سنتحدث اليوم عن القرين والشيطان والجن، وذلك بسبب كثرة الحديث عن الترهات والكلام غير الصحيح، في هذا الموضوع.
ويقال بين الناس أن الشيطان والقرين، ينتقلون ويتبادلون الأخبار، وهناك شيء ثابت في الكتاب والسنة، أنه قد ينشأ تعامل وتبادل أخبار بين الجن والإنس.
القرين الملك والقرين الشيطان
الحقيقة الأولى أن الله سبحانه وتعالى، جعل لكل عبد من بني آدم قرين، من الملائكة وقرين من الجن.
والملك يحض على الخير، ويدعو إلى الطاعة ويزين الجنة للإنسان، والجن يدعو إلى المعصية، ويزين الشهوة.
وبنص القرآن والسنة، الإنسان معه الملك والجن، فالإنسان إما يستجيب إلى وسوسة القرين الشيطان، أو إلى أن يستجيب إلى إلهام الملك.
والحقيقة أن وجود الملائكة التي تدعوا إلى الخير، والقرين الشيطان الذي يدعو إلى الشر، هو أداة تحريك للإنسان، فإما يستجيب إلى هذا أو ذاك.
والقرآن يحمل أوجه كثيرة في هذا الأمر فقوله تعالى (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) إن فطرة الإنسان مبرمجة على نهج الله سبحانه.
فأنت مبرمج على الطاعة، وكره المعصية، فيكون الإلهام بالخير ذاتياً، فإذا عملت الخير، تدرك ذاتياً أنك تتقي الله، وإذا عملت الشر، تدرك ذاتياً أنك عملت شراً.
ومازال هناك الملائكة الذين يلهمون الخير، والقرين الشيطان يلهم الشر، فكأن النفس بوجود القرين من الملائكة، والقرين من الجن، تلهم الخير والشر.
خواطر الخير والشر عند الإنسان
ودائماً دون أن تشعر، تأتيك خواطر إيمانية وخواطر شيطانية، وهذا يحدث كل يوم معنا، فالله سبحانه وتعالى، في الآية الكريمة فرز للنفس القرين الملك والقرين الشيطان.
(وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي)
وفي قصة نعيم بن مسعود من غطفان، الذي جاء إلى النبي الكريم ليحاربه، جلس في خيمته قبل أن يذهب يخاطب نفسه.
يا نعيم، لماذا جئت إلى هنا؟ من أجل أن تقاتل هذا الرجل الطيب؟ ماذا فعل؟ هل سفك دماً؟ لا، انتهك عرضاً؟ لا، اغتصب مالاً؟ لا، فأين عقلك يا نعيم؟ وهذا من خاطرة الملك له؟
ويقول الله سبحانه (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً) فالإنسان يفعل الشر دون أن يكسب شيئاً.
وهناك أناس يعملون مثلاً في مجال وظيفي، أو أي عمل، لا يرتاحون، حتى يخلقون المشاكل داخل العمل، فهؤلاء تنطبق عليهم هذه الآية.
لكل إنسان قرين من الملائكة والجن
روى مسلم في صحيحه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما منكم من أحد إلا وقد أوكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة.
فسألته السيدة عائشة رضي الله عنها: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فهو لا يأمرني إلا بخير.
وروي أيضاً في الصحيح، عن عائشة أن النبي الكريم قال لها: أغرتي؟ قالت: وما لمثلي لا يغار على مثلك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لقد جاءك شيطانك، قالت: أو معي شيطان؟ قال: ليس أحد إلا ومعه شيطان، قالت: ومعك؟ قال: نعم، ولكن الله أعانني عليه فأسلم.
القرين يشهد على الإنسان يوم القيامة
وقال الله عز وجل (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد* لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد* وقال قرينه هذا مالدي عتيد* ألقيا في جهنم كل كفار عنيد* مناع للخير معتد مريب* الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد* قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد* قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد* ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد)
وهذه حقيقة مثل الشمس الساطعة، فلا يستطيع إنسان على وجه الأرض، من آدم إلى يوم القيامة، أن يضل أحد، إلا الذي أراد أن يضل.
يصغي لمن أضله، والذي أراد أن يعصي، يصغي لمن دعاه إلى المعصية، وجاءت كل نفس معها سائق من الملائكة.
والشهيد الذي يشهد على فعله الذي فعله في الدنيا، وقال مجاهد: سائق يسوقها إلى أمر الله، وشاهد يشهد عليها بما عملت.
وقال بعض العلماء: السائق من الملائكة، والشاهد من أنفسهم، الأيدي والأرجل، والملائكة شهداء عليهم.
أما وقول قرينه (هذا مالدي عتيد) فهنا القرين الذي يسوقه يوم القيامة، الملك، ثم يتكلم شيطانه، الذي كان له قرين في الدنيا.
فالآية واضحة، تؤكد أن الإنسان يوم القيامة، يأتي القرين من الملائكة يسوقه إلى أمر الله، والقرين من الجن، يقول أنه قد ضل لوحده.
السحر والشعوذة
وأتحدث عن قضايا الجن هنا، لأنني غلب على ظني، أن أخوتنا الكرام، بأمس الحاجة لهذا الموضوع، من أجل الجميع ومن حولهم.
وفي الحياة الدنيا، الشياطين وقرين الجن، وكلوا بالإنس، يمكن أن يلتقوا بهم ويتبادلوا الأخبار، فإذا أراد الله بعبد مقصر عاص مجاهر مستكبر، سلط عليه ظلام الجن.
(وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا) فالإنسان العابد، والذي يخاف الله، فهو من المستحيل أن يستطع الجن أن يصلوا إليه.
(إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) فالمؤمن العابد المستقيم، في حصن من ذلك، ولكن الذي يركن لهواه، وينغرس في الملذات الحرام.
يسلط عليه مردة الجن، الذين يتعاملون مع السحرة، وينقلون إلى السحرة أخبارهم، وبعض الضلالة، لكي يضل هذا الإنسان الذي يتعامل معه.
لكي يحقق مطامعه المالية والشهوانية، ويوهمه الناس بأنه يعلم الغيب، ويدخلهم في أوهام لا تنتهي، من أجل أن ينتهز من أموالهم، ويضعهم في عماية عن الحقيقة.
قرين الشيطان رتبته عند ابليس
أخرج الإمام مسلم في صحيحه، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سرايا.
فأدناهم منه منزلة، أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول له الشيطان: ما صنعت شيئاً، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بنيه وبين أهله، فيدنيه ويقول: نعم أنت.
وفي حديث آخر شاهد عند ابن حبان، من حديث أبي موسى الأشعري، بإسناد صحيح قال: إذا أصبح ابليس بث جنوده فيقول:
من أضل اليوم مسلماً ألبسته التاج، فيخرج هذا فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته، فيقول الشيطان: أوشك أن يتزوج فيحصن نفسه.
ويجيء هذا ويقول: لم أزل به حتى عق والديه، فيقول: يوشك أن يبرهما، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك.
فيقول: أنت أنت، ويجيء هذا ويقول: لم أزل به حتى قتل، فيقول الشيطان: أنت أنت، ويلبسه التاج.
وقال سيدنا موسى عليه السلام في القرآن الكريم (هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين)
قوة القرآن الكريم على السحر والشعوذة
الإنسان بقدر معصيته واهماله للطاعات، وانغماسه في الملذات، وبقدر تطاوله على الذات الإلهية، فالله يعاقبه بمس من القرين الشيطان، فيصبح إنسان آخر.
الوحي قوة فتاكة، لا تستطيعه البلطة، أي السحرة والمشعوذون، ومن مسهم الشيطان عن طريق القرين وسوساته، لا يصمدون ولا ثانية أمام القرآن الكريم.
فكل ما عند الشياطين من واسوس ومشكلات، تنتهي وتزول عند ذكر الله عز وجل، بقلب حاضر، فيجب قراءة القرآن بقلب حاضر.
والله سبحانه وتعالى تلكم في القرآن، وجعله شفاء للأبدان، وحرباً عل أهل المكر والطغيان، وحرزاً للمؤمنين من القرين الشيطان، فلا تصمد السحرة أمام سماع هذا الوحي، بل تضيق به وتكاد تتمزق.
وفي قصة لأحد أقربائي، جاء ساحر من الهند إلى الشام، فكان كل شخص يضمر شيئاً في نفسه، والساحر يكشف هذا الشيء.
بثمن ليرة ذهبية، فكان أحدهم يفكر في قضية ما، والساحر يدخل إلى غرفة، ويخرج يقول للشخص أنت تفكر بكذا.
فتزلزل الناس، وكأنه يعلم الغيب، وأن لديه القرين من الجن، فذهب إليه رجل علم، وأضمر في نفسه الله ورسوله، وقرأ القرآن، فدخل الساحر وخرج من غرفته، لا يجد شيئاً.
وأعادها مرة أخرى لم يجد شيئاً، وللمرة الثالثة ولم يظهر معه شيء، فذهب ولم يأت مرة أخرى إلى هذا البلد.
إيمان الجن بالقرآن الكريم
مما قاله سيدنا علي كرم الله وجهه عن القرآن: قال الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل.
من تركه من جبار قسمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره، أضله الله، وهو حبل الله المتين، هو الذكر الحكيم، والسراط المستقيم.
هو الذي لا تزيق به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع به العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه.
هو الذي لا تنتهي الجن إذ سمعته، حتى قالوا إنا سمعنا قرآناً عجبا، يهدي إلى الرشد فآمنا به، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إلهي هدي إلى سراط مستقيم.
فالسلاح الفتاك هو ذكر الله، وتلاوة القرآن، آية الكرسي والمعوذتين والبقرة وآل عمران، أقرب السور إلى إبطال عمل السحرة.
قوة القرآن الكريم على الجبل
ويقول الله عز وجل (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)
قال بعض العلماء: يعذر الله الجبل الأصم، ولم يعذر شقي بني آدم، هل رأيتم أحداً قط تصدعت جوانحه من خشية الله؟
يقول ابن جرير الطبري في تفسيره: يقول جل ثناءه: لو أنزلنا هذا القرآن على حجر، لرأيته يا محمد خاشعاً، متذللاً متصدعاً من خشية الله على قساوته.
حذار من ألا يؤدي حق الله المفترض عليه، في تعظيم القرآن، وقد أنزل على ابن آدم، وهو بحقه مستخف، وعنه عما فيه من العبر والذكر معرض، كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا.
والإنسان حينما يقرأ قوله تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) فكل الأشياء تسبح بحمد الله.
والإنسان يميل إلى كلام الدجالين والمشعوذين والجاهلين، تطاولاً وافتراءً على رب العالمين، ويتبعون كلام القرين من الشياطين.
القرآن يزلزل السماء الدنيا
أحد الصحابة، وهو عبد الله بن مسعود، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا تكلم الله بالوحي، سمع أهل السماء الدنيا صلصة كجر السلسلة على الصفد.
فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، حتى إذا جاءهم جبريل، فزع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل، ماذا قال ربك؟ فيقول: الحق، فيقولون: الحق الحق.
وفي حديث آخر، يقول عليه الصلاة والسلام: إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر، تكلم بالوحي، فإذا تكلم، أخذت السماوات منه رعدة شديدة، خوفاً من الله تعالى.
فإذا سمع ذلك أهل السماوات، صعقوا وخروا لله سجداً، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه، بما أراد.
ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء، يسأله ملائكته: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ يقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير، فيقول الملائكة: اللهم مثلما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي، إلى حيث أمره الله عز وجل.
العلاج بالقرآن الكريم
ويقول الله عز وجل (لا تنفع الشفاعة عنده إلى لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير)
أيها الأخوة، العلاج بالوحي، لمن مسه الجن، هو أجدى أنواع العلاج، أي بالقرآن الكريم، وقد وصف النبي الكريم سورة البقرة، أنها سورة لا تستطيعها البطلة، أي السحرة، وفي أخذها شفاء وبركة.
وقال الإمام أحمد، عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأوا القرآن، فإنه شافع لأهله يوم القيامة.
اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة، كأنهما غمامتان، أو كأنهما فرقان من طير صراف.
يحاجان عن أهلهما يوم القيامة، ثم قال: اقرأوا البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة.
يعني المخلص أنه إذا شكى لك أحد، أنه قد مسه الجن أو القرين الشيطان، قل له عليك بتلاوة القرآن، بقلب حاضر خاشع، ولاسيما سورة البقرة وآل عمران.
بعض العلماء قالوا: اعترف رؤساء المنجمين من الأولين والآخرين، أن أهل الإيمان، أهل العبادات والدعوات.
يرفع الله عنهم ببركة عبادتهم وتوكلهم على الله، ويعترفون أيضاً بأن أهل العبادات والدعوات، ذوي التوكل على الله، يعطون من ثواب الدنيا والأخرة، ما ليس في قوى الأفلاك أن تجلبه.