عبد الرحمن السميط : للتاريخ أسماء تخلد عبر صفحاته، وتكتب بأحرف من ذهب تتناولها الأجيال بالتناوب، كل جيل ينقله للجيل القادم بعده.
هنا يكتب التاريخ وهو يقف احتراماً وثناءً وتقديراً لرجل صاغ اسمه حرفاً حرفاً في صفحاته المشرقة الوضاءة بعمله الإنساني المنفرد المتميز.
جاعلاً من تعاليم الدين الحنيف وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم نبراسه ودليله في هذه الحياة.
هو عبد الرحمن بن حمود السميط المولود في عام 1366 للهجرة والمتوفى في الثامن شوال من عام 1434 للهجرة. داعية كويتي ومؤسس جمعية العون المباشر، لجنة مسلمي أفريقيا سابقاً.
عبد الرحمن السميط : ولدت قبل 55 سنة من عائلة متوسطة وكنت نشأت من نعومة أظفاري، يسموني مطوع، لأني كنت أحرص وعمري خمس سنوات أن أصلي الفجر في المسجد.
وكبرت وكنت دائماً أحب الالتزام بأحكام الإسلام، وفي نفس الوقت أحب العمل الخيري بثورة عامة، تخرجت من كلية الطب في بغداد قبل أكثر من 30 سنة، وأكملت دراستي العليا في بريطانيا وكندا لمدة 8 سنوات.
ولم أنقطع عن العمل الخيري في أي فترة من الفترات.
نشأته وطفولته
عبد الرحمن السميط هو الابن الثالث في أسرة آل سميط وتكرر والدته أنه الأسهل في التربية، بل لم تكن تشعر بتربيته، حتى أمراض الطفولة تمر عليه خفيفة فلا يحس بها.
كان السميط طفلاً هادئاً مجداً متميزاً بدراسته، نشأ السميط في أسرة كويتية محافظة رغم توفر المغريات والانفتاح الذي شهدته المنطقة العربية منذ منتصف القرن الماضي.
ومع ازدياد مظاهر الإغراء إلا أنه بقي صامداً وأسرته في وجه تيارات الهوى، فعاش نشأته الأولى بين ظهراني أسرة اتسمت بالصبر والجلد، وثقت أواصر الترابط الأسري المنبثقة من تعاليم الإسلام الحنيف.
عبد الرحمن السميط : والدي كان إنساناً عادياً محافظاً على صلاته، كان يأمرني أن أعمل ما أشاء ولو الشيطان خدعك وقمت بأي شيء لا سمح الله المهم الصلاة لا تقطعها.
الشيء الثاني قال لي احذر أن يدخل هللة واحدة أو فلس واحد إلى مالك من الحرام، لأنه لو دخل فلس حرام إلى مالك ولو كان ملايين سيدمر مالك ولن يكتب لك اله السعادة.
فاحرص على هذين الشيئين، صلاتك لا تقطعها، وإن أخطأت وارتكبت آثاماً، والشيء الثاني البحث عن المال الحلال والحرص عليه.
دراساته
تخرج من الثانوية العامة عام 1963 وتقدم بطلب انتساب إلى كلية الطب في أمريكا ومصر، فجائه القبول من الجهتين، سمع من بعض الطلبة يقولون: كلية الطب في بغداد لا ينجح فيها أحد.
والسميط يحب التحدي فقال كلية الطب لا ينجح فيها احد؟ أنا أريد أن أنجح فيها.
عبد الرحمن السميط : كنت أنوي أن أذهب إلى أمريكا وأدرس هناك، ومن ثم سمعت أحدهم وأنا أجهز أوراقي، يتحدث إلى رفاقه: أنا كنت في بغداد وعندهم كلية طب صعبة جداً لا أحد ينجح فيها.
فاعتبرته بمثابة تحدٍ لي.
دراسة الطب في جامعة بغداد
انتقل الداعية عبد الرحمن السميط إلى بغداد لدراسة الطب متحدياً صعوبة الكلية وتخرج منها بحصوله على بكالوريوس الطب والجراحة.
لم تكن الحياة السياسية في العراق كالكويت الهادئة، فعرف أصنافاً من البشر بأنواع مختلفة من الرؤى، وفي بغداد وقعت للسميط حادثة لا ينساها أبداً.
عبد الرحمن السميط : أذكر في يوم من الأيام، مررت بمدينة من المدن رآني أحدهم ودعاني فاعتذرت له، وكان معه مجموعة من أقاربه من البدو، وقال لهم: هل يرضيكم هذا الكويتي يرفض العزيمة.
فأخرج من بين ثيابه رشاشاً، ولقمه، وقال: أنت أيها الكويتي ماذا تقول؟ فقلت له: بما أنه صار هناك رشاشات فالأمر كما تشاؤون وأمرنا لله.
دراساته التخصصية في جامعات الغرب
غادر بعدها إلى جامعة ليفربول في المملكة المتحدة للحصول على دبلوم أمراض المناطق الحارة، ثم سافر إلى كندا ليتخصص في مجال الجهاز الهضمي والأمراض الباطنية.
تخصص في جامعة مانتل مستشفى مونتريال العام في الأمراض الباطنية، ثم في أمراض الجهاز الهضمي كطبيب ممارس، ثم عمل كطبيب متخصص في مستشفى كلية الملكة في لندن.
ثم عاد إلى الكويت عاملاً فيها بعد سنتي خبرة في الخارج، حيث عمل أخصائياً في أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى الصباح.
بدايات السميط في مهنة الطب
عبد الرحمن السميط : قبل ثلاثين سنة تدربت في كندا وبريطانيا وقمت ببحث على مرض سرطان الكبد، وأخرجت عدة أبحاث وقلت لزوجتي أريد أن أذهب إلى قرية وأقدم امتحاناً.
فقالت: أنظر يا عبد الرحمن، إن سمعت كلامي، فأنت لم يخلقك الله طبيباً، ووجهك ليس وجه طبيب. فعملت بنصيحتها ولكن حينها عدت للكويت أعمل كطبيب.
ولكن شعرت بأن المستشفى ضيقة علي، كالإنسان الذي لديه أزمة ربو، لا يقدر على التنفس ويحتاج الأوكسجين، أنا كنت هكذا.
كنت أداوم سبعة أيام في الأسبوع بما فيها الأعياد، كنت أنام مع المريض وخاصة المدمن على الخمر أو المخدرات أعطيه اهتماماً خاصاً.
و 12 مريضاً ممن أذكرهم في سنة واحدة أصبحوا مرتادي المساجد.
ممارسات دعوية منذ نعومة أظفاره
بدأ السميط من الصغر عاشقاً للنهج الدعوي الإنساني منذ ريعان شبابه وتكونت معه صحبة صاروا رموزاً وقادة كلٌ في ميدانه. منهم عيسى وإبراهيم الشاهين، وعدنان المير.
عبد الرحمن السميط : لما كنت في كندا وبريطانيا اتفقت أنا وزوجتي ان نهاجر إلى أندونيسيا وماليزيا، بصورة ونتفرغ للدعوة الإسلامية.
وإن حصلنا على أي مال بسيط من خلال عيادة أفتحها بحيث يكفينا أنا وزوجتي وأولادي للحد الأدنى من الحياة.
ولما جئنا إلى هنا بدأت تعود لأحلامي عندما كنت صغيراً عندما كنت أقرأ عن أفريقيا وأبكي على القصص التي كنت أقرأها واسمعها في صغري.
فذهبت إلى وزير الأوقاف وحاولت معه أكثر من مرة نقنعه بأن يساعدني فقط بأن يفتح لي الباب، فلم أكن أعرف كيف أذهب ومن أين أبدأ. فقال لي أين تريد الذهاب؟ فذكرت له خمسة دول، أيها يرسلني لها.
فقال: لن أرسلك إلى خمسة دول، وأنا متأكد أنه لم يكن يعرف أين تكون هذه الدول، فقلت له: إن شاء الله، لو في القمر أنا مستعد أن أذهب.
وفي كل مرة كان جزاه الله بالخير يحولني إلى موظف من الموظفين، فكنت أغضب كيف يحولني الوزير إلى الموظف، فهذا يعني أنه يسخر مني.
وما كنت أذهب إلى ذلك الموظف، إلى أن جاءت هذه المرأة وتبرعت لنا ببناء مسجد فقررنا أن نذهب إلى دولة ملاوي.
الرحلة إلى ملاوي
الهدف الأساسي كان بناء مسجد فقط، لكن عندما رأيت الوضع هناك مؤلم إلى أقصى حد، بكى قلبي دماً على وضع المسلمين.
عندما قابلت أئمة مساجد، وجدت أنهم لا يعرفون الفاتحة، وعندما سألتهم عن ذلك، قالوا: نحن أفضل حالاً من غيرنا.
عندما رأيت قرية كاملة من المسلمين لا يعرف أي واحد منهم صلاة الفجر كم ركعة، رأيت مسلمين لم يروا مصحفاً في حياتهم، وما زال حتى الآن موجود هذا الشيء في أفريقيا. ونحن ملتهون في دنيانا.
العمل الخيري
ومنذ عام 1983 تفرغ السميط للعمل في جمعية العون المباشر كأمين عام، ثم رئيس مجلس الإدارة حتى عام 2008.
كما عمل كمدير مركز أبحاث دراسات العمل الخيري في الكويت، وكان يكتب مقالاً في جريدة أسبوعية/ وهو في الثانوية في فقرة الكشافة.
الاهتمام بالتعليم
عبد الرحمن السميط : وبدأنا قبل 25 سنة، والحمد لله نحن الآن من أكبر المنظمات في العالم المتخصصة في أفريقيا ولنا 3288 داعية يعملون معنا ومدرسون.
ولدينا اهتمام كبير جداً بالتعليم، فعندنا 840 مدرسة ابتداءً من الحضانة وحتى الجامعة، لدينا كلية الشريعة في كينيا وكلية التربية في زنجبار.
والمعهد العالي للعلوم الإدارية في الصومال، ومعاهد وكليات في أماكن أخرى. ونسعى لتوفير التعليم لابن أفريقيا ونعتقد أن التعليم هو حق إلهي وهبه لكل إنسان في الدنيا.
مع الأسف الشديد أبناء المسلمين لا يمارسون هذا الحق الذي أعطاهم إياه الله سبحانه وتعالى. ومع الأسف أن منظمات دولية كثيرة بدأت تضع صعوبات أمام أبناء أفريقيا للتعليم.
فمثلاً هناك منظمة دولية بدون ذكر إسمها طلبت من الحكومات مبدأ مشاركة بالتكاليف، فالفقير لا يتعلم ولا تستطيع أن تعلم أولادك.
ونحن نعتقد أنك سواء كنت فقيراً أو غنياً يجب أن يتوفر لك التعليم، بالنسبة لنا الجيد من أولادنا في المدرسة القروية.
أن نأخذه إلى المدينة وإلى مدرسة محترمة مستواها أعلى من ثانوية وجامعة وما بعد الجامعة، سنوياً يتخرج العشرات من ماجستير ودكتوراه وخاصة في مجالات الطب والهندسة والعلوم.
الدعوة إلى الإسلام
أسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخصاً في أفريقيا، بعد أن قضى أكثر من 29 سنة لنشر الإسلام في القارة السمراء.
عبد الرحمن السميط : نحن نعمل في أربعين دولة، وبدأنا الآن نتوجه نحو قبائل معينة نركز عليهم ونحاول أن نعمل عليهم بكل طاقتنا.
في كل بلد يوجد قبيلة أو قبيلتين نركز عليهم، ونحاول أن نكسبهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ولنا منهج يعتمد على التعليم، لأن في دراسة أجريت وثبت أن الدولار الذي تصرفه على الصحة ولإغاثة والتعليم أكثر تأثيراً في التعليم.
ولكن ليس الخطط القصيرة للتعليم التي مدتها سنة أو سنتين. وإنما على المدى البعيد.
تأسيس الجامعات والمؤسسات حول العالم
شارك السميط في تأسيس فروع لجمعية الطلبة المسلمين في مونتريال وشير بوك وكيبيك في كندا بين العامين 1974 و 1976 ولجنة مسلمي أفريقيا وهي أول مؤسسة إسلامية متخصصة عام 1981.
ولجنة الإغاثة الكويتية التي ساهمت بإنقاذ أكثر من 320 ألف مسلم من الجوع والموت في السودان وموزمبيق وكينيا والصومال وجيبوتي خلال مجاعة عام 1984.
المناصب التي تقلدها
وتولى أيضاً منصب أمين عام لجنة مسلمي أفريقيا منذ تأسيسها التي أصبحت أكبر منظمة عربية إسلامية عاملة في أفريقيا.
عبد الرحمن السميط : تعليم أبناء أفريقيا وخاصة المسلمين، لأنهم في مجتمعات مهمشة ولا أحد يهتم بها، ومحاولة دفع أكبر عدد ممكن من أبناءنا وبناتنا إلى التعليم العام.
ليتخرجوا ويحصلوا على شهادات عليا ويتقلدوا مناصب ويغيروا في الواقع المرير لمجتمعاتهم.
شارك السميط في تأسيس ورئاسة جمعية الأطباء المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا عام 1976، ولجنة مسلمي ملاوي في الكويت عام 1980.
واللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة عام 1987، وهو عضو مؤسس في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية وعضو مؤسس في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة.
وعضو في جمعية النجاة الخيرية الكويتية وعضو جمعية الهلال الأحمر الكويتي ورئيس تحرير مجلة الكوثر المتخصصة في الشأن الأفريقي وعضو أيضاً في مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية في السودان.
وعضو مجلس أمناء جامعة العلوم والتكنولوجيا في اليمن ورئيس مجلس إدارة كلية التربية في زنجبار ورئيس مجلس إدارة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في كينيا.
ورئيس مركز بعثات العمل الخيري حتى وفاته.
نال السميط عدداً من الأوسمة والجوائز والدروع والشهادات التقديرية مكافأة له على جهوده في الأعمال الخيرية.
ومن أروع هذه الجوائز جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، والتي تبرع بمكافأتها، 750 ألف ريال سعودي لتكون نواة للوقف التعليمي لأبناء أفريقيا.
ومن عائد هذا الوقف تلقت أعداد كبيرة من أبناء أفريقيا تعليمهم في الجامعات المختلفة.
تزايد المسلمين في أفريقيا
عبد الرحمن السميط : ملايين من الناس تسلم على الأقل في المناطق التي نعمل فيها، أسلم 3.5 مليون شخص، الآن سنوياً يسلم حوالي مليون شخص في أفريقيا.
وأتوقع أن سيزداد عدد المسلمين إذا لم يخرج شيء كبير جداً يؤثر على العمل هناك، لأن الناس لديهم إقبال على فطرة الإسلام والتي ليست بعيدة عن فطرتهم.
الإسلام دين سهل ودين لين وسمح، فكثير من الأحيان كانت تصرفاتنا تؤثر بهم، فيرون كيف أن كنيسة تفتح مدرسة، وتمنع المسلمين منها. نحن حين نفتح مدرسة نقول لكل إنسان حياه الله.
مراكز تدريب النساء التي أنشأناها، لدينا أكثر من مائتي مركز، وكل مركز يعمل دورتين في السنة، لا يوجد امرأة نرفضها بسبب دينها أو لأنها غير محجبة.
لكن لا أذكر أنه تخرج منها أي واحدة ليست مسلمة، ولا تخرج منها ولا واحدة ما كانت محجبة. بسبب المعاملة فقط وباللين والحكمة والموعظة الحسنة استطعنا أن نكسب الناس.
رحلاته الدعوية
قضى ربع قرن في أفريقيا، كما مارس الدعوة في كل من الأسكيمو والعراق، كانت سلسلة رحلاته في أدغال أفريقيا وأهوال التنقل في غاباتها محفوفة بالمخاطر.
وذلك بتعريض نفسه للخطر لأجل أن يحمل السلام والغوث لأفريقيا، بيد فيها رغيف ويد فيها مصباح نور وكتاب.
وسلاحه المادي جسده المثخن بالضغط والسكري والجلطات، وأما سلاحه الإيماني الذي حسم معارك السميط في سبيل الله والمستضعفين ، فآيات استقرت في قلبه.
الرحلة إلى مدغشقر
عبد الرحمن السميط : في مدغشقر ذهبت إلى قرية من القرى في غرب مدغشقر قبيلة سكلافا ، مليوني نسمة، عندهم مبنى مربع بنوه ويأتون مرة في السنة.
ويلبسون ملابس غير مخيطة وينزعون كل شيء على رأسهم، ويطوفون حوله بعكس عقارب الساعة ويبدأون بقدمهم اليمنى.
ولو تقدم بقدمه اليسرى، فهذا خطأ عليه دم يجب عليه أن يذبح، وبعد أن يطوفون يدعون وينحرون ويمشون. ويسمونه دعاني وبلغتهم تعني بيت الدعاء.
قمت ببحث في فترة من الفترات كنت مهتماً جداً بتاريخ العرب والمسلمين في مدغشقر، فشغلت تسعة عشر باحثاً يساعدوني، وخاصة كي يقرأون لي اللغة المحلية الملاغاشية واللغة الفرنسية.
وعينت مترجمين وعدد من السكرتاريا والمندوبين، كلهم يعملون لعدة سنوات، وجمعت معلومات كبيرة جداً، فعرفت منها أن شخصاً يمنياً جاءهم، وبدأوا يدخلون الإسلام وأحبوه حباً كبيراً.
وبدأوا يذهبون للشمال إلى مكة للحج وتهب العواصف فيموتون، فقالوا لأنفسهم أن كل عام تهب علينا العواصف ونموت.
فبعض الأذكياء عندهم بعد موت العلماء وموت الفاهمين، قالوا لم نذهب لمكة من أجل الكعبة؟ وما هي الكعبة هي مربعة، فقالوا: إذن نعمل هنا مربع ونطوف بها، وما زالوا يحافظون على هذه العادات.
ما وقع لزوجته وبناته
أذكر عندما أخذت زوجتي وأولادي، سمحوا لي ولأولادي ولم يسمحوا لزوجتي وبناتي، وقالوا يجب أن يرفعوا الذي على راسهم ووجههم.
قلت لهم: هذا في مكة النساء لا يرفعوه، فقالوا: هل نسألكم ماذا تفعلون في مكتكم؟ اعملوا ما تشاؤون في كعبتكم، كعبتنا هذه قوانيننا.
فأذكر بالخطأ جاءت أم صهيب وبناتنا، فهجموا عليها وكادوا يفتكون بها. وأم صهيب تجري بلياقة الغزلان وتركب السيارة وهي تسير مثل قوات الصاعقة.
لأنهم كانوا فعلاً غاضبين أنها إهانة لهم أن تأتي هي وبناتها ومغطين رأسهن، فهذا حرام عندهم. ولا زال وضعهم كما هو ونحن نزورهم ونهديهم بعض الهدايا.
ونأمل من الله سبحانه وتعالى في يوم من الأيام إن شاء الله أن يهديهم، نحن لا نحرص فقط على الإنسان الذي يسلم حالاً.
نحن نعمل على عشرين وثلاثين سنة نخطط والحمد لله صار لنا خمس وعشرين سنة في افريقيا وقبائل كثيرة أسلمت.
هناك قبائل بدأنا فيها قبل أربعة عشر سنة، الآن أوقفنا العمل الدعوي لأننا وصلنا إلى الحد الذي نعتبره الحد الحاسم الذي هو خمسون في المائة من القبيلة يسلمون والقيادات تستلم وبذلك الباقون سيسلمون بدوننا.
فننتقل من برنامج أسلمة القبيلة إلى برنامج أسلمة قبيلة ثانية.
مرضه ووفاته
استمر السميط يعمل في الدعوة بعد أن طعن في السن وثقلت حركته وأقدامه، ورغم إصابته بالسكر وبآلام في قدمه وظهره.
وفي آخر سنواته استحالت حالته الصحية غير مستقرة، وأخذ يعاني من توقف في وظائف الكلى، وخضع لعناية مركزة في مستشفى مبارك الكبير.
واستمر على تلك الحال حتى توفي يوم الخميس الخامس عشر من أغسطس من عام 2013 للميلاد.
عمله في ملاوي
عبد الرحمن السميط : في ملاوي كمثال، بلد لم يكن فيه أي خريج مسلم عندما بدأنا عام 1980، بفضل الله سبحانه وتعالى في سنة واحدة، ثلاثين من أيتامنا وأولادنا يتخرجون أطباء.
12 مهندس، 6 محاسبين، وستة من حملة الدكتوراه، عدد من السفراء وكبار المسؤولين أصبحوا من أيتامنا، ونحن لا نطلب منهم شيء، كل ما نطلبه أن يخلصوا لبلدهم ودينهم.
وأن يعاملوا الناس معاملة طيبة، ويتذكرون أن أناساً أحسنوا لهم بدون أن يروهم، فهم سيحسنون للآخرين ويحاولون أن يدعموا إخوانهم وأبناءهم أن يتعلموا تعليماً عالياً.
بداياته منذ الثانوية
بدأ رحلته بالعطف على الفقراء عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية في الكويت، وكان يرى العمال الفقراء ينتظرون في الحر الشديد حتى تأتي المواصلات.
فما كان منه إلا أنه جمع هو وأصدقاءه المال واشترى سيارة قديمة، وكان كل يوم يقل هؤلاء العمال مجاناً رحمة بهم.
كما أنه في الجامعة كان يخصص الجزء الأكبر من مصروفه لشراء الكتيبات الإسلامية، ليقوم بتوزيعها على المساجد وحتى عندما حصل على منحة دراسية قدرها 42 ديناراً.
كان لا يأكل إلا وجبة واحدة وكان يستكثر على نفسه أن ينام على سرير، رغم أن ثمنه لا يتجاوز دينارين، معتبراً ذلك نوعاً من الرفاهية وأثناء دراسته العليا في الغرب.
كان يجمع من كل طالب مسلم دولاراً شهرياً ثم يقوم بطباعة الكتيبات، ويقوم بتوصيلها إلى جنوب شرق آسيا وأفريقيا.
عمله في السنغال
عبد الرحمن السميط : نحن نعمل في السنغال في الجنوب وهي قبائل وثنية أغلبها، ومسيحية وقلة من المسلمين.
جاءنا الحاكم هناك وهو بدرجة وزير، وقال: أنا أعرف أنكم مسلمون وأعرف أنكم تخدمون الإسلام، لكن هناك ستة قرى.
هذه القرى كلهم وثنيون أو مسيحيين ويحتاجون إلى آبار مياه. هل تقدرون حفر آبار المياه؟
قلنا له: لماذا اهتمامك فيها، فقال: اهتمامي فيها أني أخشى أن المتمردين بدأوا يتصلون بهم، وإن ثاروا سيسببون مشاكل، فأنا أريد أن استبق هذه المشاكل بتقديم خدمة.
قلنا له: نحن ديننا يحرم سفك الدماء، وهؤلاء إذا التحقوا بالمتمردين، ربما يسفكون دماء إخواننا من الجنود المسلمين أو المواطنين المسلمين في جنوب السنغال.
فحفرنا ستة آبار عندهم، فوجئنا بأن اثنين من القرى خلال أسبوع واحد أسلموا عن بكرة أبيهم، وقرية من القرى أسلم جزء كبير منهم والقرى الثلاث أسلمت فيما بعد.
سألناهم: لم أسلمتم؟ قالوا: نحن مسيحيون من عقود كثيرة، ما اهتمت كنيسة بنا ولا خدمتنا، أنتم ليس بيننا وبينكم علاقة.
وكان المفروض أن تحاربونا لأنكم من دين آخر، بدلاً من ذلك تأتون وتخدمونا وتحفرون لنا الآبار، هذا دليل أن دينكم دين عظيم، الذي يأمركم بهذا العمل.
لأننا نعلم أنكم لم تأتوا هنا إلا لأن دينكم أمركم أن تأتوا، وتخدموا هذا الدين. فقلنا إعجاباً بهذا الدين تحولنا إلى الإسلام.
سبب اهتمامه بأفريقيا
كان من أسباب اهتمام السميط بأفريقيا، دراسة ميدانية للجنة أكدت أن ملايين المسلمين في القارة السوداء لا يعرفون عن الإسلام إلا خرافات وأساطير لا أساس لها من الصحة.
وبالتالي فغالبيتهم وخاصة أطفالهم في المدارس عرضة للتنصير، وقد نتج عن ذلك أن عشرات الآلاف في تنزانيا وملاوي ومدغشقر.
وجنوب السودان وكينيا والنيجر وغيرها من الدول الأفريقية اعتنقوا المسيحية بينما بقي أباؤهم وأمهاتهم على الإسلام.
حكايته مع قبيلة الأنتيمور
عبد الرحمن السميط : أذكر هناك قبائل كثيرة أصلها عربي ومسلم، كلما صارت مشاكل سياسية وأمنية يهاجرون إلى أفريقيا، وهكذا تأسست مقديشو ومومباسا وكثير من المدن على الساحل الشرقي في أفريقيا.
بل إني وجدت قبيلة من القبائل تفتخر بأن أصلها من مدينة اسمها جدة، وكل الذي يعرفونه عن جدة أنها في الشمال.
هؤلاء مليون نسمة إسمهم الأنتيمور، وقرب جدة، قالوا هناك مدينة ثانية اسمها مكة، وفيها رجل طيب ويحبونه اسمه محمد يحب جدهم وراحوا هناك ويبدو أنهم كانوا مسلمين.
ولكن مات العلماء وفقدوا الهوية وتحولوا إلى الوثنية وبدأوا يقدسون الأحجار والأشجار وغيرها.
الأن بدأنا نعمل بينهم، وأول ثلاث سنوات رفضوا أن يستجيبوا وعدد الذين استجابوا من ثلاث سنوات ونصف يكاد يكون لا شيء، خاصة أن الكنيسة كان لها دور كبير في إثارة الشارع والحكومة ضدنا.
حكايته مع القساوسة
ثم غيرنا طريقتنا حيث بدأنا نتصل بالقساوسة نقدم لهم الهدايا والدعوات ونبارك لهم بالأعياد ، وكانوا أربع قساوسة، كلفنا القسيس الواحد ثمانين دولاراً بالسنة مقابل هدايا وغيرها.
والحمد لله تحول ذلك إلى دفاع عنا، وبدأوا يدافعون عنا في كل مجلس، حتى أن قسيساً منهم وهو كاثوليكي، رآني في أحد الأيام وقال لي:
هل أنت دكتور عبد الرحمن؟ قلت له نعم، قال: نحن ندعو لكم أن الله يوفقكم، وكل يوم أحد أصلي في الكنيسة وأدعو لكم، وأن الله لا يوفق هؤلاء الكفار.
قلت له: أي كفار؟ قال: البروتستانت. قلت له: لماذا؟ فقال لي: لأنكم أنتم تحترمون مريم العذراء وسمعت أن عندكم سورة في قرآنكم إسمها سورة مريم.
قلت له: ليس هذا فقط، لدينا سورة آل عمران، ونحن نحترم مريم أكثر من الفاتيكان. قال: كيف؟ قلت له: جرب واذهب إلى السعودية مثلاً، واطعن في مريم، ما الذي ستفعلونه لو أني فعلت ذلك في الفاتيكان؟
قال: نثور عليك، وربما نخرجك إلى الخارج. قلت له: في السعودية لا، يقطعون رأسك، لأن هذا إنكار لما عرف بالدين بالضرورة، وأن تطعن بأم سيدنا عيسى ليست جريمة بسيطة عندنا كمسلمين.
فضحك الرجل، وقال: لهذا أنا أدعو لكم. فاستطعنا أن نكسب هؤلاء. عندهم قرية اسمها مكة، وقرية اسمها الحجاز. أسماء فقط لكن لا يعرفون شيئاً عن الإسلام.
لديهم بقايا ويكتبون بالحرف العربي، لديهم شيء من القرآن المحرف طبعاً، ولا يوجد آية مضبوطة، كلها فيها أغلاط، بسبب الجهل.
العيون على أفريقيا
وبسببه سلطت الأضواء على ما تعانيه أفريقيا من فقر، فهبت الشعوب المسلمة في مساعدتها، فأصبح اسمه مربوطاً بهذه القارة،.
بعد أن نقل عمله من عمل فردي إلى عمل مؤسسي قائم تمثل في جمعية مسلمي أفريقيا التابعة للجنة النجاة الخيرية، ثم استقل بجمعية متخصصة لها صفتها الرسمية الخيرية أطلق عليها إسم جمعية العون المباشر.
قصة الطفل اليتيم
عبد الرحمن السميط : كنت أتمنى لو أريكم صورة ليتيم جاءني في عام 1992 عمره سنتين في المجاعة، فقمت وزنته ووجدت وزنه 44% مما يجب أن يكون عليه وزنه، ولم يكن هناك أمل أن يعيشن بل يموت.
قلت لهم بصفتي كطبيب: اتركوه يموت، وأحضروا بدلاً منه، وكان هناك عشرات الألوف بالطوابير وبدأنا نعمل، وبعد ساعتين أو ثلاث ساعات تعبت فأحببت أن أتمشى.
ووجدت أمه تبكي وهو نائم على بطنه ووجهه كله تراب، فتأثرت وتعاطفت مع الأم، وغلبتني العاطفة على النواحي الطبية.
فقلت لهم أدخلوه مع المجموعة، ولأن إذا أعطيناه من أموال الناس أعتبرها خيانة أمانة، لأن الناس عندما يعطوني المال المفروض أن أستخدمه في أفضل الحالات.
فقلت: هذا علي أنا أدفع المال عليه، الوجبة في اليوم تكلفنا 16 هللة سعودية هي عبارة ماء ودقيق ودهن وسكر وأحياناً حليب أو فول الصويا مطحون، لم يكن يأكل غيره.
نصنع له مثل حساء في كوب ويشرب هذه الكوب وما يأكل غيرها، وتجد هذا الهيكل العظمي بعد أسبوعبن إلى ثلاثة رجع طبيعياً ويناغي ويضحك ويمشي.
فنسيت الموضوع وسافرت وبعد عشر سنوات، يرسل لي مكتبنا صورة شاب يتيم اسمه صديق كنن عمره 12 سنة متفوق في دراسته، حافظ 10 أجزاء من القرآن وأخلاقه عالية بسبب 17 هللة أنقذته من الموت جوعاً.
فهذا كل ما أريده من الأخوان، لا شك لا أخدعهم وأقول: أنا لا أريد تبرعات، بل أقول لا تتم دعوة بدون تبرعات. ولكن نعمة الله سبحانه وتعالى علينا كبيرة جداً وتستحق الشكر.
تذكروا هذا الطفل صديق وأمثاله ملايين الذين لا يحصلون على لقمة ب 17 هللة أو 15 فلس كويتي أو 17 فلس إماراتي.
خمس سنتات أمريكية أنقذته ونقلته من خانة الموتى إلى خانة الأحياء وكيف تقدم الآن في الدراسة ووفقه الله. رأينا أمثال هؤلاء ملايين.
إمكانات متواضعة وعمل خلاق
لم يتعذر السميط بالإمكانيات المتواضعة في بداية عمله الخيري بل غامر موقناً بأن العمل سيجلب له الإمكانيات التي تعينهم ضارباً مثلاً في حب الدعوة ونشرها من خلال العمل الخيري.
حتى ولو كانت الشعوب المستهدفة شعوباً لا يفهم لغتها ولا يفهم عاداتها وتقاليدها.
عبد الرحمن السميط : أذكر قبائل ماساي هذه قبائل متوحشة وتشرب الدم، تعيش على شرب الدم وعلى سرقة الأبقار. وهم يعتقدون أن كل الأبقار في الدنيا الله سبحانه وتعالى أعطاهم إياها.
فإن كان لديك بقرة في البيت، فهي لهم وأنت سرقتها، وواجبهم بأن يأتوا ويسرقوا البقرة، لذلك يدربون الطفل عندهم من الصغر على كيفية سرقة الأبقار.
ونحن فوجئنا في الحقيقة في أول سنة عملنا عندهم أضاحي اشترينا ثيران وتركناها عندنا، ولكن من حسن حظنا أننا جعلنا عليها حارساً من عندهم.
فالحارس يعرف عاداتهم، فجاؤوا ليلاً ليسرقوا الأبقار فأنبهم ضميرهم كيف يبيعون الأبقار، لكن الحارس كان موجوداً الحمد لله.
أيتامهم كانوا جميعهم وثنيون، وأدخلناهم عندنا وربيناهم، وفي سنة واحدة استطاعوا إدخال ثلاثين قرية إلى الإسلام من قبائل ماساي.
كانت للسميط رؤية تتلخص في أن مواجهة الجماعات والكوارث في أفريقيا ليست مهمة الدول والصناديق الدولية فقط، بل هي أيضاً مهمة الأفراد الذين يساهمون بالقليل جداً من المال.
حكايته مع القسيس الفرنسي
عبد الرحمن السميط : نحن نحاول ألا ندخل في مشاكل مع أي إنسان ونحاول أن نكسب الناس بدلاً من أن نعاديهم، وسأضرب لك مثالاً:
أحد القساوسة استطعنا أن نقنعه أن يبني مسجداً، وقسيس آخر عنده قرية كبيرة جداً صرف عليها من أموال عائلته، وهو فرنسي، من أموال عائلته صرف 10 مليون دولار.
فما بالك بالحكومة الفرنسية والمنظمات الأخرى، جمع الملايين وعمل في قرية كبيرة كلها مسلمين، ويقول لي بفخر: أنه لم يتنصر خلال 51 سنة من عمله وسط المسلمين، واحد على يده.
فذهب له وأهديته هدية وكلمته بلغة احترام والرجل تأثر جداً وأهداني هدية وقال لي: أنا الآن أموت وحفرت لنفسي قبراً ووضعت رخامة.
لكني خائف أن الكنيسة تستولي على القرية وتجبر المسلمين على التنصر، وأنا لا أريد هذا، فأريد أن أهديكم القرية وأسجلها باسمكم.
أنا الحقيقة اعتذرت له، لأن كلفة تسجيل القرية مبلغ كبير ولا نملك متبرعين، فقالت له: أنا آسف، لكني جئت أشكرك وأعبر لك عن شكر العرب بصورة عامة وعن شكر أهلي في الكويت.
الرجل بعد اللقاء قام ووزع القرية على الناس، وسجلها رسمياً بأسمائهم،وقال لهم: سأرسل عشرة من القرية إلى فرنسا.
كان المسكين يظن أنهم سيجمعون له تبرعات، فهذا كان هدفه من إرسالهم إلى فرنسا، فهم ببساطة القرويين قالوا له ماذا نفعل في فرنسا؟ أرسلنا إلى مكة لنحج فيها.
فيبدو أنه تأثر بالزيارة، وتأثر بموقفنا معه، فأرسل عشرة إلى الحج، ونحن عادة لا نصطدم بالناس، سواء كانوا مسلمين منحرفين، أو كانوا نصارى أو حتى وثنيين.
ونحاول أن نكسبهم عن طريق الهدايا والكلمة الطيبة والزيارات، ونجحنا في مرات عديدة.
السفر في سبيل الدعوة
كان السميط يركب السيارة لمدة عشرين ساعة وأكثر ليصل إلى الأماكن النائية، وأحياناً يكون سيراً على الأقدام في الوحل.
قطع السميط على نفسه العهد أن يمضي بقية عمره في الدعوة إلى الإسلام هناك، كان كثيراً ما يتنقل براً، وقد سافر بالقطار في أكثر من أربعين ساعة بفتات الخبز.
ويقوم بالزيارت التي يقطع فيها الساعات بين طرق وعرة وغابات مظلمة مخيفة، وأنهار موحشة في قوارب صغيرة، ومستنقعات منتنة.
كان هم الدعوة شغله الشاغل، حتى في اللقمة التي يأكلها، فإذا وصل إلى قرية واجتمع أهلها قال لهم السميط: ربي الله الواحد الأحد، الذي خلقني ورزقني وهو الذي يميتني ويحييني.
عبد الرحمن السميط : أنتم أصلكم عرب مسلمون، وجاء أجدادكم من هناك إلى هنا قبل مئات السنين، ومع الزمن ومع الاستعمار قضي على الإسلام.
الحرب في الصومال
عندما اندلعت الحرب في الصومال، كان السميط في طلائع من هبوا لنجدة الصوماليين، ولا سيما فئة الشباب التي كانت معرضة لخطر الجهل والضياع.
تعلم الصوماليون القراءة والكتابة في مدارس جمعية العون المباشر، وحصل كثير من الطلبة على مؤهلات علمية عالية على نفقة السميط وجمعيته.
ليس هذا فحسب، بل يمكن القول دون مبالغة أن السميط هو مهندس النظام التعليمي المعمول به حالياً في البلاد، ومنشئ الكوادر التي وضعت الحجر الأساس للمؤسسات التعليمية الأهلية المنتشرة في الصومال.
كان السميط من أوائل من طالب بإعادة إحياء دورة الكوادر المحلية وتشجيعهم على المشاركة في تنمية المجتمع الصومالي من خلال تربية وتعليم الجيل الناشئ.
عبد الرحمن السميط : أغلب القبائل التي نستهدفهم، طبقات فقيرة فندرسهم في مدارس عندنا، راقية جداً ونرسلهم إلى الجامعة وندفع لهم حتى تكاليف معيشتهم في الجماعة ورسوم الدراسة.
وبدأ يتخرج منهم الآن أولاد وبنات بفضل اله سبحانه وتعالى، لذلك يحبوننا كثيراً.
حملة التعليم يقضي على العنف في الصومال
في أوائل التسعينيات، بدأ السميط في الصومال حملة التعليم يقضي على العنف، تم من خلالها ترميم وإعادة فتح كبيرات المدارس في العاصمة مقديشو.
وجعل التعليم فيها مجاناً، لما عاد أبناء منطقة الضاحية الجنوبية لمقديشو إلى بيوتهم بعد عام تقريباً من النزوح، نتيجة الحرب التي أعقبت سقوط نظام سياد بري.
لم يكن يعرف كثيراً منهم من أين يبدأ، ومتى يعود إلى صفوف الدراسة، فقد أغلقت المدارس أبوابها، وطال التدمير والنهب جميع المؤسسات التعليمية في البلاد.
ولم يبق أمام هؤلاء سوى حمل السلاح والانخراط في صفوف المليشيات، وأما من حالفهم الحظ فلزموا بيوتهم، إلا أنهم كانوا على يقين بأنهم على شفا جرف هارٍ مالم تتغير الأوضاع في البلاد سريعاً.
قصته مع قرية في تشاد
عبد الرحمن السميط : يهمنا في دول افريقيا ألا يكون فيها قتال، يهمنا جداً، والأولوية لدينا المناطق التي نخشى أن تدور فيها المشاكل، نحاول تنميتها.
لأن أغلب القتال الذي يحدث بسبب أن المنطقة ليس مهتم بها وليس فيها مشاريع.
فذهبنا إلى قرية وبدأنا نوزع في رمضان طعاماً، فطبعاً بصفته سلطان وصله الخبر وقال لماذا هؤلاء يوزعون طعاماً؟
قالوا له: لأن أخوانهم مسلمين، فقال: هؤلاء الذين أرسلوا الطعام، هل رأوهم؟ قالوا:لا، لم يروهم. هؤلاء يعيشون في مكة وفي بلاد العرب.
فالرجل تأثر جداً من هذا المواقف، وبعدها بشهرين وزعنا أضاحي، وكانت نفس الأسئلة ونفس الأجوبة.
فقام الرجل وأمر بأن وسط المدينة التي هو فيها أن تفرغ بيوتها وتهدم، وأعطانا ثمانية آلاف متر مربع لنبني مسجداً.
حسب كلامه قال كنيسة لكم، لم يعرف ما هو المسجد، قلنا له لا يمكننا أن نبني مسجداً لأن العدد قليل من المسلمين.
فقدر الله أن مثل ما عندنا متطرفين ويتصرفون تصرفات هوجاء عند الطرف الآخر أيضاً.
ردة فعل الشباب المسيحيين سبب إسلام إنسان
جاء بعض شباب الكنيسة ورفعوا مضخات المياه في الآبار التي حفروها، وأرادوا للناس أن يموتوا من العطش.
وذلك بسبب أنه أعطانا الأرض. فالرجل غضب غضباً شديداً وجمع الناس من أموالهم واشتروا مضخات وركبوها وبدأ ينشر الإسلام وأصر أن يسلم هو.
وأصر أن يسلم على يد من بنى المسجد، والذي بنى المسجد إمرأه عجوز عمرها ثمانين سنة في الكويت، فقلنا له هذا غير ممكن.
بعد يومين جاء إلى الكويت، الرجل أفريقي ومصر على رأيه، فتحدثنا مع أهلها ولم يكونوا مستعدين يستقبلون عملاقاً أفريقياً يخيفهم.
فاتصلنا بأمير الكويت الشيخ جابر جزاه الله خيراً فوافق أن يستقبله، وحادثه كلاماً طيباً، وأسلم الرجل وفي ليلة إسلامه أذكر أنه رفض أن ينام حتى يحفظ الفاتحة.
وهو رجل أعجمي لا يعرف الكلام العربي، فجلس مع أحد شبابنا إلى صلاة الفجر، يحفظ الفاتحة. وفعلاً حفظها. ثم أصر أن يحفظ سورة الصمد.
وفعلاً غادر أخونا بعد صلاة الفجر لأنه كان متعباً، سمى نفسه عبد العزيز وذهب إلى جدة واستقبلوه في السعودية استقبالاً جداً طيب واتصلنا ببعض الأخوة الأفاضل.
من الدول والشباب الإسلامي وبعض الأخوة المسؤولين ورحبوا به وتأثر تأثراً كبيراً بهذا الاستقبال، وترك أثراً في نفسه وهذا مصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: الدين المعاملة. وقام بالحج.
العودة إلى تشاد
عندما عاد إلى تشاد جمعنا 52 سيارة استعرناها من أناس نعرفهم وأرسلناها زفة إلى بلدته، ولمدة أسبوع كامل الدعوة تشتغل طوال اليوم.
والحمد لله الناس بدأوا يأتون من أماكن بعيدة من مائتين أو ثلاثمائة كيلومتر، لأنه شخص قوي ليهنؤونه بمناسبة عودته.
ثم أعطيناه عدة ألبومات وصور حتى يعرضها على أهله وترتفع مكانته، فأسلم على يده ستين ألف شخص. ومن بينهم ثمانية سلاطين قبائل.
وكلما أسلم سلطان نرسل له داعية خصيصاً له. لا يعلمه أمام الناس حتى لا يضحك الناس عليه وهو سلطانهم.
أي شخص يسلم نرسله للحج، فيرجعون متأثرين جداً ويبدأون في نشر الإسلام، أقل واحد أسلم على يده مائتي شخص.
هارون عبدول
واحد منهم هارون عبدول رحمه الله ذهبت إليه وكان لديهم مجاعة، ولم يكن لدي إمكانية كبيرة، قلت له أعطيك عشرين كيساً من الذرة وأناقشه كيف وأين أعطيه وهكذا وهو لديه عشرين ألف منكوب.
وأثناء النقاش رأينا غباراً من بعيد متجهاً نحونا فتوقفنا، واكتشفنا وجود عدة شاحنات كبيرة جداً لا أذكر عددها بها آلاف أكياس الذرة.
فقام السلطان وذهب إلى القسيس وكلمه وظل يؤشر له ونحن لا نفهم ما القصة. ومن ثم عاد ومشت الشاحنات.
فقلت له: عفواً لا اريد أن أتطفل عليك، من حقك أن لا تجيبني، رأيتك تشير بيدك والشاحنات وقفت ثم مشت. فقال: هذه الشاحنات جاءت لأوزعها على قبيلتي.
قلت له: لم لم تأخذها فأهلك سيموتون من الجوع؟ قال: لا يا شيخ هؤلاء يريدوني عبداً يشتروني بهذه الذرة، أنت لا تريدني عبداً أنت تعطيني المساعدة وما تفرض علي شيء.
لا أحد فرض علي الإسلام، هم لم يأتواإلي من بين كل الناس إلا لأني أنا مسلم، فيريدون أن يخرجوني من دين الإسلام.
والله قلتها له وأقولها لك، أنا أموت جوعاناً مسلماً أفضل من أن أحيا بخيير وأنا غير مسلم.
وجوده في كينيا
كانت كينيا بالنسبة للسميط مستقراً لفترات طويلة خلال العام، حيث كان يشغل منصب المستشار الصحي لسفارة دولة الكويت في نيروبي.
وكان لديه سكن دائم بمقر السفارة بالعاصمة الكينية، وكان يتردد على فرع الجمعية بها بأربع زيارات سنوياً لا تقل الواحدة منها عن شهر.
الهجرة إلى مدغشقر
هاجر الدكتور عبد الرحمن السميط إلى مدغشقر هو وزوجته أم صهيب بشكل نهائي للتفرغ دعوة قبائل الأنتيمور. ومتابعة أنشطة جمعية العون المباشر في أفريقيا.
منذ سنوات قاد حب الاستطلاع السميط لزيارة قرية نائية إسمها مكة، ثم بدأ بحثاً علمياً موسعاً عن قبيلة الأنتيمور ذات الأصول العربية وهي نموذج من العرب والمسلمين الضائعين في أفريقيا.
مثلهم قبيلة الغبرا في شمالي كينيا وقبيلة البورانا في جنوب إثيوبيا وبعض قبيلة السكلافا في غرب مدغشقر وقبيلة الفارمبا في جنوب زيمبابوي.
توجب على السميط إنقاذهم من الضلال والشرك وأغلبهم ذوو أصول إسلامية، وشعوراً بعظم المسؤولية، قرر السميط أن يقضي أغلب وقته ونذر ما تبقى من حياته لصالح قبيلة الأنتيمور رغم أن الطريق ليس سهلاً.
قبيلة الأنتيمور
عبد الرحمن السميط : القبيلة خلال الثمانمائة سنة الماضية أو الألف ومائتين سنة الماضية، فقدت هويتها، فما عادت عربية ، ولا يعرفون اللغة العربية وما عادوا مسلمين.
البقية الباقية من المسلمين قضت عليهم فرنسا في الحرب الأهلية التي حدثت هنا في عام 1947، قتلت عدداً من المسلمين وعذبتهم ومن بقي من المسلمين غيروا أسمائهم إلى أسماء ملاغاشية.
الجهل عندهم وصل إلى مستوى كبير، والغالبية العظمى من القبيلة هم وثنيون، والمسيحيون هم المتعلمين والذين دخلوا المدارس، والمدارس كلها تتبع الكنيسة فتحولوا إلى المسيحية.
المسلمون لا أظن أنهم يزيدون عن 2% في القبيلة.
حالة السميط الصحية
أصيب السميط بثلاث جلطات، جلطة في القلب مرتين، وجلطة بالمخ، إضافة إلى أنه مصاب بداء السكري، ويعاني منه منذ فترة طويلة.
ويستخدم إبر الأنسولين خمس مرات في اليوم، ولديه أدوية لا بد من وضعها في الثلاجة، وأصيب بالملاريا مرتين، عندما كان في الكويت، ومصاب بجلطة في القلب عندما كان في الصومال.
وأجريت له عملية في الرياض وكسرت فخذه واضلاعه والجمجمة أثناء قيامه بأعمال إغاثة ومساعدة المحتاجين في العراق.
فضلاً عن الآلام التي يعاني منها في قدمه وظهره، وتناوله لأكثر من عشرة أنواع من الأدوية يومياً، ومع ذلك لم تثنه هذه المعوقات عن السفر والترحال.
وأحاطت به كل هذه الأمراض حتى جعلته بعضها يهرب بعيداً عن الضيوف في حفلات الإفتتاح لبعض مشاريعه، ليحقن نفسه بإبر الأنسولين في الخفاء. ويتناول حبوب الضغط والكوليسترول ثم يعود مسرعاً إلى ضيوفه.
مفهوم السعادة الحقيقية
عبد الرحمن السميط : كنت أستطيع أن أشتغل بالمستشفى وأفتتح عيادة، ولي تلاميذي، فقد كنت من أوائل الأطباء الكويتيين المتخرجين.
تلاميذي كلهم الآن لديهم عمارات وملايين، الله يبارك لهم، ولكن والله يا إخوان أعطف عليهم، لأنهم يظنون أن السعادة في الجيب.
السعادة أعتقد أنها في قلبك، ابحث عن السعادة الحقيقية، ابحث عن حسابك ليس في بنك الراجحي، أم الجزيرة، أم الهولندي.
ابحث عن حسابك في بنك الله سبحانه وتعالى، إن كان الراجحي يعطيك 6% في السنة بنك الله يعطيك 700% .
المشكلة أننا نحن كمسلمين لا نثق بالله، بالصلاة نقول الله أكبر، لكن أول ما نخطو خارجين من المسجد، نقول الريال أكبر،والقرش أكبر.
الله سبحانه وتعالى وعدنا بجنة فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر.
ونقرأها ونقول ما شاء الله، لا إله إلا الله، وربما نفسرها، لكن في أعماق قلبي، أقول لا والله أصدق الريال، هو الذي يغير حياة الإنسان.
تأكيد وفاته
توفي عبد الرحمن السميط يوم الخميس الثامن من شوال من عام 1434 للهجرة، الموافق الخامس عشر من أغسطس من عام 2013 للميلاد.
بعد معاناة طويلة مع المرض ومسيرة حافلة في مجال الدعوة الإسلامية والأعمال الخيرية، يشار إلى أن نبأ وفاته كان قد أِيع أكثر من مرة، إلا أن نجله صهيب أكد الخبر هذه المرة.
وتم تشييع جثمانه في بلده الكويت ظهر الجمعة الموافق للسادس عشر من أغسطس.
وبعد إعلان وفاته، أمر أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، بإطلاق إسم الدكتور عبد الرحمن حمود السميط على أحد شوارع الكويت.
تقديراً لأعماله الجليلة، وخدماته المتميزة في العمل الخيري والإنساني، تخليداً لإسم السميط وتكريماً له.
إنجازاته
وذلك بعد أن أنجز في حياته الآتي:
أسلم على يده أكثر من 11 مليون شخص في أفريقيا بعد أن قضى أكثر من 29 سنة ينشر الإسلام في القارة السوداء.
مؤسس جمعية العون المباشر، مسلمي أفريقيا سابقاً.
رئيس تحرير مجلة الكوثر.
بناء ما يقارب خمسة آلاف وسبعمائة مسجد .
رعاية 15000 يتيم.
حفر حوالي 9500 بئر ارتوازية في أفريقيا.
إنشاء 860 مدرسة وأربع جامعات.
بناء 204 مركز إسلامي.
بناء 124 مستشفى ومستوصفاً.
بناء 840 مدرسة قرآنية.
دفع رسوم 59000 طالب مسلم.
طباعة 6 ملايين نسخة من المصحف وتوزيعها على المسلمين الجدد.
تنفيذ مشاريع إفطار صائمين لتغطي حوالي 40 دولة مختلفة وتخدم أكثر من 2 مليون صائم.
دفع رواتب شهرية ل 3288 داعية ومعلم.
توزيع 160 ألف طن من الأغذية والأدوية والملابس.
توزيع أكثر من 51 مليون نسخة من المصحف الشريف.
طبع وتوزيع 605 ملايين كتيب إسلامي بلغات أفريقية مختلفة.
رحم الله عبد الرحمن السميط.