في مجال الاقتصاد لدينا جون كينز John Maynard Keynes الذي يرون أنه الرجل الثاني بعد آدم سميث في الاقتصاد.
بين فترة وأخرى يأتي أشخاص يحدثون ثورة في مجال معين، وسواء كانت هذه الثورات نحو الأفضل أو الأسواء فهذا يؤخذ من منظور شخصي.
وأن كان المنقذ للاقتصاد العالمي خلال الفترة الصعبة في ثلاثينيات القرن الماضي، فما هي إنجازات جون كينز ؟
نظرية جون كينز الاقتصادية
الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت عام 1929 طرحت الكثير من الأسئلة حول صحة نظرية السوق الحرة.
فلم تعد النظم الطبيعية تعمل، وشلّ الاقتصاد في معظم بلدان العالم.
يقترح كينز أن النظرية الرأسمالية واليد الخفية وفكرة Laissez-Faire (دعه يعمل دعه يمر) والتي تقوم بتصحيح مسارها بنفسها غير كافية لتعود الحركة الاقتصادية إلى طبيعتها.
فالاقتصاديون الكلاسيكيون يؤمنون بعدم تدخل الحكومة في شؤون السوق، وهنا تأتي المشكلة الحقيقية حسب جون كينز.
فقد أدرك جيداً أن معظم الاقتصاد يعتمد على العامل النفسي والثقة بين العملاء، ومتى ما اختفت هذه الثقة فمن الصعب أن تعود.
هنا لدينا مشلكتان: اقتصاد ضعيف، بالإضافة إلى وقوف الحكومة مكتوفة الأيدي. كل هذا معناه أن السوق ستعود ولكن بشكل بطيء جداً.
وقال عنها كينز: سنموت قبل أن نرى الاقتصاد يعود إلى سابق عهده.
اقتراح كينز ببساطة هو التدخل الحكومة في فترة الأزمات بزيادة الإنفاق لتعود الحركة إلى طبيعتها.
سأعطي لكم مثالين لتبسيط الفكرة.
النظرة العامة للسوق
لنفترض أن السوق عبارة عن أربعة أشخاص، أحمد وطلال وعمار وزيد، كل من هؤلاء ينتج قطعتين من البضاعة يبيعها إلى الذي يليه.
كل واحد منهم يعتمد على الآخر في كسب عيشه، والظروف حالياً مستقرة. لكن فجأة عمار يستيقظ من حلم مزعج لأنه يرى أن الوضع سيسوء عن قريب.
قرر عمار أن يقلل من انتاج بضاعته لأنه لا يريد ان ينفق، فلم يشتري من طلال سوى قطعة واحدة.
هنا تأثر جاره طلال أيضاً بسبب قلة بضاعته فلم يعد يشتري هو الآخر من أحمد سوى قطعة واحدة. وبالتالي الجميع يتأثرون واحداً تلو الآخر.
نرى هنا أن حلم عمار قد تحقق ولو لم يراوده هذا الحلم لكان كل شيء يسير حسب النهج الاعتيادي. واصبح الاقتصاد الآن يعمل بنصف كفاءته. ولا توجد ثقة بين الأفراد بالاعتماد على الآخرين.
يقترح كينز هنا تدخل الحكومة بأن تشتري بضاعة إضافية من أحدهم، وبالتالي ينتعش الإقتصاد ويبدأ الجميع بزيادة الإنفاق.
أي أن الحكومة هي التي تبدأ بالإنفاق لتعطي الحافز للمواطينين بالإنفاق.
القوى العاملة
الفكرة الثانية هي من وجهة نظر حول القوى العاملة، فأي مسبب لإطلاق حالة السوق، سواء خبر سيء أو تقشف حكومة سيؤدي إلى إنخفاض الإنفاق.
هذا الإنخفاض سيؤدي إلى انخفاض الاستهلاك، وخفض الاستهلاك معناه سينخفض الطلب ويلي ذلك خفض في الإنتاج، ويؤدي إلى تسريح أعداد من العمال وهذا معناه زيادة في البطالة.
والبطالة الجديدة ستؤدي إلى خفض أكثر في الإنفاق وهنا نلاحظ أن هذه الدورة ستبدأ بالتفاقم حتى تصل إلى العجز الكامل للاقتصاد.
وإذا لم تتدخل يد خارجية فإنه من الصعب عودة المياه إلى مجاريها.
الإنفاق لمعالجة مشكلة البطالة
بالنسبة لكينز فإن الحكومة هي مثل الميكانيكي، يصلح المحرك إذا تعطل وهي التي تعطي للآلة الحركة.
بالنسبة للكساد الكبير الذي حصل في زمنه، فإن فكرته كانت في إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل، أي كما قُلت أنا بزيادة الإنفاق، وبالتالي المجتمع يبدأ بالإنفاق كذلك.
وقد قال مازحاً: لا بأس أن تهدم الحكومة إحدى ضواحي لندن وأن تعيد بناءها من جديد فقط من أجل إيجاد فرص عمل.
وقال في مناسبة أخرى: ربما على الحكومة وضع النقود في زجاجات ودفنها لدفع الناس للحراثة.
ظاهرة التأثير المضاعف
فكرة إنفاق الحكومة ظاهرة تعرف بالتأثير المضاعف أو التأثير المتموج The Mulltiplier Effect مثل موجات بركة المياه عندما تبدأ بالاتساع شيئاً فشيئاً. كل ما هو مطلوب قطرة لتبدأ الحركة.
لكن هذا الكلام لا يمكن أن يقنع احداً لم تكن هناك براهين رياضية وبعض الأمثلة العملية.
ولكي لا نعقد على المشاهد ونطيل الشرح فنختصر فكرة جون كينز كالآتي:
البراهين على نظرية كينز الاقتصادية
عندما تصرف الحكومة قدراً معيناً من المال ويدخل هذا المال إلى السوق، فإن الذي يأخذ المبلغ سينفق منه قدراً معيناً ويدّخر الباقي، والشخص الثاني سيقوم بنفس العملية.
ما ينفق وما يُدخر يسميان الميل الهامشي للإنفاق والميل الهامشي للإدخار على التوالي. النسب تختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر.
لكن بشكل عام الفقير لديه هامش إنفاق أكثر من الثري، وهذا هو أحد اسباب ثراء البعض وبقاء الآخرين في القاع.
المعادلة بسيطة، الميل الهامشي للإنفاق يساوي المصروف مقسوماً على الدخل. ومن ثم تتحول الفكرة إلى معادلة كينزية شهيرة.
نسبة المضاعف تساوي واحد مقسوم على الميل الهامشي للإدخار.
ليست هناك قاعدة محددة لكن بشكل عام يتفق الإقتصاديون على أن الإنفاق يكون عادة 66% من مجموع الدخل، أو 0.6 إذا تكلمنا عن الميل الهامشي للإنفاق.
فعلى سبيل المثال إذا أنفقت الحكومة مليار دولار في السوق، فإن هذا يكون له تأثيرفتكون هناك حركة في السوق تصل إلى ثلاثة مليارات دولار.
في تلك الفترة كانت تعتبر أفكار كينز على أنها من أعظم النظريات الاقتصادية وأنه وضع يده على الجرح، وكان كينز يعتبر نفسه لارأسمالي ولاإشتراكي، بل وضع نفسه في المنتصف.
الركود التضخمي
لكن في فترة السبعينات حصلت ظاهرة غريبة وهي التضخم الكبير في الأسعار مع ارتفاع في نسب البطالة وهذه الحالة لم تكن تفسر حسب معايير جون كينز لذلك أُهلمت أفكاره.
ولكنها عادت إلى الساحة من جديد مع الأزمة المالية عام 2008 حيث تكررت نفس الظروف، لذلك عادت كتبه تباع في تلك الفترة بشكل كبير. وخصوصاً كتاب “النظرية العامة للعمالة و الفائدة والنقود“
شكراً لمتابعتكم.