جابر بن حيان ونبذة عنه: علم الكيمياء يظل واحداً من العلوم المهمة جداً في حياة البشر والذي يعتبر متشعباً في كل شيء في حياتنا.
ابتداءً من مواد الطلاء والعطور مروراً بالعقاقير والأدوية الطبية التي تنقذ أرواح ملايين من البشر يومياً.
ولو أنك منبهر بإنجازات علماء غربيين مثل بويل ومندليف، فدعني أحدثك عن عالم عربي مسلم كان يعيش منذ حوالي 1200 سنة ماضية.
استطاع أن يخترع نوعاً مضيئاً من الحبر يمكّن القارئ من قراءة الرسائل والمخطوطات في الظلام.
واخترع نوعاً من الورق المضاد للاحتراق، وابتكر مادة عندما تدهن على الملابس تتحول الملابس مضادة للبلاء.
بالإضافة إلى أنه مخترع القلويات ومكتشف الصودا الكاوية وهو الذي أسس علم الكيمياء بشهادة علماء الغرب والذين لقبوه بلقب أبو الكيمياء.
من هو جابر بن حيان
جابر بن حيان بن عبد الله هو عالم مسلم اشتهر ببراعته الشديدة في علم الكيمياء بالإضافة إلى عدد من العلوم الأخرى كالهندسة والطب والفلك والفلسفة.
ولد عام 101 هجرية من أصول يمنية عربية، درس القرآن وتلقى العلوم الشرعية واللغوية في صغره وتعلم بدايات علوم الكيمياء على يد الإمام جعفر الصادق.
وسافر بعد ذلك جابر بن حيان إلى الكوفة واشتغل هناك بمهنة الصيدلة ومارس الطب في بداية حياته.
وفي الكوفة طّور في الكيمياء وأضاف إليها نظريات واكتشافات علمية ما زالت تدرس في كتب الكيمياء حتى اليوم.
شغف جابر بن حيان بالطبيعة
بدأ شغف جابر بن حيان تجاه الكيمياء منذ الصغر عندما كان يساعد والده في مجال العطارة.
وكان مهتماً دائماً بدراسة الأعشاب والنباتات وطرق زراعتها بالإضافة إلى أضرار وفوائد كل نوع وطرق تركيب الأدوية واستخداماتها.
وكان مهتماً بدراسة صفات وخصائص المعادن أيضاً، ومع الوقت أتقن جميع المعارف المتخصصة بالأدوية والعطارة والكيمياء والنباتات.
وفي عامه الثلاثين انتقل للكوفة والتقى هناك بالإمام جعفر الصادق والذي كان على دراية بعلوم الكيمياء بالإضافة أيضاً لكونه فقيهاً.
والذي كان يعتبر نقطة تحول في حياة جابر لأنه كان سبباً في تعليمه بدايات علم الكيمياء وأهداه بعض الكتب القديمة التي انطلق منها.
وبدأ مسيرته العلمية من خلالها ووصل به الحال أن يضع الأسس العلمية لبداية علم الكيمياء الحديثة.
عناصر الكون الأربعة
قبل ظهور الحضارة الإسلامية كان العالم يعاني من ظلام دامس تجاه الكيمياء.
وكانت الكيمياء في تلك العصور تعتمد اعتماداً كلياً على الخرافات والأساطير، وكانت بعيدة كل البعد عن المنطق والعلم السليم أو الأسس والخطوات العلمية.
وكانت تستند على أسطورة قديمة مسيطرة على عوام الناس وحتى العلماء والمفكرين حينها، وهي فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة.
وهذا لأن العلماء حينها كانوا يعتقدون أن المعادن التي مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير يشتقوا جميعاً من أصل واحد.
وأن كل المواد التي في الكون تتكون من أربع عناصر فقط وهي الهواء والماء والنار والتراب، ومع إحداث أي تغيير في نسبها داخل أي مادة نستطيع تغييرها إلى مادة أخرى.
ولذلك كانوا يحاولون إضافة التراب إلى الحديد على أمل أن يتحول إلى ذهب.
وبعض الأشخاص كانوا مؤمنين إيماناً تاماً بوجود إكسير الحياة أو حجر الفيلسوف واللذين يزيلان العلل من حياة الإنسان ويطيلان العمر.
وبقيت الخرافات التي ليس لها أي أساس من الصحة منتشرة في المجتمعات لسنين وقرون طويلة حتى ظهرت الحضارة الإسلامية.
واستطاع علماؤها أن يصححوا كل المفاهيم المغلوطة وعلى رأسهم أبو الكيمياء جابر بن حيان.
تأسيس علم الكيمياء
أثناء عمل جابر بن حيان في مهنة العطارة في الكوفة خصص مكاناً في منزله لمعمله الكيميائي الخاص.
وأرفق بالمعمل فرناً لصهر المعادن وبعض الأجهزة والأدوات الأخرى، واخترع آلات جديدة تساعده في إجراء التجارب.
واستطاع أن يحدث قفزة في الكيمياء عن طريق تطوير جهاز للتقطير، الذي هو عبارة عن جهاز زجاجي يفصل المواد الكيميائية السائلة عن بعضها.
وهذا نتيجة لاختلافهم في درجات الغليان، وبهذا نجح في وضع أول طريقة للتقطير على مستوى العالم.
وكان يعتبر أول شخص استخدم الميزان في عملية قياس مقادير المحاليل المستعملة في التجارب الكيميائية، والذي مكّنه من التغلب على عشوائية التجارب.
وجعل عنده القدرة على حساب الوزن النوعي للمواد الصلبة والمواد السائلة.
ما ميز جابر بن حيان وجعله رائداً في علم الكيمياء هو أسلوبه المميز والجديد الذي ظهر به للبشرية للمرة الأولى.
ألا وهو أسلوب المنهجية العلمية السليمة والذي من خلاله استطاع أن يدخل عنصر التجربة وعنصر المعمل في الكيمياء لأول مرة في التاريخ.
وأثناء تجاربه ودراسته كان يسجل المشاهدات والملاحظات، واستطاع حرفياً أن يؤسس علم الكيمياء طبقاً لخطوات تجريبية ومنهج علمي سليم وليس خرافات وأساطير كما كان منتشراً قبل ذلك
وفي النهاية ريادة جابر في منهجية البحث العلمي وسبقه في مجال التجربة والتطبيق وتطويره للفكر الإنساني من فكر يؤمن بالخرافة إلى فكر علمي جعلته بلا منازع شيخ الكيميائيين.
اختراعات جابر بن حيان
سطّر جابر بن حيان علم الكيمياء من جديد واستطاع أن يضع له تعريفاً في كتبه بأنها فرع من علوم الطبيعة.
الذي يبحث في خواص المعادن والمواد النباتية والحيوانية وكيفية إكسابها خواص جديدة.
ولك أن تتخيل أنه هو مكتشف القلويات والتي هي موجودة لحد اليوم باللغة الإنجليزية بنفس مصطلحها باللغة العربية وهو Alkale.
عدا عن عشرات المصطلحات التي تم نقلها من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى بنفس اسمها بالضبط.
ومن خلال إدراجه لمفاهيم التبخر والتكثيف والذوبان استطاع تحضير أحماض مختلفة في معمله.
ويعتبر هو مكتشف حمض الهيدروكلوريك وحمض الكبريتيك واستعمل ثاني أوكسيد المنجنيز في صناعة الزجاج.
والجدير بالذكر أن العمران تطور بدرجة خيالية بعدما ابتكر جابر بن حيان طريقة لإذابة الذهب والمعادن وجعلها قابلة للكتابة والطلاء.
والذي بدوره أحدث ثورة حقيقية في فن العمارة وليس في العالم العربي والإسلامي فقط لكن أيضاً في الدول الأوروبية.
والإنجازات التي نتحدث عنها ليست منذ سنة أوسنتين أو حتى منذ مائة سنة، هذه إنجازات وصل إليها جابر من حوالي 1200 سنة.
مؤلفات جابر بن حيان
يعتبر جابر بن حيان أول شخص علّم الكيمياء للعالم كله، عن طريق كتبه ومخطوطاته التي انتشرت في بقاع الأرض.
والتي كانت الأعمدة التي قامت عليها كل فروع علم الكيمياء، ونهضة علم الكيمياء بدأت عن طريقها.
وتنوعت كتب جابر ووصل الموجود منها في عصرنا الحالي إلى 54 مجلداً، عدا عن الكتب الأخرى التي فقدت ولم تصل لأحد.
والتي يقال أن عددها تجاوز الخمسمائة كتاب، بالإضافة إلى مئات أو آلاف المخطوطات.
ومن أشهر الكتب هو كتاب الخواص الكبير والذي نسخته الأصلية موجودة حالياً في المتحف البريطاني.
بالإضافة إلى كتاب أسرار الكيمياء وأصول الكيمياء وكتاب الكيمياء الجبرية والرسائل السبعين.
ويعتبر هو أول من وضع أساس لعلم السموم أول شخص صنفها وتحدث عن الأدوية المضادة لها وطرق الوقاية منها.
وذكر هذا في كتابه السموم ودفع مضارها والذي يعتبر همزة الوصل بين الكيمياء والطب.
وكانت كتب جابر بن حيان هي أساس دراسة الكيمياء في أوروبا في العصور الوسطى وترجمت أعماله إلى اللغة اللاتينية وانتشرت بين الأوروبيين.
ونورت عقولهم في ظل ما كانت الكيمياء عندهم تعتمد على السحر والخرافات.
الألقاب التي حصل عليها
تم تلقيبه بعدد كبير من الألقاب مثل أبو الكيمياء والأستاذ الكبير والقديس السامي وملك الهند وشيخ الكيميائيين.
وغيرها من الألقاب التي كان يستحقها بجدارة لأن هذه الألقاب فعلاً لم تكن من فراغ وهذا لأنه أول شخص في التاريخ يستخدم الكيمياء كعلم تجريبي مبني على أسس علمية.
ومن العجيب أنه في وقت من الأوقات علم الكيمياء لم يكن اسمه كيمياء أصلاً ولكن كان إسمه علم جابر وهذا بسبب ارتباط الكيمياء في أذهان الناس بجابر بن حيان.
وحرفياً الكيمياء كانت صنعته وكان الرائد الذي تسبب في تطويرها.
إنجازاته في العلوم الأخرى
المدهش أن الشخص الذي أسس علم الكيمياء كان لديه الوقت ليخوض في علوم ومجالات أخرى، حيث لم يكتفي بإنجازاته في علم الكيمياء لكنه درس الفلسفة.
ويعتبر واحد من الفلاسفة العرب المشهورين جداً والذي صنع أعمالاً فلسفية جدلية في الوسط العلمي.
عدا عن أنه اهتم بدراسة الطبيعة وتحديداً النباتات والحيوانات والصخور. وقسم الحيوانات إلى أربعة أصناف وهي الطائرة والزاحفة والسابحة والماشية.
وقال أن كل صنف منهم يمتلك رطوبة وبرودة وحرارة ونفس.
واعتبر النباتات منطقة متوسطة بين الحيوانات والحجارة لأنها تمتلك رطوبة وحرارة مثل الحيوانات لكنها لا تمتلك عقلاً، وذكر هذا في كتابه التصريف.
وله إنجازات أخرى في مجال الفلك فكان موسوعة علمية حية.
رحيل أبو الكيمياء
من كان دؤوباً كان عالماً حقاً ومن لم يكن دؤوباً فلم يكن بعالم، وحسبك بالجراءة في جميع الصنائع إن الصانع الجريء يتقن وغير الجريء يعطل.
هذه أحد الأقوال الفلسفية التي جابر بن حيان الذي كان جريئاً بما فيه الكفاية أن يحدث طفرة عظيمة في تاريخ الكيمياء.
واستطاع أن يخرج من إطار المألوف ويبتكر أساليب جديدة لدراسة العلوم وتلقينها ويصنع لنفسه مكانة ضمن العظماء المجددين والمؤثرين في حياة البشرية.
وتوفي جابر بن حيان عام 815 ميلادية في الكوفة عن عمر يناهز 95 سنة بعدما سطر في صفحات التاريخ سطور مضيئة بالعلم وعاش حياة مليئة بالإنجازات.
وجسد جابر رحل لكنه باقي في كتبه ومنهجه العلمي الذي سهر عليه جهابذة العلم في مجال الكيمياء في العصر الحديث.
ووصل بهم الحال أن يخترعوا آلات متنوعة وتجارب علمية قادت علماء العصر الحالي لغزوالفضاء وهذا كله ما هو إلا امتداد لنظريات واسس مبداية وضعها جابر من قرون.
قالوا عنه
تكلم أبو بكر الرازي عنه في كتاب سر الأسرار وقال أنه من أعلام العرب العباقرة وأول رائد للكيمياء وكان يشير إليه باستمرار بقوله الأستاذ جابر بن حيان.
وذكره ابن خلدون في مقدمته المعروفة وقال أنه إمام المدونين.
والعالم الفرنسي مارسيلان بيرتيلو قال أن إنجازاته في علم الكيمياء مساوية لإنجازات أرسطو في المنطق والفلسفة ولا تقل عنها.
والفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون قال أن جابر بن حيان هو أول من علّم علم الكيمياء في العالم وبذلك فهو أبو الكيمياء.
وماكس مايرهوف قال أن تطور الكيمياء في أوروبا يعود بصورة مباشرة إلى جابر بن حيان وأن الدليل على ذلك أن المصطلحات التي ابتكرها ما زالت مستخدمة في مختلف اللغات الأوروبية.
فرحم الله شيخ الكيميائيين وجعل علمه وكتبه الباقية في ميزان حسناته.
المصادر
.
يوتيوب قناة عشوائيات
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com