إسلامشخصيات

قراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

قراءة في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام : وصلت دعوة النبي إلى مرحلة تمكنها من أن تنطلق خارج المجموعة الصغيرة المغلقة في السنوات الثلاثة الأولى التي لم تكن قد أعلنت بعد عن وجودها.

قراءة في سيرة النبي العشيرة المقربة

كان التوجيه الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم : وأنذر عشيرتك الأقربين، العشيرة الأقرب للنبي صلى الله عليه وسلم، بطنان رئيسان، بنو هاشم وبنو عبد المطلب.

نحن نعلم أن عبد مناف الجد الأكبر للرسول صلى الله عليه وسلم كان لديه أربع أولاد، هاشم وعبد المطلب ثم عبد شمس ونوفل.

لم يضم عبد شمس ونوفل إلى ذلك اللقاء، الذي تم في بيت النبي صلى الله عليه وسلم على مأدبة غداء وجمع فيها 45 من بني هاشم وبني المطلب. لماذا لم يضم بني عبد شمس ولا بني نوفل لذلك؟

قراءة في سيرة النبي أسباب الخلاف

لسبب واحد أن بني عبد شمس قد خرجوا من التحالف الرئيس الذي كان يجمع العائلة الحاكمة في قريش عائلة عبد مناف.

بسبب خلاف كبير بين هاشم وبين أمية، وهذا أدى في وقت من الأوقات إلى انفصال ما بين البطنين.

أما نوفل فكان هو الآخر قد دخل في خصومة مع عبد المطلب في وقت لاحق، حول ميراث بعض المزارع والأراضي الخاصة بعبد المطلب.

حاول نوفل أن يأخذها وأن يحتكرها لنفسه وأن لا يسلمها لابن أخيه، وهذا جعل عداوة بين نوفل وبني عبد المطلب.

إذن البطنان الرئيسان بنو هاشم وبنو المطلب اجتمعا بدعوة من النبي صلى الله عليه وسلم، فألقى فيهم خطبة، تحدث كلاماً جميلاً فبدأ بأن ذكر الله سبحانه وتعالى وأثنى عليه، ثم قال:

رائد القوم لا يكذب أهله، فوالله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثون كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون فإما هي جنة أبدا وإما نار أبدا.

كلمات قصيرة موجزة قدمت للناس رؤية جديدة مختلفة عن الرؤى التي كانت سائدة في ذلك الوقت.

قراءة في سيرة النبي رأي عبد العزى

بدأ الناس يستمعون بقدر من الاهتمام، وطبعاً هذه عشيرته المقربة، ولكن شخصاً واحداً خرج وشذ عن السياق، وهو عبد العزى ابن عبد المطلب.

عبد العزى، عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقف وتكلم وقال: يا محمد دع الصبا، ونحن عشيرة صغيرة قليلة العدد، تطالبنا بأن نقف معك ضد العرب.

فكان هذا خطاب عبد العزى وهو أبو لهب كما سيعرف لاحقاً. ولكن الذي حدث هنا أن هذه العشيرة بدأت تتحدث وتتناقض.

حتى الآن ليس هناك رفض ولكن ليس هناك قبول تام، ولكن على الأقل، الخطوة الأولى في إعلان الرسالة قد تمت للدائرة الأقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

من هي عشيرة النبي المقربة

أقف هنا قليلاً للقول، هل العشيرة المقربة وأمر الله للنبي بأن يتجه إليها كان مخالفاً لما كنا نتحدث عنه من أن النبي بنى مجتمعاً في المجموعة الصغيرة الأولى من الستين؟

كان هذا المجتمع مبتعداً عن القبلية، مبتعداً عن العصبية والنسب وما  إلى ذلك.

الحقيقة لا، هذه العشيرة تحديداًعشيرة النبي صلى الله عليه وسلم، بنو هاشم وبنو المطلب، كانوا أصلاً من حملة القيم في مكة.

في حلقات سابقة تحدثت عن حلف الأحلاف ثم حلف المطيبين، وكان هناك حلفاً ثلاثاً تشكل اسمه حلف الفضول.

هذا الحلف ورث حلف المطيبين، وحلف الفضول لم يكن فيه بنو عبد شمس ولا بني نوفل ولا بطون قريش الأخرى المنتمية لأحلاف كمخزوم وجمح وسهم وعدي.

لماذا كان هذا البطن من قريش

بنو عبد المطلب وبنو هاشم وكذلك بنو نوفل، هم الذين يمكن أن يخاطبوا برسالة قيمية متصلة بتوحيد ينتمي إلى عصر إبراهيم عليه السلام.

كان ذلك لأن هذه المجموعة تحديداً كانت قائمة على المعاني والقيم المختصة بالحج، من رفادة وسقاية وإغاثة للمظلوم والدفاع عنه في وجه أي ظالم والتأسي في المعاش كما قول حلف الفضول.

بالتالي من أفضل من هذه القبيلة من أن تلجأ إليها في حديث أول عن القيم التي تحملها، ولو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم ولو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم من نسل عبد مناف.

لكان الأولى بأي داعية جديد في قريش، أن يقصد هذه المجموعة ليحدثها عن القيم التي تنتمي لعالم الأفكار والرؤى والتصورات التي تؤمن بها هذه المجموعة.

انتشار خبر النبوة

بدأ خبر النبي صلى الله علهي وسلم بعد هذه الحادثة ينتشر في قريش، أن محمداً يقول أمراً

هل المعقول أن قريش لم تلاحظ في السنوات الثلاثة الأولى أن شيئاً ما يتشكل؟ طبعاً لاحظت، لكنها لم تأبه كثيراً.

لأن الذي يتحدث عنه محمد، لا يبتعد كثيراً عما يتحدث عنه ورقة بن نوفل، وبعض أصحابه من المتحنفين أو المتنصرين أو الذين كانوا يدعون إلى الزهد والتوبة ودين إبراهيم.

لم يكن هناك خطر من أن يقول أحد شيئاً قريباً من ذلك، ما دام لا يصادم حالة مستقرة أو مصلحة أساسية لقريش ولا يتعرض لها.

والقرآن في التنزيل الأول، في السور الأولى التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، لم تكن تتعرض بشدة إلى النمط القرشي لا في المال والجاه والسؤدد ولا الحياة العامة وبالتالي لا تهددهم.

كانوا يلحظون أيضاً أن النبي يتواصل مع هؤلاء المجموعة المؤمنة من حوله.

المنظومة الاجتماعية السائدة في قريش

ربما القلق الوحيد الذي دخل نفوسهم أن لماذا يجلس محمد وهو من بني هاشم إلى بلال ومع عمار ومع الموالي، خباب وكل هؤلاء الناس. وهذا يخالف في رأيهم العرف المستقر في قريش.

فللسادة عالمهم والموالي عالمهم والعبيد عالمهم، ولا ينبغي لأحد أن يقفز فوق الحواجز الاجتماعية المستقرة التي أصبحت جزءاً من المنظومة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

هذا ربما يقلق قريش، لكن لا نعرف صداماً حقيقياً تم ما بين المجموعة الأولى من المسلمين، وما بين المجموعة القرشية بشكل عام.

إلا أنه بعدما بدأ الخبر ينتشر وبدأت المعلومات تتسرب على أن محمدا ً يتحدث عن نبوة، هنا قرون الاستشعار لدى سادة قريش بدأت تظن أن شيئاً ما ليس جيداً يحدث.

لأنه إذا بني هاشم وبني عبد مناف والمعروفون بأنهم أهل السؤدد والشرف والسيادة في قريش، وهم أحفاد قصي الأكبر الذي بنى كل هذا المجد القرشي.

لو أنهم ادعوا أن لديهم نبي، ولا تستطيع بنو مخزوم ولا جمح ولا سهم أن يأتوا بنبي لينافسوا بني هاشم، معنى ذلك أن السيادة لبني هاشم أصبحت أمراً مستقراً لا ينازعهم عليه أحد.

بتقديري هذا أهم منظور شعر سادة قريش فيه أن خطراً ما يتهددهم، وهذا سيعبر عنه أبو جهل في مرات قادمة كثيرة عندما سئل هل محمد يكذب.

قال: والله محمد لا يكذب، ولكن نحن وبنو عبد مناف أطعموا فأطعمنا، وسقوا فسقينا، وأجاروا فأجرنا، ثم قالوا منا نبي، فمن أين نأتي نحن بنبي.

لا يمكن أن يقبلوا بأن يكون هذا الشرف لبني هاشم.

قراءة في سيرة النبي طبقات قريش

هنا نأتي لمرحلة أخرى، من هم سادة قريش التي نتكلم عنها، كان لدينا طبقتين من السادة.

الطبقة الأولى كبار في السن

مثل الوليد بن المغيرة، زعيم بني مخزوم، عتبة وشيبة وهما أخوان، وكانا زعيمي بني عبد شمس، وكان لدينا أبي أحيحة بن العاص وكان من زعماء بني سهم.

كانت هذه المجموعة من الشيوخ الكبار في السن، ولكن كانوا في تلك المرحلة بدأوا ينسحبون من الحياة التجارية المباشرة.

ومعظمهم يقضي وقته في منتجعات خاصة بهم في الطائف، التي كانت كالمدينة السياحية بالنسبة لأهل مكة في ذلك الوقت.

والأثراء لديهم مزارع وبيوت هناك يذهبون إليها يتقون حر مكة في الصيف.

الطبقة الثانية الأبناء

الطبقة الثانية التي تزاول العمل اليومي نيابة عن الآباء والطبقة الأولى، كانت من أتراب النبي صلى الله عليه وسلم في العمر مثل أبي جهل، وأمية بن خلف، والنضر بن الحارث، وأبو سفيان.

وكل هؤلاء كانوا يقومون بأعمال قريش اليومية، من إدارة التجارة، والتحالفات، والعلاقات ضمن الإشراك الأعلى للشيوخ الكبار الذين تلتمس آراءهم ويستدعون عند النوائب الكبرى.

ولكن في الأيام العادية تسير الأمور من دونهم.

قراءة في سيرة النبي اعتراض قريش

يقال أن الواقعة الأكبر، وهي قصة معبرة ومهمة في الروايات التي جاءت في السيرة، أن أبا جهل وعدد من أتراب النبي المساوين له في العمر في ذلك الوقت.

تعرضوا للنبي صلى الله عليه وسلم في إحدى زياراته للكعبة، وحاولوا أن يؤذوه، وأن يجادلوه، وأصبح هناك نوع من التوتر في مكة من بني هاشم وبني المطلب.

الذين اعتبروا أن اعتداءاً على محمد أو إهانة له، تعتبر بالنسبة لهم إهانة للقبيلة بشكل عام وبين المجموعة الأخرى. هنا شعر الشيوخ أنهم لا ينبغي لهم أن يتدخلوا.

تقول الرواية أنهم كانوا يصطافون في الطائف، فتم استدعائهم على عجل، فجاؤوا إلى مكة، وأوقفوا أبا جهل ومن معه.

وطلبوا منه ألا يتدخل في هذا الشأن، لأنهم لا يريدون أن يمزق صفهم في قريش. ووضعوا خطة جديدة ليستدرجوا النبي صلى الله عليه وسلم.

طريقة الآباء في حل المسألة

هؤلاء تجار، والمال بالنسبة لهم هو كل شيء، وكل شيء يمكن أن يحل بالمال أو بالتفاوض.

وبالتالي لا تستعجلوا يا شباب أنتم متحمسون دعونا نحن نتعامل مع هذا الموقف نحن لا نريد أن نمزق صف قريش، ولا نريد أن ندخل في عداء مع بني هاشم.

كان هذا الذي قاد الوليد بن المغيرة وقاد عتبة أن ينزلا من الطائف إلى قريش، وأن يبدآ في محاول للحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

والحديث إلى أبي طالب وعشيرة النبي صلى الله عليه وسلم لحل هذه الإشكالية، والوصول إلى تسوية تحفظ حقوق الجميع ولكن بنفس الوقت لا تؤدي إلى توتر وقلق.

هذه المجموعة نزلت من الطائف إلى مكة، وبدأوا يقولون للشباب أنتم اجلسوا جانباً، ونحن نتعامل مع الأمر.

وسوف نتفاوض مع محمد ومع أبي طالب، ومع عشيرة محمد حتى نصل إلى تسوية، تحاول أن تلغي هذا الجدل الكبير، وتمتص هذا الخلاف لأننا لا نريد أن نصل لصدام.

التعامل بعقلية التاجر

هذا مجتمع رجال اعمال ، مجتمع السلطة والمال في قري، لم يكونوا يحبون المفاجآت،  لم يكونوا يحبون الخلافات ويريدون المحافظة على الوضع الراهن لتكون التجارة مستمرة.

رأس المال جبان، لا يريد إشكلات في مكة تصرف الحجيج أو التجار القادمين والعابرين إلى جهات مختلفة.

فيريدون الحفاظ على الوضع القائم، كيف يحافظون عليه، بالدبلوماسية بالحوار والتفاوض والوصول إلى صفقة ما.

وتنهي الإشكالية وتتحول بعد ذلك إلى الاستقرار المزعوم المستمر في الحياة الرتيبة في قريش.

طبعاً سيواجهون بإشكالية كبرى، أن المنهج الذي سيتعاملون به يصلح فيما يتعلق بتسوية الخلافات القبيلة العادية.

ويصلح أيضاً لتسوية الخلافات التجارية العادية، المال والحسب والنسب كلها عناصر ممكنة أن تبني حال من الاستقرار.

فشل طريقة التفاوض القديمة

لكن في حالة النبي صلى الله عليه وسلم المزود بوحي السماء، ورؤية تخالف كل منظومتهم السابقة كل تصوراتهم عن الدنيا، وعن غاياتها، سوف لن تستقبل عروضهم بالطريقة التي سوف يأملونها.

ولذلك فشل منهج التفاوض القرشي، لأنه لم يكن ينتمي إلى الرؤية التي جاء بها النبي صلى  الله عليه وسلم مع مجموعته الفريدة من حوله، والتي عززها الوحي وأسسها في نفوسهم.

هنا ستبدأ محاولات قريش بالتفاوض، ستفشل، فتنتقل إلى التصعيد وستستمر في تدرجها، وستفشل جميعاً لسبب رئيس، أن قريش كانت تحتفي فقط بالماضي.

قريش أصبحت في الماضي

قريش كانت تحافظ على تقليد الماضي المتوارث الضعيف الرتيب، الذي لا يعرف إبداعاً ولا ابتكاراً ولا رؤية للمستقبل.

أما مجموعة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي مجموعة من الشباب المستنيرين المتفائلين المتطلعين إلى المستقبل.

والمؤمنين بأن لديهم القدرة لابتكار وإبداع وسائل جديدة، تخرج عن الرتابة المعتادة لللآباء والأجداد التي ورثها سادة قريش.

لذلك نحن نتكلم عن فريقين مختلفين، فريق ممن قد قضى عليهم الزمن بالخروج من التاريخ، وفريق يولد ليحتل ذلك الفراغ المتشكل عن اندحار المواضيع الرتيبة والماضي المتداعي.

الماضي الذي لا يعتمد إلا بالنسب والحسب والمال من دون القيم المتفائلة التي يمكن أن تسكن المستقبل.

السلام عليكم ورحمة الله

المصادر

وضاح خنفر

شاهد أيضاً:

جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

ماكتيوبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى