فيلم الجوكر : السلام عليكم. أنا اليوم تذكرت سبب عشقي للسينما والأفلام، وإحساس الانبهار عند انتهاء الفيلم.
في المرة الأخيرة التي مررت بها بهذه الحالة عندما شاهدت فيلم interstellar، و فيلم الجوكر مختلف تماماً عن interstellar، ولكن حالة الانبهار والحاجة لرؤيته ثانية كانت ملحة.
لأني فعلاً رأيت أداءً مميزاً، وأي شخص فقد الأمل في هوليوود وفقد الأمل في الأفلام، سيرجعه هذا الفيلم إلى الأمل فهو تحفة فنية.
قصة فيلم الجوكر
ليست القصة عن الجوكر بل عن آرثر فليك وهناك فرق، فلسنا نرى الجوكر المجنون المتغطرس الذي لديه جنون العظمة.
بل سنعيش مع أرثر فليك، ونعيش تفاصيل حياة هذا الشخص قبل تحوله إلى الجوكر، كيف كانت حياته وكيف يعيش من أبسط الأمور إلى أكبرها.
ما هي التحديات والمصاعب التي واجهها والتي جعلته يتحول من إنسان بسيط وعادي، يمكن ألا تلاحظه، ويصبح من أهم الشخصيات المجنونة والشريرة في عالم الكوميكس والأفلام ككل بشخصية الجوكر.
هذا الفيلم ليس فيلم أكشن رغم أن الشخصية مستوحاة من عالم الكوميكس، لكن بعيد تماماً عن أفلام الكوميكس التقليدية التي نراها مؤخراً.
فهو يمثل فئة الكوميكس بطريقة منفصلة وغريبة، وهو عبارة عن دراسة حالة من أدق تفاصيلها.
بالنسبة لي هذا الفيلم درامي ولا يهمني أي تصنيف في أي موقع في العالم، هذا الفيلم درامي بأبهى صورة.
نقاط القوة في الفيلم
فيلم الجوكر هو دراسة متكاملة لشخصية الجوكر تبدأ بآرثر وتنتهي بالجوكر، تبدأ مع آرثر الإنسان البسيط ومع الوقت ستنتهي بشخصية مختلفة تماماً.
بناء الشخصية
لكن الجميل أن بناء الشخصية كان متدرجاً وبطيئاً، كان يمر بمنعطفات مهمة جداً، تغير تدريجي للشخصية من أرثر إلى الجوكر.
وهذا النوع من بناء الشخصيات والتدرج افتقدته في الأفلام لفترة طويلة جداً، أصبحنا لا نجده إلا في المسلسلات وبشكل نادر.
التدرج متقن للغاية، التحول للشخصية رائع جداً في فيلم طوله يزيد قليلاً عن الساعتين، أمر فريد وجميل جداً.
عدا عن أن النهاية أهم شيء، عند تحول الشخصية وتصل إلى الجوكر، أنت تتقبل كل ما يفعله لا ترى أن ما يفعله خاطئاً ولا مبالغ به. كل ما مر به أثناء الفيلم ستكون مبرراً كافياً لأي شيء يفعله الجوكر.
مع أن القصة واضحة فنحن نرى شخصاً يتحول إلى شخص أخر مجنون، وتقريباً من الفيلم الدعائي نرى ما سيحدث له، وكيف أن سوء المعاملة لهذا الشخص هو ما يجعله يتحول.
لكن نوعاً ما كان متوقعاً، ولكن الأساس هو السرد القصصي. دائماً وأبداً الشخصيات الشريرة تكون عظيمة عندما نفهمها وندخل في تفاصيلها.
مع أني مؤمن تماماً بعدم وجود خير مطلق ولا شر مطلق، لكن أي شرير يتعامل بطريقة وحشية لو فهمنا منطقه، ولو كان لديه منطق أساساً وفلسفة وخلفية، وقدرنا أن نفهم خلفيته وشخصيته سنستمتع بها أكثر.
هذا الفيلم بكامله كي نفهم هذه الشخصية.
المخرج
المخرج تود فيليبس وهو مخرج لم يكن أحد يعرف اسمه من قبل، قدم أفلاماً معروفة كوميدية وهي سلسلة هانغوفر وفيلم ديو ديت لروبرت داوني جونيور. فهو مخرج كوميديا.
ولو أني رأيت فيلم الجوكر دون أن أعرف أي معلومة عن المخرج، فمن المستحيل أن أتصور بأن مخرج كوميديا يمكن أن يخرج فيلم مظلم لهذه الدرجة.
لماذا أمدح المخرج بالذات بعيداً عن القصة والتمثيل، هو أن المخرج لديه رؤية ستلاحظها عند مشاهدتك للفيلم.
صدرت للمخرج عدة تصريحات، بأنه لن يقدم فيلم بطل خارق، وفعلاُ ليس كذلك، وصرح بأنه سيقدم شخصية الجوكر بطريقة مختلفة تماماً عن أي جوكر سبق ورأيناه.
وهذا كان تصريحاً قوياً بأن يخرج من عباءة شخصية الجوكر، وخصوصاً بدور هيث ليدجر وإخراج كريستوفر نولان العظيم في دارك نايت.
أو على الأقل كيف لا يتأثر بأفضل كوميك قدم لنا أصل شخصية الجوكر، لا بد أنه سيتأثر بالأفلام أو الكوميك. لكنه أصاب بقوله فقد قدم جوكراً مختلفاً.
فالجوكر بالنسبة لي أفضل شخصية في عالم الكوميكس بالكامل سواء الأشرار أو الأخيار. وقد رأيت كل الأفلام والأنيميشن لشخصية الجوكر وقرأت العديد من المجلات الكوميكس الخاصة بالجوكر.
لكن ما رأيته في هذا الفيلم مختلف، فحياته وبيئته وأسلوبه وحواره وتصرفاته، كلها مختلفة ومقنعة تماماً أن تصل به إلى جنون الجوكر. وهي الرابط الوحيد لكن بالأساس كان مختلفاً.
الإخراج
الإخراج كان جميلاً من الناحية التصويرية و فيلم الجوكر كئيب قاتم مظلم عميق، والجو العام يجب أن يوصلني لهذا الإحساس، وأوله من الألوان وتدرجها المائل جداً نحو الظلمة والكآبة.
وأماكن التصوير في أسوأ فترة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات، وكان هناك الكثير من المظاهرات والزبالة المرمية في الشوارع، الجو العام للمدينة وجو المظاهرات ككل كئيب وفوضوي
عدا أن هذا المخرج أقنع ستوديو وارنر بروذرز و دي سي أن يقوم بفيلم غير مصنف، فليس بشرط أن يحوي مشاهداً خادشة للحياء، ولكن مشاهد عنيفة ودموية وعميقة.
واستطاع اقناعهم، لأنه لم يطلب ميزانية عالية، بالنسبة لفيلم شازام الذي كلف 90 مليون دولار بينما فيلم الجوكر وكل الإبداع الذي فيه لم يكلف سوى 55 مليون دولار.
والسبب أن الفيلم لم يكن فيه تقنيات رهيبة وغرافيكس عالية ولا كمية كبيرة من الممثلين، الممثلون معدودون وبإنتاج خرافي بسيط جداً.
الموسيقا التصويرية
في هذا الفيلم لديك أغنيتين كلاسيكيتين مهمتين جداً، وكانت تظهر في أوقات مهمة في الفيلم تسبب تصاعد درامي جميل، مع أنها كلاسيكية معروفة لكنها سترتبط ارتباط وثيق بالقصة.
التمثيل
وعندما أقول التمثيل فإنني أصل أخيراً إلى خواكين فينيكس.
هذا الفيلم هو فيلم خواكين فينيكس، مع كل احترامي لكل طاقم التمثيل الذي كان موجوداً وعلى رأسهم روبرت دو نيرو، فلم أر أحداً سوى خواكين فينيكس.
كان موجود تقريباً في كل المشاهد في فيلم الجوكر ،من البداية حتى النهاية. فهذا الإنسان عبقري، لديه قدرة على التمثيل مهولة وقدرة على التحكم بملامح الوجه بطريقة لا تصور.
كان يضحك وهو يبكي أمامك، يضحك ولكن الصوت صوت بكاء. خواكين أمتعنا بمشاهد متعددة في نفس المشهد، هدوء وغضب، جنون وعقلانية، بكاء وضحك.
قبل أن يقوم خواكين بهذا الفيلم، درس حالة مرضية، تسبب للشخص أن يضحك أو يبكي لا إرادياً، واستطاع في الفيلم أن يقنعني بوجود هذا المرض، بمعاناة أي شخص يمكن أن يصاب بهذا المرض.
ضحكة الجوكر
ولو جئنا إلى الضحكة.
خواكين فينكيس لم يقدم لنا فقط ضحكة مميزة، سنميزها ونسمعها ولا ننساها، بل سنقارنها بالضحكة الأسطورية لهيث ليدجر. بعيدة تماماً.
فقد قدم ضحكة إن سمعناها سنتذكر الحزن، ضحكة تسمعها فلا تشعر إلا بالحزن.
غير أنه قام بتحول جسدي عظيم، آخر مرة أرى ممثلاً قام بهذا التحول الجسدي كان مع المجنون كريستيان بيل، لكن خواكين فينيكس لم ينحف فقط بل أصبح يشبه الهيكل العظمي.
وهذا النحول أثر أيضاً على حركة الشخصية، وكيف تجري وتلبس، وحتى هناك مشاهد يخرج من دون قميصه، كيف يجلس وعظامه بارزة. وككل يوضح لنا لأي درجة الحالة النفسية لهذا الشخص منهارة.
الجميل أنه جعلني أفهم آرثر، وبالتالي أفهم الجوكر . جعلني أشفق عليه وفي نفس الوقت أخاف منه، صنع هيبة لهذه الشخصية بأن أبرز أكثر الأشياء الضعيفة فيها.
الجوكر صنيعة المجتمع
في تعليق لشخص على الإنترنت يقول، حتى تصنع الجوكر وشخصيته في الثمانينات، كان يكفي أنك ترميه في سطل من الكيماويات.
وكان يقصد طبعاً شخصية الجوكر التي قام بها جاك نيكلسون. لكن في 2019 حتى تنتج الجوكر تحتاج أن ترميه في وسط المجتمع.
هذا بالضبط ما رأيناه في فيلم الجوكر ، أنه أرانا بشاعة المجتمع، ولأي درجة يمكن أن يكون بغيضاً إلى درجة يمكن أن يكون المسؤول عن كل المعاتيه الموجودون فيه.
هذا الفيلم أرانا الجوكر عن طريق مناقشة المجتمع، وعن طريق مناقشة السياسة، ودور الأب والأم، ومناقشة الأمراض النفسية وكيف تؤثر على المجتمع.
وكيف يجب التدخل في هذه الأمراض، لتوفير الإحتياجات اللازمة باكراً حتى لا ينتج لدينا مختلين عقلياً.
هذا الدور ببساطة يرشح بشكل تام للحصول على الأوسكار، ولو أن أي إنسان سيأخذ الأوسكار من خواكين فينيكس فسأكون سعيداً أنه سيقدم دوراً أعظم منه.
ويجب أن يكون دوراً عظيماً جداً، فهذا الدور أجمل دور رأيته في آخر خمس سنوات تقريباً وهذا فيلم أجمل فيلم رأيته في خمس سنوات. فترة طويلة. هذا الفيلم 10 من 10
فقرة الحرق
لمن لم يشاهد الفيلم حتى الآن توقف هنا، في هذه الفقرة سأتحدث عن أكثر الأشياء التي جعلتني مذهولاً وأنا أشاهد فيلم الجوكر .
في كل اللحظات التي كان يضحك فيها لا إرادياً، فكانت هناك أحيان أضحك معه وأضحك لست لأني مبسوط بل لأني أشعر بالقلق.
قلق على ما سيحدث على الشخصية، خصوصاً عندما كان يضحك وهو يقدم ستاند أب كوميدي، كان يمسك نفسه ويحاول أن يوقف الضحك فلا يستطيع.
وفي وسط الفيلم حزنت كيف تكونت العلاقة بينه وبين صاحبته وجارته، وكيف تعلقت به ووثقت به ورأت أنه إنسان عادي، وكنت أرى أن هذه نقطة معيبة في الفيلم.
إلى أن جاءتني الصفعة، بأنه لم تكن هناك صاحبة أصلاً، قفزت من مكاني عندما كنت أشاهد، عندما دخل الشقة وهي تفاجأت به، وتسأله من أنت وماذا تفعل هنا.
عبقرية تلك اللحظة
أحببت التدرج في العنف، وكيف بدأ كإنسان ضعيف للغاية، وكيف حتى عندما صاحبه يحادثه عن الأطفال والمراهقين الذين ضربوه، وكان يدافع عن المراهقين بأن يدعهم وشأنهم.
لأن هذا الشخص بنفسه يتدرج في الجنون، لدرجة في يوم من الأيام سيكون في القطار، ويقتل الذي معه في القطار.
القتل لأول مرة
لكن في المرة الأولى التي قتل فيها، أصيب بالهلع والخوف، وأصبح يجري كالمجانين، وبعدها يقتل أمه بكل برود بدون أي سبب.
في القطار قام بالقتل لأنه كان يدافع عن نفسه، لكن أمه قتلها من باب حقد وغل. لكن المشهد العظيم في الشقة عندما أتوه أصحابه، كيف تحول إلى الوحشية المطلقة، وكيف خرج الجوكر وجنونه ووحشيته.
كيف مشهد الميك اب الأبيض وقطرات الدم التي أتت على وجهه وعلى الجدار، هنا بدأنا بالدخول في الشخصية أكثر فأكثر.
مشهد الانعطاف في الشخصية
لكن الأجمل طبعاً، عندما ارتدى زيه ووضع الميك اب بالكامل، وخرج للعالم بطريقة مختلفة، وليس آرثر المنكسر الذي يسير في الشوارع خفيض النظر ويخاف من أي أحد.
يصعد درج بيته منكسراً ويحمل أكياساً ويصعد بها، ففي وسط الدرج يرقص يتخيل الموسيقا ويرقص.
وصلت ثقته بنفسه لأعلى درجة، ووصل إلى القطار، ورأى الكل، وأن هناك حالة فوضى وهو سعيد بها.
دخل البرنامج الذي سخر منه ووضع رجلاً على رجل، وأخذ الحوار كله وهو يتحدث إلى ان وصل إلى قمة الجنون وقتل شخصية روبرت دو نيرو.
اكتمال التحول
هنا اكتملت شخصية الجوكر واكتملت الغطرسة وتابع، وهو موجود مع الشرطة وداخل سيارتهم ووضع رأسه على الشباك.
إلى أن ينتبه ويرى الفوضى منتشرة في كل مكان في المدينة من حرائق وتكسير وضرب ويبتسم. هذا هو مفهوم الجوكر، الفوضى، كل ما سبق كان شيئاً ونهاية فيلم الجوكر كان شيئاً آخر، العظمة.
وعندما قام ليرى الجماهير أمامه، ووقف ورقص وأخذ الدم من فمه ورسم الضحكة الخاصة بالجوكر، هنا اكتملت الشخصية.
بحيث يمكنك أخذ هذا الجوكر من هذا المكان، وأضعه في أي فيلم وأي أنيميشن وأي كوميك، سيكون ملائماً تماماً بأن يقوم بكل الأشياء المجنونة التي كان يقوم بها.
قصة فيلم الجوكر 10 من 10 يا جماعة.
كان معكم ماهر موصلي أراكم في الحلقة القادمة إن شاء الله.