أمير المؤمنين أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنه الصديق أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه إنه الذي لقب بالصديق والعتيق، قال عليه الصلاة والسلام : أنت عتيق من النار.
إنه عبد الله ابن عثمان وهو قريشي تيمي يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في النسب بالجد السادس وهو مرة بن كعب، لقب بالصديق فهو أول من صدق بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال.
صاحب النبي عليه الصلاة والسلام، ولد بعده بسنتين وبضعة شهور بعد عام الفيل، وقد كان نحيفاً أبيض عليه نضارةٌ رضي الله عنه وأرضاه.
أبوه أسلم يوم الفتح، أما أمه فأسلمت مبكراً، وله أربع من الزوجات، وكان عنده من الأولاد ثلاث من الذكور وثلاث من الإناث، إنه أبو بكر الصديق وما أدراك ما أبو بكر .
أبو بكر قبل إسلامه
كان قبل الإسلام لا يشرب خمراً ولا يعرف صنماً، يقول عن نفسه رضي الله عنه لما سأل لما لم تكن تشرب الخمر قال: أصون عرضي وأحفظ مرؤتي، لم يسجد لصنمٍ قط.
يوم من الأيام أخذه أبوه وهو صغير، يقول: كنت قد ناهزت الحلم، يعني للتو بلغ، وكانوا يعلمون الصبيان منذ الصغر على السجود لهذه الأصنام اللات والعزى ومناة وهذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر.
يقول: فأخذني أبي فذهب بي إلى الأصنام ثم تركني، فنظرت إلى الأصنام، فقلت لها إني جائع فأطعميني، إني عارٍ فاكسيني، إني كذا وكذا، أخذت صخرة ثم ضربت بها الصنم فخر على وجهه.
أعلم قريش بأنسابها
إنه أعلم الناس بالنسب في قريش، إذا اختلفت قريش بالأنساب رجعت إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
كان يبحث عن الدين الحق قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، وكلكم يعرف من زيد بن عمرو بن النفيل، هذا الرجل الذي ضل على التوحيد ومات قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام.
كان أبو بكر يجلس ويستمع إليه ولأمية بن أبي الصلت، ولغيرهم، يستمع إليهم، يستكشف الحق منهم، يريد أن يبحث عن الدين، يفر به من دين قريش، ويبحث به عن الدين الحق.
قصته مع بحيرة الراهب
سافر أبو بكر يرتحل بين البلاد مرة يبحث عن هذا الدين فرأى بحيرة الراهب، أظنكم تعرفون من بحيرة الذي أخبر أبا طالب عن النبي عليه الصلاة والسلام.
فقال له، يعني أبو بكر ، أقص عليه رؤيا، ورأى أن عنده علم، وعنده فهم، فقص أبو بكر رضي الله عنه على هذا الراهب رؤياه، فقال له بحيرة: من أين أنت؟ قال: أنا من مكة.
قال: من أين من مكة؟ قال: من قريش. قال: من أي بطن من قريش؟ وأخذ يخبره ويخبره، ثم قال له: أي شيء أنت؟ قال: أنا تاجر. فأخذ يسأله بعض الأسئلة.
ثم قال بحيرة لأبي بكر : إن صدق الله رؤياك فإنه يبعث بنبيٍ من قومك يا أبا بكر . ثم قال بحيرة: سوف تكون وزيره في حياته وخليفته من بعد موته، ولم يقص أبو بكر هذه القصة على أحد إلا بعد خلافته.
إسراعه في إسلامه
إنه أبو بكر رضي الله عنه لما سمع بدعوة النبي عليه الصلاة والسلام لم يتردد، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: كل الناس سألني، كل الناس تأخروا كل الناس ترددوا، كل الناس توقفوا، إلا أبو بكر لم يتردد أبداً.
( والذي جاء بالصدق وصدق عبده أولئك هم المتقون )
سر النبي عليه الصلاة والسلام بإسلام أبي بكر . يقول الراوون: ما رأينا النبي عليه الصلاة والسلام مسروراً في تلك الأيام، مثل سروره بإسلام أبي بكر .
و أبو بكر صاحب النبي قبل الإسلام، قبل البعثة وبعد البعثة، رفيق النبي عليه الصلاة والسلام، أول ما دخل بالإسلام.
أسرع يدعو الناس إلى دين الله عز وجل وعلى ولسان حال أبي بكر يقول ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ). حياته كانت كلها لله عز وجل.
من أسلم على يديه
ذهب وما رجع إلا ومعه الزبير بن العوام رضي الله عنه حواري النبي عليه الصلاة والسلام مظهراً إسلامه عند النبي، ثم مضى أبو بكر وجاء بعثمان بن عفان ذو النورين.
ثم جاء بطلحة بن عبيد الله ثم بسعد بن أبي وقاص، ثم جاء بعثمان بن مظعون، ثم أبي عبيدة بن الجراح ثم عبد الرحمن بن عوف.
أنظر جاء بالمبشرين بالجنة، كلهم بميزان أبي بكر الصديق ( ومن أحسن قولاً ممن دعى إلى الله ) أبو بكر كان نصير النبي عليه الصلاة والسلام، وظهيره ومعينه ورفيقه وصاحبه.
النبي عذب عليه الصلاة والسلام وأبو بكر يعينه ويساعده، حتى قال: يا رسول الله، ائذن لي لأظهر بين الناس. فأذن له النبي عليه الصلاة والسلام، فكان أول خطيب في الإسلام وفي الصحابة.
إنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه هذا الذي لقب بالصاحب، ولقب بالعتيق ولقب بالصديق ولقب بالأتقى ولقب بالأواه.
أول خطيب في الإسلام
قام يخطب بين الناس، فقام عليه كفار قريش يضربونه ضرباً موجعاً، فسقط أبو بكر على الأرض، وقام عتبة بضربه على وجه بالنعال، حتى جاء المشركون وتجمعوا يضربون أبا بكر .
فظن الناس أنه قد مات من كثرة الدماء التي على جسمه وعلى وجهه، فقامت بنو تيم تدفع الناس عن أبي بكر، قبيلته، ثم حملوه إلى بيته.
حتى قالت قبيلة أبي بكر: والله لئن مات أبو بكر لنثأرن له، و لنقتل به عتبة، وظل عند أمه أم الخير طوال النهار، وهو لم يستيقظ ظنوه سيموت، لن يعيش بعد هذا.
حتى فتح عينيه عند أمه فوجدها عند رأسه تبكي، ولم تكن قد أسلمت. فقال لها أو كما قال: كيف رسول الله أخبريني ماذا حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالت له: كل شيئاً من طعام أو شراب حتى يقوى جسمك. قال: لا والله حتى تقولي شيئاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قالت: أنا لا أعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء. قال لها: إذهبي لأم جميل اسأليها عن محمد. وقد كانت أم جميل قد كتمت إيمانها. فقالت أم جميل: أنا لا أعرف عنه شيئاً.
فقالت لها: تعالي معي لعند إبني. وجائت أم جميل فوقفت عند رأس أبي بكر .فقال لها أبو بكر : يا أم جميل أخبريني عن رسول الله ماذا حصل له؟ فقالت: هو بخير.
فقالت أمه: الآن كل يا بني. فقال: لا والله لا أكل حتى تحملاني إليه، فلن أكل شيئاً ولا أشرب حتى تحملوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم حملوه إلى دارٍ فيها النبي وبعض أصحابه عليه الصلاة والسلام. فلما رأى أبو بكر النبي، انكب عليه يقبله ويبكي. فسأله: كيف أنت يا أبا بكر ؟ فقال: أنا بخير إلا ما صنع الفاسق بوجهي.
ثم قال له: يا رسول الله هذه أمي جاءت راغبة، فادعو لها. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لها. فقالت أم أبي بكر : أشهد أنه لا إله إلا وأشهد أن محمداً رسول الله.
أشجع الناس
سأل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الناس في الكوفة: من أشجع الناس؟ فقال الناس: أنت يا علي. يقول علي: بل أشجع الناس أبو بكر .
لما جاء عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقا ً شديداً، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال: ( أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم )
ثم قام الإمام علي على المنبر يسأل الناس: أيهما خير أيها الناس، مؤمن آل فرعون أم أبا بكر ؟ قال: لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل كتم إيمانه وهذا رجل أظهر إيمانه.
قصة عتقه لبلال والضعفاء
كان يتجول أبو بكر بين الصحابة هذا يضرب وهذا يجلد وهذا يهان وهذا يجوع وهذا يعذب، وربما قتل بعضهم ثم يمر على بلال ذلك العبد المملوك في اليوم الحار والصخرة على صدره وهو يردد أحدٌ أحد.
( وكأين من نبيٍ قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا ) هل صبر أبو بكر على هذا وهو يرى بلال يضرب؟
وعامر بن فهير يعذب وأم عبيس وهي تؤذى وهذا وذاك وما ذنبهم وما جرمهم ( وما نقموا منهم إلا يؤمنوا بالله العزيز الحميد ).
فأقبل على أمية يشتري بلالاً، فيقول أمية: لما تريده يا أبا بكر وقد فسد؟ قال: اشتريه، بكم؟ فطلب أمية مبلغاً كبيراً من المال. ولكن بلال كان أغلى من كل ما طلب أمية إنه بلال رضي الله عنه وأرضاه.
يعرف أبو بكر الصديق من هذا، هذا الذي يعدل الدنيا، فاشتراه بمبلغ كبير، ثم اعتقه لوجه الله تعالى، ثم اشترى كثيراً من الضعفاء والمساكين، يعتقهم لوجه الله تعالى.
ثم جاء أبوه يسأله: لما اعتقت هؤلاء الرجال؟ فقال أبو بكر الصديق لأبيه: يا أبي أنا لم أفعل هذا لأن يمنعوني. قال: يا بني إذاً لما فعلت هذا؟ قال: يا أبي إنما فعلت هذا لوجه الله جل وعلى.
قال أبو بكر ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمةٍ تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ).
أبو بكر تقياً
لم يكن تقياً بل كان الأتقى رضي الله عنه، كان ينفق ماله ويقضي ليله بالصلاة، وكان أبو بكر كثير البكاء، أذاه كفار قريش، منعوه من الصلاة والعبادة، فخرج يسير في الأرض يتعبد ربه جل وعلى.
ثم توجه نحو الحبشة، فرآه رجل أسمه الدغنة سيد القارة وهو رجل سيد من سادات قومه، فنظر إلى أبا بكر وسأله: لما أنت خارج من مكة؟ فقال: إني مهاجر.
قال: تهاجر من مكة؟ قال: نعم. قال: إلى أين؟ قال: أسيح في أرض الله. قال: ولم؟ قال: أسيح في الأرض أتعبد ربي ( قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين ).
فتعجب ابن الدغن قال: والله مثلك لا يخرج ولا يخرج يا أبا بكر ، إنك تصل الرحم وتكرم الضيف، وتعين على نوائب الحق، والله ما مثلك يخرج ويخرج يا أبا بكر والله لترجعن إلى مكة.
قال: كيف؟ قال: ترجع إلى مكة وتكون في جواري يا أبا بكر .فطاف بين قريش يخبرهم: أن أبا بكر في جواري، كيف تخرجونه يا قريش؟ والله ما مثله يخرج ولا يخرج وأنه من اليوم في جواري.
كان أبو بكر إذا صلى خارج البيت، يكبر في الصلاة فيصلي فيبكي ( ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم من خشية الله ) كان أبو بكر رضي الله عنه من الخاشعين. قالت عائشة رضي الله عنها: كان رجلاً أسيفاً بكاءاً .
رقة أبو بكر في صلاته
وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جمح، فكان يصلي فيه، وكان رجلاً رقيقاً ، إذا قرأ القرآن استبكى. قالت : فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء ، يعجبون لما يرون من هيئته.
قالت : فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة، فقالوا له: يا ابن الدغنة، إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا ، إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق ويبكي.
وكانت له هيئة ونحو، فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا و ضعفائنا أن يفتنهم، فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء.
فمشى ابن الدغنة إليه، فقال له: يا أبا بكر ، إني لم أجرك لتؤذي قومك، أنهم قد كرهوا مكانك الذي أنت فيه، وتأذوا بذلك منك، فادخل بيتك، فاصنع فيه ما أحببت؟
قال: أوأرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله ؟ قال: فاردد علي جواري. قال: قد رددته عليك. فقام ابن الدغنة، فقال : يا معشر قريش، إن ابن أبي قحافة قد رد علي جواري فشأنكم بصاحبكم.
ذهابه مع النبي إلى غار ثور
توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحبة أبي بكر الصديق إلى غار ثور، وهو على ثلاثة أميال من جنوب غربي مكة المكرمة.
ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: مكانك يا رسول الله استبرأ لك الغار.
ودخله أبو بكر وجعل يسد الأحجار كلها، فبقى منها جحرة واحدة ألقمه كعب رجله، ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه الصلاة والسلام ووضع رأسه في حجر أبي بكر الصديق ونام لشدة ما اعتراه من تعب.
ولدغ أبو بكر رضي الله عنه من ذلك الجحر الذي وضع عليه رجله، فلم يتحرك لئلا يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن دموعه سقطت من شدة الألم على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه عليه السلام.
وقال لأبي بكر الصديق: مالك؟ قال: لدغت فداك أبي وأمي، فوضع عليها من ريقه الشريف فزال الألم.
فلما أصبحا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق: أين ثوبك؟، فأخبره أنه مزقه ووضعه في الحجار، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي في الجنة.
ولما علم المشركون بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق، ذهبوا في طلبهما كل مطلب، وجعلوا لمن ردهما مائة من الإبل، وجعلوا يمرون من باب الغار ولا يرونهما.
فلم يدخلوه إذ رأوا على بابه نسيج العنكبوت، كما رأوا حمامتين قد عششتا على بابه، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يرى القوم.
فيعتريه الخوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليه الصلاة والسلام يطمئنه ويقول: لا تحزن إن الله معنا.
مرافقته للنبي في الوقائع
لما جاء إلى المدينة كان صاحب النبي في كل مكان، يدخل النبي معه أبو بكر وعمر، يخرج النبي معه أبو بكر وعمر.
بل في بدر كان مع النبي عليه الصلاة والسلام، وكان معه طوال الليل حتى الفجر، كان يسقط رداء النبي وأبو بكر يحمله يضعه على النبي، ويقول له: كفاك دعاء يا رسول الله.
ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام:يا أبا بكر أبشر يا أبا بكر ،هذا جبريل نزل من السماء ومعه ألف من الملائكة.
بل كان في فتح مكة والنبي عليه الصلاة والسلام وكان أبو بكر معه وفي حنين.
( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ).
كان أبو بكر الصديق مع النبي عليه الصلاة والسلام، تلك الثلة المؤمنة، وفي تبوك مع النبي عليه الصلاة والسلام يدعو الصحابة ويجهزهم.
فذهب أبو بكر يجمع ما لديه من مال وطعام وجاء به ،ونثره بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ماذا تركت لأهلك يا أبا بكر؟ قال: تركت لهم الله ورسوله يا رسول الله.
لما تفعل كل هذا يا أبا بكر ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ).
قصته مع اليهودي
في يوم من الأيام كان رضي الله عنه يجادل أحد اليهود، فقام يهودي خبيث إسمه بنحاس، بدأ يشتم الله عز وجل. فقال: يا أبا بكر إسمع الله فقير ونحن أغنياء.
قال: الله يطلب منا القرض ونحن نقرض الله إذاً الله فقير ونحن أغنياء. قال أبو بكر :أعقل ما تقول. فقام أبو بكر إلى هذا اليهودي فضربه ضرباً شديداً. فقال له: أي عهد بعد شتمك لله.
فذهب الرجل الخبيث اليهودي إلى النبي عليه الصلاة والسلام يشتكي على أبا بكر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أأنت فعلت به هذا؟ قال: نعم يا رسول الله. قال: ولم فعلت هذا؟
قال: شتم الله إذ قال إن الله فقير ونحن أغنياء. فقال الخبيث: والله ما فعلتها يا رسول الله. فسكت أبو بكر فنزل الوحي من الله عز وجل.
( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) الله أكبر القرآن ينزل تصديقاً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
غلام الخراج
إن لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، غلامٌ يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء، فأكل منه أبو بكر.
فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر : وما هو؟ قال: كنت تكهنتُ لإنسانٍ في الجاهلية، وما أُحسِن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك هذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كلَّ شيءٍ في بطنه.
قصته مع عمر بن الخطاب
كان النبي عليه الصلاة والسلام جالساً، فجاءه أبو بكر مسرعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال يا رسول الله حدث بيني وعمر بن الخطاب شيء ندمت فسألته أن يغفر لي، فأبى فجئتك يا رسول الله.
فغضب النبي عليه الصلاة والسلام، عمر في هذه اللحظات ندم، فذهب إلى بكر يعتذر منه، فلم يجده فسأل فقالوا عند النبي عليه الصلاة والسلام.
فلما وصل عمر رأى عمر في وجه النبي عليه الصلاة والسلام غضباً، فقال: يا رسول الله أنا كنت أظلم والله كنت أظلم.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله بعثني بالحق فقلت أيها الناس إني بعثت بالحق قال الناس كذبت وقال أبو بكر صدقت، فهل أنتم تاركون لي صاحبي.
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
أسرع الصحابة إلى الخيرات
يقول النبي عليه الصلاة والسلام من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن تَبِعَ منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمَن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر: أنا.
قال: فمَن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا. فقال صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعْنَ في امرئ إلا دخل الجنَّة. أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ.
أبو بكر الصديق كان عنده قريب من أقربائه ينفق عليه أبو بكر صدقة من عنده، وتكلم هذا الرجل في عائشة رضي الله عنها فبرأها الله عز وجل. فإذا بأبي بكر قد قطع النفقة عن قريبه.
فقال الله جل وعلى لأبي بكر: ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).
قال أبو بكر رضي الله عنه بعد هذا: والله أحب أن يغفر الله لي. فأرجع صدقته لقريبه.
يوم من الأيام رآه عمر ماسكاً لسانه يقول هذا الذي أوردني الموارد يوماً من الأيام، يقول عن نفسه، وددت أني كنت شجرة تأكل. ( الذي يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ).
أحب الناس إلى رسول الله
سئل النبي عليه الصلاة والسلام: من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة. قالوا: من الرجال؟ قال: أبوها. وكان النبي عليه الصلاة والسلام في آخر أيامه يوصي بأبي بكر رضي الله عنه.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: لو متخذاً في الأرض خليلاً لتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن.
بعد أن أمر الناس أن يصلوا خلف أبي بكر وأن ينال منصب الإمامة صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بل كان كثيراً ما يوصي أبا بكر.
مرض النبي عليه الصلاة والسلام
تقول أمنا عائشة رضي الله عنها : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي (تعني في مرضه الذي توفي فيه) قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس.
قالت: فقلت: يا رسول الله: إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه فلو أمرت غيره، وفي رواية فلو أمرت عمر.
قالت: والله ما بي إلا كراهة أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام النبي صلى الله عليه وسلم، قالت فراجعته مرتين أو ثلاثا، فقال: ليصل بالناس أبو بكر فإنكن صواحب يوسف. فصلى بهم أبو بكر.
وكان قد صلى بهم عمر قبل ذلك في بداية مرضه صلى الله عليه وسلم مرة، فقد روى أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم واللفظ لأبي داود عن عبد الله بن زمعة.
قال: لما استعز رسول الله صلى الله عليه وسلم (اشتد به مرضه) وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة، فقال: مروا من يصل بالناس فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر في الناس.
وكان أبو بكر غائبا، قال: فقلت يا عمر قم فصل بالناس، فتقدم فكبر فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته وكان عمر رجلاً مجهراً.
قال: فأين أبا بكر يأبى الله ذلك والمسلمون يأبى الله ذلك والمسلمون، فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس.
موت النبي عليه الصلاة والسلام
لما علم أبي بكر بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء خبر وفاته ركب فرسه وأسرع إلى بيته، ودخل عليه وقبله، وقال: طبت حياً وميتاً يا رسول الله.
عمر خرج يهدد الناس: من زعم أن محمداً قد مات لضربته بالسيف، عثمان فزع، ومن ثم علي، لم يبقى إلا أبو بكر الصديق رضي الله عليه.
مبايعته خليفة لرسول الله
وتجمع الناس حول أبا بكر ثم وقف خطيباً، وقال: من كان يعبد محمداً فمحمدٌ قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
ومن ثم تلى قول الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ
ولما تجمع الناس كأنهم اختلفوا من يتولى الخلافة بعد رسول الله، قام أبو بكر يتكلم فرضي الناس بأبي بكر حكماً، فقال: رضيت لكم عمر وأبو عبيدة، فاختاروا بين هاذين الرجلين.
ثم قام عمر فقال: أيها الناس أما تعلمون أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوصى أبا بكر ؟ ووقف عمر ومد يده، وقال: أيها الناس، أني أبايع أبا بكر فمن منكم يبايعه؟
فقام الناس يباعون أبا بكر على الخلافة، حتى جاء علي رضي الله عنه. ولما دخل المسجد، قال أبو بكر في اليوم الثاني: أيها الناس، أيما رجل ندم على بيعتي أن يقوم ويعترض الآن.
فقام علي وتقدم الناس وبيده السيف ودنى وقال: يا أبا بكر والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله فمن ذا يؤخرك، رضينا النبي عليه الصلاة والسلام لديننا فهل نأباك لدنيانا؟
خطبته الأولى بعد توليه الخلافة
فقام علي وبايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه، ثم قام أبو بكر يخطب خطبته الجامعة وقال فيها:أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.
الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرد عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.
لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وكانت هذه أول خطبة له بعد تولي الخلافة، وما كان يريدها، أرغم عليها رضي الله عنه.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
إن أبو بكر هو مثال للإمام العادل، إذ قال الله عز وجل فيه ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ).
خلافته
وفي أول صبيحة له في الخلافة يذهب إلى السوق ليتاجر فيه، ويعمل فرآه عمر وبعض الصحابة، فقالوا له: ماذا تصنع يا خليفة رسول الله؟ قال: اعمل. قالوا ومن يكون للمسلمين؟
قال: وكيف أطعم عيالي؟ قالوا: إذهب إلى بيت الخلافة ونحن نفرض لك راتباً يا خليفة رسول الله، إجلس في بيتك وقم على أمور الناس وشؤونهم.
تقول بعض الجواري الصغيرات الفقيرات الضعيفات اللواتي لا يستطعن حلب الشياه: كان أبو بكر يحلب لنا الشياه/ أما الآن صار خليفة أين هو ليساعدنا؟
فسمع أبو بكر هذا الخبر وهو الخليفة فقال: لا والله الخلافة لا تغيرني فكنت أحلب لكم الشياه قبل الخلافة وسأحلب لكم الشياه بعد الخلافة.
قصته مع العجوز
سيدنا عمر بن الخطاب يرى أبو بكر كل يوم بعد صلاة العصر يدخل إلى امرأة عجوز جالسة على الأرض مشلولة وعمياء وكبيرة في السن.
أتدرون ماذا يفعل لها أبو بكر؟ كل يوم يصنع طعامها ويغسل لها الثياب وينظف لها البيت، ففي يوم سألها عمر بن الخطاب: من هذا الرجل الذي يدخل إليك كل يوم ويصنع لك كل هذا؟
فقالت له: والله لا أعرفه. لا تدري هذه العجوز أنه أبو بكر الصديق البكاء خليفة المسلمين هو من يصنع لها كل هذا.
وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا* وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا* وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا* إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا* وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا*
مرضه
مرت الأيام تقول عائشة عند وفاته: واشتد به المرض، فلما ثقل واستبان له من نفسه، جمع الناس إليه فقال:
إنه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إلا ميتاً لما بي، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي.
فتشاور الصحابة، ثم رجعوا إلى أبي بكر فقالوا: رأيُنا يا خليفة رسول الله رأيُك. قال: أمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده. ثم وقع اختيار أبي بكر بعد أن استشار بعض الصحابة على عمر بن الخطاب.
ثم كتب عهداً مكتوباً يُقرأ على الناس، وكان نص العهد:
أبو بكر الصديق هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب.
إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عَدَلَ فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بَدّلَ فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب.
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
اشتداد مرضه ووصيته
وقد روت السيدة عائشة خبر وفاة أبيها أبي بكر فقالت: أول ما بُدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل وكان يوماً بارداً، فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة وكانوا يعودونه.
وكان عثمان ألزمهم له في مرضه. وقالت السيدة عائشة: قال أبو بكر: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي.
فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح (البعير الذي يُستقى عليه) كان يسقي بستاناً له، فبعثنا بهما إلى عمر، فبكى عمر، وقال: رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعباً شديداً.
واستمر مرض أبي بكر مدة خمسة عشر يوماً، حتى مات يوم الاثنين ليلة الثلاثاء 22 جمادى الآخرة سنة 13للهجرة.
قالت السيدة عائشة: إن أبا بكر قال لها: في أي يوم مات رسول الله؟ قالت: في يوم الاثنين. قال: إني لأرجو فيما بيني وبين الليل، ففيم كفنتموه؟
قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة. فقال أبو بكر: انظري ثوبي هذا فيه ردع زعفران أو مشق فاغسليه واجعلي معه ثوبين آخرين.
فقيل له: قد رَزَقَ الله وأحسن، نكفنك في جديد. قال: إن الحي هو أحوج إلى الجديد ليصون به نفسه عن الميت، إنما يصير الميت إلى الصديد وإلى البلى.
وقد أوصى أن تغسله زوجه أسماء بنت عميس، وأن يدفن بجانب النبي محمد، وكان آخر ما تكلم به أبو بكر قول الله تعالى: توفني مسلماً وألحقني بالصالحين.
وفاته
وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة، استوفى سن النبي محمد، وغسلته زوجته أسماء بنت عميس، ودفن بجانب النبي محمد، وقد جعل رأسه عند كتفي النبي.
وصلى عليه خليفته عمر بن الخطاب، ونزل قبره عمر وعثمان وطلحة وابنه عبد الرحمن، وألصق اللحد بقبر النبي محمد.
وارتجت المدينة لوفاة أبي بكر، ولم تر المدينة منذ وفاة الرسول يوماً أكثر باكياً وباكية من ذلك المساء، وأقبل علي بن أبي طالب مسرعاً باكياً مسترجعاً، ووقف على البيت الذي فيه أبو بكر.
فقال: رحمك الله يا أبا بكر، كنت إلفَ رسول الله وأنيسه، ومستراحه وثقته، وموضع سره ومشاورته، إلى أن قال: والله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله بمثلك أبداً.
كنت للدين عزاً وحرزاً وكهفاً، فألحقنا الله عز وجل بنبيك محمد عليه الصلاة والسلام ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك.
فسكت الناس حتى قضى كلامه، ثم بكوا حتى علت أصواتهم، وقالوا: صدقت.
قبض الله عز وجل روح أبي بكر واستجاب دعاءه يوم الأثنين الثاني والعشرون من جمادى الأخرى توفي بعمر النبي عليه الصلاة والسلام وهو 63 عاماً.
قال علي رضي الله عنه والله ما أحدٌ لقي الله بصحيفته مثل هذا المسجى، وغسل أبو بكر وكفن فصلى عليه عمر صاحبه وأنزل في قبره ونزل معه عمر وعثمان وطلحة كلهم مبشرون بالجنة.
ونزل معهم إبنه عبد الرحمن ودفن الصديق، دفن التقي صاحب النبي عند النبي عليه الصلاة والسلام ليلحق برفاقه كما قيل:
صديق أحمد صاحب الغار الذي في المغارة والنبي اثنان
أعني أبي بكرٍٍٍ الذي لم يختلف في شرعه لا فضله رجلان
هو شيخ أصحاب النبي وخيرهم وإمامهم حقاً بلا بطلان
وأبو المطهرة التي تنزيهها قد جاءنا في النور والفرقان
خاتمة
إنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه أثنى الله عليه في القرآن جعله النبي خلفيته وأمر الناس أن يصلوا وراءه.
يأبى الله والمؤمنون والمسلمون إلا أبو بكر ، لا يرضى الناس بعد النبي إلا أبو بكر الصديق أسأل الله أن يحشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وأن يجعلنا ممن يدخلون الجنة بعد أبي بكر.
فهو أول هذه الأمة دخولاً الجنة إنه أبو بكر الصديق، أسأل أنا يجمعنا في جنة الفردوس والصلاة والسلام على رسول الله والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.