إسلامقصص وحكايات

تفسير قصة ذي القرنين ويأجوج ومأجوج


الشيخ محمد متولي الشعراوي

تفسير قصة ذي القرنين ويأجوج ومأجوج

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شيء آخر مما سأله القوم الذين أذهبهم كفار مكة لليهود ليسألوا عن الرجل الطواف الذي طاف في البلاد ( ويسألونك عن ذي القرنين )

ذي القرنين هذا لقب، يا ترى هل في تكوينه ذا قرنين، أو يلبس تاجاً له اتجاهان؟

( قل سأتلو عليكم منه ذكرا ) سأعطيكم فكرة عنه.

من هو ذي القرنين

وجلسوا يختلفون، يا ترى من هو؟ هل هو الإسكندر الأكبر المقدوني هو الطواف في البلاد؟ لكن الإسكندر الأكبر المقدوني كان في مقدونيا في الغرب، لكن الرجل هنا سيذهب إلى الغرب والشرق.

فأحد علماء الهند اسمه أبو الكلام آزاد  كان حقق تحقيقاً بأنه ليس هو الإسكندر الأكبر، بل هو قورش الصالح، وكان في فارس. وهذه رحلته في الشرق وفي الغرب وبين السدين.

كون العلماء يريدون تشخيصاً حسب القصة، فيضعفون تأثير القصة لأن الأمر المشخص قد لا يتعدى إلى غيره.

إذن، لو جاء العلم في ذاته سنقول هذا علم ما تعداه لغيره، والله يريد أن يضرب المثل كي يعُمّ أي شخص. إن أوتي قوة في الأرض فما تكون رسالته.

اسكندر أو قورش أو أي أحد يأتي اليوم، ما هي قوته، ما دام مُكن وأعطاه الله سلطة وأعطاه قوة، فما مسلكه في الحياة؟

فلو قال هذا فلان ربما لن يتكرر. وتنصرف النفس عن الأسوة به، وإن انصرفت النفس فلن يكون للقصة مغزى.

قلنا سابقاً، أن الله سبحانه وتعالى عندما ضرب مثلاً للذين كفروا ( ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ ) هل قال من هي؟ لا.

إن النبي المرسل لهداية الناس لم يستطع أن يؤثر على امرأته لتكون مؤمنة، إذا الإيمان مسألة شخصية، ليس فيها سيطرة أحد على آخر.

وهذا يعلم النساء أن هدى نبي لم يستطع أن يؤثر، وفرعون الذي ادعى الألوهية امرأته آمنت.

فيقول للمرأة أنت رأيك في العقائد وفي الدين رأي ذاتي. لا تتأثرين بالهداية لا بنبي ولا في الغواية بمن ادعى الألوهية.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا )

أسئلة قريش للرسول

وقلنا إن هذا السؤال الثالث الذي سألته قريش. فالسؤال الأول عن قصة أهل الكهف والسؤال الثاني عن الروح والسؤال الثالث عن ذي القرنين الرجل الطواف الذي طاف بالشرق والغرب.

ومادة السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن أخذت حيزاً كبيراً فيه. فقد ورد لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم من القول ستة عشر سؤالاً، واحد منهم بالفعل الماضي ( وإذا سألك عبادي عني ).

وخمسة عشر سؤالاً بالفعل المضارع:

( يسألونك عن الأهلة ) سورة البقرة 189

( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين ) سورة البقرة 215

( يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه ) سورة البقرة 217

( يسألونك عن الخمر والميسر ) سورة البقرة 219

( يسألونك عن ما ينفقون قل العفو ) سورة البقرة 219

( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ) سورة البقرة 220

( يسألونك ماذا أحل الله لهم ) سورة المائدة 4

( يسألونك عن الساعة ) سورة الأعراف 187

( يسألونك عن الأنفال ) سورة الأنفال 1

( ويسألونك عن الروح ) سور الإسراء 85

( ويسألونك عن ذي القرنين ) سورة الكهف 83

( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ) سورة طه 105

( يسألك الناس عن الساعة ) سورة الأحزاب 63

( يسألونك عن الساعة ) سورة النازعات 42

خمسة عشر سؤالاً بالمضارع، وواحد فقط في الماضي

إلا أن الجواب لهذه الأسئلة مختلف وكلها صادر عن الله الحكيم، فلا بد أن يكون اختلاف الجواب في كل سؤال له ملحظ أن هذه الأسئلة جاءت من الخصوم، لكن بقية الأسئلة جاءت من المؤمنين.

السؤال لرسول الله وقد نهاهم أن يسألوه حتى يبدأهم، إلحاحاً منهم في معرفة تصرفاتهم. وإن كانت في الجاهلية، إلا أنهم يريدون أن يعرفوا رأي الإسلام فيها.

فكأنهم نسيوا عادات الجاهلية ويريدون تشريع كل شيء وفق الإسلام.

رد الله عز وجل

الجواب في هذه الأسئلة يأتي مرة ب قل ويأتي مرة واحدة بغير قل في الخمسة عشر سؤالاً وواحدة فقط ليس بها قل .

الخمسة عشر سؤالاً التي بدأت إجابتهم ب قل ، واحدة منهم بالفاء والبقية بالباء. إذن، الجواب على الأسئلة التي وجهت لرسول الله إما أن يكون الجواب قل أو بدون قل .

والتي ليس بها قل هي واحدة ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) والباقي قل .

قل قسمان، قسم وردت فيه الفاء وتلك آية واحدة ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ). والباقي ليس بها فاء.

ما الحكمة من ذلك؟ حين يقول الحق قل إذن هذا هو الجواب، وسألوا بالفعل. كلما كانت قل لوحدها من غير فاء فسألوه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل.

وحين تأتي بالفاء سؤال لم يُسأل ولكنه سيُسأل.

فيقول ( ويسألونك عن الجبال ) هم لم يسألوه بعد، فكل ما سبق سألوه وأجاب . فالجواب إما لسؤال وقع بالفعل وإما لسؤال لم يقع ولكنه سيُسأل.

( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ) لماذا جاءت الفاء، لأنه لم يُسأل بعد. أي فإذا سألوك فقل. احتياط لجواب عن سؤال سيقع.

وهناك أيضاً أمر لم يقع ويمكن أن يقع ويمكن ألا يقع، لكن ربنا أدرى،( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) إذا سألوك. لكن الفاء في الجبال تدل على أن هذا السؤال سيحصل بالفعل.

عدم ذكر قل وردت في آية واحدة وهي قول الحق ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) لم يقل إني قريب ولا قل فإني قريب.

لم يقل ذلك لأن السؤال عن الله، أراد الله أن يجيبهم فيه بانتفاء الوساطة من أحد ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني )

عما يسألون في قصة ذي القرنين

هنا ( ويسألونك عن ذي القرنين ) قلنا أن الحق سبحانه وتعالى حينما يأتي بالقصة غير مشخّصة يكون المراد أن تكون نموذجاً وأسوة يحتذي بها كل أحد، وإلا لو شخصّت إذن هي خاصة به ولا تنفع لغيره.

ولذا ( وضرب الله مثلاً للذين كفروا إمرأة نوح وإمرأة لوط ) لم يقل من هما، المراد عدم تشخيص المسالة.

بمعنى أن نبياً ورسولاً لم يستطع أن يهدي امرأته، فالمرأة لها استقلال عقدي وليست تبيعة، ليس هناك ولاية للرجل على المرأة في هذه المسألة.

وامرأة فرعون ضربها للمؤمنة ( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون ) لم يقل من هي لأنها ليست مشخّصة ليقال أن فرعون الجبار الذي ادعى الألوهية لم يستطع أن يجبر امرأته وأولاده.

العقيدة الإيمانية للمرأة هي حرة بها ليست تابعة لأحد لا إيماناً ولا كفراً، لكن حينما ذكر مريم، وضع اسمها مريم وليس فقط اسمها بل مريم بنت عمران. تاريخ ونسب وسلسلة لماذا؟

لأن ما يحدث لمريم في المسألة لا يحدث لغيرها أبداً من بنات آدم. فشخّصها، فحين يشخّص فمعناه أنها لا تنفع إلا هذه. لكن حين لا يشخّص فتنفع لكل واحد .

وفتية أهل الكهف لم يقل أسماءهم ولا بلادهم ولا زمانهم، ليقول لكم أن مسألة أهل الكهف صالحة لأن تكون أسوة لكل فتيان في أي زمان في أي مكان بأي أسماء بأي عدد.

لو شخّصهم لقلت أن هذه مخصصة لهم، وفي مسألة ذي القرنين لم يقل من هو . بل وصفه بوصفه.

هل لأن له تاج له قرنين أم قرني الشمس في الغرب والشرق.

هل ذو القرنين هو الاسكندر المقدوني؟

لكن الكلام هنا عن رجل مؤمن ( أما من آمن وعمل صالحاً ) والاسكندر المقدوني كان وثنياً وتلميذ أرسطو الفيلسوف. فيتم نفي هذا التخمين.

هل هو الرجل ذي القرب صاحب اليمن، ذي يزن جد تبع؟ هل هو قورش؟ فاختلف العلماء في تشخيصه، وهذا الاختلاف لا لزوم له، لو تم تشخيصه لامتنعت العبرة بموضوعه.

فيجب أن تترك هكذا على أن كل واحد ممكّن في الأرض المطلوب منه أن يفعل كذا وكذا، سواء كان الاسكندر أو قورش أو ذي قرب، أي واحد.

إذن، فلو أراد الله أن يعرفه لنا لفعل، ولذلك رحم الله سيدنا الشيخ عبد الجليل عيسى رجح أن يكون قورش لأنه كان رجلاً صالحاً من فارس.

وأخذ هذا الكلام عن أبو الكلام آزاد وزير المعارف في الهند لأنه قام بتحقيق في أمره، وقال أنه قورش من فارس. وأيضاً هذا لا يهم بل يهمنا الوصف.

الله أعلم به، وأنا لا أريد أن أعرفه أريده أسوة، والأسوة لا تشيع إلا إذا كان غير مشخّص.

تشريف الله ذي القرنين بذكره في القرآن

( ويسالونك عن ذي القرنين ) عن قصته عن خبره عن تاريخه عن مهمته ( قل سأتلو عليكم منه ذكرا ) شرف ذي القرنين أن الله هو الذي يؤرخ له.

ويؤرخ له تاريخاً يوجد في القرآن، ويوجد في القرآن مُتحدى به ومُتعبد بتلاوته، ويأتي به بهذا الشكل، ويظل ذكره إلى أن تقوم الساعة في القرآن.

ويظل أثره فيما عمله أسوة لمن يعمل مثله، ومن انتفع بخدماته، كل هذه ليدل على أن العمل الصالح مذكور عند الله قبل أن يُذكر عند الخلق، وأن الله الذي سيتلو عليكم.

وما دام سيتلو عليكم في قرآن يُتلى ويُتعبد بتلاوته وقرآن محفوظ، فسيخلد ذكره بكلام من الله وفي القرآن المتحدى به والمتعبد بتلاوته والناس سيقرأونه والله سيحفظه. فأي ذكر هذا.

الذكر في القرآن

كلمة ذكر ترد بمعاني متعددة، لكنها تلتقي في الشرف والرفعة، في الصيت في التذكير في الاعتبار وفي التذكر كلها واردة في كلمة الذكر.

وإن كانت إذا أطلقت تنصرف مصرافاً أولياً إلى القرآن ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )

وبعد ذلك يستعمل في أي كتاب أنزله الله، أي كتاب من الكتب السابقة، ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر ) أي الذين لديهم علم بهذه المسائل.

وقد يطلق الذكر بما يتبع هذا من الصيت والشرف والرفعة وتخليد الإسم وعندما يقول ربنا للعرب ( أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم ) فأنتم يكفيكم أن فيه ذكركم.

ويقول لرسول الله ( وإنه لذكر لك ولقومك ) صيت حسن وشرف ورفعة كون الإسم مذكور في القرآن. ومعنى أن يرد الإسم في القرآن أن الإسم مدون متعبد به.

قصة زيد بن حارثة

حينما زيد بن حارثة كان عبداً مخطوفاً من قومه وبيع في مكة لخديجة وخديجة وهبته لرسول الله ، فعلم أهله أنه في مكة فجاء أبوه وعمه إلى النبي.

وقالوا له نريد ابننا أن نعيده فقال لهم خيروه فإن اختارني فأهلاً وسهلاً وإن اختاركم فليذهب معكم فلما خيروا زيد قال ما كنت لأختار على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً.

كان النبي يريد تكريمه فقال زيد بن محمد، وشاع أنه زيد بن محمد، فربنا أراد إبطال التبني فقال ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاتم النبيين )

( ادعوهم لآبائهم ) لا تقل زيد بن محمد بل قل زيد بن حارثة.

فيحزن زيد بعد أن كان زيد بن محمد ولم يرضى أن يعود لأبيه ويترك الإسم الذي فضله، ولكن الله يجبر خاطر زيد ويجعل اسمه هو العلم الوحيد في القرآن الذي يذكر في القرآن ويتعبد بتلاوته.

( فلما قضى زيد منها ) فأصبح زيد في القرآن. ولذلك قال ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) أي ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قسط وعدل لكن عند الله أقسط.

فكون ذي القرنين يأتي ذكره في القرآن وربنا الذي يتلوه فهذه مسالة شرف كبير. لنفهم أن كل عمل خير يشاع في الناس مقبول عند الله ومجاز بأن ربنا حتى يبقي صيته وذكره في الدنيا.

( ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا ) أي لن تعرفوا كله بل قطعة منه.

ما معنى التمكين في الأرض

( إنا مكّنا له في الأرض ) التمكين أننا أعطيناه إمكانيات يستطيع أن يصرف بها كل أموره التي يريدها لأنه مأمون على تصريف الأمور على حسب منهج الله.

ولذلك ربنا قال ( ولقد مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء ) إذن، معنى التمكين إعطاؤه إمكانيات لكل غرض يريده. ويصرف به الأمور لأنه يصرفها على حسب منهج الحق.

ومأمون أن تكون لديه الإمكانيات.

( وآتيناه من كل شيء سببا ) أي من كل شيء يريده سبباً يوصله إلى ما يريد، أي شيء يريده أعطيناه أسبابها، وهو عندما سمع ذلك اتبع الأسباب ليصل إلى الغايات.

لم يترك الأسباب وذهب للغاية بل أخذ بالأسباب وعندما أعطينها الوسائل التي توصله إلى المراد من غاياته، فأخذ هذه الحكمة والعظة والتمكن ونفذها. وكلما احتاج شيئاً يأخذ الأسباب.

( إنا مكنا له في الأرض ) معناها أو لما توحي توحي بشيوع السياحة وليس في مكان واحد، ( وآتيناه من كل شيء سببا ) أعطيناه من كل ما يريده سبب ليوصله إليه وهو اتبع السبب.

( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ) دليل على أنه جاء من مكان آخر، ويعني أنه جاء من المشرق.

هل الشمس تغرب؟

هي تغرب في عين الرائي في مكان واحد، أي نحن إذا وقفنا نرى الشمس ساعة المغرب وندها تغرب في الجيزة مثلاً أو الإسماعيليلة، لكن لو سرنا إلى الجيزة نراها تغرب بعد ذلك.

وإن سرنا إلى الإسماعيلية سنراها تغرب في مكان آخر وهكذا، ومن ثم نجدها تغرب في البحر، فإذن غروبها في رؤية العين بمعنى غيابها.

لأن الشمس لا تغيب لأنها دائما شارقة غاربة، تشرق على جماعة في لحظة وتغرب على جماعة في لحظة.

لذلك تتعدد المشارق وتتعدد المغارب، وهذه تعطينا دوران لذكر الله بكل الألسنة في كل الأوقات.

فالذي يصلي العصر هنا غير عمن يصلي المغرب هناك، والله مذكور في كل وقت وبكل وقت. ولا ينتهي الظهر لله ولا ينتهي الفجر لله ولا ينتهي المغرب لله.

بل بالعكس لا ينتهي الإعلام بواحدة منهم، عندما جماعة يقولون الله أكبر للأذان يكون جماعة يقولون أشهد أن لا إله إلا الله، وجماعة ثالثة يقولون أشهد أن محمداً رسول الله إذن لفظ الأذان لا ينتهي أبداً.

وأوقات الصلاة لا تنتهي فيصلى لله في كل وقت.

( وجدها تغرب في عين حمئة ) هل عين فيها ماء؟ ( الحمأ المسنون ) هو الطين الذي اسودّ لكثرة وجوده في الماء.

تحقيق الدكتور آزاد والشيخ عبد الجليل عيسى : قالوا عن أزمير أن هناك العين الحمئة.

تفويض ذي القرنين بأمور الناس

( قلنا يا ذا القرنين إما ان تعذّب وإما ان تتخذ فيهم حسنا ) وهذا تفويض، إذاً لا يفوض إلا المأمون على التصرف. والتعذيب لأنهم كانوا وثنيين لا يؤمنون بإله.

فإما تأخذهم بكفرهم أو تتخذ فيهم حسنا ، فما هي الحسنى؟ هبهم من أهل الغفلة واشرح لهم عن الدين وبعد ذلك من يصر تعذبه ومن يحسن فأحسن إليه.

وهنا تفويض من الله ( إما ان تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنى )، بأن تأخذهم بالعظة الحسنة وبعد ذلك تحكم على تصرفاتهم فيما بعد لجواز أن يكونوا من أهل الغفلة ولا يكونوا قد قال لهم أحد شيئاً.

( قال أما من ظلم فسوف نعذبه ) فسوف هذه تدل على أن هناك مهلة وتسويف وهي مهلة اتخاذه الحسنى والعظة والأمور المطلوبة من الله.

والظلم أنواع ظلم في القمة  أن يجعل لله شريكاً والشرك ظلم عظيم وإن كان سيؤمن ويظلم ما دون ذلك فسوف نعذبه. لكن بعد فترة الحسن الذي سيقوم به لهم.

( ثم يرد إلى ربه فيعذبه ) أي نحن لن نعذبه على قدر ما فعل، سنعذبه بعقوبة دنيوية والعقوبات الدنيوية مصنوعة كي توازن حال المجمتع ، لأن غير المؤمن بالآخرة سيقوم بما يريد. فنعطيه عذابه.

(عذاباً نكرا ) الشيء المنكر الذي لا نألفه، لأننا إن عذبنا فسنعذب بقدرتنا وطاقتنا ولكن الله سيعذب في الآخرة سيعذب بعذاب غير معروف لنا لأنه خاضع لقدرته في التعذيب.

( وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاءً الحسنى ) نعطيه الجزاء الحسن.

( وسنقول له من أمرنا يسرا ) أي نقول له كلاماً طيباً ، نكلفه بالأمر اليسير ليس بالشاق. فهذه عملية الجزاء التي هي ميزان المجتمع، والمجتمع الذي بلا جزاءات ينتهي إلى فوضى؟ سائب.

ما هو جزاء الحسنى

وتكون الجزاءات التي بالحسنى يمكن أن يظفر بها الذي لا يعمل، ويظفر بها من يتقرب، لو تقرب الناس بإخلاصهم بعملهم فهذه تستحق الجائزة إنما يتقربون بوسائل أخرى يجيدونها.

والمنهك بعمله والمخلص به وعمله يأخذ كل وقته لا يجيد أن يجامل ولا ينافق، فهل يغلبه ذاك أم لا؟ بل يغلبه، إذن ميزان اعتدال المجتمع هو:

( أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكرا* وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاءً الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا )

الحسنى أفعل تفضيل للحسن، فيكون أن نعطيه الحسن بأن نقول له يسرى والحسنى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة.

( ثم أتبع سببا ) ذهب لأمر آخر.

القوم الذين بدون ستر

( حتى إذا بلغ مطلع الشمس ) كما قلنا مغرب الشمس نقول مطلعها، وهي دائماً طالعة وليست تطلع من مكان. فكل واحد له مطلع ومغرب حسب اتساع أفقه.

(وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) التسر هو الحاجز بين شيئين، وإما الستر يقيني حر أو يقيني برد.

يعني هل ذهب إلى قوم فوجدهم من المتبدئين الذين يعيشون عراة كأواسط أفريقيا مثلاً؟ أم ليس لهم شيء يسترهم من الشمس؟ أو لا يكون لديهم بيوت يسكنوا فيها؟ أن ليس لديهم اشجار يستظلون بها؟

أي هم قوم ضاحون أي لديهم مكان يأويهم من الحر والبرد ومثل هؤلاء يكونون ليسوا متحضرين ومثل هؤلاء يعطيهم الله في جلودهم تعيضاًن وهذا التعويض يعطيهم الدفء في الشتاء والبرودة في الحر.

الإنسان في البيئة الواحدة له وجه ليس مستوراً، وله جسم مستور إنما الوجه يرى به البرد والحر والشمس، والله أعطاه التركيبة التي تحتمل هذا.

بدليل أنك أنت لو كشفت جزءاً منك ليس ينكشف بالأصل فستصاب بالبرد، أو ضربة شمس.

كما الحيوانات، فالحيوانات تعيش في البرد والحر، ويتكيفون. والناس لا يبحثون في هذه الحالة إلى أن يأتيهم متحضرون يلبسون فيجدون في اللبس ستراً للعورة وزينة.

( حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) وهنا لم يقل لنا عنها شيئاً، أي ماذا فعل معهم؟ هل حضّرهم؟ إن قسنا على ما فعل في غيرهم فمعناه أنه حضّرهم ورقّاهم.

بعضهم قال أن ذهب إلى مكان من الأماكن التي يومها ثلاثة أشهر أو نهارها ستة أشهر. فهذه الفترة التي صادفها لم يجد الشمس غائبة عنهم.

قوم بين السدين

( كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا*ثم أتبع سببا* حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولا )

السد هو الحاجز بين شيئين والحاجز إما أن يكون أمر طبيعي موجود في الطبيعة والبيئة كما الجبال، فالجبال سد يحول هذا عن هذا.

السدين أي هناك جبلين وهناك فجوة بينهما، وهذه الفجوة سيأتي منها الشر للقوم.

( وجد من دونهما قوماً ) أي تحتهما ( لا يكادون يفقهون قولا ) لا يعرفون أن يتكلمون، أي لا يقولون لأن من يقدر أن يفهم يقدر أن يتكلم. وهؤلاء لا يتكلمون ولا يفهمون ما يقال.

إذن، كيف تفاهم معهم مع أن الله في هذه الآية أثبت لكم قولهم ( قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ) أي قالوا كلاماً كثيراً، فكيف لا يكادون يفقهون قولا؟

لو أنه يريد أن يعمل أي عمل بدون دقة، ما داموا لا يتكلمون فماذا يصنع؟ قال احتال على أن يجعل من حركاتهم كلاماً ويفهمه وينفذ ما يريدونه.

وهذه نراها عندما نجد الأخرس الذي يتكلم هل يستطيع أن يتفاهم أم لا؟ وهناك من يفهمه ويرد عليه ويكلمه.

إذن، ( لا يكادون يفقهون قولا ) لا يقربون أن يفهموا وليس لا يفهمون، أي لا أمل أن يفهموا. ومع ذلك حكى الله عنهم قولاً، فكيف حكى القول.

فهذا القول دلالة معبرة تعبير القول، فكم كان صبوراً حتى عرف منهم.

وقالوا ( إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ) بالإشارة، وأشاروا له أنهم يريدونه أن يسد الفتحة ويعطونه المال. فأشار لهم أنه سيفعل.

كل هذا هو القول لأن ربنا قال ( لا يكادون يفقهون قولا ) إذن لا يقربون من الفهم، وبما أنهم لا يقربون من الفهم، إذن لا يفهمون من باب أولى. فكيف قالوا؟ قالوا دلالة.

كيف بنى ذو القرنين الردم

( حتى إذا بلغ بين السدين )الجبلين اللذين بينهما فتحة، أي هناك سدين وبينهما فتحة ومنها ياتيهم الناس المضطهدين لهم. الذين يؤذونهم.

( قالوا يا ذا القرنين ) قالوا يعني بالإشارة الدالة دلالة القول.

( إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) أي خراجاً أي نخرج ما معنا من مال ونعطيك أجرة.

( قال ) رداً عليهم، فهم لا يفهمون القول لذا عمل كما يفعلون ويفهمهم، ( قال ما مكني فيه ربي خير ) أي لديه أشياء كثيرة ( فأعينوني بقوة ) أريد طاقة بشرية ( أجعل بينكم وبينهم ردما).

هنا نفهم أن المعونة من الممكن في الأرض المالك للشيء يجب أن تكون حسبة لله. وأنك لا تعين معونة حتى تغنيه عن إعانتك فيما بعد. أي إعانة مستمرة لها عمر.

( فأعينوني بقوة) وعندما تعينوني بقوة، السد سيسد بسد أصم، وعيب السد الأصم أنه إن حدثت رجة في جهة ترج الجهة الثانية.

قال لهم لن أصنع لكم سداً بل ردماً أي أنت ستضع في الحفرة أي ردمتها، أي تظل تضع في الحفرة ردماً حتى تساويها بالأرض.

الحديد

( آتوني زبر الحديد ) إن ذي القرنين معه جيش وقوة ومكانة وهذا الرحالة معه آلاته ورجالاته وكل شيء وقوته لكنه قال لهم ابنوا.

حتى يقول لك ما دمت قادراً على شيء فلا تكن محتاجاً لشيء، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ما دامت لديك القوة وتستطيع العمل فاعمل.

( آتوني زبر الحديد) وهي القطع من الحديد الكبير، هي ما تمثل في  المعمار الحديث الحجارة. والحديد أوقدوا تحته النار حتى ينصهر.

ولملء الفجوات قال هات نحاساً مذاباً واغلوا النحاس وضعوه ليقلل الفجوات التي بين الحجارة.

( آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين ) الصدفين جمع صدف وتعني الجانب. وما دام الجبلين متقاربين يكون بينهما هذه الفجوة.

سيجعلهم يضعون الحديد حتى ( ساوى بين الصدفين )، أي ساوى بين الجانبين، وضع حديداً في علو الجبلين وبعدها قال هاتوا أفرغ عليه قطراً الذي سيتخلل بينها مثل الاسمنت ويدخل بين الحديد والحجارة.

( آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا ) أنتم تنفخون أي أحضروا الكير لينفخوا.

النحاس القطر

( حتى إذا جعله ناراً ) التهب الحديد ( قال آتوني أفرغ عليه قطرا ) نحاس مذاب وبعدها أكبه فوقه، فانظر كيف هو حديد منصهر ومن ثم صب عليه نحاس مذاب. فكيف سيكون.

ساوى بين الصدفين، والعملية التي قام بها يصبح أملساً ناعماً، ما دام عالياً فلا يستطيع القوم المعادون أن يظهروه ويعلوه. وما دام بهذا الشكل فلن يستطيعوا أن يتسلقوه بل يتزحلقون.

كم مرة أمرهم؟ بداية قال أعينوني ومن ثم آتوني ومن ثم انفخوا وبعدها آتوني، بعد هذا ما النتيجة.

( فما اسطاعوا أن يظهروه ) هم يأجوج ومأجوج يعني يعلوا على ظهره ولا يتسلقوه لأنه ناعم الملمس فلا شيء ليمسكوه.

( وما استطاعوا له نقبا ) ولم يستطيعوا نقبه من أي مكان، انظروا إسناد النعمة إلى المنعم الأول، أخذت كل الأشياء بالفكر الذي خلقه ربنا والطاقة والقوة التي خلقها ربنا والمواد التي خلقها ربنا.

رحمة الله والوعد الحق

فلا تقل أنا فعلت ( قال هذا رحمة من ربي ) لكني عملت شيئاً للدنيا لكن إذا جاء وعد ربي في الآخرة فيكون دكاً.

( فإذا جاء وعد ربي جعله دكاءً وكان وعد ربي حقا ) لأنهم يجوز أنهم مستذلين ومستضعفين ويأجوج ومأجوج أقوياء.

يمكن عندما يستغنون ويرتاحون يمكن يبدأوا أن يتمردوا. فقال لهم افهموا أن هناك شيء سيأتي أكثر من ذلك.

( قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي ) أي بقيام الساعة ( جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ) رصيد ومناعة تعطى للردم حتى لا يضر بعد أن يستغني.

قيل أن هذا المكان، في مكان اسمه بلخ، والآن موجوة بلخ، والجبلين هما جبال القوقاز، وهذه الجبال فيها فجوة ومبني فيها، والذي فعله ذو القرنين، هي في مكان بين بحر قزوين والبحر الأسود.

( فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا*وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ) الذين كانوا خائفين ومن يخيفهم وكلهم قامت القيامة عليهم واختلط الحابل بالنابل. وكل واحد مشغول بنفسه.

نفخة الصور الثانية

( ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ) ما دام نفخ الصور فكأنها النفخة الثانية.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ) وبعدها قال

( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا ما شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) إذن، هناك نفختان نفخة الصعق ونفخة القيامة والبعث.

وأن صعقه كمن جاءته صاعقة، والصعق قد يكون مميتاً وقد يكون مغمياً، يجعل الواحد لديه فترة إغماء. ولكن مثلاً سيدنا موسى على نبينا وعليه السلام قال

حديث موسى مع الله

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ) فطمع قليلاً وقال له

( قال ربي أرني أنظر إليك  قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) إذا كان الجيل الذي هو أصلب من الإنسان حين تجلى الله عليه دك،

( وخر موسى صعقاً ) إذا كان صعق من رؤية المتجلى عليه فكيف يطيق رؤية المتجلي.

ربنا أقام له هذا المثل ولم يضن عليه لكن انظر الجبل وأنت تعرف قوته وثباته فإن استقر مكانه فأنت تقدر أن ترى.

إذن، لا يمنع القرآن أن يتجلى الله على الخلق، لكن هل نتحمل أم لا؟ رحمة بنا لا يتجلى لنا، ثم سيخلقنا خلقة أخرى في الآخرة تصبح صالحة أن يتجلى الله لها.

( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) لأني سأعدكم إعداداً ثانياً وسيظهر عليه كل شيء، تقتاتون ولا تتغوطون فكيف ذلك؟ إذن هي عملية مختلفة.

أي يعدنا إعداداً لنرى، ولذلك كان سؤال موسى سؤالاً علمياً دقيقاً ( ارني أنظر إليك ) أنا بطبيعتي لا أرى، إنما أرني أن أنظر.

فربنا قال له انظر الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فصعق موسى من ذلك والصعقة هي صعقة إغماء وفاق بعدها.

فقالوا أنه أول ما تنشق الأرض سنجد موسى ماسكاً بالعرش، قالوا أنه صعق مرة ولا يجمع الله على عبد صعقتين.

( وتركنا بعضهم يومئذ يموج ) الموج لا يمكنك أن تحكم فيه ذرات الماء أبداً.

( ونفخ في الصور ) النفخة الثانية ( فجمعناهم جمعا ).

وإلى لقاء آخر إن شاء الله.

قصة ذي القرنين شرح الشيخ الشعراوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى