كلمة زومبي كلنا سمعناها قبل اليوم، والتي تعبر عن الموتى الأحياء الذين رأيناهم كثيراً في أفلام أو مسلسلات.
بشكلهم البشع المخيف وطريقتهم في الحركة وسعيهم الدائم في التهام كل شيء حي أمامهم.
وطبعاً هذه المعرفة اكتسبناها على مدار سنين من الأعمال السينمائية الأجنبية والتي تقدم لنا الزومبي من بداية الستينات.
لكن ما يجهله أكثرنا هو القائد الأفريقي المسلم زومبي قائد الثورة الإسلامية لتحرير العبيد الأفارقة في البرازيل ضد الاستعمار البرتغالي.
من هو زومبي وما حكايته
يرجع ظهور المسلمين في البرازيل إلى زمن اكتشاف القارة الأمريكية سنة 1500.
ومع وصول سفينة المستكشف البرتغالي بيدرو الباريس كابرالا على ساحل البرازيل تواجد معه مجموعة من أشهر الملاحين المسلمين مثل شهاب الدين بن ماجد وموسى بن ساطع.
وأكد المؤرخ البرازيلي الشهير خواكين هيبيرو أن العرب المسلمون زاروا البرازيل واكتشفوها قبل سنة 1500 بكثير.
وأنهم كانوا سبباً رئيسياً في مساعدة البرتغاليين في الوصول إلى البرازيل بسبب تفوقهم الملاحي وصناعة السفن.
كانت البرازيل في وقت ما ملاذاً لبعض المسلمين الأندلسيين الذين هربوا إليها من الأندلس واضطهاد محاكم التفتيش لهم هناك.
لكن الأمر لم يختلف كثيراً بعد ازدياد المهاجرين المسلمين إلى البرازيل حيث أقيمت لهم محاكم تفتيش أيضاً هناك.
نتج عن هذه المحاكم حرق أعداد كبيرة من المسلمين وهم أحياء، وبدأت أفواج الرقيق تصل إلى البرازيل عام 1538.
وفي ظرف خمسين سنة وصلت أعداد الرقيق الأفارقة في البرازيل إلى أكثر من سبعمائة ألف شخص.
في الوقت الذي كانت أعداد السكان البرتغاليين لا تتعدى ستون ألف شخص.
وكان الهدف من جلب هذه الأعداد الضخمة من الأفارقة هي الاستفادة منهم كخدم مسخّرين كالآلات لخدمة البرتغاليين.
ومن الصعب لنا أن نحدد أعداد البشر الذين تم نقلهم من أفريقيا إلى البرازيل والقارة بحالها لأكثر من ثلاث قرون.
كيف أتى الإسلام إلى البرازيل
تؤكد الوثائق التاريخية المحفوظة في المتاحف البرازيلية أن الغالبية العظمى من الأفارقة الذين تم إحضارهم إلى البرازيل كعبيد كانوا من جذور إسلامية.
وكانوا ممن يتلون القرآن الكريم باللغة العربية، وكل هذه الأعداد تأتي محملة في قعر السفن بعد ربطهم بالسلاسل الحديدية.
وبالرغم من الأعداد الكبيرة التي وصلت إلى البرازيل إلا أن كثيراً منهم ماتوا في الرحلة المرعبة التي مروا بها.
سواء بسبب إصابتهم بأمراض على السفينة أو محاولة بعضهم المقاومة وإلقائهم في البحر.
واستطاع الأفارقة العبيد تعليم أسيادهم العديد من المهارات المختلفة في مجال الزراعة والهندسة المعمارية.
رفض المسلمون الأفارقة العبودية
طبقاً لوصف المؤرخ وعالم الاجتماع البرازيلي جيلبرتو فريري أن المسلمون السود كانوا من أنبل الناس الذين دخلوا البرازيل.
وكانوا يمثلون عنصراً فعالاً ومبدعاً فيها، ومع ذلك تم اعتبارهم عبيداً، ومع رفض الأفارقة المسلمون للعبودية وجبروت المستعمر البرتغالي.
انتظروا الفرصة المناسبة للخروج للأدغال والغابات، وبدأوا بتشكيل بعض التكوينات والمجتمعات الخاصة بهم واستغلوا مهاراتهم في توفير الاكتفاء الذاتي لأنفسهم.
وكانت أول هذه الأحراش، كما أسماها البرتغاليون، مستعمرة بهية والتي كانت تضم مئات من الأفارقة من أصول مالية سنة 1579.
وطبعاً المستعمر استشعر الخطر الذي يتكون ضده وقام بشن حرب عليهم وكانت الغلبة بالطبع للبرتغاليين بسبب أسلحتهم المتطورة ومدفعيتهم الثقيلة.
ومع زيادة أعداد العبيد المسلمين وتوعية الشيوخ كبار السن لهم عن مبادئ الشريعة الإسلامية وتعليمهم القرآن الكريم اشتدت قوتهم.
وارتفعت عزيمتهم وقاموا بثورة إسلامية ضد العبودية، وأسسوا كياناً مسلماً من مجموعة مستوطنات في بالميراس في شمال البرازيل سنة 1605.
دولة بالميراس
وصل عدد سكانها من المسلمين إلى حوالي ثلاثين ألفاً أغلبهم من أنغولا والكونغو، وبعد أن حققوا الاكتفاء الذاتي.
قرروا أن يختاروا أحدهم ليكون ملكاً لدولة بالميراس، ووقع اختيارهم على غانغا زومبا الذي يعتقد أنه كان حفيد ملك الكونغو.
وحكم أفراد عائلته من أبنائه وأخواته بعض المستوطنات المنطوين تحت لواء الدولة وكان ضمنهم ابن أخته القائد الشجاع المسلم زومبي.
وكان له دور كبير في الحرب ضد المستعمر البرتغالي.
الهدنة بين الثوار والبرتغاليين
بعد صراع طويل بين ثوار بالميراس والبرتغاليين، عرض الحاكم البرتغالي بيدرو ألميدا معاهدة صلح على غانغا زومبا.
تنص على عفو الدولة البرتغالية عن العبيد الهاربين وإعطائهم حريتهم في مقابل إعلان دولة بالميراس خضوعها للسلطة البرتغالية.
وفي الوقت الذي قبل فيه الملك زومبا عرض البرتغاليين، رفض القائد الشاب الموافقة، ورأى أنها تدّعي توفير الحماية لمواطني بالميراس.
في حين استعباد البرتغاليين لبقية الأفارقة في المستعمرات وأنه ليس من الحكمة أننا نأمن غدرهم من الأساس.
قتل زومبا
وبالرغم من الرفض الذي واجهه زومبا في بالميراس من جموع المستوطنات إلا أنه أصر بالموافقة على الاتفاقية.
حتى تعرض للقتل بالسم على يد أحد من أتباعه حسب التحليلات التاريخية. ثم اشتد ضرب البرتغاليين وارتفع صوت المعارك.
وقاد الشاب زومبي رفاقه من الأفارقة المسلمين على مدار 16 سنة، لم يستطع المستعمر البرتغالي بكل قوته وقف مد المسلمين من عام 1678 إلى 1694.
لكن في النهاية كانت الغلبة للمستعمر البرتغالي وارتفعت أعداد الضحايا وأصيب زومبي إصابة قوية في قدمه وسقطت دولة بالميراس.
قتل زومبي
لم تسقط عزيمة الأفارقة المسلمين واستمروا في إكمال ثورتهم بقيادة زومبي. حتى توصل البرتغاليون للقائد الشاب بعد القبض على أحد أتباعه المقربين واكتشفوا مخبأه.
واستغل البرتغاليون شهرة وشجاعة القائد المسلم بعد القبض عليه في توصيل رسالة إلى كل عبد يفكر في المقاومة.
أو القيام بثورة على أسياده، وبعد أن قتلوه بقطع رأسه في عشرين نوفمبر سنة 1695 مثّلوا بجثته أمام أعين الناس.
ومن تم أسرهم من المنتمين لبالميراس بيعوا كرقيق في أماكن مختلفة ليقضوا تماماً على أي فرصة لانتفاضة جديدة.
الثورة حتى انهاء العبودية
لكن رغم ذلك لم تكن هذه نهاية الثورة ونهاية القادة الشجعان، فعلى مدار قرون ثورات كثيرة انفجرت في وجه المستعمر البرتغالي.
ولم يستطيعوا أبداً كسر عزيمة المسلمين بكل الوحشية وبالقسوة التي استخدموها مع كل رجل استطاع الوقوف أمامهم ومقاومتهم.
ولم يستطيعوا أن يمنعوا المسلمين في الثورة ضدهم مرة ثانية وثالثة.
مثل انتفاضة مسلمي بهية في البرازيل سنة 1835، التي خرجت للمطالبة بإطلاق سراح كل العبيد.
وكان في طليعة الثورة مجموعة من القادة الشجعان مثل زومبي أبرزهم رجال الدين المسلمين مثل الشيخ دندرة والشيخ سليم وغيرهم.
وكانت الأمال والطموحات مرتفعة أن تستطيع ثورتهم أن تكتب نهاية للعبودية وتساعد في قيام مملكة إسلامية.
كيف انتهت العبودية في البرازيل
لكن مع انتشار المخبرين بين صفوف الثوار وقسوة سيوف وبنادق البرتغاليين، استطاعوا إخماد الثورة بعد مواجهات دامية بين الطرفين.
راح ضحيتها مائة مسلم وأربعة عشر جندي من البرتغاليين، واستمر الوضع على ما هو عليه لغاية صدور قرار إلغاء الرق.
وتم تحريم الرق في البرازيل سنة 1888 وهذا كان بعد سنين طويلة من سفك الدماء وتضحيات الثوار الأبطال.
بعدما فقدت النسبة الأكبر من الأفارقة هويتهم الإسلامية، وبعد مرور ثلاثة أجيال من المعاناة والقهر.
أصبح المنحدرين من هذه الأصول لا يعرفون أصولهم الإسلامية ولا كفاح أسلافهم ضد الاستعباد إلا القليل منهم.
وبالرغم من مرور الزمن وتلاشي أثر الأفارقة المسلمين والحديث عن علمهم وثقافتهم وتأثيرهم في بناء حضارة البرازيل.
إلا أن الشعب السلفادوري ما زالوا متأثرين ببعض العادات والتقاليد الإسلامية مثل حرص بعضهم على ارتداء الملابس البيضاء يوم الجمعة.
حتى أن بعض الكلمات العربية اختلطت باللغة البرتغالية مع اختلاطهم بالمسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية وخصوصاً مع قدوم أفارقة.
وذلك في منتصف القرن السادس عشر وكانوا يتفوقون على البرتغاليين في القراءة والكتابية، والدليل على ذلك هو قاموس اللغة البرتغالية.
الذي يحوي أكثر من ثلاثة آلاف كلمة من أصل عربي، هذا بخلاف الأكلات والتوابل التي ترجع أصولها إلى الأفارقة المسلمين.
آثار المسلمين في السلفادور
من أجمل المشاهد التي يمكن أن تراها في السلفادور حديقة إسمها جنة الله، ويقال أن العبيد المسلمين كانوا يجتمعون فيها.
وعلى مدار القرون الفائتة كان لأبطالنا المسلمين الشجعان دور كبير في التصدي لظلم واستعباد المستعمر البرتغالي، وكان زومبي واحد منهم.
وبالرغم من شجاعتهم وتضحياتهم إلا أن جهلنا بهم كبير، وقصص الزومبي الموتى الأحياء أكثر بكثير من قصص زومبي القائد الهمام.
للأسف أجزاء كثيرة من تاريخنا مجهول عنا، فكيف نستطيع توعية الناس بتاريخنا وسيرة أبطالنا المسلمين الشجعان أمثال زومبي الذين لا أحد منا يعرف عنهم شيئاً.
المصادر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com