إسلامشخصيات

قصة سراقة بن مالك الصحابي مع رسول الله


كيف لبس سراقة سواري كسرى

سراقة بن مالك : هبت قريش ذات صباح وجلة مذعورة، فقد سرى في أنديتها أن محمداً قد بارح مكة مستتراً بجنح الظلام.

فلم يصدق زعماء قريش النبأ، واندفعوا يبحثون عن النبي في كل دار من دور بني هاشم، وينشدونه في بيوت أصحابه.

حتى أتوا إلى منزل أبي بكر، فخرجت إليهم ابنته أسماء. فقال لها أبو جهل: أين أبوك يا بنت؟ فقالت: لا أدري أين هو الآن. فلطم خدها لطمة أهوت بقرطها على الأرض.

جنّد زعماء قريش حين أيقنوا أن محمداً غادر مكة، قفاة الأثر لتحديد الطريق الذي سلكه ومضوا يبحثون عنه معهم.

فلما بلغوا غار ثور قال لهم قفاة الأثر: والله ما جاوز صاحبكم هذا الغار، ولم يكونوا مخطئين فيما قالوه. قد كان محمد وصاحبه فيه، وكانت قريش تقف فوق رأسيهما.

حتى أن الصدّيق رأى أقدام القوم تتحرك فوق الغار، فدمعت عيناه. فنظر إليه الرسول نظرة حب ورفق وعتاب.

فهمس الصدّيق قائلاً: والله ما على نفسي أبكي، ولكن مخافة أن أرى فيك مكروهاً يا رسول الله. فقال له الرسول الكريم مطمئناً: لا تحزن يا أبا بكر إن الله معنا.

فأنزل الله السكينة على قلب الصدّيق، وقال: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موطئ قدميه لرآنا. فقال له الرسول الكريم: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟

وهنا سمعا فتى من قريش يقول: هلموا إلى الغار ننظر فيه. فقال له أمية بن خلف: ألم تر إلى هذا العنكبوت الذي عشش على بابه؟ والله إنه أقدم من ميلاد محمد.

غير أن أبا جهل قال: واللات والعزى إني لأحسبه قريباً منا يسمع ما نقول ويرى ما نصنع، ولكن سحره ران على أبصارنا.

بيد أن قريش لم تنفض يدها من العثور على محمد عليه الصلاة والسلام، ولم ينثني عزمها، فأعلنت في القبائل المنتشرة بين مكة والمدينة أن من يأتها بمحمد حياً أو ميتاً فله مائة من كرائم الإبل.

سماع سراقة بن مالك بالجائزة

كان سراقة بن مالك المدلجي في نديّ من أندية قومه في قديد قريباً من مكة، فإذا برسول من رسل قريش يدخل عليهم، ويذيع فيهم نبأ الجائزة الكبرى التي بذلتها قريش لمن يأتيها بمحمد حياً أو ميتاً.

فما كاد سراقة يسمع بالنوق المائة حتى اشرأبت إليها أطماعه واشتد عليها حرصه، ولكنه ضبط نفسه فلم يفه بكلمة واحدة حتى لا تتحرك أطماع الآخرين.

وقبل أن ينهض سراقة من مجلسه، دخل على النديّ رجل من قومه، وقال: والله لقد مر بي الآن ثلاثة رجال وإني لأظنهم محمداً وأبا بكر ودليلهما.

فقال سراقة: بل هم بنو فلان مضوا يبحثون عن ناقة لهم أضلوها. فقال الرجل: لعلهم كذلك وسكت.

ثم مكث سراقة قليلاً حتى لا يثير قيامه أحداً ممن في النديّ. فلما دخل القوم في حديث آخر، انسل من بينهم ومضى خفيفاً مسرعاً إلى بيته.

وأسرّ إلى جاريته بأن تخرج له فرسه في غفلة من أعين الناس، وأن تربطه في بطن الوادي. وأمر غلامه بأن يعد له سلاحه، ويخرج به من خلف البيوت فلا يراه أحد، وأن يجعله في مكان قرب الفرس.

خروجه في أثر الرسول وصاحبه

لبس سراقة لأمته وتقلد سلاحه وامتطى صهوة فرسه وطفق يغز السير ليدرك محمداً قبل أن يأخذه أحد سواه ويظفر بجائزة قريش.

كان سراقة بن مالك فارساً من فرسان قومه المعدودين، طويل القامة عظيم الهامة، بصيراً باقتفاء الأثر، صبوراً على أهوال الطرق. وكان إلى ذلك كله أريباً لبيباً شاعراً، وكانت فرسه من عتاق الخيل.

مضى سراقة يطوي الأرض طياً، لكنه ما لبث أن عثرت به فرسه وسقط عن صهوتها فتشاءم من ذلك وقال: ما هذا، تباً لك من فرس، وعلى ظهرها.

غير أنها لم تمض بعيداً حتى عثرت به مرة أخرى، فازداد تشاؤماً وهم بالرجوع، فما رده عن همه إلا طمعه بالنوق المائة.

لقائه الأول برسول الله

لم يبتعد سراقة بن مالك كثيراً عن مكان عثور فرسه حتى أبصر محمداً وصاحبيه. فمد يده إلى قوسه، لكن يده جمدت في مكانها.

ذلك لأنه رأى قوائم فرسه تسيخ في الأرض والدخان يتصاعد من بين يديها ويغطي عينيه وعينيها.

فدفع الفرس فإذا هي قد رسخت في الأرض كأنما سمرت فيها بمسامير من حديد، فالتفت إلى الرسول وصاحبه، وقال بصوت ضارع: يا هذان ادعوا لي ربكما أن يطلق قوائم فرسي، ولكما علي أن أكف عنكما.

فدعا له الرسول، فاطلع الله له قوائم فرسه. لكن أطماعه ما لبثت أن تحركت من جديد، فدفع فرسه نحوهما فساخت قوائمها هذه المرة أكثر من ذي قبل.

فاستغاث بهما وقال: إليكما زادي ومتاعي وسلاحي، فخذاه ولكما علي عهد الله أن أرد عنكما من ورائي من الناس. فقالا له: لا حاجة لنا بزادك ومتاعك ولكن رد عنا الناس.

ثم دعا له الرسول فانطلقت فرسه. ولما هم بالعودة ناداهم قائلاً: تريثوا أكلمكم، فوالله لا يأتيكم مني شيء تكرهونه. فقالا له: ما تبتغي منا؟

فقال: والله يا محمد إني لأعلم أنه سيظهر دينك ويعلو أمرك، فعاهدني إذا أتيتك في ملكك أن تكرمني، واكتب لي بذلك. فأمر الرسول صلوات الله عليه الصدّيق فكتب له على لوح من عظم ودفعه إليه.

ولما هم بالانصراف قال له النبي عليه الصلاة والسلام: وكيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟ فقال سراقة في دهشة: كسرى بن هرمز؟ فقال: نعم كسرى بن هرمز.

كتمه أمر لقائه برسول الله

عاد سراقة أدراجه، ووجد الناس قد اقبلوا ينشدون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لهم: ارجعوا فقد نفضت الأرض نفضاً بحثاً عنه، وأنتم لا تجهلون مبلغ بصري في الأثر. فرجعوا.

ثم كتم خبره مع محمد وصاحبه حتى أيقن أنهما بلغا المدينة، وأصبحا في مأمن من عدوان قريش، عند ذلك أذاعه.

فلما سمع أبو جهل بخبر سراقة بن مالك عن النبي عليه الصلاة والسلام وموقفه منه، لامه على تخاذله وجبنه وتفويته الفرصة. فقال يجيبه على ملامته:

أبا حكم والله لو كنت شاهداً لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه

علمت ولم تشكك بأن محمداً رسول ببرهان فمن ذا يقاومه

يوم فتح مكة

دارت الأيام دورتها، وإذا بمحمد الذي خرج من مكة طريداً شريداً مستتراً بجنح الظلام، يعود إليها سيداً فاتحاً تحف به الألوف المؤلفة من بيض السيوف وسمر الرماح.

وإذا بزعماء قريش الذين ملأوا الأرض عنجهية وغطرسة يقبلون عليه خائفين واجفين، يسألونه الرأفة ويقولون: ماذا عساك تصنع بنا؟ فيقول لهم في سماحة الأنبياء: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

عند ذلك أعدّ سراقة بن مالك راحلته ومضى إلى رسول الله ليعلن إسلامه بين يديه، ومعه العهد الذي كتبه له قبل عشر سنوات.

قال سراقة: لقد أتيت النبي بالجعرانة فدخلت في كتيبته من الأنصار، فجعلوا يقرعونني بكعوب الرماح ويقولون: إليك إليك ماذا تريد؟

فما زلت أشق صفوفهم حتى غدوت قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته، فرفعت يدي بالكتاب وقلت: يا رسول الله أنا سراقة بن مالك وهذا كتابك لي.

فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ادنُ مني يا سراقة ادنُ هذا يوم وفاء وبر. فأقبلت عليه وأعلنت إسلامي بين يديه ونلت من خيره وبره.

حزن سراقة بن مالك يوم موت الرسول الكريم

لم يمض على لقاء سراقة بن مالك لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير بضعة أشهر، حتى اختار الله نبيه إلى جواره.

فحزن عليه سراقة أشد الحزن، وجعل يتراءى له ذلك اليوم الذي همّ فيه بقتله من أجل مائة ناقة، وكيف أن نوق الدنيا كلها قد أصبحت اليوم لاتساوي عنده قلامة من ظفر النبي.

وجعل يردد قولته له كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى، دون أن يخامره شك في أنه سيلبسهما.

الخليفة عمر الفاروق

ثم دارت الأيام دورتها كرة أخرى، وآل أمر المسلمين إلى الفاروق رضوان الله عليه، وهبت جيوش المسلمين في عهده المبارك على مملكة فارس كما يهب الإعصار.

وطفقت تدك الحصون، وتهزم الجيوش، وتهز العروش، وتحرز الغنائم، حتى أدال الله على يديها دولة الأكاسرة.

وفي ذات يوم من أواخر أيام خلافة عمر، قدم على المدينة رسل سعد بن أبي وقاص يبشرون خليفة المسلمين بالفتح، ويحملون إلى بيت مال المسلمين خمس الفيء الذي غنمه الغزاة في سبيل الله.

فلما وضعت الغنائم بين يدي عمر، نظر إليها في دهشة. فقد كان فيها تاج كسرى المرصع بالدر، وثيابه المنسوجة بخيوط الذهب، ووشاحه المنظوم بالجواهر، وسواراه اللذان لم ترى العين مثلهما قط.

وما لا حصر له من النفائس الأخرى، فجعل عمر يقلب هذا الكنز الثمين بقضيب كان في يده، ثم التفت إلى من حوله وقال: إن قوماً أدوا هذا لأمناء.

فقال له علي بن أبي طالب، وكان حينئذ حاضراً: إنك عففت فعفّت رعيتك يا أمير المؤمنين. ولو رتعت لرتعوا.

سراقة يلبس سواري كسرى

وهنا دعا الفاروق رضوان الله عليه سراقة بن مالك، فألبسه قميص كسرى وسراويله وقباءه وخفّيه وقلده سيفه ومنطقته، ووضع على رأسه تاجه وألبسه سواريه.

عند ذلك هتف المسلمون: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

ثم التفت عمر إلى سراقة بن مالك وقال: بخ بخ، أُعَيرابي من  بني مدلج على رأسه تاج كسرى وفي يديه سواراه؟

ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إنك منعت هذا المال رسولك، وكان أحب إليك مني وأكرم عليك.

ومنعته أبا بكر، وكان أحب إليك مني وأكرم عليك، وأعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون قد أعطيتنيه لتمكر بي. ثم لم يقم من مجلسه حتى قسمه بين المسلمين.

المصدر

كتاب صور من حياة الصحابة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى