تشي جيفارا في حياته قاد المحاربين والعمال في كوبا ، وقاتل في غواتيمالا والكونغو وبوليفيا ، وبعد موته اتسعت ثورته لتطال العالم أجمع .
وفّى بوعده لأمه حين أخبرها بأنه سيثور حتى وهو في القبر إذا قال : لا تحزني يا أمي إن مت في غض الشباب غداً سأحرض أهل القبور وأجعلها ثورة من تحت التراب .
تشي جيفارا وجه النقاء الثوري
ولد إرنستو جيفارا في الأرجنتين في 14 حزيران عام 1928 ، عاش طفولته في مدينة صغيرة تدعى ألتا غراسيا وهو ابن عائلة إسبانية إيرلندية الأصل تعد من البرجوازيات المتوسطة .
أصيب تشي ، وهي كلمة إسبانية تعني الرفيق ، بالربو في الثانية من عمره الأمر التي حرمه الكثير من متع حياته فكان أحد سببين لدراسته الطب .
والسبب الثاني أن مرض السرطان أخذ منه جدته ليقرر دراسة الطب في محاربة المرض ، فانتسب لجامعة بوينس آيرس .
واستطاع اختصار ستة سنوات جامعية في ثلاث فقط ، حيث نجح في ستة عشر اختباراً في ستة شهور .
تشي جيفارا المناضل القدوة
لطالما أحب جيفارا الشعوب المستضعفة ، ودائماً كان يحاول أن يتفهم مشاكلها ويقترب من همومها ، فكره البرجوازيين الذين لا شغل لهم إلا جمع المال .
وفي سعيه للتقرب من الشعوب والتعرف إلى معاناتها دفعته روحه الثورية إلى التجوال في أحياء الأرجنتين الفقيرة .
ثم انطلق بصحبة رفيقه ألبرتو في رحلة إلى عدد من دول أمريكا اللاتينية .
عمل خلالها أعمالاً مختلفة لتأمين مصروفهما وكان من أكثر هذه الأعمال التي أثرت في نفس جيفارا عمله في ملجأ للمصابين بمرض الجذام في ساو باولو على نهر الأمازون .
حيث اكتشف أعلى أنواع التضامن الإنساني والإخلاص بين رجال منعزلين يائسين لا أمل لهم في العودة إلى قراهم .
تأثر المناضل اليافع بمعاناة الجماهير الكادحة تحت سياط الاستغلال الإمبريالي الجشع وأحس بالمسؤولية تجاه المظالم الاجتماعية التي يجترحها الإمبرياليون بحق الشعوب .
فخالط الفقراء وقاسمهم مشاعر الأخوة ومشاعر النقمة وحاول أن يتبرأ من أصله الثري ودرّب نفسه على تحمل الشدة والمعاناة والحرمان .
كوبا الحب الأول
عام 1953 تخرج جيفارا طبيباً ليبدأ رحلته الثورية في مقارعة الإمبريالية وأولى محطاته كانت جواتيمالا التي تعرضت آنذاك لغزو همجي من قوات مرتزقة مدرّبة ومجهزة بواسطة المخابرات المركزية الأمريكية .
فوّحد جيفارا الوحدات الثورية المحلية في قوة لاستعادة السيطرة على المدينة لكن جهوده ذهبت سدىً بسبب الموقف الحكومي الرافض لتسليح الشعب والقتال بصورة جيد .
لتكون مرارة الهزيمة هذه دافعاً أكبر لتشي جيفارا الذي شد رحاله إلى المكسيك ليعكف على دراسة النظريات الثورية .
وفي صيف 1955 التقى الزعيم الكوبي فيدل كاسترو ووضعا معاً رؤى ثورية مشتركة من أجل تحرير كوبا من الاستبداد والتسلط والخيانة .
ودون أدنى تردد التحق بالثورة الكوبية فور اشتعالها رغم زواجه الحديث من أريبيا .
سجل تشي بطولات نادرة في الثورة الكوبية مجاهداً العدو ومرض الربو معاَ ، المرض الذي لطالما حاول تأخيره عن الثورة لكنه لم يستطع .
في كوبا انتقل الثوار من نصر إلى نصر والتف حولهم جموع المحرومين ، فأسسوا شبه دولة ثورية في عدد من القرى المحررة .
وبعد معركة أوفيرو الشهيرة أصبح جيفارا الرجل الثاني في الجيش الثوري بعد كاسترو .
وكان قد وضع مسودات لمؤلفه الثوري حرب العصابات الذي تضمن مخططاً توضيحياً شاملاً لحرب القوار ضد الجيوش الحديثة المدججة بالتكنولوجيا .
وفي 3 من كانون الثاني عام 1959 وصل الثوار إلى سدة الحكم في هافانا وأطاحوا بآخر فلول الباوتستية ثم تسلموا مقاليد الدولة .
ووقع الاختيار على جيفارا عدو النقد الأول ليكون مديراً للبنك الوطني الكوبي .
وعام 1961 عين وزيراً للاقتصاد وكان مثالياً في السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية تماماً كمثاليته في الثورة ولم تغره المناصب الحكومية .
لذلك عندما اتخذ الزعيم السوفييتي خروتشيف في مطلع تشرين الأول لعام 1962 قراراً بسحب الصواريخ السوفيتية من غابات كوبا .
عارض تشي هذه السياسات التخاذلية وأخذ ينادي باستقلال القرار الكوبي عن سياسات الدول الكبرى .
دماء ثورية متجددة
في تشرين الثاني عام 1964 زار تشي موسكو ثم نيويورك ضمن الوفد الكوبي وتابع تجواله بين العديد من عواصم دول العالم .
مؤيداً بدعم من الرئيس الجزائري آنذاك بن بلة الذي كوّن محوراً اشتراكياً مستقلاً مع كوبا وصداقة خاصة مع جيفارا .
أيضاً التقى عدداً من القيادات الفلسطينية الثورية وأشاد بجهادهم البطولي ضد الصهيونية الغاصبة ، ورأى في الثورة الفلسطينية رمزاً ملهماً لنضالات الشعوب المستضعفة .
ليختم جولاته تلك بزيارة مصر عبد الناصر ثم يعود إلى كوبا حيث اجتمع بكاسترو لأربعين ساعة متواصلة قرر بعدها أنه لم يخلق للجلوس في المكاتب .
فتنازل عن منصبه الوزاري ورتبته العسكرية وجنسيته الكوبية وكتب رسالة وداع إلى رفيق دربه فيدل كاسترو وغادر كوبا مروراً بمصر إلى الكونغو .
حيث قاتل لتسعة أشهر قبل أن يغادرها متأثراً بالصراع الصيني الروسي ، ثم وضع خطة بإشعال عدة ثورات حول العالم لإنهاء الإمبريالية تمهيداً للإجهاز عليها نهائياً .
الميت الحي
بعد عرض خطته على كاسترو ودعه للمرة الأخيرة ورحل بصحبة 17 فدائياً إلى بوليفيا ليكونوا بؤرة ثورية فيها .
اشتبكت مع الجيش الكوبي في معارك متفرقة ليحقق لاحقاً نصراً سياسياً ويبث الرعب في قلوب الأعداء .
حتى أن حكومة الأرجنتين والبيرو أغلقتا حدودهما آنذاك خوفاً من الثوار إلى أن أرسلت المخابرات المركزية الأمريكية دعماً للجيش البوليفي .
الذي أرادوا أن يسترد هيبته في معركة الإبادة الأخيرة ضد الثوار التي وقعت قريباً من وادي نهر جورو .
إذ باغت الأعداء تشي جيفارا ورفاقه وأمطروهم بوابل من رصاص بنادقهم فتفرق الثوار واتخذ تشي ورفيقه سيمون كوبا طريقاً فرعياً .
غير أن تشي أصيب في ساقه فحمله كوبا على ظهره محاولاً الابتعاد عن خط النار .
لكن رصاصة أخرى أصابته وقاوما حتى أثخنتهما الجراح وأرسلا مع من تبقى من الأحياء إلى مثواهما الأخير .
ليسجل التاسع من تشرين الأول عام 1967 زمان اغتيال أيقونة الثورة ضد الظلم والعدوان .
أما مكان دفنه فبقي مجهولاً ، فحين قتلوه نقلوا جثته لمستشفى في قرية مجاورة حيث نظفوها وحقنوها بمادة توقف تحلل الجسم .
واستدعى المجلس العسكري في بوليفيا المصورين لالتقاط صور للجثة ليؤكدوا للعالم أجمع أن الأسطورة تشي جيفارا قتل بالفعل وأن قصته انتهت إلى الأبد .
لتتصدر صور جثته الصحف في مختلف أنحاء العالم فكانت بمثابة البعث العظيم لهذا البطل الثائر .
في عام 1997 تمكن فريق من خبراء الطب الشرعي من العثور على رفات تشي جيفارا في بوليفيا ، وبعد التأكد منه نقل الرفات إلى متحف كوبا في موكب مهيب يليق بالبطل الذي قال يوماً ما :
إن الثوري الحق هو الذي يحارب ويموت في ظل عَلم أمة لم تولد بعد .
وهاهو اليوم بالفعل يولد في ظل كل أمة وفي كل يوم ومع كل ثورة وصرخة ظلم .
المصادر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com