طاعون عمواس فيما أتى ذكره في كتاب تاريخ الطبري، حيث قال الطبري:
واختلف في خبر طاعون عمواس وفي أي سنة كان، فقال ابن إسحاق ما حدثنا ابن حميد.
قال: حدثنا سلمة، عنه، قال: ثم دخلت سنة ثماني عشرة؛ ففيها كان طاعون عمواس، فتفانى فيها الناس.
فتوفي أبو عبيدة بن الجراح؛ وهو أمير الناس، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، والحارث ابن هشام.
وسهيل بن عمرو، وعتبة بن سهيل، وأشراف الناس. وحدثني أحمد بن ثابت الرازي، قال: حدثنا عن إسحاق بن عيسى.
عن أبي معشر، قال: كان طاعون عمواس والجابية في سنة ثماني عشرة.
خبر طاعون عمواس بالشام
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن شعبة بن الحجاج، عن المخارق بن عبد الله البجلي.
عن طارق بن شهاب البجلي، قال: أتينا أبا موسى وهو في داره بالكوفة لنتحدث عنده، فلما جلسنا قال:
لا عليكم أن تخفّوا، فقد أصيب في الدار إنسان بهذا السقم، ولا عليكم أن تنزّهوا عن هذه القرية.
فتخرجوا في فسيح بلادكم ونزهها حتى يرفع هذا الوباء؛ سأخبركم بما يكره مما يتّقى، من ذلك أن يظن من خرج أنه لو أقام مات.
ويظنّ من أقام فأصابه ذلك لو أنه لو خرج لم يصبه، فإذا لم يظنّ هذا المرء المسلم فلا عليه أن يخرج، وأن يتنزّه عنه.
إني كنت مع أبى عبيدة بن الجراح بالشام عام طاعون عمواس، فلما اشتعل الوجع، وبلغ ذلك عمر.
كتب لأبي عبيدة ليستخرجه منه: أن سلام عليك، أمّا بعد، فإنه قد عرضت لي إليك حاجة أريد أن أشافهك فيها.
فعزمت عليك إذا نظرت في كتابي هذا ألّا تضعه من يدك حتى تقبل إلي. قال: فعرف أبو عبيدة
أنه إنما أراد أن يستخرجه من الوباء. قال: يغفر الله لأمير المؤمنين ثمّ كتب إليه: يا أمير المؤمنين
إني قد عرفت حاجتك إلي، وإني في جند من المسلمين لا أجد بنفسي رغبة عنهم، فلست أريد فراقهم
حتى يقضي الله في وفيهم أمره؛ فحلّلني من عزمتك يا أمير المؤمنين، ودعني في جندي. فلما قرأ عمر الكتاب بكى.
فقال الناس: يا أمير المؤمنين، أمات أبو عبيدة؟ قال: لا، وكأن قد. قال: ثم كتب إليه: سلام عليك، أما بعد
فإنك أنزلت الناس أرضا غمقة، فارفعهم إلى أرض مرتفعة نزهة. فلما أتاه كتابه دعاني فقال:
يا أبا موسى، إنّ كتاب أمير المؤمنين قد جاءني بما ترى، فاخرج صاحبتي قد أصيبت، فرجعت إليه، فقلت له:
والله لقد كان في أهلي حدث، فقال: لعلّ وضع رجله في غرزه طعن، فقال: والله لقد أصبت.
ثم سار بالناس حتى نزل الجابية، ورفع عن الناس الوباء.
خطبة أبو عبيدة بن الجراح في الناس
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد ابن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن شهر بن حوشب الأشعري.
عن رابة – رجل من قومه، وكان قد خلف على أمه بعد أبيه، كان شهد طاعون عمواس – قال:
لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة في الناس خطيبا، فقال: أيّها الناس، إنّ هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم محمد.
وموت الصالحين قبلكم، وإنّ أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له من حظّه. فطعن فمات، واستخلف على الناس معاذ بن جبل.
قال: فقام خطيبا بعده، فقال: أيها الناس، إنّ هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم.
وإن معاذاً يسأل الله أن يقسم لآل معاذ منه حظهم، فطعن ابنه عبد الرحمن بن معاذ، فمات.
ثمّ قام فدعا به لنفسه، فطعن في راحته؛ فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه، ثم يقول:
ما أحبّ أنّ لي بما فيك شيئا من الدنيا، فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص، فقام خطيباً في الناس.
فقال: أيها الناس، إنّ هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبّلوا منه في الجبال.
فقال أبو وائلة الهذلي :كذبت، والله لقد صحبت رسول الله وأنت شرّ من حماري هذا. قال:
والله ما أردّ عليك ما تقول. وايم الله لا نقيم عليه. ثم خرج وخرج الناس فتفرّقوا، ورفعه الله عنهم.
قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو بن العاص، فوالله ما كرهه.
الوجع رحمة
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن رجل، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي،
أنه كان يقول: بلغني هذا من قول أبي عبيدة وقول معاذ بن جبل: إنّ هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيّكم، وموت الصالحين قبلكم.
فكنت أقول: كيف دعا به رسول الله لأمّته، حتى حدثني بعض من لا أتّهم عن رسول الله أنّه سمعه منه.
وجاءه جبريل فقال: إن فناء أمتك يكون بالطعن أو الطاعون، فجعل رسول الله يقول: اللهمّ فناء الطاعون.
فعرفت أنها التي كان قال أبو عبيدة ومعاذ.
إمارة معاوية بعد أبو عبيدة على الشام
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ولما انتهى إلى عمر مصاب أبي عبيدة ويزيد بن أبي سفيان.
أمّر معاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها، وأمّر شرحبيل بن حسنة على جند الأردن وخراجها.
طاعون عمواس لم ير المسلمون عدواً مثله
وأما سيف، فإنه زعم أن طاعون عمواس كان في سنة سبع عشرة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع بإسنادهم، قالوا:
كان ذلك الطاعون، يعنون طاعون عمواس، لم ير مثله طمع له العدوّ في المسلمين، وتخوّفت له قلوب المسلمين كثر موته.
وطال مكثه، مكث أشهرا حتى تكلّم في ذلك الناس.
الموت في البصرة
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد، عن أبي سعيد، قال:
أصاب البصرة من ذلك موت ذريع، فأمر رجل من بني تميم غلاماً له أعجميّاً أن يحمل ابناً له صغيراً ليس له ولد غيره على حمار، ثم يسوق به إلى سفوان، حتى يلحقه.
فخرج في آخر الليل ثم اتّبعه، وقد أشرف على سفوان، ودنا من ابنه وغلامه، فرفع الغلام عقيرته يقول:
لن يعجزوا الله على حمار ولا على ذي غرّة مطار
قد يصبح الموت أمام الساري (سكت ولم يتمم)
فسكت حتى انتهى إليهم، فإذا هم هم، قال: ويحك، ما قلت! قال: ما أدري، قال: ارجع، فرجع بابنه.
وعلم أنه قد أسمع آية وأريها. قال: وعزم رجل على الخروج إلى أرض بها الطاعون فتردد بعد ما طعن.
فإذا غلام له أعجمي يحدو به:
يا أيّها المشعر همّا لا تهمّ إنّك إن تكتب لك الحمّى تحمّ
وفي هذه السنة – أعني سنة سبع عشرة – كان خروج عمر إلى الشام الخرجة الأخيرة فلم يعد إليها بعد ذلك في قول سيف؛ وأما ابن إسحاق فقد مضى ذكره.
وهذا ما تم ذكره عن طاعون عمواس في كتاب تاريخ الطبري، ولهذا سمي ذلك العام بعام الرمادة.
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com