إسلامشخصيات

شهوة السلطة في دولة المماليك


استقر الحال في دولة المماليك على أن الحكم عقيم لا يورث، وهو لمن غلب بالقوة، واستمرارية الحاكم اقترنت من جهة بقوة شخصيته، وقوة اتباع الموالين له من العسكر.

هذا كان سبباً في الأحداث المتلاحقة التي ألقت دولة الممالك في دوامة دموية، ظلت تعصف بهم طيلة فترة حكمهم.

من هم هؤلاء المماليك؟ كيف استطاعوا أصلاً أن يصلوا إلى السلطة؟ كيف كان مصيرهم وكيف دمرتهم شهوة السلطة؟

هذه هي فكرتنا اليوم، من خلال صراعات المماليك قطز وبيبرس ومن بعدهم هذا ما سنعرفه في حلقتنا اليوم من قصة وفكرة.

من هم المماليك

المماليك هذا الإسم الذي اشتهر في التاريخ، له قصة قبل أن نبدأ بقصتنا، المماليك هم مرتزقة عبيد مملوكين، معظمهم لم يكن من أفريقيا بل كانوا من المناطق الأوروبية والتركية والشركسية.

وكان في مناطقهم حروب، ومع الحروب يحدث أسرى، ومع الأسرى  يتحولوا إلى عبيد. فكانوا يبيعونهم في كل العالم، وكانت الدولة الأيوبية هي أكثر دول تشتريهم.

الدولة الأيوبية التي بدأت بصلاح الدين الأيوبي، صلاح الدين على كل عظمته، ترك بعده مجموعة من الأولاد، ووزع التركة بينهم، فحدث بينهم صراع وحدث قتال.

ثم جاء أحفادهم وكبرت المشكلة، وحاولوا أن يقوي كل منهم جيشه، فكيف يفعلون؟ بدأوا يشترون آلافاً من العبيد.

اشتروهم من أوروبا وكانوا يسمونهم المماليك، ومعناه أنه عبد وأبوه ليس بعبد، أي أن هؤلاء أسرى حرب.

فاشتروهم بالآلاف، وكل حاكم وكل قائد عسكري من الأيوبيين كان يشتريهم ليقوي جيشه الخاص، هذه بداية المماليك.

المماليك البحرية

الملك الصالح نجم الدين أيوب من سلالة صلاح الدين الأيوبي، كان حاكماً لمصر والشام. واشترى عدداً ضخماً جداً من المماليك.

وكانوا لما يشتريه أحدهم مماليكاً، ينتسبون إليه، فيسمون هؤلاء المماليك الصالحية نسبة إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب.

حتى أنه بنى قصراً لنفسه على النيل، وبجانبه بنى قصراً آخر كقلعة جعلها فقط للماليك. تم بناؤها في منطقة الروضة في القاهرة وكان النيل يدعونه في تلك الفترة البحر.

فاشتهر تسمية هؤلاء المماليك الذين يعيشون في القلعة التي على النيل، باسم المماليك البحرية. إذن المماليك الصالحية، هم نفسهم المماليك البحرية.

وبرز منهم عدة أسماء منهم فارس الدين أقطاي، وهو من ألمع نجومهم، وتلاه في الدرجة ركن الدين بيبرس. فهما بذلك من المماليك البحرية.

المماليك الجبلية

كما ظهر أيضاً ما يسمى المماليك الجبلية، وهؤلاء يمثلون فرقة من المماليك كونها السلطان المنصور قلاوون، اشترى منهم  قرابة ثلاثة آلاف مملوك، أسكنهم بجواره في أبراج قلعة الجبل.

ولذلك اسمهم المماليك البرجية أو المماليك الجبلية إذن هذه معلومات عن من هم المماليك.

الحملة الصليبية السابعة

في سنة 647 هجرية يوافق 1249 ميلادية، تواترت الأنباء عن قرب قدوم حملة صليبية من فرنسا نحو مصر بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا بنفسه.

حيث رأى الأوروبيون أنهم لا يقدرون على السيطرة على فلسطين مادامت مصر قوية، فلذلك قدر مصر دائماً أن يحاولوا أن يضعفوها، ويجعلوا عليها حكاماً خونة لتبقى فلسطين في يد الاستعمار.

فقرر لويس أنه بدل أن يحاول أن يحتل فلسطين سيحتل مصر ومن ثم فلسطين. فتوارت الأخبار عن قدومه.

هنا الملك الصالح نجم الدين ملك مصر والشام في ذلك الوقت، كان في الشام فأسرع عائداً إلى مصر لينظم دفاعه في خضم هذا الصراع ضد الصليبيين.

وأثناء استعداداتهم فجأة يتوفى الملك الصالح نجم الدين أيوب، وكان مريضاُ مرضاُ لكنهم لم يتوقعوا وهو قادم لترتيب الجيش أن يموت.

ففوجئوا بذلك ولم تكن الدولة مهتمة بمن هو ولي العهد، فتولت زوجته شجرة الدر إدارة شؤون الحكم في مصر، وإدارة الحرب وساعدها كبار أمراء المماليك الذين كانوا يقودون الجيش.

نهاية الدولة الأيوبية

وشجرة الدر كانت جارية من أصل تركي، واشتراها السلطان الصالح أيوب لمكانتها وجمالها وعقلها وذكائها، وصلت إلى مرتبة عظيمة في نفسه فأعتقها وتزوجها.

فصارت هي التي تدير الشؤون، ومات هو أثناء المعركة واستطاعت فعلاً أن تمنع الصليبيين والفرنسيين.

ولما استقرت لها الأمور أرسلت إلى توران شاه ابن نجم الدين أيوب، وكان أيضاً في الشام تحثه على القدوم ومغادرة حصن كيف.

وفي ذلك الوقت كان متوغلاً في البلاد حتى وصوله إلى تركيا، تطلب منه أن يعود إلى مصر ليتولى الحكم بعد أبيه.

ما بين موت السلطان الصالح أيوب ومجيء ابنه توران شاه في سنة 648 هجرية هذه الفترة تزيد على ثلاثة شهور خلالها كانت شجرة الدر هي التي تدير مصر.

وصل توران شاه واعتلى العرش. بعد أن تمكن من البلاد وتمكن من الانتصار على الصليبيين، تنكر لشجرة الدر التي أحضرته وأعطته الملك.

وبدلاً من أن يحفظ لها جميلها، بدأ يهددها ويطالبها بأموال أبيه، فكانت تجيبه بأنها صرفت الأموال على الحرب وعلى تدبير أمور الدولة فلم يصدقها.

فلما اشتد عليها خافت على نفسها هربت وذهبت إلى فلسطين خوفاُ من غدر السلطان وانتقاماً منه. لكن توران شاه هذا لم يكن حكيماَ.

الحاكم العاقل أولاً يرتب دولته، وتستقر له السياسة ويطمئن للولاءات، ثم يتخلص من خصومه فرداً فرداً، ولا يحاول التخلص منهم دفعة واحدة. وهو حاول التخلص من مقربيه أيضاً.

فهنا اشتد حنقه على أمراء المماليك، القوة العسكرية في سلطانه، لكن مع ذلك بدأ بالتفكير بالتخلص منهم.

ولما أحس المماليك أن توران شاه بدأ يخطط للتخلص منهم، وهم قادة عسكريون ومتكاتفون، عرفوا ما الوضع فكانوا أسبق منه في الحركة، وأسرع منه في الإعداد.

فانتهى الصدام بينه وبين قوة المماليك الصاعدة، بمقتله جريحاً حريقاً غريقاً، كما ذكر الإمام المقريزي المؤرج الإسلامي الشهير.

بداية دولة المماليك

الآن انتهت الدولة الأيوبية ولم يعد هناك أحد يستلم الحكم من الأيوبيين، وأصبح هناك فراغ سياسي في مصر.

هنا جاءت شجرة الدر واستولت على الحكم، على عرش البلاد الشاغر، فأصبحت هي أول سلاطين المماليك، حيث انتهت الدولة الأيوبية وبدأت دولة المماليك بشجرة الدر.

وأعلنت حكمها لمصر والشام، ولم تكن الظروف السياسية والاجتماعية لصالح شجرة الدر، فما استطاعت أن تبقى في الحكم طويلاً، ولقيت معارضة شديدة داخل البلاد وخارجها.

المصريون أنفسهم  خرجوا في مظاهرات غاضبة تستنكر جلوس إمرأة على عرش البلاد، أول إمرأة في تاريخ الإسلام تجلس على عرش دولة، وعارض العلماء ولاية المرأة للحكم.

فبدأت المسألة تتفلت، ولم يكن الشعب ولا العلماء معها بل فقط المماليك، وفي نفس الوقت ثارت ثائرة الأيوبيين في الشام.

فكيف يقتل توران شاه الحاكم الأيوبي، وكيف يغتصب المماليك الحكم بجلوس شجرة الدر على سدة الحكم.

الشام كلها بدأت تتفلت منها، وزاد الأمر بأن تكون الخلافة العباسية في بغداد رافضة لما صنعه المماليك، لم تكن هناك شرعية داخلية ولا شرعية إقليمية ولا شرعية دولية.

وكتب الخليفة العباسي إليهم إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسير إليكم رجلاً.

كيف صعدت شجرة الدر إلى الحكم

أمام كل هذه الضغوط الداخلية والخارجية، واجهت دولة المماليك مشكلة الشرعية ،ولم تستطع شجرة الدر البقاء على العرش أكثر من 80 يوماً.

ولذلك اضطرت للزواج من أحد كبار قادة عسكر المماليك، وهو عز الدين أيبك. وتنازلت له عن الحكم.

لكنها رغم تنازلها عن الحكم والسلطان بشكل رسمي، إلا أنها كانت هي التي تدير الأمور.

خضع الزوج لسيطرتها فأرغمته على هجر زوجته الأولى أم ولده علي، وحرمت عليه أن يزور زوجته وابنه.

وساعدت شجرة الدر عز الدين أيبك على التخلص من منافسه القوي، زعيم المماليك البحرية أقوى المماليك على الإطلاق فارس الدين أقطاي.

وكانوا يعتقدون أنه لديه طموح في أن يحكم البلاد، وكان من أشرس القادة المسلمين في عصره، وكلمته كانت لها صدى في تحركات جنود المماليك في كل مكان، فقتلوه.

وبعد مقتل فارس الدين أقطاي زعيم المماليك البحرية، وأكبرهم قدراً وأعظمهم هيبة، خاف المماليك البحرية على أنفسهم.

فقرروا الهروب إلى الشام خوفاً من الملك المعز كما لقب نفسه عز الدين أيبك. وعلى رأس الهاربين ركن الدين بيبرس.

إذن ذهب زعماء المماليك البحرية إلى الشام، واستقرت الأمور لعز الدين أيبك وزوجته شجرة الدر وأحكموا قبضتهم على البلاد.

خيانة عز الدين أيبك لشجرة الدر

وبدأوا بعد ذلك في ترتيب أمورهم، ومن ثم اكتشفت شجرة الدر أن عز الدين أيبك يريد التفلت من سلطتها، وبدأ يرتب للزواج من ابنة بدر الدين لولو الأيوبي الذي كان يحكم الموصل.

فغضبت شجرة الدر، واعتبرت ذلك مؤامرة على ملكها، فأرسلت إلى زوجها تتلطف معه وتطلب عفوه وتسترضيه. وفعلاً جاءها واستجاب لدعوتها وذهب إلى القلعة حيث تعيش.

وإذا هي قد جهزت مفاجأة له، بأن هجم عليه مجموعة من المماليك، وقتلوه في عام 655 هجرية. وأشاعت شجرة الدر أن المعز الملك أيبك قد مات فجأة في الليل.

نهاية شجرة الدر

ولكن المماليك أنصاره لم يصدقوا هذا الكلام، بقبضوا عليها وأرسلوها إلى إمرأة عز الدين أيبك الأولى، التي أمرته بطلاقها.

فأمرت تلك بأن تضرب شجرة الدر، فضربتها الجواري بالأحذية الخشبية ورمينها من فوق سور القلعة، ومنعوا من أن يدفنها أحد، فلم تدفن إلا بعد عدة أيام.

العنف والدم كانت بداية سلطة المماليك، وهكذا بدأ عصرهم، وعندما حصل الفراغ السياسي، قام سيف الدين قطز كبير الأمراء بترتيب الوضع السياسي بما يضمن استمرار سلطة المماليك ونفوذهم.

سيف الدين قطز ومحاربة التتار

وبعد أن استطاع قطز أن يصبح الحاكم الفعلي لمصر، عندها جاء بنور الدين علي ابن المعز أيبك، فأجلسه على العرش.

وصار السلطان وهو صبي في الخامسة عشر من عمره وأمسك قطز بزمام السلطة الفعلية، تاركاً للصبي شعائر السلطنة كلقب ووجاهة، لكن ليس له من الأمر شيئاً.

في هذه الأثناء بدأت تتردد أصداء طبول الحرب التترية في القاهرة، وأرسل التتار تهديداً إلى مصر، فبعد أن قضوا على الخلافة العباسية في بغداد وسيطروا على الشام وفلسطين.

أرسل التتار تهديدهم بالويل والهلاك لمصر، تحرك العلماء وعلى رأسهم العالم الجليل العز بن عبد السلام، قال لا يمكن أن نواجه التتار، ونحن يحكمنا صبي عمره خمسة عشر سنة.

وفي هذه الحالة طلبوا من قطز الرجل القوي، أن يعين نفسه سلطاناً ويحكم فعلاً، بدل أن يتنازع الحكم بين اثنين.

وفعلاً تم خلع السلطان الصبي وأمسك قطز بزمام السلطة، وقاد قواته ضد التتار وأوقف زحفهم على العالم الإسلامي وأوروبا، بعد أن هزمهم في معركة عين جالوت العظيمة.

وانتصر سيف الدين قطز، ونجحت هذه التجربة العظيمة، ونجح في قيادة مصر إلى هزيمة التتار عام 658 هجرية الموافق 1260 ميلادية.

مقتل قطز

في الطريق بينما هم عائدون إلى العاصمة، وإذ قطز المنتصر يقتل، وفي الغالب على يد بيبرس أحد قادة المماليك من أجل شهوة السلطة. في طريقهم إلى القاهرة، تم اغتيال قطز.

تعددت الروايات في مقتله والأسباب التي ساقها المؤرخون عن اغتياله، لكن الثابت أنه راح ضحية شهوة السلطة.

هنا لم يعلن القاتل عن نفسه علناً، وجاء قائد جيوش المماليك، فسأل عن القاتل وكل الاتهامات تذهب إلى بيبرس، فجاء إليه وقال له: يا خوند، أي يا سيد القوم، اجلس أنت في مرتبة السلطة.

أصبح العرش مكافأة لمن تخلص من السلطان الذي قبله. المماليك لم يؤمنوا بوراثة العرش بل كانت طبيعتهم عسكرية وشعورهم أنهم أنداد.

وهذا ما جعلهم يؤمنوون أن السلطة من حقهم جميعاً، يفوز بها أقواهم وأقدرهم على الإيقاع بالآخرين تحقيقاً لمبدأ الحكم لمن غلب.

كانت النتيجة الطبيعية أن ظل عرش السلطنة دائماً محل تنافس وصراع بين أمراء المماليك وخاصة عندما يشغر العرش بوفاة السلطان. فيقوم الأمراء بالصراع فيما بينهم.

صعود بيبرس على عرش سلطان المماليك

وبدأت مرحلة سياسية جديدة في تاريخ الدولة المملوكية الناشئة، وبيبرس يجمع بين الذكاء والفطنة والحنكة السياسية والعسكرية.

بالإضافة إلى شدة وحزم فاستطاع أن يفهم واجبات الحكم ومسؤوليات السلطة، فيعتبر بيبرس هو المؤسس الحقيقي للدولة بسبب انجازاته السياسية والإدارية والعسكرية.

السنوات العشر السابقة لحكمه شهدت مرحلة يسمونها سيولة سياسية، في عشر سنوات جلس على حكم مصر ستة حكام.

الملك الصالح نجم الدين أيوب ثم ولده توران شاه، ثم شجرة الدر ثم عز الدين أيبك، ثم السلطان نور الدين علي ابن أيبك وسيف الدين قطز.

كل هؤلاء في عشر سنوات سبقت بيبرس، ولذلك يعتبر بيبرس المسؤول عن تطوير مفهوم السلطة وحل مشكلة الشرعية التي تسببت في متاعب سلاطين المماليك الأوائل.

كيف حل مشكلة الشرعية

لما سيطر على الأمور ووطد سلطته بسرعة، لا بد أن يكون لديه شرعية والانقلاب ليس شرعية، فكان لا بد أن يدبر شيئاً آخر.

فرأى أن الحل في إحياء الخلافة العباسية في القاهرة، حيث أن الخلافة العباسية ولت منذ زمن، ولم يعد لها وجود حقيقي.

لكن مفهوم السلطة كان ما يزال بحاجة إلى استكمال بقية عناصره، وإذا لم يكن يكفي لإضفاء الشرعية على الدولة بالقوة.

فهنا لا بد من شرعية رمزية، وكانت هذه الرمزية تأتي من مصادر عدة، ومن أهمها الرمزية الدينية ولذلك تجد دائماً كل ديكتاتور تجدون معه جيش ومفتي.

فأعلن أنه ينوب عن الخلافة العباسية في مصر، وأنه هو حامي حمى الحرمين الشريفين في الحجاز وأرسل كسوة إلى الكعبة.

وأمر أن تكون الخطبة في صلاة الجمعة في منابر مصر والحجاز للخليفة العباسي، وبعده يدعى للسلطان بيبرس، كي يثبت هذا المفهوم بأنه يحمي الدين.

وأمر بتجديد بناء مسجد  الخليل عليه السلام، وترميم قبة الصخرة في المسجد الأقصى، لأنه كان يحكم الشام وفلسطين أيضاً، وهكذا صار البعد الديني أوضح في استكمال السلطة في دولة المماليك.

حكم العسكر والدين

مفهوم السلطة يقوم على قوة ذات جناحين أحدهم القوة العسكرية والأمنية التي يسيطر به أعلى البلد والتي تجسد في المماليك.

والثاني في البعد الديني من خلال تفويض الخليفة العباسي للسلطان، وحمايته للمقدسات في الحجاز وفلسطين، بالإضافة إلى الواجهة الدينية التي حكم السلاطين من ورائها باسم الشرع.

عندما أتى الشطر الثاني من الدولة المملوكية، بدأت معدلات الصراع السياسي بين المماليك تزداد، أي أن بيبرس ومن بعده استطاعوا أن يثبتوا حكمهم لكن بالقوة.

ولما جاءت الدولة المملوكية في فترة ضعفها، بدأ الصراع على أشده، وجعل الصراع حياة معظم السلاطين تنتهي إما بالقتل أو السجن.

وهنا جاءت شهوة السلطة تبرز أكثر من مفهوم السلطة، وبات كرسي السلطنة خطراً على من يجلس عليه.

قانصوه الغوري والحكم

يحكي المؤرخ ابن إياس أن قانصوه الغوري أقوى أمراء زمانه، لما خلا العرش عام 1501 كان هو المرشح الرئيسي، فرض.

لكن أمراء المماليك سحبوه وأجلسوه وهو ممتنع لا يريد الكرسي، وأخذ يبكي، وألحوا عليه فاشترط عليهم شرطاً واحداً، أن لا يقتلوه، وإن لم يريدوه أن يعزله

الآثار السلبية للحكم بالقوة

هكذا أثرت على مفهوم الحكم ومفهوم السلطة، المماليك تدهوروا في هذه المرحلة، وكانت النتيجة النهائية، بتدهور حاد ومستمر.

تعاقب على العرش ستة عشر سلطاناً خلال 72 سنة مابين سنة 800-872 هجرية، واهتزت مكانة السلطان، وصار أمراء المماليك من يولون السلاطين، ويعزلونهم أو يقتلونهم في غالب الأحوال.

هذا التدهور المستمر دليل على فساد مفهوم السلطة عند المماليك، القائم على القوة العسكرية، والشرعية المدعاة الصورية.

وهي نفس المشكلة عند كل نظام انقلابي عسكري يحكم بالقوة، ويقوم بانتخابات صورية، ويفوز بنسبة عالية، وقس عليها.

كل هذا انطلى على أمتنا فترة، لا يجوز أن يستمر في أمتنا، نحن لسنا في عهد المماليك، وأمتنا أقبلت على النهضة والعزة، وصار الوقت أن تحكم الشعوب وليست الإنقلابات العسكرية.

انشروا عني

السلطة والقوة تحمي الحضارة لكنها لا تبنيها الذي يبني الحضارة هو الفكر والقيادة.

د. طارق السويدان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى