بداية ما هي الحواسيب الكوانتية وبماذا تختلف عن الحواسيب العادية التي لدينا الآن؟
في هواتفنا واللابتوب وكل الأجهزة التي تعمل الآن يوجد داخلها حواسيب صغيرة أو كبيرة فبم تختلف؟
ماهي التطبيقات الهامة التي من أجلها يصرف الأمريكيون والأوروبيون والصينيون مليارات الدولارات؟
المبادرات الغربية لتطوير الحواسيب الكوانتية
السلام عليكم.
في يوم 21 ديسمبر 2018 وقّع الرئيس الأمريكي ترامب قراراً بما سماه المبادرة الأمريكية الوطنية للكوانتوم بميزانية 1.2 مليار دولار.
قبله بحوالي سنة أو سنتين كان الاتحاد الأوربي أيضاً خصص مليار دولار لمبادرة شبيهة لعلوم الحاسوب أو المعلومات الكوانتية.
وقبلها بحوالي السنتين أعلنت الصين أنها بدأت في بناء منشأة كمركز للدراسات التطبيقية في علوم المعلومات الكوانتية بميزانية عشرة مليارات دولار.
واضح أن هذه الدول ستخطو خلال هذه السنوات خطوات كبيرة في مجال الكوانتوم بل في مجال الحواسيب الكوانتية .
وأن بعض الشركات الكبرى مثل Google و IPM أعلنت أنها توصلت إلى بعض الحواسيب الكوانتية البدائية البسيطة التي تعمل.
وبعضها وضع معلومات عنها online على سحابة هذه الحواسيب، ودعت المختصين إلى برمجة هذه الحواسيب الكوانتية ببرامج كوانتية.
إن ثورة كوانتية تحدث الآن ونحن ربما لا نشعر، ورغم أنها في بدايتها لكن الدول العظمى تجد أن هذه المسألة استراتيجية.
ما هي الحواسيب الكوانتية وبماذا تختلف عن الحواسيب العادية
الحواسيب العادية تعلم على مبدأ Bit وهو Binary Digit ويعني الرقم الثنائي، صفر/واحد. وكل المعلومات في الحاسوب هي معلومات بأرقام متسلسلة من أصفار وآحاد 0010110 وهكذا.
فالسلسلة قد تمثل رقم أو كلمة أو تمثل لون أو معلومة معينة صغيرة، وكلما ركبناها مع بعضها كلما أعطتني معلومات كثيرة.
ثم يقوم الحاسوب بمعالجة هذه الأرقام أو المعلومات، وهي بالنسبة له كلها أرقام لكن بالنسبة لنا نفهمها على أنها كلمات أو ألوان أو صور إلخ.
يقوم بمعالجتها الكترونياً، والكترونياً يعني بوضع Transistor و Microchip و Microprocessor مجموعة كبيرة جداً منها بالمليارات التي تأخذ التيار الكهربائي.
لأن الحاسوب أو أي جهاز إلكتروني لا يفهم إلا التيارات الكهربائية. الصفر يعني لم يمر تيار والواحد يعني أن التيار مر.
وهذه النواقل تأخذ التيار وتمنعه من المرور هنا أو تجعله يمر من هنا أو تكبر شدته إلخ. العملية كلها الكترونيات وكلها تعمل بمر التيار أم لم يمر، صفر واحد واحد وهكذا.
هذه الطريقة التقليدية التي تعمل بها الحواسيب. منذ سبعين سنة ظهرت النواقل ومن خمسين سنة ظهرت المعالجات الإلكترونية Microprocessor ثم ظهرت الحواسيب المعقدة جداً.
الحاسوب الكوانتي لا يعمل على أساس Bit الرقم الثنائي، إنما يعمل على أساس Qubit تعني Quantum bit وهو الرقم الثنائي صفر/واحد ولكن بشكل كوانتي.
الكوانتوم والإحتمالات
تذكرون من حلقة نظرية الكوانتوم من حوالي السنتين وكانت من أنجح الحلقات، كنا بيّنا أن مسألة الكوانتوم تقوم على المعلومات الاحتمالية.
فإذا أحضرنا الكترون أو ذرة لا يمكن لي نظرياً أو قياسياً أن أتنبأ بدقة بحالة الالكترون أو الذرة إلا بالاحتمالات.
وذلك لأن الالكترون مثلاً في ذرة ما له طاقات محددة يمكن أن يكون عليها، ولا يمكنني إلا أن أقول أن هناك احتمالاً كذا أن يكون بالطاقة الفلانية أو الحالة الفلانية.
وقبل أن يتم القياس، هنا غرابة الكوانتوم، قبل أن يتم القياس يكون الإلكترون أو الذرة أو الجسم الكوانتي في حالة مركبة تراكباً Superposition.
بمعنى أنه في نفس الوقت في هذه الطاقة وفي هذا المستوى. لا يمكنني أن أقول أين هو بالضبط، وإنما أقوم بالقياس بالنظر أنه يأتي إلى حالة ويسلكها.
إن جئت بال Bit وقبل أن أقيس هل هو صفر أو واحد لا يمكن لي أن أقول إلا أنه خليط أو حالة مركبة من الصفر والواحد، فيه كل الاحتمالات منهما.
معنى هذا أن Qubit تلقائياً يحمل كمية كبيرة من المعلومات أكثر بكثير من الصفر والواحد أي من ال Bit العادي.
التركيب الكوانتي
والأهم أيضاً من الكوانتوم، نعرف أنه بإمكاني أن أركب جسيم مع بعضه منهما وجعلتهما يتفاعلان، ويمكن أن أقوم بهذه العملية على عدد كبير.
فمثلاً عندي إلكترونين وجعلتهما يتفاعلان، أحدهما دورانه إلى الأعلى والآخر نحو الأسفل، فإذا أطلقتهما فلا يمكنني إلا أن أتنبأ عندما أقوم بالقياس سأجد أحدهما 50% لفوق أو 50% لتحت.
العجيب في الأمر أنني إذا أبعدتهما ومهما أبعدتهما ومهما طال الزمن، إذا قمت بالقياس على الأول تلقائياً الثاني يتخذ الحالة المناسبة له لأنهما كانا متراكبان أو متشابكان من البداية Entanglement.
يبقيان متعارفان على بعضهما البعض، فإذا قمت بالقياس على الأول فالثاني مباشرة يتخذ حالة مناسبة بدون قياس.
وإذا جئت بمجموعة من الإلكترونات أو Qubit الأرقام المزدوجة الكوانتية التي يمكنها حمل عدة معلومات، يمكنني أن أنسق مع مجموعة أكبر بكثير من Qubits.
وأن تحمل كلها مجموعة كبيرة من المعلومات لأن كل واحد يحمل طيف من المعلومات، ولكن أصنع بينهم عملية تراكب Entanglement.
بحيث إذا قمت بقياس معين على أحدهم يمكن لي أن أعرف مباشرة ما هي المعلومات أو الحالات التي يكون عليها البقية.
المعالجة الحاسوبية والقياس الكوانتي
إن عملية المعالجة الحاسوبية والحسابات والمحاكاة في الحواسيب الكوانتية تكون أسرع بكثير.
لأنه عوضاً عن قيامي بإحضار كل الأرقام 0110100 وأقرأها كلها يمكنني أن آتي بهذه Qubits فأقرأ بعضاً منها وتعطيني المعلومات الكاملة كلها مرة واحدة.
لأعطي مثالاً لكم: لو أن عندي مجموعة من الطلبة لنفترض عشرة، وأقوم بامتحان شفهي عليهم، فأدخلهم واحداً واحداً وأسأله أسئلة ويعطيني ما عنده من معلومات، وهكذا.
فلو كان هؤلاء الطلبة كلهم متفاعلين مع بعض وكانت المعلومات بينهم متناسقة، فإذا جئت بالأول وامتحنت الأول كالقياس الكوانتي.
لأن القياس الكوانتي يجعل الآخرين المتفاعلين مع الأول يتخذون مباشرة حالات محددة فإنني بهذه الطريقة يمكن أن أقرأ الجميع دفعة واحدة بقرائتي لواحد منهم فقط، وكأنني اختبرتهم جميعاً.
هذا بالواقع لا يحدث لأن عالمنا ليس عالماً كوانتياً، بل العالم المجهري هو عالم كوانتي. لكن يمكن أن يقوم المعالج الكوانتي بهذه الطريقة بقراءة سريعة جداً.
نهاية الحواسيب العادية
لماذا نريد القيام بهذا؟ لأن الآن معالجات الحواسيب بدأت تصل إلى حدودها، أي Microchip و Microprocessor وحتى Transistor نفسه الوحدة الأساسية في الالكترونيات.
فالشرائح Microchip تحوي عدة مليارات من النواقل Transistor في قطعة مساحتها عدة مليمترات بسبب التصغير Miniaturization.
والتصغير لحد أصبح حجم الناقل الواحد Transistor الذي كان قطعة كبيرة في خمسينيات القرن الماضي، الآن لا يزيد عن 20 نانومتر Nanometer.
لكن النانومتر حجم الذرة ولا يمكنني أن أصنع Transistor بأي شكل من الأشكال فيزيائياً وحتى منطقياً أصغر من الذرة.
لقد بدأنا بالوصول بالتصغير إلى الحدود، وبالتالي فإن عدد النواقل التي يمكنني وضعها في حاسوب ما صارت محدودة، وحتى عملية المعالجة والسرعة المطلوبة.
فمعالج الحاسوب العادي يحتاج أن يقرأ البيانات، ولكي يبحث عن معلومة في مكان ما عليه أن يقرأ كل البيانات.
طبعاً هناك عمليات Optimization وطريقة القراءة بسرعة والقفز بينها، لكنها تبقى عملية طويلة وتأخذ وقتاً طويلاً.
لكن إذا صار لدي القدرة أن أقرأ على جزء معين وأكشف عن معلومات أخرى كثيرة، بالطريقة الكوانتية التي ذكرتها، فالمعالجة ستكون أسرع بكثير بألف مرة، وتزداد كلما كان حجم المعلومات أكبر.
الصعوبات التي تواجه الحواسيب الكوانتية
Qubit رهيب جداً ويمكنه بأي تفاعل داخل الجهاز أو بإلكترون قريب منه أن يخبرك أنه يحتاج في هذه الحواسيب الكوانتية أن نخفض درجة الحرارة إلى جزء من المائة من الدرجة فوق الصفر المطلق.
الصفر المطلق هو -273 تحت الصفر المئوي وهي أقصى درجة يمكن أن نصل إليها في السالب
والحواسيب الكوانتية تحتاج إلى خفض الحرارة إلى ما يقارب درجة الصفر المطلق. حتى نقطع التشويش والحركات والتفاعلات.
وأمر آخر إننا نحتاج إلى عدد كبير من Qubits، ونحن أصلاً في الحواسيب العادية واللابتوب والهاتف النقال، يحتاج كل معالج Microprocessor إلى ملياري أو ثلاث مليارات Transistor.
وطبعاً لدينا عدة معالجات داخل الحاسوب أو أي جهاز إلكتروني. فإن كنا نحتاج إلى الملايين من Bits في الحالة التقليدية ففي الكوانتوم نحتاج ألف أو عدة آلاف.
وإن كنا الآن نحتاج مليارات من النواقل Transistor، فسنحتاج إلى آلاف بل ملايين Qubit للقيام بأي عملية حسابية بالكوانتوم.
وهي عمليات سريعة جداً ويمكن أن تقوم بعمليات لا يمكن أن يقوم بها أي حاسوب موجود لدينا اليوم.
السباق نحو الكوانتوم
أعلنت شركة Google قبل سنة أو سنة ونصف تقريباً أنها خلال ستة شهور ستكون قد توصلت إلى حاسوب كوانتي يعمل وجاهز وتنشره للناس.
ومن ثم IPM وقبل نهاية المهلة التي أعلنت عنها شركة Google، أعلنت أنها تمكنت من ذلك، كيف ذلك؟
لأن Google قالت أنها ستضع معالج كوانتي يعمل ب 49 Qubit، وهذا يبدو متواضعاً ولكنه متقدم حالياً.
وجاءت IPM وقالت أن لديها معالج وهو موجود على السحابة ويمكن لأي كان أن يستخدمه ويضع فيه برامج ب 50 Qubit.
وهناك شركات أخرى تقول سنتمكن من وضع معالجات بمئات Qubits، لكننا بعيدون عن عشرات الآلاف بل ملايين Qubits التي هي مطلوبة للقيام بمعالجات حقيقية.
تطبيقات الكوانتوم
ما هي التطبيقات الهامة التي من أجلها يصرف الأمريكيون والأوروبيون والصينيون مليارات الدولارات؟
التشفير Cryptography
التطبيق الأول الكبير هو عملية التشفير Cryptography.
كلكم يعرف أن لدينا الآن تشفيرات كثيرة على الإنترنت وعلى الحواسيب وحتى هاتفك النقال تضع له شيفرة لا يدخل إليه أي شخص إلا الذي يملكها.
أو طبعاً البنوك والحسابات البنكية، ناهيك عن المسائل الاستراتيجية والأمن الوطني وغيرها.
ولكنهم اكتشفوا أنه إذا تم تطوير معالج كوانتي لحاسوب كوانتي فستكون سرعته الفائقة تسمح له بفك الشفرات مهما كانت متقدمة في أي مكان وبسرعة فائقة.
المحاكاة
محاكاة الأدوية الجديدة والبروتينات وحتى الجزيئات المعقدة الكبيرة التي لا يمكن الآن محاكاتها بالحاسب وبالتالي لا يمكن أن أعرف ما هي خصائص هذا الجزيء أو ذاك الجزيء.
فأخمن أني لو وضعت هذا البروتين وعملت له هذا التعديل يمكن أن ينجح مع هذا المرض أو بهذه الطريقة أو تلك، لكني لا أملك القدرة لإثبات ذلك.
وباستخدام الحواسيب السريعة يمكن أن أقوم بهذه المعالجة وأعرف بسرعة الإمكانات. خاصة وأن لدينا الآن مشكلة كبيرة وصعبة وهي المضادات الحيوية التي لم تعد تنفع مع عدد من البكتيريا المعندة.
فهذه من التطبيقات الكبيرة، لذلك تجدون الآن أن أكبر الجامعات في العالم تقدم مواد وتخصصات في الحواسيب الكوانتية .
حل المسائل الرياضية
سأعرض لكم صورة رائعة نشرتها إحدى الشركات المتخصصة في الحواسيب الكوانتية تدعى D wave لبضعة أسابيع مضت.
صورة لدورة تدريب والشاب الذي على اللوح يقوم بعرض برنامج حاسوبي كوانتي هو كتبه لمعالجة مسألة رياضية وعمره إحدى عشر سنة.
الآن الناس أصبحوا يعرفون أن هذا هو المستقبل، المستقبل في الكوانتوم.
الرادارات الكوانتية
هناك في الصين مشروع للرادارات الكوانتية التي يمكن أن تكشف بطريقة ما عن الطائرات stealth الشبح التي لا يكشفها الرادار العادي.
لذلك أقول علينا أن نكون واعين في منطقتنا العالم العربي والإسلامي والشرق الأوسط لهذه التطورات.
ويتجه شبابنا إلى هذه العلوم والمواد وأن يتجه المسؤولون عندنا للتطوير بهذا الاتجاه من الناحية العلمية والتكنولوجية والاستراتيجية، لأنه المستقبل.
متى تصبح الحواسيب الكوانتية بين أيدينا
لا نتوقع أنه سيتم تطوير حواسيب خطيرة قبل عشر أو عشرين سنة.
لأن تاريخ الحواسيب علمنا بأنه يأخذ وقتاً بين اختراع Transistor ثم اختراع Microchip الأول ثم Microprocessor ثم الحواسيب المعقدة.
كلها أخذت في المعدل عشر سنوات وبعدها عشر سنوات أخرى. ونتوقع أن يأخذوا وقتاً. فأمامنا تقريباً عشرة إلى عشرين سنة لتدارك الأمر لأن الأمر استراتيجي جداً.
شكراً على المتابعة والسلام عليكم.