أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي التيمي.
خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه ورفيقه وأحب الناس إليه، وأفضل هذه الأمة بعد رسولها صلى الله عليه وسلم.
خصال أبو بكر الصديق
ولد بعد عام الفيل بسنتين ونصف وكان رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قبل البعثة واستمر معه طول مقامه في مكة.
وكان رفيقه في الهجرة وفي الغار وفي المشاهد كلها إلى أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان رضي الله عنه نحيفاً خفيف العارضين محبباً إلى قومه مؤلفاً سهلاً، وكان أعلم قريش بأنسابهم وبما لقريش من المثالب والمناقب.
فكان قومه لذلك يحبون مجالسته لمعروفه ولتجاربه ولحسن حديثه. فكان يدعو إلى الإسلام من يثق بهم من قومه فأسلم على يديه العلية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسلم على يديه عثمان بن عفان وطلحة بن الزبير وسعد بن أبي وقاص والزبير بن عوام وعبد الرحمن بن عوف وهؤلاء من العشرة المبشرين بالجنة. كلهم أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنه.
ومناقبه رضي الله عنه كثيرة جداً، طوّل ابن عساكر ترجمته في تاريخ دمشق، وترجمته مطوّلة في سائر الكتب التي وضعها أصحاب التراجم والسير.
مناقبه وفطنته
من بعض مناقبه رضي الله عنه ما رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال:
إن الله تعالى خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله. فبكى أبو بكر.
وهذا ما يدلكم على لطف فطنته، وحدة ذكائه، أن يفهم بالإشارة ما لم يفهمه أحد.
قال أبو سعيد: فعجبنا من بكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هوالمخيّر وكان أبو بكر أعلمنا.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقينّ في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر.
خصومته مع عمر بن الخطاب
ومن ذلك ما رواه البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ردائه حتى أبدى عن ركبته.
فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الهيئة قال: أما صاحبكم فقد غامر، أي دخل في خصومة.
فأقبل فسلّم فقال: يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى فاقبلت إليك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغفر الله لك يا أبا بكر، يغفر الله يا ابا بكر، يغفر الله لك يا أبا بكر.
ثم إن عمر رضي الله عنه ندم فأتى منزل أبي بكر، فقال: أثم أبو بكر؟ فقيل: لا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر.
خاف من أن يصدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر شيء يكون فيه هلاكه، فجثا على ركبتيه يتوسط لعمر، ويقول: يا رسول الله والله أنا كنت أظلم أنا كنت أظلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدقت، وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي. فما أوذي بعدها.
ومن مناقبه رضي الله عنه ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ملأ أحد عندنا يد إلا وقد كافيناه بها.
إلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ألا فإن صاحبكم خليل الله وما نفعني مال أحد ما نفعني مال أبي بكر.
سبب لقبه الصديق
وسبب تلقيبه الصدّيق ما رواه الحاكم في مستدركه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أصبح الناس يتحدثون وارتد قوم ممن كانوا آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبعوه.
هذه محكاة، العقل يجزم بأن ذلك لا يكون، من مكة إلى بيت المقدس في فلسطين يذهب في الليل ويرجع قبل أن يصبح الناس ويصلي معهم الصبح. فكيف يكون؟
وبيت المقدس تضرب إليه آباط الإبل في المدد المتطاولة، ولكن آمنت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً فما كان ليكذب.
فارتد قوم ممن كانوا آمنوا به واتبعوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر، فقالوا: أما ترى صاحبك يقول يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس.
فقال رضي الله عنه: أوقال ذلك؟ فقالوا: نعم. فقال: إن قال، لقد صدق. فقالوا له: وتصدقه بأنه ذهب إلى بيت المقدس ورجع قبل أن يصبح؟ فقال: إني أصدقه بما هو أبعد من ذلك.
أصدقه فيما أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء بين غدوة وروحة، أيهما أبعد؟ بيت المقدس نعم بعيد لكنه في الأرض، فأصدقه عندما يقول جاء خبر من السماء في غدوة وروحة فلقّب بالصدّيق.
يوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تلك الفجيعة التي يفجع المسلمون بمثلها قبلها ولا يفجعون بمثلها بعدها. طاشت عقول ذوي العقول والباب ذوي الألباب.
ومن أمثل أولئك الذين طاشت عقولهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يحلف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت، وبعد ذلك إذا حدث بذلك قال ما كان يقع في نفسي مثل هذا.
كان يقع في نفسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت فكان يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم.
في ذلك الوقت كان أبو بكر في السلح عند إحدى نسائه والسلح في العوالي، فأقبل رضي الله عنه على فرسه حتى دخل المسجد فلم يكلم أحداً حتى دخل بيت عائشة.
فيمم النبي صلى الله عليه وسلم فوجده مغشىً بثوب حبر فكشف عن وجهه وأكب عليه يقبله ويبكي ويقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله والله لا يجمع عليك الله موتتين. أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد متها.
خروجه إلى الناس
ثم خرج إلى الناس وعمر قائمُ يكلم الناس فأمره بالجلوس فلم يجلس عمر فلما رأى الناس أبا بكر التفوا حوله وتركوا عمر.
فقال رضي الله عنه كلمته المشهورة: أيها الناس أما بعد فمن كان منكم يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
ثم تلا قول الله تعالى ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين )
قال الراوي: فكأن الله لم ينزل تلك الآية إلا الساعة، كأن الناس ما علموا أن الله أنزل تلك الآية إلا حين تلاها أبو بكر، فما ترى من أحد إلا وهو يتلوها.
قال عمر رضي الله عنه: فما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها حتى عقرت، حتى ما تقلني رجلاي حتى أهويت، فلما سمعت أبا بكر قرأها علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات.
وكانت تلك الفلتة التي وقى الله المؤمنين شرها.
البيعة بالخلافة
لما اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وأرادوا أن يتكلموا في مسألة الخلافة، رسول الله سيد الأمة وقائدها مات، فمن يحكم الناس بعده؟
فاجتمعوا فقال عمر رضي الله عنه: يا أبا بكر هلمّ بنا إلى إخواننا من الأنصار.
قال: فذهبنا فوجدناهم في سقيفة بني ساعدة وبين ظهرانيهم رجلُ مزّمل. فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة. فقلت: ما له؟ فقالوا: يوعك. فجلسنا قليلاً.
فقام خطيبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت منكم دافة، فإذا هم يريدون أن يختزلون عن أصلنا ويحبوننا من الأمر.
قال عمر: فأردت أن أتكلم بكلمة بين يدي أبي بكر، كنت هيأت مقالة في نفسي أعجبتني أقدمها بين يدي أبي بكر. لكن كنت أداري منه بعض الحد فأردت أن أجمل المجلس بكلام بين يديه.
فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك، قال: فكرهت أن أغضبه. فقام فتكلم فوالله لقد كان هو أحلم مني وأوقر وما ترك كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها أو قال أحسن منها في بديهتي.
وكان مما قال رضي الله عنه: أما بعد فما ذكرتم من الخير فهو فيكم وأنتم أهله، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذه الفئة من قريش.
ولقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم.
ولقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، وأشار بيده إلى عمر بن الخطاب وإلى أبي عبيدة بن الجراح. قال عمر: فما كرهت شيئاً مما قاله إلا هذه الكلمة.
والله قد كان أحب إلي أن أقدّم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك من إثم، هذا كان أحب إلي أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر. فقلت: يا أبا بكر ابسط يدك أبايعك. فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار.
موته
ومات رضي الله عنه سنة 13 من الهجرة.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه من الموافقات، ولد بعد عامين من ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بعد عامين حتى يكون عمره موافقاً لعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات.
كأن الله يريد أن يوافق بينهما حتى في هذه.