع، وقام بجعل كل ذكاة ولاية تخرج في نفس الولاية، حتى لا تخرج الأموال.

وفي عهده ارتفعت خزينة بيت مال المسلمين، حيث وصل الخراج في العراق مثلاً إلى  124 مليون درهم، ومن ضمن اصلاحاته الإقتصادية أيضاً.

إطلاق الحرية الاقتصادية وتوفير الحوافز في العمل والإنتاج، وإزالة العوائق والإنفاق على المشاريع الزراعية، وإلغاء الضرائب على المزارعين.

وهذا أدى إلى نمو التجارة، وزيادة أموال الزكاة، وبالتالي تمت المساوات بين الطبقات الإجتماعية، وارتفعت القوة الشرائية.

وكل هذه الأمور أدت إلى انتعاش الإقتصاد، وارتفاع مستوى المعيشة وزيادة الرفاه، ووصلت حالة الدولة في عهد عمر بن عبد العزيز؛ أنه لم يكن هناك فقيراً أبداً.

حيث أنه كان يتم البحث عن فقير، حتى يدفع له الزكاة فلا يجد أحد، وكان يتم سداد الديون عن المتعسرين التجار.

وعن كل من أدان في غير سفه، وللأسرى الذين وقعوا عند الروم سواء كانوا مسلمين أو غيرهم.

وفاة عمر بن عبد العزيز

ومع كل هذا الخير الذي ناله الناس، إضافة إلى ذلك كان شخصاً متواضعاً وزاهداً ومتديناً، وفيما ذكر عن تعففه وزهده عن التمتع بالأمور الدنيوية، وخشيته من الله الكثير من القصص.

فكان يخدم نفسه بنفسه، ولباسه خشن، ولا يملك إلا دابة واحدة يستعين بها، وفي إحدى المرات تأخر على صلاة الجمعة، لأنه كان يغسل ثوبه الذي لا يوجد لديه غيره.

كان عمر يسير في الشوارع مع بغله وغلامه، ويسأل غلامه: هل الناس سعداء؟ فيقول له: الجميع سعداء إلا أنت وأنا وهذا الحمار.

توفي عمر بن عبد العزيز؛ وهو في عمر الأربعين، واختلف الرواة في سبب وفاته، من أنه مرض أو وضع له السم، ولكن في النهاية اتفقوا على أنه قد وضع له السم، من أحد الغلمان المرسل من الأمويين.

حيث أن عمر بن عبد العزيز؛ شعر أن هناك شيء يسري في جسده، فاستدعى شخصاً يسأله: ماذا يقول الناس في؟ قال: يقولون أنك مسحور، فقال: ما أنا بمسحور.

ومن ثم استدعى الغلام الذي سممه وهو على فراش الموت وقال له: ويحك ما حملك على أن تسقينني السم؟ فقال له: ألف دينار ووعد أن أعتق، فعرف عمر بن عبد العزيز.

وقال له: أعطني الألف دينار لنضعها في بيت مال المسلمين، واذهب حتى لا يراك أحد، وفي يوم الجمعة من الخامس من رجب عام 101 للهجرة، في دير سمعان بالقرب من ميدنة حمص.

توفي عمر بن عبد العزيز؛ وهو ابن 39 سنة وستة أشهر، وحكم لمدة سنتين فقط وخسمة أشهر وأربعة أيام.

 

المصدر يوتيوب زمكان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى