هل الأموات يشعرون ويسمعون بالأحياء؟ هل لديهم إدراك يستطيعون به التعرف على من يزورهم ومن يكون في حضرتهم حين يموتون؟
الذي تواتر على سمعه من سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أن الميت يشعر بالحي وأن الميت يعرف سلام الحي عليه.
فعندما يمر حي على قبور الأموات ويسلم عليهم يعلمون ويردون السلام. وعندما يزور أحدهم أحد أقربائه في المقابر يشعر بزيارته.
لأننا ليس لدينا أن الموت هو عدم بل هو انتقال من دار إلى دار.
الفرق بين الأموات والأحياء في الإدراك
الإنسان له ثلاثة أحوال:
في حال الدنيا يكون الإدراك الأعظم للجسد والروح تابعة له، فنستطيع أن نقول 80% من الجسد و 20% للروح تقريباً.
في حال البرزخ يكون الإدراك الأعظم للروح والجسد تابع لها، ويوم القيامة يتساوى الإدراكان.
لذلك تجد في الدنيا أن أكثر ما يسعد الإنسان ويلتفت إليه هو الأعمال الدنيوية فيحتاج للمال والأكل والزواج وبناء منزل.
كل ما يهتم لأجله الإنسان في حياته الدنيا يكون في الغالب أموراً مادية.
عندما ينتقل الإنسان بعد ذلك إلى عالم البرزخ يصبح لديه إدراك ورؤية ومعرفة لكن الجسد يبلى.
الأعضاء التي يستطيع التصرف بها كالأيدي والأرجل تذهب ولا تظل موجودة، لكن الروح باقية ولا تفنى وموجودة.
ويدرك أن اللذة الحقيقية والنعيم الحقيقي هو الأعمال الدينية التي قدمها في حياته وكان يرجو بها وجه الله سبحانه وتعالى.
قصة الفضل بن الموفق
يتحدث الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب له اسمه الروح عن التساؤل هل الميت يشعر بالحي حين يزوره.
يحكي قصة الفضل بن الموفق الذي كان يزور قبر أبيه ويجلس عنده، وفي إحدى المرات كانت هناك جنازة في المقبرة.
فحضر الجنازة لكنه مشى ولم يجلس كما كان يفعل قبلاً عند قبر أبيه، ثم غلبه النوم فرأى في المنام أباه.
فسأله: لم لم تأت؟ فقال له: يا أبتي إنك لتعلم بي إذا جئتك؟ قال: إي بني أي والله، لا أزال أطلع عليك حتى تخرج وتأتي فتجلس عندي ثم تعود إلى بيتك مرة أخرى.
أمر الله والرسول بمخاطبة الميت
لولا أن الميت له إدراك ومعرفة لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلام على الأموات.
فما الفائدة بأن تسلم على الأموات إذا كانوا لا يشعرون بهذا السلام؟ أو بأن تخاطبهم بقولك السلام عليكم أهل الديار؟
لماذا تخاطبهم إلا إذا كانوا يشعرون ويدركون أن هناك إنسان حي يخاطبهم ويتكلم إليهم؟
لذلك يقول ابن القيم رحمه الله: وما أجرى الله سنته ولا عادته بأن أمة طبقت مشارق الأرض ومغاربها تخاطب الميت ويكون خطابها للميت بمنزلة خطاب الجمادات؟
أي هل هذه الأمة التي هي أكمل الأمم عقولاً وأوفرها علماً والتي جاءها الوحي يكون دينها يأمرها بمخاطبة الأموات والسلام عليهم والميت كالجماد لايرى ولا يشعر بأي شيء؟
ويتابع ابن القيم: وهذا وإن استحسنه واحد أو إن استحسنه البعض فالعامة أو الأكثر على استهجانه واستقباحه.
علاقة الروح مع الجسد
عندما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هل يسمع الميت الحي؟ قال: نعم يسمع الميت الحي.
ولكنه قال أن في بعض الأحوال كما أن الحي قد تعرض له عوارض فتجعله لا يسمع الحي الآخر.
فيمكن من يكون أمامك سارحاً في أمر آخر وآذانه تسمعك، لأننا نشعر بأرواحنا بقوة عاقلة فينا ليست هي الجسد الطيني.
بدليل أنك يمكنك أن تحدث إنساناً دون أن يكون منصتاً أبداً رغم أن عقله سليم وحواسه سليمة وإدراكاته سليمة.
لكن روحه في اللحظة التي حدثته فيها لم تكن مركزة معك، وعندها فإن حاسة السمع أو الإدراك السمعي ولا يعمل.
فمن يقول أن الإنسان ما هو إلا جسد مادي وليس هناك روح والروح خرافة. الذي يقول كذلك هو صاحب الخرافات.
إنما الحق أن الإنسان لديه طاقة يدرك بها ويشعر بها، وهذه الطاقة إذا خرجت من جسده أصبح ليس له لزوم.
ويبدأ بالتعفن والتحلل وما شابه.
يقول الإمام ابن القيم كما الحي أحياناً قد تعرض له عوارض لا يسمع بها الحي، كذلك الميت الذي في قبره أحياناً قد لا يسمعك بمشيئة الله.
وابن تيمية وابن كثير والقرطبي والحافظ بن أبي الدنيا في كتابه القبور وكثير من أئمة السلف والخلف ذكروا هذا الأمر.
الأموات يشعرون بزيارة الأحياء لقبورهم
ما أريد قوله أن الميت عندما يموت يشعر بالأحياء، وعندما تزور ميتاً في قبره يشعر بك ويشعر بزيارتك.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف رضوان الله عليهم ذكروا هذه الأمور.
ألم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع الميت في قبره وإنه ليسمع قرع نعالهم؟ إذن الميت يعرف ويسمع أنهم يسيرون ويتركونه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يمر على قبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام.
إذن هذا موجود.
الأموات يشعرون بأحوال الأحياء
هل أهلنا من الأموات يعلمون أحوالنا أو يستشعرون بأحوالنا؟ نعم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعمالكم تعرض على عشائركم وأقاربكم من الأموات فإن رأوا خيراً حمدوا الله واستبشروا وقالوا اللهم هذا فضلك ونعمتك فأتمم فضلك ونعمتك. وإن رأوا شراً يقولون اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا.
إذن نفهم من هذا الحديث أن اموات يعلمون بأحوال الأحياء ويعرض عليهم عمل الأحياء ويدعون الله عز وجل للأحياء.
بقول: اللهم هذا فضلك ونعمتك فأتمم فضلك ونعمتك عليهم. وقول: اللهم إهدهم ولا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا.
إن الإدراكات بعد الوفاة ليست كالإدراكات الدنيوية، فالروح في الدنيا تعمل لكن محجوبة بالجسد، وعندما يموت الجسد تصبح المسألة مختلفة.
فالميت بينما يغسلوه ويكفنوه ويلحدوه تخرج الروح إلى السماء وتسجل في عليين إن كان صالحاً بإذن الله ثم تعود للأرض.
قال عمرو بن دينار: أن الميت حين يموت إنه ليرى أهله ويرى أحوالهم وإنهم ليغسلونه ويكفنونه وإنه لينظر إليهم.
فالروح هي التي ترى، كشف الله عنها الحجب وكشف عنها الأستار فرأت وابصرت الحقائق، وهذا ما يحدث عندما يموت الإنسان.
وكل ما كان يقيّد الجسد المادي ينتهي ويزول.
خاتمة
نخرج من هذا الحديث بأن:
- الميت يدرك ويسمع الحي.
- الحي قد يرى الميت في المنام.
- الحي ينتفع بدعاء الميت له.
وهناك حديث له في سنده مقال وتكلم فيه بعض الناس لكن جوّد إسناده جماعة من الحفّاظ كالحافظ العراقي رحمه الله أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
حياتي خير لكم تحدثون ويُحدث لكم، وما يأتي خير لكم فإذا متُ عُرضت علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت الله لكم.
فلا تقصّر في زيارة أبيك وأمك، ولا تظن أنك عندما تزور القبر أن لا أحد يشعر، بل يشعرون ويأنسون بزيارتك.
وأوجه هذه الرسالة لكل من يقرأ هذه الكلمات، زوروا أقربائكم الأموات، صِلوهم فإنهم يفتقدونكم ويفتقدون زيارتكم لهم ويفتقدون جلوسكم عندهم.
زوروهم مع أولادكم ليظل هناك تواصل، ولكي يكتب الله الأنس لهؤلاء بكم ويكون ذلك ثواباً لكم عند الله عز وجل.
أرجو أن تكون الرسالة وصلت إليكم وأننا نكثر من زيارة الأموات.
فالنبي عليه الصلاة والسلام لما جمع أهل القليب في يوم بدر وأخذ يناديهم يا فلان بن فلان بأسمائهم هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟
فقال له عمر رضي الله عنه: يا رسول الله أنت تكلم جيفاً، فقال له: والله ما أنت بأسمع لي منهم.
المصادر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com