إسلامقصص وحكايات

من هو المسيح الدجال ؟


هل المسيح الدجال هو ابن صياد؟

من هو المسيح الدجال ؟

ابن صياد، اسمه صافي، وقيل عبد الله بن صياد، أو صائد، كان من يهود المدينة، وقيل من الأنصار، وكان صغيراً عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة.

ذكر بن كثير، أنه أسلم، وكان ابنه عمارة من سادات التابعين، روى عنه الإمام مالك وغيره، وترجم له الذهبي في كتابه، تجريد أسماء الصحابة، فقال:

عبد الله بن صياد، أورده بن شاهين، وقال: هو ابن صائد، كان أبوه يهودياً، فولد عبد الله أعور مختوناً، وهو الذي قيل أنه الدجال، ثم أسلم، فهو تابعي له رؤية.

وترجم له الحافظ بن حجر، في الإصابة، وذكر ما قاله الذهبي ثم قال: ومن ولده عمارة بن عبد الله بن صياد، وكان من خيار المسلمين، من أصحاب سعيد بن المسيب، روى عنه مالك وغيره،

ثم ذكر جملة من الأحاديث، في شأن بن صياد وقال:

وفي الجملة لا معنى لذكر بن صياد في الصحابة، لأنه إن كان الدجال، فليس بصحابي قطعاً، لأنه يموت كافراً، وإن كان غيره، فهو حال لقيه النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن مسلماً.

لكن إن أسلم بعد ذلك، فهو تابعي له رؤية، كما قال الذهبي، ترجم ابن حجر في كتابه، تهذيب التهذيب، لعمارة بن صياد فقال:

عمارة بن عبد الله بن صياد الأنصاري، أبو أيوب المدني، روى عن جابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، وروى عنه الضحاك بن عثمان الخزامي، ومالك بن أنس وغيرهما.

قال ابن معين والنسائي ثقة، وقال أبو حاتم صالح الحديث، وقال ابن سعد كان ثقة، قليل الحديث، وكان مالك بن أنس، لا يقدم عليه في الفضل أحدا.

امتحان النبي صلى الله عليه وسلم لصياد المسيح الدجال

لما شاع بين الناس أمر ابن صياد، وأنه هو الدجال، أراد النبي صلى الله عليه وسلم، أن يطلع على أمره  ويتبين حاله.

فكان يذهب إليه مختفياً، حتى لا يشعر به ابن صياد، رجاء أن يسمع منه شيئاً، وكان يوجه إليه بعض الأسئلة، التي تكشف عن حقيقته.

ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه، أن عمر انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم، في رهط قبل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان.

عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد الحلم، فلم يشعر حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال لابن صياد:

تشهد أني رسول الله؟ فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، فقال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟

فرفضه، وقال: آمنت بالله وبرسله، فقال له: ما ترى؟ قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خلط عليك الأمر.

ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إني خبأت لك خبيئا، فقال ابن صياد: هو الدخ، فقال: اخسأ فلن تعدو قدرك، فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن يكن هو، فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هو، فلا خير لك في قتله.

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما ترى؟ قال أرى عرشاً على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترى عرش إبليس على البحر، وما ترى؟

قال: أرى صادقين وكذابا، أو كاذبين وصادقا، فقال رسول الله صلى  الله عليه وسلم: لبس عليه، دعوه، وقال ابن عمر رضي الله عنهما، انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بن كعب إلى النخل، التي فيها ابن صياد.

وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئاً، قبل أن يراه ابن صياد، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مضجع، أي في قطيفة له، فيها رمزة أو زمرة.

فرأت أم ابن صياد، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: يا صاف، وهو اسم ابن صياد، هذا محمد صلى الله عليه وسلم، فثار ابن صياد.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو تركته بين، وقال أبو ذر رضي الله عنه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد بعثني إلى أمه، قال: سلها كم حملت به.

فأتيتها فسألتها، فقالت: حملت به إثني عشر شهراً، قال ثم أرسلني إليها، فقال: سلها عن صيحته حين وقع، قال: فرجعت إليها فسألتها، فقالت: صاح صياح الصبي ابن شهر.

ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد خبأت لك خبأ، قال خبأت لي خطم شات عفراء، والدخان؟ فقال: أراد أن يقول الدخان، فلم يستطع، فقال الدخ.

فامتحان النبي صلى الله عليه وسلم له بالدخان، ليتعرف على حقيقة أمره، والمراد بالدخان هنا، قوله تعالى (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين).

فقد وقع في رواية ابن عمر، عند الإمام أحمد، أني قد خبأت لك خبئأً، وخبأ له يوم تأتي السماء، بدخان مبين.

قال ابن كثير: إن ابن صياد، كاشف على طريقة الكهان، بلسان الجان، وهم يقرطون، أي يقطعون العبارة، ولهذا قال هو الدخ، يعني الدخان.

فعندها عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مادته، وأنها شيطانية، فقال له: اخسأ، فلن تعدو قدرك.

وفاة ابن صياد المسيح الدجال

عن جابر رضي الله عنه قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة، وقد صحح ابن حجر هذه الرواية، وضعف قول من ذهب إلى أنه مات في المدينة، وأنهم كشفوا عن وجهه وصلوا عليه.

هل ابن صياد هو الدجال الأكبر؟

مضى في الكلام على أحوال ابن صياد، وامتحان النبي صلى الله عليه وسلم له، ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان متوقفاً في أمر ابن صياد.

لأنه لم يوحى إليه أنه الدجال، ولا غير ذلك، وكان عمر رضي الله عنه، يحلف عند النبي صلى الله عليه وسلم، أن ابن صياد هو الدجال، ولم ينكر عليه ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم، يرى رأي عمر، ويحلف أن ابن صياد هو الدجال، كما ثبت ذلك عن جابر، وابن عمر وأبي ذر.

ففي الحديث عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله، يحلف بالله أن ابن صياد، هو الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك، عند النبي صلى الله عليه وسلم.

فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، وعن نافع قال: كان ابن عمر يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال، هو ابن صياد.

وعن زيد بن وهب قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: لأن أحلف عشر مرات، أن ابن صائد هو الدجال، أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة، أنه ليس به.

وعن نافع قال: لقي ابن عمر ابن صائد، في بعض طرق المدينة، فقال له قولاً أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السكة، فدخل ابن عمر على حفصة، وقد بلغها.

فقالت له: رحمك الله، ما أردت من ابن صائد؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما يخرج من غضبة يغضبها.

وفي رواية عن نافع قال: قال ابن عمر: لقيته مرتين، قال: فلقيته فقلت لبعضهم، هل تحدثون أنه هو؟ قال: لا والله، قلت: كذبتني والله، لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت، حتى يكون أكثركم مالاً وولداً، فكذلك هو زعم اليوم.

قال: فتحدثنا ثم فارقته، فلقيته مرة خرى، وقد نفرت عينه، قال: فقلت متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: لا أدري، قلت لا تدري؟ وهي في رأسك؟ قال: إن شاء الله خلقها، في عصاك هذه.

قال: فنخر كأشد نخير حمار سمعت، قال: فزعم بعض أصحابي، أني ضربته بعصا، كانت معي حتى تكسرت، وأما أنا فوالله ما فعلت.

قال: وجاء حتى دخل على أم المؤمنين، فحدثها فقالت: ما تريد إلي؟ ألم تعلم أنه قد قال: إن أول ما يبعثه على الناس، غضب يغضبه.

قول الصياد عن نفسه

وكان ابن صياد، يسمع ما يقول الناس فيه، فيتأذى من ذلك كثيراً، ويدافع عن نفسه، من أنه ليس الدجال، ويحتج على ذلك، بأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، من أن صفات الدجال، لا تنطبق عليه.

ففي الحديث، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خرجنا حجاجاً أو عماراً، ومعنا ابن صائد، قال: فنزلنا منزلاً، فترفق الناس، وبقيت أنا وهو.

فاستوحشت منه وشحة شديدة، مما يقال عليه، قال: وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي، فقلت: إن الحر شديد، فلو وضعته تحت تلك الشجرة، قال: ففعل.

قال: فرفعت لنا غنم، فانطلق، فجاء بعس، فقال: اشرب أبا سعيد، فقلت: إن الحر شديد وللبن حار، ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده، أو قال: آخذ عن يده.

فقال: أبا سعيد، لقد هممت أن آخذ حبلاً، فأعلقه بشجرة، ثم أختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد من خفي عليه، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي، عليكم معشر الأنصار.

ألستم من أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو كافر وأنا مسلم.

أوليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عقيم لا يولد له، وقد تركت ولدي بالمدينة، أوليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل المدينة ولا مكة، وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة.

قال أبو سعيد الخدري: حتى كدت أن أعذره، ثم قال: أما والله، إني لأعرفه وأعرف مولده، وأين هو الآن، قال: قلت له: تباً لك سائر اليوم.

وقال ابن صياد، في رواية: أما والله، إني لأعلم الآن حيث هو، وأعرف أباه وأمه، قال: وقيل له أيسرك أنك ذاك الرجل، فقال: لو عرض علي ما كرهت.

رأي العلماء في ابن صياد

وقد التبس على العلماء، ما جاء في ابن صياد، وأشكل عليهم أمره، فمن قائل أنه الدجال، ويحتج على ذلك بما سبق ذكره، من حلف بعض الصحابة رضي الله عنهم، على أنه الدجال.

وبما كان من أمره مع ابن عمر، وأبي سعيد رضي الله عنهم، وذهب بعض العلماء، أن ابن صياد ليس هو الدجال، واحتجوا على ذلك، بحديث تميم الداري رضي الله عنه.

وقبل أن نسوق في أقوال الفريقين، نذكر حديث تميم بطوله:

روى الإمام مسلم، بسنده إلى عامر ابن شراحيل الشعبي، أنه سأل فاطمة بنت قيس، اخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول.

فقال: حدثيني حديثاً سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تسنديه إلى أحد غيره، فقالت: لئن شئت، لأفعلن، فقال لها: أجل حدثيني.

فذكرت قصة حين تأيمت من زوجها، واعتدادها عند ابن أم مكتوم، ثم قالت: فلما انقضت عدتي، سمعت نداء المنادي، مناد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينادي الصلاة جامعة.

فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في صف النساء، التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك.

فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم، لأن تميماً الداري، كان رجلاً نصرانياً.

فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً، وافق الذي كنت أحدثكم، عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية، مع ثلاثين رجلاً من لخم وجزامة.

فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر، حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، وهي سفينة صغيرة، تكون مع الكبيرة كالجنيبة، يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم.

فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب، أي غليظة الشعر، كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره، من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة.

وسميت بذلك، لتجسسها أخبار الدجال، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق.

المسيح الدجال مكبل بالسلاسل

قال: لما سمت لنا رجلاً، فرقنا، أي خفنا منها، أن تكون شيطانة، فانطلقنا سراعاً، حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط، خلقاً وأشده وثاقاً.

مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟

قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، أي هاج، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه.

فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فالتقينا دابة أهلب، كثير الشعر، لا يدرى قبله من دبره، من كثرة الشعر.

فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق.

فأقبلنا إليك سراعاً، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن نخل بيسان، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟

قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا هي كثيرة الماء.

قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر، وهي بلدة تقع في الجانب القبلي من الشام، قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟

قال: هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟

قالوا: قد خرج من مكة، ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فاخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب، وأطاعوه.

قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أما إن ذاك خير لهم، أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج.

فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا أهبطها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما.

كلما أردت أن أدخل واحدة منهما، استقبلني ملك بيده السيف سلطاً، يصدني عنها، وإن على كل نقب منها، ملائكة يحرسونها.

قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعن بمخصرته في المنبر، وقال: هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة، يعني المدينة.

ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم، فإنه أعجبني حديث تميم، أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة، وعن مكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن.

لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو، قال القاضي: لفظة ما هو، زائدة صلة للكلام، ليست بنافية، والمراد إثبات أنه في جهات المشرق.

وأومأ بيده إلى المشرق، قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم في صحيحه.

أقوال العلماء في ابن صياد

قال أبو عبد الله القرطبي: الصحيح أن ابن صياد هو الدجال، بدلالة ما تقدم، وما يبعد أن يكون للجزيرة في ذلك الوقت، ويكون بين أظهر الصحابة في وقت آخر.

وقال النووي: قال العلماء: وقصته مشكلة، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال أم غيره، ولا شك في أنه دجال، من الدجاجلة.

قال العلماء: وظاهر الأحاديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يوحى إليه من أنه المسيح الدجال، ولا غيره.

وإنما أوحي إليه، بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره.

ولهذا قال لعمر رضي الله عنه: إن يكن هو، فلن تستطيع قتله، وأما احتجاجه هو بأنه مسلم، والدجال كافر، وبأنه لا يولد للدجال، وقد ولد له هو.

وأنه لا يدخل مكة والمدينة، وأن ابن صياد دخل المدينة، وهو متوجه إلى مكة، فلا دلالة له فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما أخبر عن صفاته، وقت فتنته وخروجه في الأرض.

ومن اشتباه قصته، وكونه أحد الدجاجلة الكذابين، قوله للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله، ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب، وأنه يرى عرشاً فوق الماء.

وأنه لا يكره أن يكون هو الدجال، وأنه يعرف موضعه، وقوله: إني لأعرفه، وأعرف مولده، وأين هو الآن، وانتفاخه حتى ملأ السكة.

وأما إظهاره الإسلام، وحجه وجهاده، واقلاعه عما كان عليه، فليس بصريح في أنه غير الدجال،

وكلام النووي، يفهم منه أنه يرجح كون ابن صياد هو الدجال.

وقال الشوكاني: اختلف الناس في أمر ابن صياد، اختلافاً شديداً، وأشكل أمره، حتى قيل فيه، كل قول، وظاهر الحديث المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم.

كان متردداً في كونه الدجال أم لا، فقد أجيب عن التردد منه صلى الله عليه وسلم، بجوابين، الأول أنه تردد صلى الله عليه وسلم، قبل أن يعلمه الله بأنه هو الدجال.

فلما أعلمه لم ينكر على عمر حليفه، والثاني أن العرب قد تخرج الكلام مخرج الشك، وإن لم يكن في الخبر شك.

اختلاف في ابن صياد والمسيح الدجال

ومما يدل على أنه هو الدجال، ما أخرجه عبد الرزاق، بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: لقيت ابن صياد يوماً، ومعه رجل من اليهود، فإذا عينه قد طفت، وهي خارجة مثل عين الحمار.

فلما رأيتها قلت: يا ابن صياد، متى طفت عينك؟ قال: لا أدري والرحمن، قلت: كذبت، وهي في رأسك، قال: فمسحها ونخر ثلاثاً.

والذي يظهر من كلام الشوكاني، أنه مع القائلين، بأن ابن صياد هو الدجال الأكبر، وقال البيهقي في سياق كلامه، على حديث تميم،

فيه أن الدجال الأكبر، الذي يخرج في آخر الزمان، غير ابن صياد، وكان ابن صياد أحد الدجالين الكذابين، الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجهم.

وقد خرج أكثرهم، وكأن الذين يجزمون بأن ابن صياد هو الدجال، لم يسمعوا بقصة تميم، وإلا فالجمع بينهما بعيد جداً.

إذ كيف يلتئم، أن يكون من كان في أثناء الحياة النبوية، شبه محتلم، ويجتمع به النبي صلى الله عليه وسلم، أن يكون في آخرها شيخاً كبيراً، مسجوناً في جزائر البحر، موثوقاً بالحديد، يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وسلم، هل خرج أم لا.

فالأولى أن يحمل، على عدم الإطلاع، أما عمر، فيحتمل أن يكون ذلك منه، قبل أن يسمع قصة تميم، ثم لما سمعها، لم يعد إلى الحلف المذكور.

وأما جابر، فشهد حلفه عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاستصحب ما كان اطلع عليه من عمر، بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم.

والجواب أن جابر رضي الله عنه، كان من رواة حديث تميم، كما جاء في رواية أبي داوود، حيث ذكر قصة الجساسة والدجال، بنحو قصة تميم.

ثم قال ابن أبي سلمة: إن في هذا الحديث شيئاً، ما حفظت، قال: شهد جابر، أنه هو ابن صائد، قلت: فإنه قد مات، قال: وإن مات، قلت: فإنه قد أسلم، قال: وإن أسلم، قلت: فإنه قد دخل المدينة، قال: وإن دخل المدينة.

فجابر رضي الله عنه، مصر على أن ابن صياد هو الدجال، وإن قيل أنه أسلم ودخل المدينة ومات، وقد تقدم أنه صح عن جابر رضي الله عنه، أنه قال فقدنا ابن صياد يوم الحرة.

وذكر شيخ الإسلام، أن أمر ابن صياد، قد أشكل على بعض الصحابة، فظنوه الدجال، وتوقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تبين له فيما بعد، أنه ليس هو الدجال.

وإنما هو من جنس الكهان، أصحاب الأحوال الشيطانية، ولذلك كان يذهب ليختبره، وقال ابن كثير: والمقصود، أن ابن صياد ليس بالدجال، الذي يخرج في آخر الزمان قطعاً، لحديث فاطمة بن قيس الفهرية، وهو فيصل في هذا المقام.

هذه هي طائفة من أقوال العلماء في ابن صياد، وهي كما ترون متضاربة، في شأن ابن صياد، ومع كل دليله، ولهذا، فقد اجتهد الحافظ بن حجر في التوفيق، بين الأحاديث والأقوال المختلفة فقال:

أقرب ما يجمع بين ما تضمنه حديث تميم، وكون ابن صياد هو الدجال، أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقاً، وأن ابن صياد شيطان، تبدى في صورة الدجال، في تلك المدة.

إلى أن توجه إلى أصبهان، فاستتر مع قرينه، إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها، ولشدة التباس الأمر في ذلك، سلك البخاري مسلك الترجيح، فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس، في قصة تميم.

 هاشتاق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى